تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    أبو محمد علي بن أحد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي رحمه الله ، صاحب التصانيف .
    لا يشك من له أدنى دراية بالعلم وأهله في فرط ذكائه وحدة خاطرة وتعظيمه للسنة والأثر ، لكن الكمال عزيز ، وما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك .
    قال رحمه الله مبينا سلوكه مسلك السلف في الجملة ونبذه لأهل البدع :
    " وإنما نعني بقولنا العلماء من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلماء الأمصار وأئمة أهل الحديث ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين ، ولسنا نعني أبا الهذيل ولا ابن الأصم ولا بشر بن المعتمر ولا إبراهيم بن سيار ولا جعفر بن حرب ولا جعفر بن مبشر ولا ثمامة ولا أبا غفار ولا الرقاشي ولا الأزارقة والصفرية ولا جهال الأباضية ولا أهل الرفض ؛ فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من سقيمها ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود ، بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات ولكل قوم علمهم " انتهى .
    "مراتب الإجماع" (ص 12-15)
    وعلى الرغم من تعظيم الإمام ابن حزم للسنة وأهلها ، وتبحره في الحديث وعلومه ، وسعة حفظه ، وعظيم معارفه ،
    قد وقعت له أمور من المخالفات للسنة وأهلها ، في مسائل معروفة من الأصول والفروع .
    قال الذهبي رحمه الله في ترجمته من "السير" (18/186-187) :
    " نشأ في تنعم ورفاهية ، ورزق ذكاء مفرطا ، وذهنا سيالا ، وكتبا نفيسة كثيرة ، وكان والده من كبراء أهل قرطبة ، عمل الوزارة في الدولة العامرية ، وكذلك وزر أبو محمد في شبيبته ، وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر ، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة ، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ، ويقدمه على العلوم ، فتألمت له ، فإنه رأس في علوم الاسلام ، متبحر في النقل ، عديم النظير ؛ على يُبْس فيه ، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول .
    قيل : إنه تفقه أولا للشافعي ، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه ، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث ، والقول بالبراءة الأصلية ، واستصحاب الحال ، وصنف في ذلك كتبا كثيرة ، وناظر عليه ، وبسط لسانه وقلمه ، ولم يتأدب مع الائمة في الخطاب ، بل فجَّج العبارة ، وسب وجدَّع ، فكان جزاؤه من جنس فعله ، بحيث إنه أعرض
    عن تصانيفه جماعة من الائمة ، وهجروها ، ونفروا منها ، وأحرقت في وقت ، واعتنى بها آخرون من العلماء ، وفتشوها انتقادا واستفادة ، وأخذا ومؤاخذة ، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين ، فتارة يطربون ، ومرة يعجبون ، ومن تفرده يهزؤون .
    وفي الجملة فالكمال عزيز ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وكان ينهض بعلوم جمة ، ويجيد النقل ، ويحسن النظم والنثر .
    وفيه دين وخير ، ومقاصده جميلة ، ومصنفاته مفيدة ، وقد زهد في الرئاسة ، ولزم منزله مكبا على العلم ، فلا نغلو فيه ، ولا نجفو عنه ، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار " انتهى .
    وترجم له في "السير" (18/184-212) ترجمة وافية .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " وَإِنْ كَانَ " أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ " فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ ، لَكِنْ قَدْ خَالَطَ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَ ةِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مَا صَرَفَهُ عَنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَوَافَقَ هَؤُلَاءِ فِي اللَّفْظِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْمَعْنَى . وَبِمِثْلِ هَذَا صَارَ يَذُمُّهُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّم ِين وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِاتِّبَاعِهِ لِظَاهِرِ لَا بَاطِنَ لَهُ . كَمَا نَفَى الْمَعَانِيَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِاشْتِقَاقِ ، وَكَمَا نَفَى خَرْقَ الْعَادَاتِ وَنَحْوَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ . مَضْمُومًا إلَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْوَقِيعَةِ فِي الْأَكَابِرِ وَالْإِسْرَافِ فِي نَفْيِ الْمَعَانِي ، وَدَعْوَى مُتَابَعَةِ الظَّوَاهِرِ . وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ ؛ وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَقْوَالِ ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ ، وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ، وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ : مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ .
    فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ ، يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ . وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ " انتهى .
    "مجموع الفتاوى" (4 /19-20)
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا :
    " وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم ، مع أنه لا يثبت علما هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة والحديث في الصفات .
    ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك " انتهى .
    "درء تعارض العقل والنقل" (3 /24)
    وقال شيخ الإسلام أيضا :
    " وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني ، وهذا يشبه قول من يقول بأنها تقال بالإشتراك اللفظي ، وأصل غلط هؤلاء شيئان : إما نفى الصفات والغلو في نفى التشبيه ، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج ، فالأول هو مأخذ الجهمية ومن وافقهم على نفى الصفات ، قالوا إذا قلنا عليم يدل على علم وقدير يدل على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات .
    وهذا مأخذ ابن حزم ؛ فإنه من نفاة الصفات مع تعظيمه للحديث والسنة والإمام أحمد ،
    ودعواه أن الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره ،
    وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء من أقوال الفلاسفة والمعتزلة عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم ، وَنَقَل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان " انتهى .
    "منهاج السنة النبوية" (2 /353)
    وقال ابن كثير رحمه الله :
    " كان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه ، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه ، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم ، فطردوه عن بلاده ، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة ، وقد جاوز التسعين .
    والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع ، لا يقول بشئ من القياس لا الجلي ولا غيره ، وهذا الذي وضعه عند العلماء ، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره وتصرفه . وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول ، وآيات الصفات وأحاديث الصفات ؛ لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق ، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي ، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان ،
    ففسد بذلك حاله في باب الصفات " انتهى .
    "البداية والنهاية" (12 /113) . وينظر : "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي (3/349).
    وقال علماء اللجنة الدائمة :
    " من العلماء المبرزين في الأصول ، والفروع ، وفي علم الكتاب والسنة ، إلا أنه خالف جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب ؛ لجموده على الظاهر ، وعدم قوله بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة ، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء والصفات أشد وأعظم " انتهى .
    "فتاوى اللجنة الدائمة" (12 /223)
    وبالجملة :
    فقد خالف رحمه الله أهل السنة في كثير من القضايا والمسائل الكبار ، في الأصول والفروع ، مما جعل كثير من أهل العلم يتنقصه ويغمزه في عقيدته – كما تقدم - .
    والحاصل :
    أن الإمام أبا محمد ابن حزم رحمه الله ، من أهل العلم الكبار ، وحفاظ الحديث ، والمعظمين للسنة وأهلها ، والطالبين لها ، الحريصين عليها وعلى اتباعه ،
    لكن وقع في قلبه أصول من أصول الفلاسفة وأهل البدعة ،
    أورثته مقالات خالف بها أهل الحديث والسنة
    في باب الأسماء والصفات خاصة ، وفي مسائل أخرى من الأصول والفروع ،
    ولذلك لا يقال عنه إنه من أهل السنة بإطلاق ، في أبواب الصفات خاصة .
    وإن كان أيضا لا يخرج من السنة وأهلها بالكلية ، ولا يعد من أهل البدع ، لتعظيمه للسنة وطريقه ، وحضها على اتباعها وترك ما خالفها
    ، وإن كان قد أخطأ بعض تفاصيلها .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    يقول الشيخ صالح ال الشيخ
    إن شيخ الإسلام رحمه الله في شرح الأصفهانية يقول:
    (إن القول الذي قرره ابن حزم مقارب لقول طائفة من الفلاسفة)، فتقرير ابن حزم في مسائل الصفات ليس حسناً، ولكن كلامه في مسائل الإيمان جيد في الجملة، إلا أن من أغلاطه أنه قرر أن التصديق لا يتفاضل، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من أعيان المتقدمين من السلف أنهم ذكروا أن التصديق يتفاضل، وهذا معلوم بالشرع والعقل، فإن التصديق لا يختص بمسائل التصديقات الكلية، بل سائر أحكام الشريعة وإن كانت تكليفاً من جهة، لكنها من جهة أخرى تكون تصديقاً. ...... [شرح الطحاوية]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " وأبو محمد – ابن حزم - مع كثرة علمه وتبحره وما يأتي به من الفوائد العظيمة :
    له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه كما يعجب مما يأتي به من الأقوال الحسنة الفائقة
    مجموع الفتاوى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    من رسالته " ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد .
    إصدار جامعة أم القرى ، ط.1406 هـ
    قال وأما صلب الموضوع :
    1- فعن وجود الله تعالى نقول :
    استدل ابن حزم على وجود الله تعالى بطريقين : الأول : إثبات حدوث العالم ، ثم دلالة ذلك على المحدث له .
    الثاني : الاستدلال بما في العالم من الآثار على وجود صانع له.
    وهو استدلال سليم موصل إلى النتيجة المطلوبة.
    2- وأما استدلاله على إثبات الوحدانية ، فهو استدلال على أنه خالق للعالم سبحانه وأنه ربه ومليكه وبيده ملكوت كل شيئ .
    ولا يدل هذا على وحدانيته وتفرده بالألوهية دون سواه . وليس هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل فيستدل على هذا بدلالة التمانع وغيرها.
    وقد دل القرآن على ذلك بأدلة تتجه إلى العقل والحس معا عن طريق النظام والعناية والتدبير الموجود في الكون حيث يستحيل وجود ذلك عن أكثر من إله.
    3- ويخالف ابن حزم الصواب حين يرى أن من توحيد الله تعالى ونفي التشبيه عنه : نفي الجسمية والعرضية والزمانية والمكانية والحركة.
    والصواب عدم النفي المطلق في مثل هذه الألفاظ المجملة فيجب الاستفصال عن المقصود بالنفي والإثبات ، فإن كان المقصود صحيحا قبل وإلا رد.
    4- ويوافق ابن حزم المعتزلة في إثبات الأسماء التي سمى الله بها نفسه ، مجردة ، فلا يشتق له منها صفات.
    والصحيح خلاف ذلك ، فيثبت له الأسماء ويشتق له منها صفات لأنها ليست أعلاما محضة.
    5- ويرجع أبومحمد ابن حزم كثيرا من الصفات إلى الذات بعد أن يثبت ألفاظها الواردة كالوجه ، واليد ، واليدين ، والعين ، والأعين ، والعز ، والعزة ، والكبرياء ، والحي والعلم والقدرة ، والسميع والبصير.
    والصحيح إثبات أن لله وجها ويدين وعينين وعزا وعزة وكبرياء وحياة وعلما وقدرة وسمعا وبصرا . فهو حي بحياة ، وعالم بعلم ، وقادر بقدرة ، وسميع وبصير بسمع وبصر ، صفات له حقيقة على ما يليق بجلاله ، وكل صفة منها تدل على معنى يخالف ما تدل عليه الأخرى ، وتعلقات تخالف تعلقاتها.
    6- ويخالف ابن حزم منهجه الأخذ بظواهر النصوص ، ويذهب إلى التأويل ، فيؤول الصورة ، والأصابع ، والساق ، والاستواء ، والنزول ، بما يخالف ظاهرها المراد .
    والصحيح إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
    7- ويوافق ابن حزم مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الماهية لله تعالى والنفس والذات ، ونفي أن يكون الجنب صفة لله تعالى على الصحيح ، ويوافقهم في إثبات رؤية الله تعالى رؤية حقيقية في أحد قوليه ، ليست معرفة ؛ لما ورد بالنص الصريح الموجب للقبول ، ولا تحصل تلك الرؤية إلا في الآخرة.
    8- ويوافقهم في إثبات كلام الله تعالى ، فيرى أن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة ، ولكن يضطرب قوله بأن الله تعالى متكلم .
    والصواب أنه تعالى متكلم حقيقة.
    9- ومما وافق فيه ابن حزم أهل السنة غالب مباحث أفعال الله تعالى ، فيثبت قضاء الله تعالى وقدره ، وخلقه تعالى لأفعال عباده وهدايته لهم وإضلالهم ، وعدم إيجاب شيئ عليه تعالى إلا ما أوجب على نفسه ، فلا يوجب عليه اللطف والأصلح ولا إرسال الرسل ولا غير ذلك ، ولا ينسب إلى الله ظلما ولا جورا ، ولا يشبه الله تعالى بخلقه فيحسن منه ما حسن منهم ويقبح منه ما قبح منهم.
    وقال إن الحسن والقبح ليسا عقليين . وهذا القول يناقض قول المعتزلة ، وليس الصواب واحدا منهما ، بل الصحيح أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة ، ولكن ترتب الثواب والعقاب عليها لا يكون إلا بأمر ونهي الشارع.
    10- وفي تعليل أفعال الله تعالى يوافق ابن حزم الأشعري وأصحابه وطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بالقول بعدم تعليل أفعال الله تعالى .
    والذي رأيناه راجحا أنه تعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها ، وقد يعلم العباد أو بعضهم الحكمة ، وقد لا يعلمونها ، ولا يدل عدم العلم بها على نفي وجودها.
    هذا وأسأل الله المولى الكريم رب العرش العظيم أن يجعل خير أعمالنا خواتمها ...).
    انتهى من : ابن حزم وموقفه من الإلهيات ص 473- 475 .. وقد وضعت أرقام الفقرات للتوضيح.
    وبهذا يتضح أن ابن حزم مخالف للسلف في جملة كبيرة من مسائل الاعتقاد ، وهو بذلك لا يقل خطأ عن الأشاعرة والمعتزلة ، بل يقول الخبير بمذهب المعتزلة والأشاعرة أعني شيخ الإسلام أبالعباس ابن تيمية رحمه الله في شرح الأصفهانية :
    ص 106 - 110
    (وبهذا يتبين أن الحي القابل للسمع والبصر والكلام إما أن يتصف بذلك وإما أن يتصف بضده وهو الصمم والبكم والخرس ومن قدر خلوه عنهما فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ...
    وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية كابن حزم أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة وقال لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا .
    ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات ، وقرمطة في السمعيات ، فإنإ نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور ، وإن العبد إذا قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور، كان قد أحسن في مناجاة ربه ، وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته ...
    ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلاما وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم ، فلا يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم ، بل قد يمتنع عن تسميته مطلقا ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه ، وإنما امتنعوا عن بعضها ، وأيضا فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى ، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه ، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى ، بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم والقادر لجاز ذلك عنده ،
    فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع إدعائهم الحديث ومذهب السلف وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار .
    ومعلوم أن الأشعري وأصحابه أقرب إلى السلف والأئمة ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير .
    وأيضا فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات وينكرون على الأشعري وأصحابه ، والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا وانتسابا.
    أما تحقيقا فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبين له ذلك وعلم هو وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة بل إلى الفلاسفة من الأشعرية ، وأن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث منهم .
    وأيضا فإن إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلكت المعتزلة .
    وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد.
    وأما الانتساب : فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصا وسائر أئمة أهل الحديث عموما ظاهر مشهور في كتبهم كلها ...
    وهذه الجمل نافعة ،
    فإن كثيرا من الناس ينتسب إلى السنة أو الحديث أو اتباع مذهب السلف أو الأئمة أو مذهب الإمام أحمد أو غيره من الأئمة أو قول الأشعري أو غيره ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم ، فمعرفة ذلك نافعة جدا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف والأئمة ، ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف والأئمة ، حتى نفوا حقيقة أسماء الله وصفاته، وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية ، بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه.) انتهى من شرح العقيدة الأصفهانية.
    وأقول : صدق شيخ الإسلام ، فمعرفة ذلك نافعة جدا . وليس الأمر بالدعاوى والشعارات !
    وقال شيخ الإسلام في درء التعارض 5/249،250
    (وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر
    قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن ، مذهب السنة والحديث في الصفات ، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك.)

    وقال في درء التعارض 7/32-34
    (فإن قيل : قلتَ إن أكثر أئمة النفاة من
    الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول وأقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ، ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك.
    قيل : هؤلاء أنواع:
    نوع ليس لهم خبرة بالعقليات ...
    والثاني : من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ، ويغلط فيها كما غلط غيره ،
    فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة ، وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما، وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم ، ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما).
    ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي عن ابن حزم ، بعد أن وصفه بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع :
    ( ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل ، كالخالق والحق ، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا ؛ كالرحيم والعليم والقدير ونحوها ، بل العلم عنده هو القدرة ، والقدرة هي العلم ، وهما عين الذات ، ولا يدل العلم على شيئ زائد على الذات المجردة أصلا ، وهذا عين السفسطة والمكابرة ، وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة ، وأمعن في ذلك ، فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة ).
    " مختصر طبقات علماء الحديث ص 401 " نقلا عن سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/187 عند الحديث رقم 91
    وقال الذهبي في السير 18/186
    (وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول).
    ونقل الذهبي عن الإمام أبي القاسم صاعد بن أحمد قوله عن ابن حزم (وعني بعلم المنطق وبرع فيه ثم أعرض عنه )
    وعلق الذهبي بقوله: ( قلت ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة).

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    كلام ابن حزم والرد عليه :
    1- قال الإمام ابن حزم في ((المحلى)) (1 / 62، طبعة دار الكتب العلمية):
    ( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر).
    2- وقال في الفصل 4 / 90، طبعة عكاظ:
    ( و قد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير، ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل، ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم
    من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام، فوجب الوقوف عند النصوص كلها المفسرة للنص المجمل)
    3- وقال في كتاب الدّرّة بعد أن ناقش المرجئة في عدم اشتراط النّطق في الإيمان : ( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حكم بالكفر على من أبى من القول ، وإن كان عالماً بصحّة الإيمان بقلبه ، وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ) الدّرّة ص337ـ338 الطّبعة الأولى ، تحقيق أحمد بن ناصر الحمد ورفيقه .
    4- وقال في الفصل ج 3 ص 255 :
    اعتراضات للمرجئية الطبقات الثلاث المذكورة
    قال أبو محمد : إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان
    قلنا وبالله تعالى التوفيق :
    إطلاق هذا القول خطأ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا ، فمن تلك المعاني
    شيء يكون الكفر ضدا له ومنها ما يكون الفسق ضدا له لا الكفر ومنها ما يكون الترك ضدا له لا الكفر ولا الفسق.
    فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان
    وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من
    الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر
    وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضدا فهو كل ما كان من الأعمال
    تطوعا فإن تركه ضد العمل به وليس فسقا ولا كفرا ).
    هذه أربعة مواضع تناول فيها ابن حزم مسألة تارك أعمال الجوارح ، استدل الزهراني ( أبو عمر الكناني ) في حواره مع الأخ العبد الكريم بالموضع الأول والثالث منها.
    واستدل العنبري - في أصل كتابه - بالموضعين الأول والأخير .( الحاكمية وأصول التكفير 1/133،134 ، 187).
    ونقل الأخ أبوجويرية المواضع الثلاثة الأول ، وذلك تحت مقالي : تحرير المقال.
    واحتج أبو الهيثم بالموضع الرابع ، كما احتج بكلام البيهقي وابن أبي العز الحنفي وقد مضى التعليق عليهما.
    واحتج الأخ أبو الحسن السليماني المأربي بكلام ابن حزم دون أن ينقل عبارته ، وقال : (ولعلك تقول إنه جهمي . مدحه ابن تيمية في باب الإيمان ) نقلا عن شريط المناظرة بينه وبين الأخ أمين جعفر.
    وقال في "شريط الفرقان في مسألة الإيمان " : "وابن حزم وإن كان في باب الصفات عنده تجهم فهو في باب الإيمان ينصر قول أهل السنة ، وقد مدحه شيخ الإسلام ابن تيمية في باب الإيمان"
    والجواب :
    أني قدمت في أول هذا المبحث أن الأقوال المخالفة لإجماع السلف لا تخرج عن واحد من أربعة أمور :
    الثالث منها : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .
    وهذا ينطبق على ما احتجوا به من كلام ابن حزم رحمه الله .
    فالمخالف يرى أن زوال عمل القلب موجب لزوال الإيمان ، وأنه لا نجاة لمن لم يأت به القلب ، كما أنه لا نجاة لمن لم يأت بالتصديق .
    وابن حزم رحمه الله يرى أن من أتى بالإقرار والتصديق ، وضيع الأعمال كلها أنه مسلم ناج ( تحت المشيئة ).
    وبيان ذلك من وجوه :
    الأول : أنه قال في المحلى : ( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر). وهذا عام في من ضيع عمل الجوارح وعمل القلب ، كما تدل عليه صيغة العموم ( الأعمال ). ومما يؤكد هذا استدلاله على هذه الجملة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " حتى إذا فرغ الله من قضائه بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله عز وجل أن يرحمه ، ممن يقول لا إله إلا الله ". ( المحلى 1/62).
    وأكد ذلك في الفصل بقوله : (ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم
    من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام).
    الثاني : أنه أكد ذلك أيضا في كتابه الدرة ، حين قال :( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ) . ثم قوله : ( وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ).
    وهذا صريح في القول بنجاة من أتى بالعلم ( المعرفة أو التصديق ) وقول اللسان ، وإن لم يعمل خيرا قط ، من أعمال القلوب أو الجوارح
    الثالث : أنه جعل الكفر في مقابل : الإقرار والاعتقاد الذي هو المعرفة كما سيأتي ، وجعل الفسق في مقابل ترك الأعمال المفروضة ، وهي شاملة لأعمال القلب وأعمال الجوارح: ( فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان.
    وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من
    الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر ).

    والمخالف يقول : إن ترك عمل القلب كفر . فوجب رد هذا الكلام ، وعدم التعويل عليه.
    والدليل على أن ابن حزم يريد ب " الاعتقاد " التصديق والمعرفة :
    قوله في الفصل 3/227 عند حكاية مذهب أهل السنة :
    (وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو
    المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح).
    ثم أعاد حكاية مذهبهم فعبر عن المعرفة بالعقد وبالتصديق :
    قال في (3/ 230)
    (قال أبو محمد : فإذا سقط كل ما موهت به هذه الطوائف كلها ولم يبق لهم حجة أصلا فلنقل بعون الله عز وجل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان
    عقد وقول وعمل وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق .
    قال أبو محمد : أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء ألبتة إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على
    العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء ، وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط.
    فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به و هو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء)
    وانظر كلامه الآتي في عدم قبول التصديق للزيادة والنقص ، فقد عبر عن التصديق بالاعتقاد ، وقال ( ولا عدد للاعتقاد ولا كمية ، وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط) وذلك بعد قوله : ( والتصديق بالشيء أي شيئ كان لا يمكن ألبتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص ... الخ) الفصل 3/232 ، 233

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    مدح شيخ الإسلام لابن حزم في مسائل الإيمان والإرجاء لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في ذلك صواب ، وإنما المقصود أنه أقوم من غيره ، كما صرح شيخ الإسلام.
    قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/18،19
    (وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث
    مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة .
    وكذلك ما ذكره في
    باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها ، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيما له ولأهله من غيره لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى،
    وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه
    لظاهر لا باطن له ، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق وكما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب مضموما إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ...).
    فهو في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره.
    ويستحمد بموافقة السنة والحديث في مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء
    و باب الصفات ، فهو في جميع هذه الأبواب يثبت الأحاديث الصحيحة ، ويعظم السلف وأئمة الحديث ، ويقول إنه موافق للإمام أحمد .
    مع أنه في باب الصفات أقل حالا من الأشعري ، بل قوله موافق لقول الفلاسفة والمعتزلة في الحقيقة والمعنى.
    وقد أجاد ابن حزم في الرد على الخوارج والمعتزلة والرد على المرجئة والجهمية والأشعرية ، لا سيما في إثبات أن الكفر يكون بالقول وبالفعل ، وإبطال حصره في الجحود والاعتقاد ، لكنه لم يسلم من موافقة المرجئة حين رأى إسلام من ترك عمل القلب !
    وهذا ليس غريبا على من يضلل الأشعرية وينتصر لأحمد ، ثم يكونون أقرب إلى أحمد وأهل السنة منه ، ومن يوافق أهل السنة في اللفظ ، ويخالفهم في المعنى .
    والحاصل أن ثناء شيخ الإسلام المذكور لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في باب الإيمان حق وصواب .
    وحتى يتضح هذا الأمر رأيت أن أذكر جملة من المسائل التي تبناها ابن حزم في باب الإيمان والرد على المرجئة ، لا يوافقه عليها شيخ الإسلام ، وأكتفي بست مسائل :
    1- زعمه أن التصديق لا يزيد ولا ينقص.
    2- خطؤه في حكاية مذهب الكرامية في الإيمان.
    3- خطؤه في حكاية مذهب الأشعري في الكفر.
    4- خطؤه على أبي حنيفة رحمه الله.
    5- زعمه أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
    6- مخالفة شيخ الإسلام له في ما ينسب إلى مقاتل بن سليمان من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
    وهاك البيان :
    1- زعم ابن حزم أن التصديق لا يزيد ولا ينقص :
    قال في الفصل 3/232 ، 233
    (قال أبو محمد
    والتصديق بالشيء أي شيء كان لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة لا يمكن ألبتة أن يكون فيه زيادة ولا نقص لأنه لا يخلو كل معتقد بقلبه أو مقر بلسانه بأي شيء أقر أو أي شيء اعتقد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أن يصدق بما اعتقد وأقر وإما أن يكذب بما اعتقد وأما منزلة بينهما وهي الشك فمن المحال أن يكون إنسان مكذبا بما يصدق به ومن المحال أن يشك أحد فيما يصدق به فلم يبق إلا أنه مصدق بما اعتقد بلا شك ولا يجوز أن يكون تصديق واحد أكثر من تصديق آخر لأن أحد التصديقين إذا دخلته داخلة فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه قد خرج عن التصديق ولا بد وحصل في الشك لأن معنى التصديق إنما هو أن يقع ويوقن بصحة وجود ما صدق به ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة فإن لم يقطع ولا أيقن بصحته فقد شك فيه فليس مصدقا به وإذا لم يكن مصدقا به فليس مؤمنا به فصح أن الزيادة التي ذكر الله عز وجل في الإيمان ليست في التصديق أصلا ولا في الإعتقاد ألبتة فهي ضرورة في غير التصديق وليس هاهنا إلا الأعمال فقط فصح يقينا أن أعمال البر إيمان بنص القرآن
    وكذلك قول الله عز وجل "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا" وقوله تعالى "الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" ... والزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواه
    ولا عدد للاعتقاد ولا كمية وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط )

    وقال في 3/237
    (قال أبو محمد : فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان بخلاف قول من قال إنه التصديق فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه وقد جاء النص بذكر النقص وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المنقول نقل الكواف أنه قال للنساء "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للرجل الحازم منكن قلن يا رسول الله وما نقصان ديننا قال عليه السلام أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها". قال أبو محمد
    ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقا لأن التصديق لا يتبعض أصلا ولصار شكا وبالله تعالى التوفيق.
    وهم مقرون بأن امرءا لو لم يصدق بآية من القرآن أو بسورة منه وصدق بسائره لبطل إيمانه
    فصح أن التصديق لا يتبعض أصلا).
    وقال في الفصل (3/262 ، 263) :
    (قال أبو محمد:
    فإن قال قائل: من أين قلتم أن التصديق لا يتفاضل ونحن نجد خضرة أشد خضرة وشجاعة أشد من شجاعة لا سيما والشجاعة والتصديق كيفيات من صفات النفس معا؟
    فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أن كل ما قبل من الكيفيات الأشد والأضعف فإنما يقبلها بمزاج يدخله من كيفية أخرى ، ولا يكون ذلك إلا فيما بينه وبين ضده منها وسائط قد تمازج كل واحد من الضدين ، أو فيما جاز امتزاج الضدين فيه ...
    إذ لو مازج التصديق غيره لصار كذبا في الوقت ، ولو مازج التصديق شيئا غيره لصار شكا في الوقت وبطل التصديق جملة وبالله تعالى التوفيق.
    والإيمان قد قلنا إنه ليس هو التصديق وحده بل أشياء مع التصديق كثيرة فإنما دخل التفاضل في كثرة تلك الأشياء وقلتها وفي كيفية إيرادها وبالله تعالى التوفيق )
    فهذه ثلاثة مواضع يقرر فيها ابن حزم أن التصديق لا يزيد ولا ينقص ، وجميعها في كتابه الفصل ، في مسائل الإيمان والرد على المرجئة ، مع قوله في المحلى: إن اليقين لا يتفاضل (1/62).
    فهل يقال إن شيخ الإسلام زكى جميع ما قاله ابن حزم في هذا الباب ؟!

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة


    2- خطؤه في حكاية مذهب الكرامية في الإيمان.
    قال في الفصل 3/227
    (وذهب قوم إلى أن الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك
    فهو مؤمن من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه).
    وقال في الفصل 5/73
    ( قال أبو محمد : غلاة المرجئة طائفتان إحداهما الطائفة القائلة : بان الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله تعالى ، ولي لله عز وجل
    من أهل الجنة ، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وهم بخرسان وبيت المقدس).
    وهذا يعني أنهم يقولون بنجاة المنافق ودخوله الجنة ، وهذا خطأ عليهم.
    قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية ص 182
    (وآخر الأقوال حدوثا في ذلك قول الكرامية إن الإيمان اسم للقول باللسان وإن لم يكن معه اعتقاد القلب ، وهذا القول أفسد الأقوال لكن أصحابه
    لا يخالفون في الحكم فإنهم يقولون إن هذا الإيمان باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين وأنه لا ينفع في الآخرة).
    وقال في مجموع الفتاوى 7/215،216
    (فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا فى الباطن بإتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا ، ويقولون الإيمان هو الكلمة يقولون: إنه لا ينفع فى الآخرة إلا الإيمان الباطن.
    وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة ، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا فى الإسم لا فى الحكم بسبب شبهة المرجئة فى أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل).
    وقال في 7/394
    (مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق ولكن تقول : لا يدخل فى اسم الإيمان حذرا من تبعضه وتعدده ؛ لأنهم رأوا أنه لا يمكن أن يذهب بعضه ويبقى بعضه).
    وقال في 7/141
    ( والكرامية يقولون : المنافق مؤمن
    وهو مخلد في النار؛ لأنه آمن ظاهرا لا باطنا وإنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا . قالوا : والدليل على شمول الإيمان له أنه يدخل في الأحكام الدينية المتعلقة باسم الإيمان كقوله تعالى : " فتحرير رقبة مؤمنة " ... و الكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء ولا يستثنون في الإيمان ، بل يقولون : هو مؤمن حقا لمن أظهر الإيمان وإذا كان منافقا فهو مخلد في النار عندهم ، فإنه إنما يدخل الجنة من آمن باطنا وظاهرا ، ومن حكى عنهم أنهم يقولون : المنافق يدخل الجنة ، فقد كذب عليهم بل يقولون : المنافق مؤمن لأن الإيمان هو القول الظاهر كما يسميه غيرهم مسلما إذ الإسلام هو الاستسلام الظاهر)
    وقال شيخ الإسلام ( 7/475)
    (ولا يسمون [يعني المنافقين] بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ولا عند أحد من طوائف المسلمين إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق فى الظاهر ، فإذا فعل ذلك كان مؤمنا وان كان مكذبا في الباطن ،
    وسلموا أنه معذب مخلد فى الآخرة فنازعوا في اسمه لا في حكمه ، ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة ، وهو غلط عليهم ، ومع هذا فتسميتهم له مؤمنا بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم).
    وكأن شيخ الإسلام رحمه الله يشير إلى غلط ابن حزم فيما حكاه عن الكرامية.
    ثم رأينا ابن حزم يجعل القول بنجاة المنافقين لازما لقول الكرامية ، وهذا تناقض منه رحمه الله ، فإنه جعله أولا من قولهم ، ثم عاد فجعله لازما ، وفرق بيتن القول ، وما يلزم منه.
    قال في الفصل 3 /249
    (قال أبو محمد
    ويلزمهم أن المنافقين مؤمنون لإقراهم بالإيمان بألسنتهم وهذا قول مخرج عن الإسلام وقد قال تعالى " إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" ...).
    والصواب أن الكرامية لا يقولون بذلك ، ولا يلتزمون هذا اللازم.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة


    3- خطؤه في حكاية مذهب الأشعري في الكفر :
    قال ابن حزم في الفصل 3/227
    ( كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد .
    قال أبو محمد : اختلف الناس في ماهية الإيمان ، فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان
    وأبي الحسن الأشعري البصري وأصحابهما).
    وقال في الفصل ( 5/73) :
    (والثانية الطائفة القائلة إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو
    مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ولي لله عز وجل من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما).

    قلت : التسوية بين الجهم بن صفوان وأبي الحسن الاشعري هنا خطأ مخالف لما قرره شيخ الإسلام في مواضع.
    فالأشعري وإن نصر قول جهم في الإيمان - في أحد قوليه - إلا أنه لا يجعل من أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه مؤمنا من أهل الجنة .
    بل يقول : إن ما يظهر من ذلك دليل على كفر الباطن .
    قال شيخ الإسلام في (7/120) :
    (فصل: وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في " الإيمان " مع أنه نصر المشهور عن أهل السنة من أنه يستثني في الإيمان فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله )
    إلى أن قال : (7/149) :
    (قال أبو الحسن : ثم السمع ورد بضم شرائط أخر إليه وهو أن لا يقترن به ما يدل على كفر من يأتيه فعلا وتركا ، وهو أن الشرع أمره بترك العبادة والسجود للصنم ، فلو أتى به دل على كفره ، وكذلك من قتل نبيا أو استخف به دل على كفره وكذلك لو ترك تعظيم المصحف أو الكعبة دل على كفره ).
    وقال شيخ الإسلام : (7/510) :
    (وقال أبو عبد الله الصالحي : إن الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته لكن له لوازم فإذا ذهبت دل ذلك على عدم تصديق القلب وإن كل قول أو عمل ظاهر دل الشرع على أنه كفر كان ذلك لأنه دليل على عدم تصديق القلب ومعرفته، وليس الكفر إلا تلك الخصلة الواحدة، وليس الإيمان إلا مجرد التصديق الذي في القلب والمعرفة ،
    وهذا أشهر قولي أبي الحسن الأشعري وعليه أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وأمثالهما ولهذا عدهم أهل المقالات من " المرجئة " والقول الآخر عنه كقول السلف وأهل الحديث : إن الإيمان قول وعمل، وهو اختيار طائفة من أصحابه ومع هذا فهو وجمهور أصحابه على قول أهل الحديث في الاستثناء في الإيمان).

    وقال شيخ الإسلام في ( 7/146) :
    (والحذاق في هذا المذهب : كأبي الحسن والقاضي ومن قبلهم من أتباع جهم عرفوا أن هذا تناقض يفسد الأصل فقالوا : لا يكون أحد كافرا إلا إذا ذهب ما في قلبه من التصديق والتزموا أن كل من حكم الشرع بكفره : فإنه ليس في قلبه شيء من معرفة الله ولا معرفة رسوله ولهذا أنكر هذا عليهم جماهير العقلاء وقالوا : هذا مكابرة وسفسطة ).

    أما جهم بن صفوان فقد التزم أن من قال الكفر أو فعله أنه كافر في الظاهر ،
    مؤمن في الباطن ، ولهذا فهو من أهل الجنة .
    قال شيخ الإسلام في ( 7/401 ، 402) :
    (قال أحمد : ويلزمه أن يقول : هو مؤمن بإقراره وإن أقر بالزكاة في الجملة ولم يجد في كل مائتي درهم خمسة أنه مؤمن فيلزمه أن يقول :
    إذا أقر ثم شد الزنار في وسطه وصلى للصليب وأتى الكنائس والبيع وعمل الكبائر كلها إلا أنه في ذلك مقر بالله ، فيلزمه أن يكون عنده مؤمنا ، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم .
    قلت : هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم جمع في ذلك جملا يقول غيره بعضها ،
    وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه ، ولهذا لما عرف متكلمهم مثل جهم ومن وافقه أنه لازم التزموه ، وقالوا : لو فعل ما فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن بذلك كافرا في الباطن لكن يكون دليلا على الكفر في أحكام الدنيا . فإذا احتج عليهم بنصوص تقتضي أنه يكون كافرا في الآخرة . قالوا : فهذه النصوص تدل على أنه في الباطن ليس معه من معرفة الله شيء فإنها عندهم شيء واحد فخالفوا صريح المعقول وصريح الشرع ).

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة


    4- خطؤه على أبي حنيفة رحمه الله:
    ذكر ابن حزم أقوال الناس في الإيمان ، فعرض قول الجهمية والكرامية وقول أبي حنيفة ، وقول أهل السنة . ثم ذكر قول محمد بن زياد الحريري الكوفي ، وهو :
    ( من آمن بالله عز وجل ، وكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس مؤمنا على الإطلاق ، ولكنه مؤمن كافر معا ؛ لأنه آمن بالله تعالى ، فهو مؤمن ، وكافر بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر). الفصل 3/227

    ثم قال ابن حزم في الفصل 3/229
    (قال أبو محمد وقول محمد بن زياد الحريري لازم لهذه الطوائف كلها لا ينفكون عنه على مقتضى اللغة وموجبها ، وهو قول لم يختلف مسلمان في أنه كفر مجرد وأنه خلاف للقرآن كما ذكرنا).
    قلت : أخطأ ابن حزم رحمه الله ، فإن هذا القول لا يلزم أبا حنيفة قطعا ، وإنما يلزم جهما القائل بأن الإيمان هو معرفة القلب وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر.
    5- زعمه أن الإيمان والإسلام شيء واحد .
    قال في المحلى ( 1/59)
    ( مسألة: الإيمان والإسلام شيء واحد ، قال عز وجل " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " وقال " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامك بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين".). وانظر الفصل 3/296
    وهذا القول ينتقده شيخ الإسلام ، ويراه قولا متطرفا مخالفا لما دل عليه الكتاب والسنة.
    قال شيخ الاسلام 7/414
    (ولهذا صار الناس فى الإيمان والإسلام على ثلاثة أقوال :
    فالمرجئة يقولون الإسلام أفضل فإنه يدخل فيه الإيمان. وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء ، وهم المعتزلة والخوارج وطائفة من أهل الحديث والسنة ، وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم، وليس كذلك.
    والقول الثالث:
    أن الإيمان أكمل وأفضل ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة فى غير موضع، وهو المأثورعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان. )

    وقال ( 7/375)
    (و المقصود هنا أن هنا قولين متطرفين: قول من يقول: الإسلام مجرد الكلمة والأعمال الظاهرة ليست داخلة فى مسمى الإسلام ، وقول من يقول : مسمى الإسلام والإيمان واحد،
    وكلاهما قول ضعيف مخالف لحديث جبريل وسائر أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما نصر محمد بن نصر المروزى القول الثانى لم يكن معه حجة على صحته).
    6- مخالفة شيخ الإسلام له في ما ينسب إلى مقاتل بن سليمان من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
    قال ابن حزم في الفصل 5/74
    (وقال مقاتل ابن سليمان وكان من كبار المرجئة : لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا، ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا).

    قلت : أما شيخ الإسلام فيرى أن الأشبه أن هذا كذب على مقاتل.
    قال في شرح الأصفهانية ص 182
    (وكثير من المرجئة والجهمية من يقف في الوعيد فلا يجزم بنفوذ الوعيد في حق أحد من أرباب الكبائر كما قال ذلك من قاله من مرجئة الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره. ويذكرعن غلاتهم أنهم نفوا الوعيد بالكلية ، لكن لا أعلم معينا معروفا أذكر عنه هذا القول، ولكن حكي هذا عن مقاتل بن سليمان
    والأشبه أنه كذب عليه).
    وقال في مجموع الفتاوى 7/181
    (وهذا قد يكون قول الغالية الذين يقولون لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد
    لكن ما علمت معينا أحكي عنه هذا القول ، وإنما الناس يحكونه فى الكتب ولا يعينون قائله، وقد يكون قول من لا خلاق له فان كثيرا من الفساق والمنافقين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب أو مع التوحيد ، وبعض كلام الرادين على المرجئة وصفهم بهذا).
    فهذه ستة مواضع يخالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية ابن حزم ، وجميعها ذكر في باب الإيمان وفي الرد على المرجئة .
    وهذا يؤكد ما قلته من أن ثناء شيخ الإسلام هو على سبيل الإجمال والتغليب ، ولا يعني صحة جميع ما ذكره في هذا الباب . والله أعلم.
    كتبه ... الموحد

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    مخالفات ابن حزم فى الفقه
    قال مؤرّخ الأندلس أبو مروان بن حَيّان: «كان ابن حزم حاملَ فنون... وكان لا يخلو في فنونه من غلطٍ، لجرأته في الصِّيال على كل فن. ولم يكن سالماً من اضطرابٍ في رأيه».
    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (33|46):
    «وكذلك إذا وقّت الطلاق بوقت، كقوله "أنت طالق عند رأس الشهر". وقد ذكر غير واحد الإجماع على وقوع هذا الطلاق المعَلّق. ولم يُعلم فيه خلافاً قديماً. لكن ابن حزم زعم أنه لا يقع به الطلاق! وهو قول الإمامية (أي الرافضة). مع أن ابن حزم ذكر في كتاب "الإجماع": إجماع العلماء على أنه يقع به الطلاق».

