المقطع السادس:
{ يا بني إسرائيل ... (47)}، حتى قوله تعالى: { ... ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61)}.
وعنوان هذا المقطع: (( شكر النعم أول سبب لتحصيل التقوى، وكفر النعم أول سبب لقسوة القلوب )).
في هذا المقطع يعدد الله لبني إسرائيل عددا من النعم فقال: { ... نعمتي، ... فضلتكم على العالمين، ... نجيناكم من آل فرعون، ... فرقنا بكم البحر، ... فأنجيناكم، ... وأغرقنا آل فرعون، ... ثم عفونا عنكم، ... آتينا موسى الكتاب والفرقان، ... فتاب عليكم، ... ثم بعثناكم من بعد موتكم، ... وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى، ... من طيبات ما رزقناكم، ... كلوا منها حيث شئتم رغدا، ... نغفر لكم خطاياكم، ... سنزيد المحسنين، ... كلوا واشربوا من رزق الله، ... لكم ما سألتم ... }.
وأمرهم لشكر هذه النعم بأوامر، فقال تعالى: { ... اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، ... اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا، ... لعلكم تشكرون، ... لعلكم تهتدون، ... توبوا إلى بائكم، ... لعلكم تشكرون، ... قولوا حطة، ... ولا تعثوا في الأرض مفسدين ... }.
فبدلوا نعم الله إلى الكفر بدلا من الشكر، فقال: { ... ثم اتخذتم العجل من بعده، ... وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، ... كانوا أنفسهم يظلمون، ... فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، ... كانوا يفسقون، ... وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد، ... أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ... كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، ... ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون... }.
فكتب الله عليهم بهذه المعاصي وبهذا العدوان والظلم والكفر كتب عليهم الإصر والخزي، فقال سبحانه: أنه لن يقبل منهم الشفاعة ولا يؤخذ منهم عدل ولا ينصرون، وأنهم في الدنيا أخذتهم الصاعقة، وقال: { ... فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء، ... ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله ... }.
فشكر النعم أول درجة من درجات تحصيل التقوى، وهو أمر فطر الله عليه عباده، وأمر به في جميع الشرائع، فهو علم فطري وعلم شرعي، ويلهم الله من يشاء إلى شكره، فكان حق على الله لمن شكر نعمه أن يرتقى في درجات التقوى.
وهذا المقطع تمهيد للمقطع الرئيس والذي هو محور السورة والذي ينتهي بالآية { ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد... (74)}.