علاقة الأب بأبنائه في سورة يوسف


هاني مراد


إلى جانب يوسف عليه السلام، يبرز بطل آخر في القصة! إنه يعقوب النبي المعلم الملهم لأبنائه؛ حيث تتجلى العلاقة الوثيقة - على تباين مستوياتها – بينه وبينهم! كما تتردد أصداء وتداعيات وتفاعلات هذه العلاقة في قلب القارئ قبل أذنيه.
تبدأ العلاقة بذلك الود الذي يصل بالابن إلى أن يقص "رؤيا" على أبيه! كما يظهر مدى القرب والتلطف بينهما في نداء يوسف لأبيه "يا أبت" وفي رد يعقوب "يا بُني...".
ثم هو يخشى على يوسف من حسد إخوته، مثلما يخشى على إخوته من أنفسهم، حيث يعلل طلبه عدم قص الرؤيا بأن " {الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ".
ويظهر صبر يعقوب على بنيه في أشد المصائب التي يمكن أن تواجه أبا يرى الدم على قميص ابنه، فلا يزيد على قوله: " {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ".
وعندما طلب منه بنوه إرسال أخيهم معهم لكي يكتالوا، قال لهم: "... {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ". وفي ذلك درس يقين لم يستوعبه الأبناء في ذلك الوقت، فمع أخذ ابنه الثاني، لم يضعف يقينه في حفظ الله لأبنائه وأنه تعالى أرحم الراحمين.
كما طلب الأب من بنيه " {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} "، وفي ذلك الميثاق ما يعينهم على مقاومة حسدهم ونوازع أنفسهم! ولم يكتف بذلك، بل أشهد الله عليهم، فهو عَلَى "مَا نَقُولُ وَكِيلٌ".
ومع ما فعلوه، وما أضمروه، كان يخشى عليهم الحسد: " {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} ...". كما يعلمهم درسا في التوكل على الله والإيمان بقضائه: "... {ومَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُو نَ} ".
ويكرر عليهم درس اليقين، لكنه درس أقسى من سابقه، وهو في حال أشد من سابقتها، ومع ذلك، فلم يزد على أن يتحول عنهم: " {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} ".
بل عندما اتهموه بأنه على وشك الموت وفقدان عقله، قال لهم: " {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) } يَا بَنِي..." وفي هذا من الصبر والود والبر ما سوف يتعلمونه منه ولو بعد حين.
ودرس مباشر آخر في اليقين: " {ولا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} ".
ويتكرر درس الصبر واليقين، ويضاف إليه درس العلم بالله في قول يعقوب: " {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} "، وفي قوله: " {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} "

وتسدل السورة أستارها باستغفار يعقوب لبنيه، وسرد العبر والدروس، ومنها صلة الرحم والصبر على ذوي الرحم مهما بلغت أفعالهم.