    قال إمام الأندلس ابن عبد البر في الاستذكار (1|302) عن صاحبه ابن حزم: «وقد شذّ بعض اهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين، فقال: ليس على المتعمد في ترك الصلاة في وقتها، أن يأتي بها في غير وقتها». ويبيّن أنه يقصد واحداً بعينه (ص307): «والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله و أصل أصحابه». وبين ابن عبد البر أن هذا ليس مذهب الظاهرية، وذكر استدلالات ابن حزم بعينها.
    وقال بعد كل ذلك (ص309): «فما أرى هذا الظاهري، إلا قد خرج عن جماعةِ العلماءِ من السلف والخلف، وخالف جميع فرق الفقهاء وشذّ عنهم. ولا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذِّ من العِلم». قلت: صدق رحمه الله، فإن من تتبع زلات العلماء تزندق، فكيف بمن جمع موسوعة من الأقوال الشاذة التي لم يُسبق بها؟


    قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (12|13): «كان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقَلَمه، فأوْرثه ذلك حِقداً في قلوب أهل زمانه. ومازالوا به حتى بَغّضَوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده. والعجب –كل العجب– منه أنه كان ظاهرياً حائراً في الفروع، لا يقول بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره. وهذا الذي وَضَعَهُ عند العلماء، وأدْخَلَ عليه خطأ كبيراً في نظره وتصرّفه. وكان –مع هذا– من أشد الناس تأويلاً في باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولاً قدْ تضلّع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني. ففسُد بذلك حاله في باب الصفات».


    وقال ابن كثير أيضاً (14|332): «ورأيتُ في ليلة الإثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ محي الدين النووي رحمه الله فقلت له: يا سيدي الشيخ لِمَ لا أدْخلتَ في "شرحك المهذب" شيئاً من مصنفات ابن حزم؟ فقال ما معناه: أنه لا يحبه. فقلت له: أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفيْ النقيضين في أصوله وفروعه. أما هو في الفروع فظاهريّ جامد يابس. وفي الأصول قول مائع قرمطة القرامطة وهَرَس الهرائسة. ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم. ثم أشَرْتُ له إلى أرض خضراء تشبه النخيل بل هي أرْدأ شكلاً منه، لا يُنتفع بها في اسْتغلالٍ ولا رعي. فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها. قال: إنظر، هل ترى فيها شجراً مثمراً أو شيئاً يُنتفع به؟ فقلت: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر. فهذا حاصل ما رأيته. ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرنا عندما أشرْت للشيخ محيي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم، وهو ساكتٌ لا يتكلم».

    قال ابن حجر الهيتمي في "فصل الخطاب" (ص196): «ابن حزم حمله تعصّبه لمذهبه الفاسد الباطل في إباحة الأوتار وغيرها، إلى أن حكم على هذا الحديث (يعني حديث البخاري: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الخز والحرير والخمروالمعازف وكل ما وَرَدَ في الملاهي بالوضع. وقدْ كذَب في ذلك وافترى على الله وعلى نبيه وشريعته. كيف وقدْ صَرّح الأئمة الحفاظ بتصحيح كثير من الأحاديث الواردة في ذلك. ولقد قال بعض الأئمة الحفاظ أن ابن حزم إنما صَرَّح بذلك تقريراً لمذهبه الفاسد في إباحة الملاهي. وإن تعصّبه لمذهبه الباطل أوْقعه في المجازفة والاشتهار، حتى حَكَمَ على الأحاديث الصحيحة من غير شك ولا مَريّة بأنها موضوعة. وقد كذب وافترى. ومن ثُمّ قال الأئمة –في الحطّ عليه– أن له مجازفات كثيرة وأمور شنيعة نشأتْ من غلظه وجموده على تلك الظواهر. ومن ثم قال المحققون: أنه لا يُقام له وزن ولا يُنظر لكلامه ولا يُعوّل على خلافه. فإنه ليس مُراعياً للأدلة، بل لما رآه هواه وغلب عليه من عدم تَحَرِّيه وتقواه». كذا قال، وابن حزم أعلم من ابن حجر وخيرٌ منه بمرات، لكن ابن حجر ينقل عن غيره.


    وقال كذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي: «وفي زماننا يتعيّن كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد. وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم. فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة. وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم (يقصد ابن حزم)، وهو أشد مخالفة لها، لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه، أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبله».

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    مخالفات ابن حزم فى اصول الفقه
    أما في الأصول فقد نحى ابن حزم منهجاً متأثراً بالفلاسفة، لكنه أيضاً كثير الشذوذ عن السلف. ومما يتضح جلياً في مذهب ابن حزم الاستدلالي، أخذه بمذهب الاستصحاب، وخاصة استصحاب البراءة الأصلية: فهو يكثر منه جداً، وهو عمدته في الاستدلال غالباً. ولم أرى له موضعاً قَبِلَ فيه قول المخالف، ولو مجرد قبول. بل إنه يعمد إلى هدمه جميعاً! وكثير من احتجاجات ابن حزم التي قد يراها المرء قوية، لا تخرج عن الحجج الخطابية.
    والسمة الظاهرة على منهج ابن حزم في الترجيح والاستدلال، أنه يميل إلى الأخذ بالنسخ أكثر منه إلى الجمع بين النصوص، وإن كان في كثير من الأحيان يوافق الصواب في الحكم بالنسخ. وهو في هذا على خلاف طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية. فإن السمة الغالبة على منهج شيخ الإسلام أنه يميل إلى الجمع أكثر منه إلى القول بالنسخ.هذا والشافعية والحنابلة بشكل عام يميلون إلى الجمع بين النصوص، بينما الأحناف يميلون أكثر للنسخ. لكن الجمع بين الأحاديث زاد كثيراً عند المتأخرين بسبب تحسينهم للأحاديث الضعيفة المعارضة للأحاديث الصحيحة. وتجد ذلك بشكل واضح في شرح المناوي. بل قد تجده عند الأحناف كذلك في الفتح للهمام وغيره، ولو أنهم أكثر قولاً بالنسخ. هذا وأحسن طريقة للتخلص من تعارض الأحاديث هو الاعتماد على الصحيح فقط.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    الطريقة الظاهرية معروفة، وهي التي يسير عليها داود بن علي الظاهري، وأبو محمد ابن حزم، ومن يقول بقولهما، ومعناها: الأخذ بظاهر النصوص وعدم النظر في التعليل والقياس، فلا قياس عندهم ولا تعليل، بل يقولون بظاهر الأوامر والنواهي، ولا ينظرون إلى العلل والمعاني، فسموا ظاهرية لهذا المعنى؛ لأنهم أخذوا بالظاهر ولم ينظروا في العلل والحكم والأقيسة الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، ولكن قولهم في الجملة أحسن من قول أهل الرأي المجرد الذين يحكمون الآراء والأقيسة، ويعرضون عن العناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، لكن عليهم نقص ومؤاخذات في جمودهم على الظاهر، وعدم رعايتهم للعلل والحكم والأسرار التي نبه عليها الشارع وقصدها، ولهذا غلطوا في مسائل كثيرة دل عليها الكتاب والسنة

    مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/ 277).

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    الفقه الأثري هو المعتمد في استمداده على الآثار والنصوص من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وهذا هو نهج فقهاء الإسلام الكبار، أنهم متى وجدوا في المسألة نصا لم يعدلوا عنه إلى غيره، ولا يقدمون على النصوص قياسا أو استحسانا أو غير ذلك، وهذه طريقة الأئمة الأعلام
    يقول ابن القيم رحمه الله مبينا ما كان عليه الأئمة من الأخذ بالآثار وجعلها العمدة في الاستدلال:
    ثُمَّ جَاءَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْمُفَضَّلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَسَلَكُوا عَلَى آثَارِهِمْ اقْتِصَاصًا، وَاقْتَبَسُوا هَذَا الْأَمْرَ عَنْ مِشْكَاتِهِمْ اقْتِبَاسًا، وَكَانَ دِينُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَلَّ فِي صُدُورِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي نُفُوسِهِمْ، مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ رَأْيًا أَوْ مَعْقُولًا أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ قِيَاسًا، فَطَارَ لَهُمْ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ فِي الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ، ثُمَّ سَارَ عَلَى آثَارِهِمْ الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ، وَدَرَجَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ، زَاهِدِينَ فِي التَّعَصُّبِ لِلرِّجَالِ، وَاقِفِينَ مَعَ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِدْلَا لِ، يَسِيرُونَ مَعَ الْحَقِّ أَيْنَ سَارَتْ رَكَائِبُهُ، وَيَسْتَقِلُّون َ مَعَ الصَّوَابِ حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهُ، إذَا بَدَا لَهُمْ الدَّلِيلُ بِأُخْذَتِهِ طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا، وَإِذَا دَعَاهُمْ الرَّسُولُ إلَى أَمْرٍ انْتَدَبُوا إلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا قَالَ بُرْهَانًا، وَنُصُوصُهُ أَجَلُّ فِي صُدُورِهِمْ وَأَعْظَمُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، أَوْ يُعَارِضُوهَا بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ. انتهى.
    وأما الفقه الظاهري فمنسوب إلى طائفة من العلماء يسمون أهل الظاهر، وإمامهم هو داود بن علي الظاهري، وأشهر من قام بنصر هذا المذهب والتصنيف فيه والاستدلال له هو أبو محمد ابن حزم رحمه الله.
    وهم فقهاء أجلاء عندهم تعظيم للنصوص وعناية بها، لكنهم غلوا وأسرفوا في إنكار القياس حتى ما كان جليا منه ففرقوا بين المتماثلات وجمعوا بين المختلفات، وأتوا بأقوال شنيعة حملهم عليها الغلو في إنكار القياس والتعليل وخالفوا بذلك طريقة الصحابة ومن بعدهم في الاستدلال، وتفصيل هذا يطول جدا، وفي إعلام الموقعين لابن القيم رحمه الله بسط حسن لهذه المسألة فليرجع إليه.

    يقول شيخ الإسلام رحمه الله مبينا خطأ الظاهرية في إنكار القياس الجلي:
    وَمَنْ لَمْ يَلْحَظْ الْمَعَانِيَ مِنْ خِطَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يَفْهَمُ تَنْبِيهَ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ؛ كَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَهُ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} لَا يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ الضَّرْبِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْ دَاوُد؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ بَلْ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ لَكِنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهَذَا فَإِنْكَارُهُ مِنْ بِدَعِ الظَّاهِرِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فَمَا زَالَ السَّلَفُ يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَذَا وَهَذَا. انتهى. المصدر الاسلام سؤال وجواب

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    قال الامام ابن القيم - رحمه الله - في الشافية الكافية

    واتى ابْن حزم بعد ذَاك فَقَالَ مَا ** للنَّاس قُرْآن وَلَا إثنان
    بل أَربع كل يُسمى بالقرآ ** ن وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان
    هَذَا الَّذِي يُتْلَى وَآخر ثَابت ** فِي الرَّسْم يدعى الْمُصحف العثماني
    وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ بَين صدورنا ** هذي الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن
    وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم كعلمه ** كل يعبر عَنهُ بِالْقُرْآنِ
    وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد ** عَنهُ عبارَة نَاطِق بِبَيَان
    إِن الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع ... عقلت فَلَا تخفى على إِنْسَان
    فِي الْعين ثمَّ الذِّهْن ثمَّ اللَّفْظ ثمَّ ... الرَّسْم حِين تخطه ببنان
    وعَلى الْجَمِيع الِاسْم يُطلق لَكِن ال ... أولى بِهِ الْمَوْجُود فِي الاعيان

    قال الشيخ احمد بن عيسى -رحمه الله -

    “ قَول ابْن حزم هَذَا وَحَيْثُ ذكره النَّاظِم فَلَا بُد من بَيَان مَعْنَاهُ فَقَوله بل أَربع كل يُسمى بِالْقُرْآنِ
    1- هَذَا الَّذِي يُتْلَى
    2-وَالثَّانِي الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف
    3-وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ فِي الصُّدُور وَالْمرَاد بالرسم الْخط وَقَوله هَذِه الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن وَهَذَا القَوْل من أبطل الاقوال الَّتِي قيلت فِي الْقُرْآن وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان

    4- قَوْله وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم الخ كَأَنَّهُ وَالله أعلم وَافق الاشاعرة والكلابية فِي إِثْبَات الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَقد تقدم القَوْل فِي الْمَعْنى النَّفْسِيّ بِمَا أغْنى عَن الاعادة

    وَقَول النَّاظِم وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد الى قَوْله ان الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع الخ أَي ان الْمعِين كزيد مثلا لَهُ أَربع وجودات وجود خارجي وَوُجُود ذهني وَوُجُود لَفْظِي أَي فِي اللَّفْظ اذا تلفظت بِلَفْظ زيد وَوُجُود رسمي أَي خطي فَهَذِهِ الوجودات الاربعة وَهِي الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم}

