تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: على ضفافِ النفسِ (2)

  1. #1

    افتراضي على ضفافِ النفسِ (2)

    - - - نشعر بالحاجة إلى ما يمكن تسميته (إعادة التوازن الذاتي النفسي) عندما نحِسُ باختلالٍ في علاقاتنا الاجتماعية ؛ لأن هذا الاختلال الاجتماعي هو الذي يكشفُ اختلالاً آخر هو اختلال في ذواتنا وأنفسنا , وبعبارة أخرى : إن التوتر في العلاقات الاجتماعية يدلُ على توترٍ في الحالة النفسية , إن الإنسان بحرٌ من العجائب والغرائب . وعليك أن تتذكر -وما أكثر نسيانك- أننا كائناتٌ كغيرنا من خلق الله تعالى يجري علينا نفس النظام الذي يقوم على الترابط السببي والاطراد العِلّي وإن كان -في الجوانب النفسية- قد يبدو بصورة أكثر تعقيداً وتركيباً وغموضاً , فعندما يَبدرُ من شخصٍ (عليلٍ) أقوالٌ وتصرفاتٌ تجافي الذوق العام , وتخالف الآداب المتبعة -أو هكذا يبدو للناس- فإنهم يتوجسون منه وقد يُبدون احتجاجاتٍ غير منطوقة من نحو هجرٍ أو ازدراء أو إهمال وسيشكّلُ هذا الردُ ضغطاً قوياً عليه , وغالباً أنه لن يسكت بل سيردُ عليهم بمزيدٍ من الشطط في القولِ والفعلِ , وهذا بدوره سيوسع الفجوةَ بينه وبين مجتمعه , وسيلقى منهم مزيداً مما يكره , وهذه الحالة هي ما سميتُها بـ(الاختلال في علاقاتنا الاجتماعية) وهي كالمرآة التي نرى فيها أنفسنا لذا كان من الخطأ أن نكسّرَ المرآةَ إن أظهرت لنا قبح وجوهنا , وكان الواجب علينا أن نعودَ إلى أنفسنا بشجاعة ونزيلَ عيوبها ونعالج أدوائها , ولكن –قف هنا- هل هذا يعني أن محيطنا دائماً يصدق في عكس صورة نفوسنا؟ وهل إحساسنا بنُفرة الناس منا وإهمالهم لنا حقيقي ؛ أم أنه مجرد انطباع كاذب ووهم غشاش؟ الحقيقة أن هذا أمرٌ يحتاج مزيداً من التأمل ...


    - - - من الناس من يستسهل تفسير سلوك الآخرين فتراه يتعجل في ذلك ممارساً ما يسميه بعضُ النفسانيين (الإسقاط) ونختزله شعبياً بهذا المثل (كلٍ يرى الناس بعين طبعه) , والمقصود أن الإنسانَ يعتمدُ في تفسيره سلوك غيره على خبرته الخاصة وهي كما نعلم تضيق أو تتسع حسب صاحبها خبرةً وذكاءً وعلماً , وسأقصُ عليك مثلاً طريفاً يوضح المرادَ قائلاً : هبْ أن رجلاً بيده مصباحٌ ضعيفُ الضوء دَخَلَ مخزناً كبيراً مظلماً يبحثُ عن شئ فكان لا يرى إلا ما قربتْ منه شعلةُ المصباح ؛ وصار ما سواه مظلماً مجهولاً بالنسبة إليه لأنه غير مرئي ؛ فصادف أنْ كانَ أول مروره -بمصباحه الأعشى- على صفوفٍ متراصةٍ متراكبةٍ من الطاولات تحقّقَ ذلك بعد أن أدنى المصباح منها , ثم رمى ببصره إلى الجهة المقابلة من المخزن المظلم فرأى صفوفاً أخرى لفها الظلام فجزم -بحسب خبرته الوليدة- أنها كالتي كشفَ سترها الأعشى قُبيلَ لحظة ؛ ثم نظر جهةً أخرى فرأى سواداً فقال -في نفسه- : ما أكثر الطاولات !!! , ثم مضى برفقةِ أعشاه الأبكم لا يرى سواداً بعيداً إلا تَمتمَ بذكر الطاولات ... وفجأةً أُشعلت أضواء المخزن , وسطعت أنواره مبددةً الظلام , واستحالَ ليله نهاراً فإذا بطاولاتِ الظلامِ : ثلاجات , وغسالات , وكراسي , وكل شئ إلا الطاولات ... فهل فهمت؟
    هل عرفتَ أن الأعشى هو الخبرة الضئيلة التي تخدع صاحبها دائماً وتريه كلَ مجهولٍ طاولةً , وكيف سطعت التجارب الواسعة , والحكمة البالغة ؛ لتكشف حقيقة الحال وتفضحَ جهلَ الأعشى الدَعي المحتال .
    تنبيه : الأعشى في اللغة هو ضعيف البصر واستعير هنا لضعف ضوء المصباح .


    - - - لعل الشعور الوهمي بأن الذاتَ مهددةٌ تهديداً مدمراً هو السبب الوحيد الذي يُفسرُ تلك الغضبة المتشنجة التي تنتابُ صاحبَها فتجعله يستقبلُ المازحَ البرئ بشتائم لا تبقي ولا تذر ؛ فهل يلام من طاردَ المقتحمين عن قلعةِ نفسهِ العزيزة؟ لكنّ الخللَ دخل عليه من تقدير حجم هذا الاقتحام الموهوم ؛ فليس من المعقول استنفار كلِ قوى القلعة لطرد فأرٍ صغير مرّ -صدفةًً- بجوار أسوارها المنيعة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    مصر - محافظة الشرقية - مدينة الإبراهيمية
    المشاركات
    1,463

    افتراضي رد: على ضفافِ النفسِ (2)

    أكمل بارك الله فيكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •