وقفات مع الواقع فيما ورد في السيرة من وقائع


مجلة الفرقان

بين أيدينا اليوم كتاب يحمل فكرة جديدة، وطريقة متميزة لاستنباط مجموعة من الفوائد والوقفات التي تناسب الواقع، من خلال ما ورد في السيرة النبوية من وقائع، إنه كتاب رحلة السيرة (وقفات مع الواقع فيما ورد في السيرة من وقائع) لمؤلفه الشيخ رجب أبو بسيسة، وليس الهدف من الكتاب سرد الأحداث ومعرفة القصص والحكايات فقط، ولكن الهدف -كما ذكر المؤلف- أن نذهب إلى عصر النبوة؛ فنأخذ بمجامع فقه التعامل مع الواقع كما واجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنهجه الرشيد وثباته السديد.

فكرة الكتاب

انطلقت فكرة الكتاب من كون سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ولا زالت رحلة بناء للفرد والمجتمع والأمة، ورحلة عطاء وتضحية وتحمل للمسؤولية وإنجازات متتالية لم تتوقف يومًا، ورحلة انتصار لإرادة أصحاب أعظم قضية عبر التاريخ، قضية العبودية بمفهومها الشامل؛ لإخراج البشرية من ظلمات الشرك والشر إلى نور الإيمان والتوحيد والرسالة، رحلة لسان حالها يقول: إن صاحب القضية والغاية السامية إذا كان يتمتع بإرادة يستطيع أن يصل لهدفه رغم قلة الإمكانيات، وكثرة العقبات والتحديات؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم بروح التحدي والإرادة- استطاع في فترة وجيزة من عمر الدنيا أن يؤسس حضارة الإسلام التي ضربت بجذورها في أعماق التاريخ، وها نحن أولاء اليوم بعد أكثر من 1400سنة نتحدث عن فعله - صلى الله عليه وسلم .

أهمية دراسة السيرة

ووضح المؤلف أهمية دراسة السيرة؛ حيث قال: «ما أحوجنا في هذه الفترة العصيبة من عمر الأمة أن نقف مع السيرة النبوية لاستلهام الدروس والعبر! حتى ننقل السيرة من السطور إلى الصدور، ومن الصدور إلى الواقع لنعبر بها إلى المستقبل؛ فالسيرة عبارة عن تطبيقات وتفعيل لنصوص الوحي في دنيا الناس وكيفية اختصار التنظير إلى واقع ملموس؛ فالسيرة خميرة المستقبل، ودراستنا للسيرة لا لنغوص في أحداثها ونهرب من الواقع، وإنما لنستخرج الفوائد لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية؛ لأن الصراع بين الحق والباطل قديم وقائم إلى قيام الساعة، وحينما نقرأ السيرة نعرف معنى (صناعة الأمل) رغم كثرة العقبات والتحديات.

فصول الكتاب

وجاء الكتاب في أربعين فصلاً، تناول من خلالها المؤلف رحلة السيرة من ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وفاته؛ حيث تناول المرحلة المكية في اثنى عشر فصلاً، بدأت بنسب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عرض لبعض الوقفات التربوية المستنبطة من سمات شخصيات أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم عرض أحداث أربعة عقود قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بداية من الميلاد والرضاع في بني سعد مرورًا بوفاة الجد وكفالة العم ورعي الغنم وحرب الفجار، وانتهاء بالزواج من خديجة وبداية إرهاصات البعثة ثم الحديث عن بدء الدعوة وما تبعه من أحداث، بداية من خطة قريش التصعيدية لمواجهة المسلمين والدعوة والهجرة للحبشة، ومساومات ومغريات قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - مرورًا بالحصار في الشعب والمقاطعة وانتهاء بوفاة الجد ورحيل شريكة الهم؛ مما دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - لرحلة الطائف التي لم يتحقق فيها المطلوب؛ فجاءت رحلة الإسراء والمعراج من باب التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا التوقيت.

بيعة العقبة الأولى والثانية

ثم عرض المؤلف مرحلة جديدة في المرحلة المكية، وهي التي تم فيها بيعة العقبة الأولى ثم الثانية، وتبعها الإذن بهجرة الصحابة إلى المدينة، ومن بعدها هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صاحبه الصديق - رضي الله عنه .

وقفات مع المرحلة المكية

وفي طيات الكتاب في المرحلة المكية تناول المؤلف العديد من الوقفات من خلال أحداث هذه المرحلة، ولعل من أبرزها مواصفات راعي الغنم وأهمية توفرها في الداعية إلى الله، ودار الأرقم والمنهجية التربوية التي اتبعها النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربية أصحابه داخلها وأنواع البيعة العامة والخاصة وحكم كل منها، وكذلك توضيح منهج التغيير وكيف تبدأ الدعوات وتُبنى؟ وغيرها من القضايا المنهجية والوقفات التربوية.

المرحلة المدنية

ثم انتقل بنا المؤلف إلى المرحلة المدنية بداية من رحلة الهجرة وإلى ما قبل فتح مكة، وجاءت هذه المرحلة في عشرين فصلاً من أصل الكتاب، تناول فيها المؤلف أبرز الغزوات، مثل غزوة بدر وأحد والأحزاب وبني المصطلق وخيبر ومؤتة وغزوة الغابة وبروز نجم سلمة بن الأكوع فيها، كما تناول صلح الحديبية وعمرة القضية وكذلك المراسلات التي تمت بعد صلح الحديبية التي انتقلت بالدعوة نحو عالمية الإسلام.

القضايا المنهجية التي تناولها المؤلف

ومن أبرز القضايا المنهجية التي تناولها المؤلف بالتحليل والعرض في هذه المرحلة مراحل تشريع الجهاد، وهل هي منسوخة أم لا؟ ووثيقة المدينة وأنواع العقود التي وردت فيها، وكذلك حكم الأسرى في الشريعة الإسلامية، كما وضح أن ما حدث في غزوة أحد هو في حقيقته انتصار للمنهج، وأن ما حدث في الحديبية هو تطبيق عملي لقاعدة المصالح والمفاسد وغيرها من القضايا المنثورة في طيات الأحداث داخل الكتاب.

القسم الأخير من الكتاب

ثم كان القسم الأخير من الكتاب والمكون من ثمانية فصول وهو من فتح مكة إلى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث تناول المؤلف تغير وضع الجزيرة العربية بعد فتح مكة وكثرة الوفود التي جاءت للنبي - صلى الله عليه وسلم - من سائر أرجاء الجزيرة، كما تحدث عن باقي غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وختم الكتاب بحجة الوداع ووفاة النبي - صلى الله عليه وسلم .

وقفات تربوية


وعرض المؤلف العديد من الوقفات التربوية في هذه المرحلة، مثل: اكتشافات الطاقات وتوظيفها كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي محظورة، وكذلك التعامل المناسب مع أخطاء المتربين كما حدث في موقف حاطب بن أبي بلتعة، وأيضاً الفوائد المستنبطة من عام الوفود كوفد تجيب وبني حنيفة وغيرهما.

خاتمة الكتاب

ثم ختم المؤلف الكتاب بخاتمة قصيرة وضح فيها أهمية إيجاد جيل يتربى على أحداث السيرة ليعيد مجد هذه الأمة من جديد؛ حيث قال: « وكم نحتاج إلى جيل يعيد إلى الإسلام سيرته!

إني تذكرت والذكرى مؤرقة

مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه

وأكد المؤلف في نهاية كتابه أنه لابد أن نجعل رحلة السيرة انطلاقة للتغيير والإصلاح، فمن يفقد الأمل لا يجني إلا على نفسه.. ولنا أمل «