    فَذكر الْمَرَاتِب الاربعة وَهِي الْوُجُود الْعَيْنِيّ الْخَارِجِي الَّذِي هُوَ خلقه وَذكر الْوُجُود الرسمي المطابق للفظي الدَّال على العلمي فمذهب ابْن حزم أَن الْقُرْآن فِي الْمَرَاتِب الثَّلَاثَة مَخْلُوق وَهِي وجوده الْعَيْنِيّ واللفظي والرسمي وَلَكِن الاولى بِالتَّسْمِيَةِ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ وجوده الْعَيْنِيّ بَقِي عِنْده الْمَعْنى الْقَدِيم فَهُوَ غير مَخْلُوق كَالْعلمِ“






  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في جامع الرسائل 1/170-171 : .. وقد يقرب من هؤلاء ابن حزم حيث رد الكلام ، والسمع ، والبصر ، وغير ذلك إلى: العلم ، مع أنه لا يثبت صفة لله هي: العلم ، ويجعل أسماءه الحسنى إنما هي أعلام محضة ! فالحي ، والعالم ، والقادر ، والسميع ، والبصير ، ونحوه كلها أسماء أعلام لا تدل على الحياة ، والعلم ، والقدرة ، وهذا يؤول إلى قول القرامطة الباطنية ونحوهم نفاة أسماء الله تعالى الذين يقولون:
    لا يقال حي ولا عالم ولا قادر ، وهذا كله من الإلحاد في أسماء الله ، وآياته قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ } .. .اهـ

    وقال في الرد على الأخنائي ص15: وقال ابن حزم الظاهري: السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة حرام ، وأما السفر إلى آثار الأنبياء فذلك مستحب ، ولأنه ظاهري لا يقول بفحوى الخطاب ، وهو إحدى الروايتين عن داود الظاهري ، فلا يقول إن قوله ( فلا تقل لهما أف ) يدل على النهي عن الضرب والشتم ولا إن قوله تعالى ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) يدل على تحريم القتل مع الغنى واليسار ، وأمثال ذلك مما يخالفه فيه عامة علماء المسلمين ، ويقطعون بخطأ من قال مثل ذلك ، فينسبونه إلى عدم الفهم ، ونقص العقل.

    وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى4/ 395:
    وأما نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل إنهن أفضل من العشرة إلا أبو محمد بن حزم ، وهو قول شاذ لم يسبقه إليه أحد وأنكره عليه من بلغه من أعيان العلماء ، ونصوص الكتاب ، والسنة تبطل هذا القول وحجته التي احتج بها فاسدة .. ـ ذكر حجته ورد عليها ثم قال ـ : وبالجملة فهذا قول شاذ لم يسبق إليه أحد من السلف ، وأبو محمد مع كثرة علمه وتبحره ، وما يأتي به من الفوائد العظيمة له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه ، كما يعجب مما يأتي من الأقوال الحسنة الفائقة ، وهذا كقوله إن مريم نبية ، وإن آسية نبية ، وإن أم موسى نبية ..اهـ
    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 21/207:
    ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله ، ولا يفهم تنبيه الخطاب ، وفحواه من أهل الظاهر كالذين يقولون : إن قوله ولا تقل لهما أف لا يفيد النهي عن الضرب ، وهو إحدى الروايتين عن داود ، واختاره ابن حزم وهذا في غاية الضعف ، بل وكذلك قياس الأولى ، وإن لم يدل عليه الخطاب لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا ؛ فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا.
    وقال في درء تعارض العقل والنقل 8/61:
    فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ = ما هو معظم مشكور ، ومن الكلام المخالف للسنة والحق = ما هو مذموم مدحور ، وكذلك يوجد هذا ، وهذا في كلام كثير من المشهورين بالعلم مثل أبي محمد بن حزم ، ومثل أبي حامد الغزالي ، ومثل أبي عبد الله الرازي وغيرهم.
    قال شيخ الإسلام في الصفدية : ، وهو ممن يعظم الفلاسفة .
    ..وهي الفلسفة الأولى ، والحكمة العليا عندهم وهم يقسمون الوجود إلى: جوهر وعرض .
    والأعراض يجعلونها تسعة أنواع ، هذا هو الذي ذكره أرسطو وأتباعه يجعلون هذا من جملة المنطق لأن فيه المفردات التي تنتهي إليها الحدود المؤلفة ، وكذلك من سلك سبيلهم ممن صنف في هذا الباب كابن حزم وغيره
    وقال شيخ الاسلام
    فصل: مذهب سائر المسلمين بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ ما بين الموت إلى يوم القيامة هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع ، لكن من أهل الكلام من يقول هذا إنما يكون على البدن فقط ، كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن كقول من يقول ذلك من المعتزلة والأشعرية
    ومنهم من يقول بل هو على النفس فقط بناء على أنه ليس في البرزخ عذاب على البدن ، ولا نعيم كما يقول ذلك ابن ميسرة وابن حزم ..
    وقال شيخ الاسلام: ولهذا صار بعض الناس إلى أن عذاب القبر إنما هو على الروح فقط كما يقوله ابن ميسره وابن حزم ، وهذا قول منكر عند عامة أهل السنة والجماعة .
    وفى كتاب الروح لابن القيم ص42 فقد أفاض في المسألة ورد على أبي محمد ابن حزم .
    قال
    في مسألة كون الرب قادرا مختارا ، وما وقع فيها من التقصير الكثير مما ليس هذا موضعه ، والمقصود هنا الكلام بين أهل الملل الذين يصدقون الرسل فنقول هنا مسائل:
    المسألة الأولى: قد أخبر الله أنه على كل شئ قدير ، والناس في هذا على ثلاثة أقوال:
    طائفة تقول هذا عام يدخل فيه الممتنع لذاته من الجمع بين الضدين ، وكذلك دخل في المقدور ، كما قال ذلك : طائفة منهم ابن حزم .
    وطائفة تقول هذا عام مخصوص يخص منه الممتنع لذاته ؛ فإنه و إن كان شيئا فإنه لا يدخل في المقدور كما ذكر ذلك ابن عطية ، و غيره ، وكلا القولين خطأ .
    و الصواب هو :القول الثالث الذي عليه عامة النظار ، وهو: أن الممتنع لذاته ليس شيئا ألبتة ..
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي :
    .. كَذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ فِيمَا صَنَّفَهُ مِنْ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ إنَّمَا يُسْتَحْمَدُ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ ، وَالْحَدِيثِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ " الْقَدَرِ " وَ "الْإِرْجَاءِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ
    بِخِلَافِ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ .
    وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي " بَابِ الصِّفَاتِ"
    فَإِنَّهُ يُسْتَحْمَدُ فِيهِ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ يَثْبُتُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَيُعَظِّمُ السَّلَفَ ، وَأَئِمَّةَ الْحَدِيثِ ، وَيَقُولُ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَد فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ ، وَغَيْرِهَا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ ، وَلَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ .
    لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ ، وَنَحْوَهُ أَعْظَمُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ ، وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَالصِّفَاتِ ، وَإِنْ كَانَ " أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ " فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ ، وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ ، لَكِنْ قَدْ خَالَطَ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ ، وَالْمُعْتَزِلَ ةِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مَا صَرَفَهُ عَنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَوَافَقَ هَؤُلَاءِ فِي اللَّفْظِ ، وَهَؤُلَاءِ فِي الْمَعْنَى .
    وَبِمِثْلِ هَذَا صَارَ يَذُمُّهُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، والمتكلمين ، وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِاتِّبَاعِهِ لِظَاهِرِ لَا بَاطِنَ لَهُ ، كَمَا نَفَى الْمَعَانِيَ فِي الْأَمْرِ ، وَالنَّهْيِ ، وَالِاشْتِقَاقِ ، وَكَمَا نَفَى خَرْقَ الْعَادَاتِ ، وَنَحْوَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ .
    مَضْمُومًا إلَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْوَقِيعَةِ فِي الْأَكَابِرِ ، وَالْإِسْرَافِ فِي نَفْيِ الْمَعَانِي ، وَدَعْوَى مُتَابَعَةِ الظَّوَاهِرِ .
    وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَالدِّينِ ، وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ ; وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الإطلاع عَلَى الْأَقْوَالِ ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ ; وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ، وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ .
    فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ .
    وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ .اهـ.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 2/32
    وأهل العلم بالحديث أخص الناس بمعرفة ما جاء به الرسول ومعرفة أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإليهم المرجع في هذا الباب لا إلى من هو أجنبي عن معرفته ليس له معرفة بذلك ولولا أنه قلد في الفقه لبعض الأئمة لكان في الشرع مثل آحاد الجهال من العامة.
    فإن قيل: قلت: إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول وأقوال السلف في تفسير القرآن ، وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك ، قيل هؤلاء أنواع:
    نوع ليس لهم خبرة بالعقليات ، بل هم يأخذون ما قاله النفاة عن الحكم والدليل ويعتقدونها براهين قطعية وليس لهم قوة على الاستقلال بها بل هم في الحقيقة مقلدون فيها وقد اعتقد أقوال أولئك فجميع ما يسمعونه من القرآن ، والحديث ، وأقوال السلف لا يحملونه على ما يخالف ذلك بل إما أن يظنوه موافقا لهم ، وإما أن يعرضوا عنه مفوضين لمعناه ، وهذه حال مثل أبي حاتم البستي ، وأبي سعد السمان المعتزلي ، ومثل أبي ذر الهروي ، وأبي بكر البيهقي ، والقاضي عياض ، وأبي الفرج ابن الجوزي ، وأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي وأمثالهم.
    والثاني من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ويغلط فيها كما غلط غيره ، فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا يكون له من الخبرة بكلام السلف ، والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة ، وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما ، وهذه حال أبي محمد بن حزم ، وأبي الوليد الباجي ، والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم ، ومن هذا النوع بشر المريسي ، ومحمد بن شجاع الثلجي ، وأمثالهما.
    ونوع ثالث سمعوا الأحاديث والآثار وعظموا مذهب السلف وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية ، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن ، والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها ، ولا من جهة الفهم لمعانيها ، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية ورأوا ما بينهما من التعارض ، وهذا حال أبي بكر بن فورك ، والقاضي أبي يعلى ، وابن عقيل ، وأمثالهم .

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في منهاج السنة 2/583: وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني فلا يدل عليم على علم ولا قدير على قدرة بل هي أعلام محضة ! وهذا يشبه قول من يقول: بأنها تقال بالاشتراك اللفظي . وأصل غلط هؤلاء شيئان: إما نفي الصفات والغلو في نفي التشبيه ، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج.
    فالأول هو مأخذ الجهمية ، ومن وافقهم على نفي الصفات ، قالوا: إذا قلنا عليم يدل على علم ، وقدير يدل على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات ، وهذا مأخذ ابن حزم فإنه من نفاة الصفات ، مع تعظيمه للحديث ، والسنة والإمام أحمد ، ودعواه أن الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره .
    وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء من أقوال الفلاسفة ، والمعتزلة عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم ، ونقل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان ، وكذلك قالوا: إذا قلنا: موجود وموجود ، وحي وحي لزم التشبيه فهذا أصل غلط هؤلاء .

    وقال في العقيدة الأصفهانية :
    .. وبهذا يتبين أن الحي القابل للسمع والبصر والكلام ؛ إما أن يتصف بذلك ، وإما أن يتصف بضده ، وهو الصمم ، والبكم ، والخرس ، ومن قدر خلوه عنهما فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا: لا يوصف بأنه حي ولا ميت ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ولا عاجز ، بل قالوا: لا يوصف بالإيجاب ، ولا بالسلب ؛ فلا يقال: هو حي عالم ، ولا يقال: ليس بحي عالم ، ولا يقال: هو عليم قدير ، ولا يقال: ليس بقدير عليم ، ولا يقال: هو متكلم مريد ، ولا يقال: ليس بمتكلم مريد ، قالوا: لأن في الإثبات تشبيها بما تثبت له هذه الصفات ، وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات ، وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية كابن حزم: أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم ، والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ، ولا علم ، ولا قدرة ، وقال: لا فرق بين الحي ، وبين العليم ، وبين القدير في المعنى أصلا !
    ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات ، وقرمطة في السمعيات ، فإنا نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي ، والقدير ، والعليم ، والملك ، والقدوس ، والغفور.. إلى أن قال
    ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه ، وإنما امتنعوا عن بعضها ، وأيضا: فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى ، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه ، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى ، بل هذا القائل لو سمى معبوده: بالميت والعاجز والجاهل ، بدل الحي والعالم والقادر = لجاز ذلك عنده ! فهذا ، ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر ، وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته ، مع ادعائهم الحديث ، ومذهب السلف ، وإنكارهم على الأشعري ، وأصحابه أعظم إنكار ، ومعلوم أن الأشعري ، وأصحابه أقرب إلى السلف ، والأئمة ، ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير .
    وأيضا: فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل ، ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن ، والصفات ، وينكرون على الأشعري وأصحابه ، والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل ، ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا ، وانتسابا ،
    أما تحقيقا: فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ، ومذهب ابن حزم ، وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات = تبين له ذلك ، وعلم هو ، وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة ، بل إلى الفلاسفة من الأشعرية ، وأن الأشعرية أقرب إلى السلف ، والأئمة ، وأهل الحديث منهم .
    وأيضا: فإن إمامهم داود ، وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث ، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة ، وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات ، وإن خالفوهم في القدر والوعيد.
    وقال شيخ الاسلام : وهذه الجمل نافعة فإن كثيرا من الناس ينتسب إلى السنة ، أو الحديث ، أو اتباع مذهب السلف ، أو الأئمة ، أو مذهب الإمام أحمد ، أو غيره من الأئمة ، أو قول الأشعري ، أو غيره ، ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم ، فمعرفة ذلك نافعة جدا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث ، والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف ، والأئمة ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف ، والأئمة حتى نفوا حقيقة أسماء الله ، وصفاته وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم ، فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 5/249:
    وكذلك أبو محمد بن حزم ـ مع معرفته بالحديث ، وانتصاره لطريقة داود ، وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر ـ قد بالغ في نفي الصفات ، وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة ، ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ، ونحوهما لا تدل على العلم ، والقدرة ، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو: قول أهل السنة ، والحديث ، ويذم الأشعري ، وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة ، والحديث في الصفات ، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري ، وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك .


