الصبر خلق من أبرز الأخلاق في حياة الدعاة

الصبر خلق من أبرز الأخلاق في حياة الدعاة، فالصبر يعين الداعي على تبليغ تعاليم الإسلام والدعوة إلى تطبيقه، وتحمل الإيذاء في سبيل ذلك.

والداعية يحتاج إلى الصبر في كل مراحل دعوته، فهو يحتاجه للحصول على العلم الشرعي اللازم للدعوة، ومحتاج للصبر في التعامل مع المدعوين، ومحتاج إلى الصبر الجميل لمواجهة العقبات التي تعترض طريق دعوته، قال -تعالى-: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْر - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

وللصبر في مجال الدعوة وفي حياة الدعاة لوازم كثيرة، بتحقيقها يتحقق الصبر على أكمل وجوهه، ومن ذلك تحمل عنت المدعوين وكيدهم وصدودهم، فكيد المناوئين ملازم لكل دعوة إصلاح، قال -تعالى- على لسان لقمان الحكيم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} (لقمان). ولو أن الدعاة لم يتحملوا ما يصيبهم من أذى في سبيل الله لم يستمروا في أداء واجبهم، فمقتضى الصبر: التحمل والثبات والاستمرار.

ومن لوازم الصبر ترك العجلة في الوصول إلى ثمار الدعوة، وترك استعجال الاستجابة: فمن الثوابت الراسخة في الدعوة إلى الله -تعالى-، ومما ينبغي أن يعيه الدعاة: الاهتمام والانشغال بجانب التبليغ، وإيصال الحق للمدعو، وإقامة الحجة، وإيضاح الدليل والبرهان، لا أن يشغلوا أنفسهم بغير ذلك؛ لأن الهداية بيد الله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)} (يونس).

ومن لوازم الصبر الاستمرار في الدعوة والمداومة عليها دون كلل ولا ملل ولا تذمر ولا تبرم، فلابد أن يكون الداعية أبعد الناس عن اليأس والإحباط، والدعاة وهم يرون الحق في قوته وظهوره وعلوه يستمدون من الله يقينًا فوق يقينهم، فإذا هم ماضون في الدعوة بعزيمة نافذة، وكما قالت الرسل، وقد نالت منهم طوائف المكذبين الجاحدين فقالوا: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُو نَ (12)} (إبراهيم).

ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينال منه عتاة المشركين، ومع ذلك يمضي في دعوته قدمًا مثابرًا محتسبًا صابرًا، قَالَ عَبدُ اللَّهِ: «كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَحكِي نَبِيًّا مِن الأَنبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لَا يَعلَمُونَ» رواه البخاري ومسلم.

ولا شك أن للصبر أثره الحميد في نجاح الداعي وتحقق غايته، قال -عز وجل-: {وَإِنْ تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران:120)، وقال -تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران:186)، وأخبر الله عن يوسف -عليه الصلاة والسلام- كيف نال النصر والتمكين؟ فقال لإخوته حينما سألوه: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:90).

وفي هذا منهاج للدعاة والسائرين في طريق الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وفيه بيان لما ينبغي أن يكون عليه الداعي إلى الله في مضي العزيمة والحلم والاعتزاز بالحق والثبات عليه، وفي هذا يكمن السر الذي تثمر به الدعوة.
منقول