أصول دعوة الحق وركائزها




الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ



قال الله -تعالى-: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} (الرعد ١٤)، قال أبو جعفر: يقول -تعالى- ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق، و«الدعوة» هي «الحق» كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: (ولَدَارُ الآخِرَةِ) (سورة يوسف: ١٠٩)، وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله، وهذه الدعوة تقوم على أصول وركائز نذكرها في هذا المقال.

الأول: دعوة الحق هي العبادة المحضة

فهي الانقطاع إلى الله -تعالى-، لهذا فقد فسر السلف دعوة الحق بالتوحيد، في قوله -تعالى-: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (الرعد - 140)، فدعوة الحق يراد بها الاستقامة على التوحيد ومتابعة السنة، والقيام على الدين هجرةً ونصرةً، وعلماً وعملاً، وظاهراً وباطناً.

الثاني: معرفة الحق ومحبته

هذه الدعوة تقوم على معرفة الحق ومحبته، وإيثاره على الباطل؛ فأركانها: العلم بأدلة الحق تفصيلاً، ومعرفة معانيه وترسيخها في النفس، والعلم بما يضاده من الباطل.

الثالث: الإصغاء إلى دعوة الحق والولاء لها

كما قال ابن القيم في ( مدارج السالكين 2/355): فإن الباطل واللغو خمر الأسماع والعقول، فصحوها بتجنبه والإصغاء إلى دعوة الحق، لهذا فإن الفساد الظاهر يقع من اتباع الأهواء والظنون والإعراض عن دعوة الحق: قال -تعالى-: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون:71).

الرابع: تعامل أهل الباطل مع دعوة الحق

من سمات تعامل أهل الباطل مع دعوة الحق ما يلي:

- تلقيب الحق المنزل وأصحابه بالألقاب الشنيعة المنفرة.

- الإعراض عن القرآن والسنة جملةً وتفصيلا، ومعارضتهما بآراء الرجال.

الخامس: وسطية أهل الحق

وذلك في الأقوال والأعمال والسياسات والأحكام، وقيام دعوتهم على التوسط الشرعي في حفظ الحقوق على الرغم من تنوعها وتعدد جهاتها.

السادس: مطالب الرسالة

مطالب دعوة الحق ورسالتها من أولها إلى آخرها في الاعتقادات والأعمال والسياسات تقوم على:

- معرفة الله رباً ومعبوداً، وبأسمائه وصفاته.

- التعريف بالطريق الموصل إليه.

- التعريف بالوعد والوعيد.

السابع: ضرورة التعبير عن الحق بالوجه الشرعي

دعوة الحق لابد في تبليغها والتعبير عنها بالوسائل الشرعية ومن ذلك ما يلي:

- مراعاة الألفاظ والمعاني بحسب الإمكان.

- العلم بطريقة السلف في باب الوسائل والمقاصد.

- العلم بطريقة السلف في دفع الباطل وأهله.

الثامن: الشرع الهادي

الشرع الهادي دليل على الحق الموجب للاتفاق عليه وعدم الافتراق.

التاسع: الحق عند أهل الباطل

بمنزلة الصائل يدفع بكل شيء

قال العلامة ابن سعدي في تفسيره: «وإنما المقصود من أهل الباطل، دفع الحق ويرون أن الحق بمنزلة الصائل، فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام المصيب عندهم، والمخطئ».

العاشر العبد على الحقيقة

من يتبع الحق فيما يحب ويكره، فهو عبد على الحقيقة، قال -تعالى-: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أولئك هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)} (النور: 48 -50).

الحادي عشر: معارضة الباطل للحق

مما يزيد الحق وضوحًا بيّنًا معارضة الباطل له ومحاولة صده عن الوصول إلى أهدافه وغاياته.

الثاني عشر: موانع تصور الحق

الشرك والشبه والشهوات مانعة من تصور الحق تصورًا واضحًا وجليا وبذلك تمنع العمل والأخذ به.

الثالث عشر: الاعتبار بالحق

المسلم يدور مع الحق حيث دار، فعلى العبد أن يزن الناس بالحق، ولا يزن الحق بالناس، الحق ما وافق الدليل من غير التفات إلى كثرة المقبلين، أو قلة المعرضين، فالحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، ومجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين لا يدل على صحة قول أو فساده، بل كل قول يحتج له خلا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يحتج به.

الرابع عشر: المنتسبون إلى الحق


ليس كل من ينتسب إلى الحق يكون ربانيّا في حمله والدعوة إليه، يقول ابن القيم في زاد المعاد ( ٣/١٠ ): السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيّا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه.

الخامس عشر: الاستبصار بالقواعد القرآنية

يحسُن بالأمة عموما، وبالدعاة خصوصا أن يستبصروا القواعد القرآنية السنية العلمية القائمة على الحكمة في إصلاح الواقع، فدعوة الحق بناء منهجي، وطريق رباني، وثبات إيماني، وسلوك تربوي، ويقين علمي.