    وقال في درء تعارض العقل
    وهذا قول ابن حزم ، وأمثاله ممن وافقوا الجهمية على نفي الصفات وإن كانوا منتسبين إلى الحديث والسنة.
    وقال في النبوات : فقالت طائفة: لا تخرق العادة إلا لنبي . وكذّبوا بما يذكر من خوارق السحرة والكهان ، وبكرامات الصالحين . وهذه طريقة أكثر المعتزلة وغيرهم كأبي محمد بن حزم ، وغيره .
    وفي الفتاوي
    هذا القول - ليس لله إلا تسعة وتسعين اسما - ، وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين كأبي محمد ابن حزم وغيره ، فإن جمهور العلماء على خلافه ، وعلى ذلك مضى سلف الأمة ، وأئمتها وهو الصواب لوجوه .

    قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح كتاب التوحيد 1/ 546
    فقد تبين بهذا خطا ابن حزم في عده الدهر من أسماء الله الحسنى ، وهذا غلط فاحش ، ولو كان كذلك لكان الذين قالوا: (وما يهلكنا إلا الدهر) مصيبين !
    قال العلامة ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث 3/349 :
    أبو محمد ابن حزم من بحور العلم له اختيارات كثيرة حسنة وافق عليها غيره من الأئمة ، وله اختيارات انفرد بها في الأصول ، والفروع وجميع ما انفرد به خطأ ، وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث ، وتضعيفه ، وعلى أحوال الرواة .اهـ
    وثم قال ابن عبد الهادي أيضا :
    وقد طالعت أكثر كتاب " الملل والنحل" لابن حزم ، فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة ، ونقول غريبة ، وهو يدل على قوة ذكاء مؤلفه ، وكثرة اطلاعه ، لكن تبين لي أنه جهمي جلد لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل كالخالق ، والحق ، وسائر الأسماء عنده لا تدل على معنى أصلا كالرحيم ، والعليم ، والقدير ، ونحوها ، بل العلم عنده هو: القدرة ، والقدرة هي العلم ، وهما عين الذات ، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجردة أصلا ، وهذا عين السفسطة ، والمكابرة .
    وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق ، والفلسفة ، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي ، وأمعن في ذلك فتقرر في ذهنه بهذا السبب معاني باطلة ، ثم نظر في الكتاب ، والسنة ، ووجد ما فيها من المعاني المخالفة لما تقرر في ذهنه ، فصار في الحقيقة حائرا في تلك المعاني الموجودة في الكتاب ، والسنة ، فروغ في ردها روغان الثعلب ، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي ، ومرة يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلا ، بل هو بمنزلة الأعلام ، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق كرده الحديث المتفق على صحته في إطلاق لفظ الصفات ، وقول الذي كان يلزم قراءة قل هو الله أحد لأنها صفة الرحمن عز وجل فأنا أحب أن أقرأ بها ، ومرة يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله عز وجل ، وفي كلامه على اليهود والنصارى ، ومذاهبهم ، وتناقضهم فوائد كثيرة ، وتخليط كثير ، وهجوم عظيم ، فإنه رد كثيرا من باطلهم بباطل مثله ، كما رد على النصارى في التثليث بما يتضمن نفي الصفات ، وكثيرا ما يلعن ، ويكفر ، ويشتم جماعة ممن نقل كتبهم كمتَّى ، ولوقا ، ويوحنا ، وغيرهم ، ويقذع في القدح فيهم إقذاعا بليغا .
    وهو في الجملة : لون غريب ، وشيء عجيب ، وقد تكلم على نقل القرآن ، والمعجزات ، وهيئة العالم بكلام أكثره مليح حسن . ومما عيب على ابن حزم فجاجة عبارته ، وكلامه في الكبار. اهـ
    وقال ابن القيم في أقسام القرآن ص152 :
    وههنا أمر يجب التنبيه عليه غلط فيه أبو محمد بن حزم أقبح غلط فذكر في أسماء الرب تعالى الهوي بفتح الهاء ، واحتج بما في الصحيح من حديث عائشة أن رسوله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى الهوي فظن أبو محمد أن الهوي صفة للرب ! وهذا من غلطه رحمه الله ، وإنما الهوي على وزن فعيل اسم لقطعة من الليل ، يقال: مضى هوي من الليل على وزن فعيل ، ومضى هزيع منه أي طرف وجانب ، وكان يقول سبحان ربي الأعلى في قطعة من الليل وجانب منه ، وقد صرحت بذلك في اللفظ الآخر فقالت: كان يقول سبحان ربي الأعلى الهوي من الليل".

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مقالات ابن حزم التى خالف فيها اهل السنة

    مقالات ابن حزم التى خالف فيها اعتقاد ومنهج السلف

    قال ابن حزم : "مسألة: وأنه خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق؛ برهان ذلك: أنه لو فعل شيئاً مما فعل لعلة؛ لكانت تلك العلة إما لم تزل معه، وإما مخلوقة محدثة، ولا سبيل إلى قسم ثالث؛ فلو كانت لم تزل معه؛ لوجب من ذلك شيئاًن ممتنعان؛ أحدهما: أن معه تعالى غيره لم يزل؛ فكان يبطل التوحيد الذي قد أبنا برهانه آنفاً؛


    والثاني: أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل؛ أن يكون الخلق لم يزل؛ لأن العلة لا تفارق المعلول، ولو فارقته لم تكن علة له، وقد أوضحنا آنفاً برهان وجوب حدوث العالم كله.

    وأيضاً: فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل؛ لكان مضطراً مطبوعاً أو مدبراً مقهوراً لتلك العلة، وهذا خروج عن الإلهية، ولو كانت العلة محدثة؛ لكانت ولا بد: إما مخلوقة له تعالى، وإما غير مخلوقة؛ فإن كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفاً وجوب كون كل شيء محدث مخلوقاً؛ فبطل هذا القسم،

    وإن كانت مخلوقة؛ وجب ولا بد أن تكون مخلوقة لعلة أخرى أو لغير علة؛ فإن وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى؛ وجب مثل ذلك في العلة الثانية، وهكذا أبداً، وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم، وهذا باطل لما ذكرنا آنفاً، وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ولا بد، وكل ما حصره العدد فهو متناه؛ فبطل هذا القسم أيضاً، وصح ما قلناه"اهـ (المحلى - مسألة رقم 4)

    قال ابن حزم : "نقول: إن الله عز وجل قادر على أن ينسخ التوحيد، وعلى أن يأمر بالتثنية، والتثليث، وعبادة الأوثان، وأنه تعالى لو فعل ذلك؛ لكان حكمة وعدلاً وحقاً، ولكان التوحيد كفراً، وظلماً، وعبثاً، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك أبداً"اهـ (الإحكام 4/73)
    وقال: "وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عز وجل"اهـ (رسائل ابن حزم 1/345)


    وقال: "وأما كلام الشيطان على لسان المصروع؛ فهذا من مخاريق العزامين، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام؛ فكيف صار لسانه لسان الشيطان؟


    إن هذا لتخليط ما شئت. وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها؛ كما قال الله تعالى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، وكما قال تعالى: {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ فهذا هو فعل الشيطان فقط، وأما أن يتكلم على لسان أحد؛ فحمق عتيق، وجنون ظاهر؛ فنعوذ بالله من الخذلان، والتصديق بالخرافات"اهـ (رسائل ابن حزم 3/228)
    وقال: "مسألة: وأن الناس يعطون كتبهم يوم القيامة؛ فالمؤمنون الفائزون الذين لا يعذبون يعطونها بأيمانهم؛ والكفار بأشملهم والمؤمنون أهل الكبائر وراء ظهورهم"اهـ (المحلى - مسألة رقم 35)


    وقال: "وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان؛ بل هو تعالى خالق الأزمنة، والأمكنة .. والزمان، والمكان فهما مخلوقان؛ قد كان تعالى دونهما، والمكان: إنما هو للأجسام، والزمان: إنما هو مدة كل ساكن أو متحرك، أو محمول في ساكن أو متحرك، وكل هذا مبعد عن الله عز وجل"اهـ (المحلى - مسألة رقم 53)


    وقال: "مسألة: وأن الله تعالى يتنزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وهو فعل يفعله عز وجل؛ ليس حركة، ولا نقلة"اهـ (المحلى - مسألة رقم 57)
    وقال: "مسألة: وأن لله عز وجل عزاً، وعزة، وجلالاً، وإكراماً، ويداً ويدين وأيد، ووجهاً وعيناً وأعيناً وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه، ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى؛ لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً"اهـ (المحلى - مسألة رقم 62)
    وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العز إزاره والكبرياء رداؤه»؛ يعني الله تعالى .. عن أبي هريرة؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في حديث خلق الله تعالى الجنة والنار؛ «أن جبريل قال لله تعالى: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد» ولو كان شيء من ذلك غير الله تعالى؛ لكان إما لم يزل، وإما محدثاً؛ فلو كان لم يزل؛


    لكان مع الله تعالى أشياء غيره لم تزل، وهذا شرك مجرد، ولو كان محدثاً لكان تعالى بلا علم، ولا قوة، ولا قدرة، ولا عز، ولا كبرياء؛ قبل أن يخلق كل ذلك، وهذا كفر"اهـ (المحلى - مسألة رقم 62)
    وقال: "الإيمان والإسلام شيء واحد؛ قال عز وجل: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المسلمين - -وقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}"اهـ (المحلى - مسألة رقم 75)


    وقال: "من ضيع الأعمال كلها؛ فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان؛ لا يكفر"اهـ (المحلى - مسألة رقم 79)
    وقال: "واليقين لا يتفاضل؛ لكن إن دخل فيه شيء من شك، أو جحد؛ بطل كله؛ برهان ذلك: أن اليقين هو إثبات الشيء، ولا يمكن أن يكون إثبات أكثر من إثبات؛ فإن لم يحقق الإثبات صار شكاً"اهـ (المحلى - مسألة رقم 80)


    وقال: "مسألة: وأن الدجال سيأتي، وهو كافر أعور ممخرق ذو حيل"اهـ (المحلى - مسألة رقم 89)
    وقال: "وأما نحن فنقول: إن مجيء الرسل عندهم قبل أن يبعثهم الله تعالى؛ واقع في باب الإمكان، وأما بعد إن بعثهم الله عز وجل ففي حد الوجوب؛ ثم أخبر الصادق عليه السلام عنه تعالى؛ أنه لا نبي بعده؛ فقد جد الامتناع. ولسنا نحتاج إلى تكلف ذكر قول من قال من المسلمين: إن مجيء الرسل من باب الواجب، واعتلالهم في ذلك بوجوب الإنذار في الحكمة؛ إذ ليس هذا القول صحيحاً؛ وإنما قولنا الذي بيناه في غير موضع: إنه تعالى لا يفعل شيئاً لعلة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء، وأن كل ما فعله فهو عدل، وحكمة؛ أي شيء كان"اهـ (الفصل 1/63)



    وقال: "صح أنه تعالى أخرج العالم كله إلى الوجود بعد أن لم يكن؛ بلا كلفة، ولا معاناة، ولا طبيعة، ولا استعانة، ولا مثال سلف، ولا علة موجبة، ولا حكم سابق قبل الخلق يكون ذلك الحكم لغيره تعالى؛ فقد ثبت أنه لم يفعل إذ لم يشأ، وفعل إذ شاء كما شاء؛ فيزيد ما شاء وينقص ما شاء؛ فكل منطوق به مما يتشكك في النفس أو لا يتشكك؛ فهو داخل له تعالى في باب الإمكان على ما بينا في غير هذا المكان؛ إلا أننا نذكر ههنا طرفاً إن شاء الله عز وجل؛


    فنقول وبالله تعالى نتأيد: إن الممكن ليس واقعاً في العالم وقوعاً واحداً؛ ألا ترى أن نبات اللحية للرجال ما بين الثمان عشرة إلى عشرين سنة ممكن، وهو في حدود الاثني عشر سنة إلى العامين ممتنع، وإن فك الإشكالات العويصة، واستخراج المعاني الغامضة، وقول الشعر البديع، وصناعة البلاغة الرائقة؛ ممكن لذي الذهن اللطيف والذكاء النافذ، وغير ممكن من ذي البلادة والشديدة والغباوة المفرطة؛ فعلى هذا: ما كان ممتنعاً بيننا؛ إذ ليس في بنيتنا ولا في طبيعتنا ولا من عادتنا؛ فهو غير ممتنع على الذي لا بنية له ولا طبيعة له ولا عادة عنده ولا رتبة لازمة لفعله؛ فإذ قد صح هذا؛ فقد صح أنه لا نهاية لما يقوى عليه تعالى؛ فصح أن النبوة في الإمكان، وهي بعثة قوم قد خصهم الله تعالى بالفضيلة؛ لا لعلة؛ إلا أنه شاء ذلك فعلمهم الله تعالى العلم بدون تعلم، ولا تنقل في مراتبه، ولا طلب له"اهـ (الفصل 1/64)


    وقال: "لكنا نقول: إن اللفظ مشترك، والمعنى هو ما قام الدليل عليه؛ كما فعلنا في: النزول، وفي الوجه، واليدين، والأعين، وحملنا كل ذلك على أنه حق؛ بخلاف ما يقع عليه اسم: ينزل عندنا، واسم يد وعين عندنا؛ لأن هذا عندنا في اللغة؛ واقع على الجوارح والنقلة، وهذا منفي عن الله تعالى"اهـ (الفصل 1/71)


    وقال: "وأما قولنا في هذا: فهو أن العجائب الظاهرة من الدجال؛ إنما هي حيل من نحو ما صنع سحرة فرعون، ومن باب أعمال الحلاج، وأصحاب العجائب"اهـ (الفصل 1/89)
    وقال: "فإن قيل: إنكم تقولون: إن الدجال يأتي بالمعجزات؛ قلنا: حاشا لله من هذا، وما الدجال إلا صاحب عجائب؛ كأبي العجائب ولا فرق؛ إنما هو محيل يتحيل بحيل معروفة"اهـ (الفصل 2/41)
    وقال: "لو كان الباري - تعالى عن إلحادهم - جسماً؛ لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان، ومكان هما غيره، وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه، وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة، وهذا كفر"اهـ (الفصل 2/92)
    وقال: "لم يأت نص بتسميته تعالى جسماً، ولا قام البرهان بتسميته جسماً؛ بل البرهان مانع من تسميته بذلك تعالى، ولو أتانا نص بتسميته تعالى جسماً؛ لوجب علينا القول بذلك، وكنا حينئذ


    نقول: إنه لا كالأجسام؛ كما قلنا في: عليم، وقدير، وحي، ولا فرق. وأما لفظة: شيء؛ فالنص أيضاً جاء بها، والبرهان أوجبها على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقالت طائفة منهم: إنه تعالى نور. واحتجواً بقوله تعالى: {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض}؛ قال أبو محمد: ولا يخلو النور من أحد وجهين؛ إما أن يكون جسماً، وإما أن يكون عرضاً، وأيهما كان فقد قام البرهان أنه تعالى ليس جسماً، ولا عرضاً، وأما قوله تعالى: {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض}؛

    فإنما معناه: هدى الله بتنوير النفوس إلى نور الله تعالى في السموات والأرض. وبرهان ذلك: أن الله عز وجل أدخل الأرض في جملة ما أخبر أنه نور له؛ فلو كان الأمر على أنه النور المضيء المعهود؛ لما خبأ الضياء ساعة من ليل أو نهار البتة؛ فلما رأينا الأمر بخلاف ذلك؛ علمنا أنه بخلاف ما ظنوه"اهـ (الفصل 2/93-94)

    وقال: "ويبطل قول من وصف الله تعالى بأنه جسم، وقول من وصفه بحركة تعالى الله عن ذلك؛ أن الضرورة توجب أن كل متحرك فذو حركة، وأن الحركة لمتحرك بها، وهذا من باب الإضافة، والصورة في المتصور لمتصور، وهذا أيضاً من باب الإضافة؛ فلو كان كل مصور متصوراً، وكل محرك متحركاً؛ لوجب وجوب أفعال لا أوائل لها، وهذا قد أبطلناه فيما خلا من كتابنا بعون الله تعالى لنا وتأييده إيانا؛ فوجب ضرورة: وجود محرك ليس متحركاً، ومصور ليس متصوراً ضرورة ولا بد، وهو الباري تعالى محرك المتحركات، ومصور المصورات لا إله إلا هو، وكل جسم فهو ذو صورة، وكل ذي حركة فهو ذو عرض محمول فيه؛ فصح أنه تعالى ليس جسماً ولا متحركاً، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/94)



    وقال: "وأما إطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل؛ فمحال لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات، ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات؛ نعم، ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أحد من خيار التابعين، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين، وما كان هكذا؛ فلا يحل لأحد أن ينطق به، ولو قلنا: إن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا؛ فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده؛ بل هي بدعة منكرة .. وإنما اخترع لفظ الصفات: المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام؛ سلكوا غير مسلك السلف الصالح؛ ليس فيهم أسوة ولا قدوة، وحسبنا الله، ونعم الوكيل"اهـ (الفصل 2/95)



    وقال: "وقال بعض أصحاب بن كلاب: إن الاستواء صفة ذات، ومعناه نفي الاعوجاج. قال أبو محمد: وهذا القول في غاية الفساد؛ لوجوه: أحدها: أنه تعالى لم يسم نفسه مستوياً، ولا يحل لأحد أن يسم الله تعالى بما لم يسم به نفسه؛ لأن من فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه حدود الله؛ أي مال عن الحق .. وثانيها: أن الأمة مجمعة على أنه لا يدعو أحد؛ فيقول: يا مستوي ارحمني، ولا يسمي ابنه عبد المستوي، وثالثها: أنه ليس كل ما نفي عن الله عز وجل؛ وجب أن يوقع عليه ضده؛ لأننا ننفي عن الله تعالى السكون، ولا يحل أن يسمى الله متحركاً، وننفي عنه الحركة، ولا يجوز أن يسمى ساكناً .. وكذلك كل صفة لم يأت بها النص؛ فكذلك الاستواء والاعوجاج؛ منفيان عنه معاً سبحانه وتعالى، وتعالى الله عن ذلك؛ لأن كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الإعراض، والله قد تعالى عن الأعراض"اهـ (الفصل 2/97)



    وقال: "فإن قالوا لنا: فإذن معنى سميع بصير؛ هو بعد معنى عليم؛ فقولوا: إنه تعالى يبصر المسموعات، ويسمع المرئيات. قلنا وبالله تعالى التوفيق: ما يمنع من هذا، ولا ننكره؛ بل هو صحيح"اهـ (الفصل 2/97-98)
    وقال: "القول الرابع في معنى الاستواء: هو أن معنى قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ أنه فعل فعله في العرش، وهو انتهاء خلقه إليه؛ فليس بعد العرش شيء، ويبين ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنات، وقال: (فسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن)؛ فصح أنه ليس وراء العرش خلق، وأنه نهاية جرم المخلوقات الذي ليس خلفه خلاء ولا ملاء، ومن أنكر أن يكون للعالم نهاية من المساحة والزمان والمكان؛


    فقد لحق بقول الدهرية، وفارق الإسلام. والاستواء في اللغة يقع على الانتهاء؛ قال الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}؛ أي: فما انتهى إلى القوة والخير. وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}؛ أي: أن خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتب الأرض على ما هي عليه، وبالله تعالى التوفيق، وهذا هو الحق، وبه نقول لصحة البرهان به، وبطلان ما عداه"اهـ (الفصل 2/98)
    وقال: "أما القول الثالث في المكان: فهو أن الله تعالى لا في مكان، ولا في زمان أصلاً، وهو قول الجمهور من أهل السنة، وبه نقول، وهو الذي لا يجوز غيره لبطلان كل ما عداه"اهـ (الفصل 2/98)


    وقال: "وجملة ذلك: أننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه، ولم يسم نفسه علماً، ولا قدرة؛ فلا يحل لأحد أن يسمه بذلك، وأما قوله: هل يفهم من قول القائل: الله؛ كالذي يفهم من قوله: عالم فقط، أو يفهم من قوله: عالم معنى غير ما يفهم من قوله: الله؟ فجوابنا، وبالله تعالى نتأيد: أننا لا نفهم من قولنا: قدير وعالم؛ إذا أردنا بذلك الله تعالى؛


    إلا ما نفهم من قولنا: الله فقط؛ لأن كل ذلك أسماء أعلام؛ لا مشتقة من صفة أصلاً؛ لكن إذا قلنا: هو الله تعالى بكل شيء عليم، ويعلم الغيب؛ فإنما يفهم من كل ذلك؛ أن ههنا له تعالى معلومات، وأنه لا يخفى عليه شيء، ولا يفهم منه البتة: أن له علماً هو غيره. وهكذا نقول في: يقدر، وفي غير ذلك كله"اهـ (الفصل 2/100-101)
    وقال: "فصح أن علم الله تعالى حق، وقدرته حق، وقوته حق، وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى، ولا العلم غير القدرة، ولا القدرة غير العلم؛ إذ لم يأت دليل بغير هذا؛ لا من عقل، ولا من سمع، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/101)
    وقال: "فإذا قد صح ما ذكرنا؛ فقد ثبت ضرورة: أن قول القائل: متى علم الله زيداً ميتاً؟ سؤال فاسد بالضرورة؛ لأن متى؛ سؤال عن زمان، وعلم الله تعالى ليس في زمان أصلاً؛ لأنه ليس هو غير الله تعالى"اهـ (الفصل 2/103)



    وقال: "وقد ثبت ضرورة أن علم الله تعالى ليس عرضاً ولا جسماً أصلاً؛ لا محمولاً فيه، ولا في غيره، ولا هو شيء غير الباري عز وجل؛ فبالضرورة نعلم: أن معنى قوله عز وجل: }وَلَا يحيطون بِشَيْء مِنْ عِلْمِه{؛ إنما المراد العلم المخلوق الذي أعطاه عباده، وهو عرض في العالمين محمول فيهم، وهو مضاف إلى الله عز وجل بمعنى الملك، وهذا لا شك فيه؛ لأنه لا علم لنا إلا ما علمنا"اهـ (الفصل 2/104)
    وقال: "أجمع المسلمون على القول بما جاء به نص القرآن؛ من أن الله تعالى سميع بصير؛ ثم اختلفوا؛ فقالت طائفة من أهل السنة، والأشعرية، وجعفر بن حرب من المعتزلة، وهشام بن الحكم، وجميع المجسمة: نقطع أن الله سميع بسمع؛ بصير ببصر. وذهبت طوائف من أهل السنة؛ منهم: الشافعي، وداود بن علي، وعبدالعزيز بن مسلم الكناني رضي الله عنهم، وغيرهم؛ إلى أن الله تعالى: سميع بصير، ولا نقول: بسمع، ولا يبصر؛ لأن الله تعالى لم يقله، ولكن سميع بذاته، وبصير بذاته. قال أبو محمد: وبهذا نقول، ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم يأت به نص"اهـ (الفصل 2/109)


    وقال: "قال الله تعالى: {هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ فقلنا: نعم؛ هو السميع البصير، ولم يقل تعالى: إن له سمعاً، وبصراً؛ فلا يحل لأحد أن يقول: إن له سمعاً وبصراً؛ فيكون قائلاً على الله تعالى بلا علم، وهذا لا يحل، وبالله تعالى نعتصم. وأما خصومنا: فإنهم أطلقوا أنه لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير؛ في أنه ذو سمع وبصر؛ فيلزمهم ضرورة أن لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير؛ في أنه ذو جارحة يسمع بها، ويبصر بها، ولا بد، ولولا تلك الجارحة ما سمي أحد من العالم سميعاً، ولا بصيراً، ولا أبصر أحد شيئاً"اهـ (الفصل 2/110)



    وقال: "وقال تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}؛ فصح أن (بصيراً، وسميعاً، وعليماً) بمعنى واحد"اهـ (الفصل 2/111)
    وقال: "فإن قالوا: أتقولون: لم يزل الله خالقاً خلاقاً رازقاً. قلنا: لا نقول هذا؛ لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقاً خلاقاً رازقاً؛ لكنا نقول: لم يزل الخلاق الرزاق، ولم يزل الله تعالى لا يخلق، ولا يرزق؛ ثم خلق، ورزق من خلق"اهـ (الفصل 2/111)
    وقال: "المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى؛ هو المعنى في عليم، ولا فرق، وليس ما يظن أهل العلم؛ من أن له تعالى سمعاً وبصراً مختصين بالمسموع والمبصر تشبيهاً بخلقه"اهـ (الفصل 2/111-112)


    وقال: "فإن قال قائل: أتقولون أن الله عز وجل لم يزل يسمع ويرى ويدرك. قلنا: نعم لأن الله عز وجل قال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى}، وقال تعالى: {وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار}، وقال تعالى: {وَالله يسمع تحاوركما}، وصح الإجماع بقول: سمع الله لمن حمده، وصح النص (فما أذن الله لشيء إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)؛ فنقول: إن يسمع ويرى. وأسمع، وأرى، ويدرك؛ كل ذلك بمعنى واحد، وهو معنى يعلم، ولا فرق. وأما الأذن لنبي حسن الصوت؛ فهي من الأذن بمعنى القبول؛ كما يأذن الحاجب لمأذون له في الدخول، وليس من الأذن التي هي الجارحة، ولو كان كما تظنون لكان ببصره للمبصرات، وسمعه للمسموعات محدثاً، ولكان غير سميع حتى سمع، وغير بصير حتى أبصر، ولم يدرك، وحاشا له تعالى من هذا؛ فكل هذا بمعنى العلم، ولا مزيد"اهـ (الفصل 2/112)
    وقال: "وكذلك قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات؛ إنما هو بمعنى: أن علمه وسع كل ذلك؛ يعلم السر، وأخفى"اهـ (الفصل 2/112)


    وقال: "فإن ذكروا الحديث الصحيح عن رسو

    ل الله صلى الله عليه وسلم: (ما بينهم وبين أن يروه إلا رداء الكبرياء على وجهه؛ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره)؛ ففي هذا الخبر إبطال لقولهم؛ لأن فيه أن البصر منه ذو نهاية، وكل ذي نهاية محدود محدث، وهم لا يقولون هذا؛ لكن معناه: أن البصر قد يستعمل في اللغة بمعنى الحفظ؛ قال النابغة: رأيتك ترعاني بعين بصيرة، وتبعث حراساً علي وناظراً. فمعنى هذا الخبر: لو كشف تعالى الستر الذي جعل دون سطوته؛ لأحرقت عظمته ما انتهى إليه حفظه، ورعايته من خلقه"اهـ (الفصل 2/112)
    وقال: "أما نحن فلولا النص الوارد بعليم، وقدير، وعالم الغيب والشهادة، وقادر على أن يخلق مثلهم، والحي؛ لما جاز أن يسمى الله تعالى بشيء من هذا أصلاً، ولا يجوز أن يقال: حي بحياة؛ البتة"اهـ (الفصل 2/114)


    وقال: "واحتجاجكم بأن من كان سميعاً فلا بد له من سمع، ومن كان بصيراً فلا بد له من بصر، ومن كان حياً فلا بد له من حياة، ومن كان مريداً فلا بد له من إرادة، ومن كان له كلام فهو متكلم؛ فأطلقتم كل هذا على الله عز وجل بلا برهان؛ فإن ناب عندكم ما ورد به النص من: حكيم، وقوي، وكريم، ومتكبر، وجبار؛ عن عاقل، وشجاع، وسخي، ومتجبر، ومستكبر، وتياه، وزاه؛ فلم تجيزوا أن تسموا الباري عز وجل بشيء من هذا؛ فكذلك فقولوا كما قلنا نحن: إن سمعياً، وبصيراً، وحياً، وله كلام، ويريد؛ يغني عن تجويز ذكر السمع، والبصر، والإرادة، ومتكلم، ولا فرق"اهـ (الفصل 2/114)


    وقال: "ويقال لمن قال: إنما سمي الله تعالى عليماً لأنه له علماً، وحكيماً لأن له حكمة، وهكذا في سائر أسمائه، وادعى أن الضرورة توجب أنه لا يسمى عالماً إلا من له علم، وهكذا في سائر الصفات .. وصح بهذا البرهان الواضح؛ أنه لا يدل حينئذ عليم على علم، ولا قدير على قدرة، ولا حي على حياة، وهكذا في سائر ذلك، وإنما قلنا بالعلم والقدرة والقوة والعزة بنصوص أخر؛ يجب الطاعة لها، والقول بها"اهـ (الفصل 2/116-117)



    وقال: "فإن قالوا: لم ينص تعالى على أنه يقظان. قيل لهم: ولا نص تعالى على أن له حياة"اهـ (الفصل 2/120)
    وقال: "الباري تعالى لو كان حياً بحياة لم يزل، وهي غيره؛ لوجب ضرورة أن يكون تعالى مؤلفاً مركباً من ذاته وحياته وسائر صفاته، ولكان كثيراً لا واحداً، وهذا إبطال الإسلام، ونعوذ بالله من الخذلان"اهـ (الفصل 2/120)


    وقال: "قد علمنا أن الله تعالى أرحم الراحمين حقاً؛ لا مجازاً؛ من أنكر هذا فهو كافر حلال دمه وماله، وهو تعالى يبتلي الأطفال بالجدري واواكل والجن والذبحة والأوجاع حتى يموتوا وبالجوع حتى يموتوا كذلك ويفجع الآباء بالأبناء، وكذلك الأمهات والأحباء بعضهم ببعض حتى يهلكوا ثكلاً ووجداً, وكذلك الطير بأولادها، وليست هذه صفة الرحمة بيننا؛ فصح يقينا أنها أسماء الله تعالى؛ سمى الله تعالى بها نفسه غير مشتقة من صفة محمولة فيه تعالى؛ حاشا له من ذلك"اهـ (الفصل 2/124)
    وقال: "ولكنا نقول: وجه الله ليس هو غير الله تعالى، ولا نرجع منه إلى شيء سوى لله تعالى؛ برهان ذلك قول الله تعالى حاكياً عمن رضي قوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}؛ فصح يقيناً أنهم لم يقصدوا غير الله تعالى"اهـ (الفصل 2/127)



    وقال: "وقال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، وقال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، وقال تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مبسوطتان --قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن: (وكلتا يديه يمين)؛ فذهبت المجسمة إلى ما ذكرنا مما قد سلف من بطلان قولهم فيه، وذهبت المعتزلة إلى أن اليد: النعمة، وهو أيضاً لا معنى له لأنها دعوى بلا برهان، وقال الأشعري: إن المراد بقول الله تعالى: {أَيْدِينَا}؛ إنما معناه: اليدان، وإن ذكر الأعين؛ إنما معناه: عينان. وهذا باطل مدخل في قول المجسمة؛ بل نقول: إن هذا إخبار عن الله تعالى؛ لا يرجع من ذكر اليد إلى شيء سواه تعالى، ونقر إن لله تعالى كما قال: يداً، ويدين، وأيدي، وعين، وأعيناً؛ كما قال عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، وقال تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، ولا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل؛ بأن له عينين؛ لأن النص لم يأت بذلك، ونقول: إن المراد بكل ما ذكرنا: الله عز وجل لا شيء غيره"اهـ (الفصل 2/127-128)



    وقال: "وكذلك صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: (إن جهنم لا تملأ حتى يضع فيها قدمه)، وصح أيضاً في الحديث: (حتى يضع فيها رجله) ومعنى هذا؛ ما قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر صحيح؛ أخبر فيه أن الله تعالى بعد يوم القيامة يخلق خلقاً يدخلهم الجنة، وأنه يقول للجنة والنار: لكل واحدة منكما ملؤها؛ فمعنى القدم في الحديث المذكور؛ إنما هو كما قال تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يريد سالف صدق؛ معناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم، ومعنى رجله نحو ذلك؛ لأن الرجل: الجماعة في اللغة؛ أي يضع فيها الجماعة التي قد سبق في علمه تعالى أنه يملأ جهنم بها"اهـ (الفصل 2/128)
    وقال: "وكذلك الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عز وجل) أي بين تدبيرين ونعمتين من تدبير الله عز وجل، ونعمه"اهـ (الفصل 2/128)
    وقال: "وكذلك القول في الحديث الثابت (خلق الله آدم على صورته) فهذه إضافة ملك؛ يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصوراً عليها"اهـ (الفصل 2/128)



    وقال: "وقد رأيت لابن فورك وغيره من الأشعرية في الكلام في هذا الحديث؛ أنهم قالوا في معنى قوله عليه السلام: (ن الله خلق آدم على صورته) إنما هو على صفة الرحمن من الحياة، والعلم، والاقتدار، واجتماع صفات الكمال فيه، وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه، وجعل له الأمر والنهي على ذريته؛ كما كان لله كل ذلك. قال أبو محمد: هذا نص كلام أبي جعفر السمعاني عن شيوخه حرفاً حرفاً، وهذا كفر مجرد لا مرية فيه"اهـ (الفصل 2/128-129)


    وقال: "وكذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة؛ أن الله عز جل يكشف عن ساق فيخرون سجداً؛ فهذا كما قال الله عز وجل في القرآن: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ{، وإنما هو إخبار عن شدة الأمر، وهول الموقف"اهـ (الفصل 2/129)


    وقال: "وأما القدرة، والقوة؛ فقد قال عز وجل: {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة}، وحدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن خالد الهمذاني؛ حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي؛ حدثنا الفربري؛ حدثنا محمد بن إسماعيل؛ حدثنا إبراهيم بن المنذر؛ حدثنا معن بن عيسى؛ حدثنا عبدالرحمن بن أبي الموال؛ سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبدالله بن الحسن؛ قال: أخبرني جابر بن عبدالله؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة؛ فذكر الحديث، وفيه: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك)؛ قال أبو محمد: والقول في القدرة والقوة؛ كالقول في العلم سواء بسواء في اختلاف الناس على تلك الأقوال، وتلك الحجاج، ولا فرق. وقولنا في هذا هو ما قلناه هنالك؛ من أن القدرة والقوة لله تعالى حقاً، وليستا غير الله تعالى، ولا يقال هما الله تعالى"اهـ (الفصل 2/131)


    وقال: "وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه أخبر: (أن الله تعالى ينزل كل ليلة إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا). قال أبو محمد: وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان القبول، والإجابة، والمغفرة للمجتهدين، والمستغفرين، والتائبين، وهذا معهود في اللغة؛ تقول: نزل فلان عن حقه؛ بمعنى: وهبه لي، وتطول به علي. ومن البرهان على أنه صفة فعل؛ لا صفة ذات؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدد؛ فصح أنه فعل محدث في ذلك مفعول حينئذ، وقد علمنا أن ما لم يزل؛ فليس متعلقاً بزمان البتة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور؛ ما ذلك الفعل، وهو أنه ذكر عليه السلام: أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك. وأيضاً: فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع،


    والمغارب؛ يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه؛ فصح ضرورة: أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق. وأما من جعل ذلك نقلة؛ فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم؛ بعون الله، وتأييده، ولو انتقل تعالى؛ لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان، وهذه صفة المخلوقين؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً"اهـ (الفصل 2/132)
    وقال: "وكذلك القول في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، وقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَة ُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}؛ فهذا كله على ما بينا؛ من أن المجيء والإتيان يوم القيامة؛ فعل يفعله الله تعالى في ذلك اليوم؛ يسمي ذلك الفعل: مجيئاً، وإتياناً"اهـ (الفصل 2/132)



    وقال: "لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل بها القرآن، وفي سائر اللغات، وفي وجود العقل، وفي ضرورة الحس؛ إلا أعراضاً محمولة في الموصوفين؛ فإذا جوزوها غير أعراض بخلاف المعهود؛ فقد تحكموا بلا دليل؛ إذ إنما يصار إلى مثل هذا فيما ورد به نص، ولم يرد قط نص بلفظ الصفات، ولا بلفظ الصفة؛ فمن المحال أن يؤتى بلفظ لا نص فيه يعبر به عن خلاف المعهود. وقال تعالى: {للَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}؛ ثم قال تعالى: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال إِن الله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ}؛ فلو ذكروا الأمثال مكان الصفات لذكر الله تعالى لفظة المثل؛ لكان أولى. ثم قد بين الله تعالى غاية البيان؛ فقال: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال}،


    وقد أخبر الله تعالى بأن له المثل الأعلى؛ فصح ضرورة أنه لا يضرب له مثل؛ إلا ما أخبر به تعالى فقط، ولا يحل أن يزاد على ذلك شيء أصلاً، وبالله تعالى التوفيق"اهـ (الفصل 2/132)
    وقال: "وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه أخبر أن الله تعالى ينزل كل ليلة إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا. قال أبو محمد: وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان القبول والإجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين، وهذا معهود في اللغة؛ تقول: نزل فلان عن حقه؛ بمعنى وهبه لي، وتطول به علي. ومن البرهان على أنه صفة فعل لا صفة ذات؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدد؛ فصح أنه فعل محدث في ذلك مفعول حينئذ، وقد علمنا أن ما لم يزل؛ فليس متعلقاً بزمان البتة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ما ذلك الفعل، وهو أنه ذكر عليه السلام أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك، وأيضاً: فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب؛ يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه؛ فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق. وأما من جعل ذلك نقلة؛ فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده، ولو انتقل تعالى؛ لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان، وهذه صفة المخلوقين؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله وعبده صلى الله عليه وسلم؛ إذ بين لقومه بنقلة القمر؛ أنه ليس رباً؛ فقال: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه؛ تعالى الله عن هذا"اهـ (الفصل 2/132)



    وقال: "وأما الإرادة: فقد أثبتها قوم من صفات الذات، وقالوا: لم تزل الإرادة، ولم يزل الله تعالى. قال أبو محمد: وهذا خطأ لبرهانين ضروريين؛ أحدهما: أن الله تعالى لم ينص على أنه مريد، ولا على أن له إرادة"اهـ (الفصل 2/134)
    وقال: "ولا يجوز أن يقال البتة: إن الله تعالى متكلم؛ لأنه لم يسم بذلك نفسه، ومن قال: إن الله تعالى مكلم موسى. لم ينكره؛ لأنه يخبر عن فعله تعالى الذي لم يكن"اهـ (الفصل 3/6)
    وقال: "اسم القرآن يقع على خمسة أشياء وقوعاً مستوياً صحيحاً؛ منها: أربعة مخلوقة، وواحد غير مخلوق"اهـ (الفصل 3/7)
    وقال: "وهذا هو قولنا: أن كل ما فعله الله تعالى من تكليف ما لا يطاق، وتعذيبه عليها، وخلقه الكفر والظلم في الكافر والظالم، وإقراره كل ذلك؛ ثم تعذيبهما عليه، وخلقه الكفر وغضبه منه وسخطه إياه؛ كل ذلك من الله تعالى حكمة وعدل وحق، وممن دونه تعالى سفه وظلم وباطل؛ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"اهـ (الفصل 3/41)



    وقال: "لا نقبح إلا ما قبح الله تعالى، ولا نحسن إلا ما حسن الله تعالى"اهـ (الفصل 3/41)
    وقال: "والقول الصحيح: هو أن العقل الصحيح يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه، وأنه تعالى غير محكوم عليه، وأن كل ما سواه تعالى فمخلوق له عز وجل؛ سوء كان جوهراً حاملاً، أو عرضاً محمولاً؛ لا خالق سواه، وأنه يعذب من يشاء أن يعذبه، ويرحم من يشاء أن يرحمه، وأنه لا يلزم أحدا إلا ما ألزمه الله عز وجل، ولا قبيح إلا ما قبح الله، ولا حسن إلا ما حسن الله"اهـ (الفصل 3/60)
    وقال: "وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج؛ إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار به باللسان، والعمل بالجوارح"اهـ (الفصل 3/106)
    وقال: "أصل الإيمان كما قلنا في اللغة: التصديق بالقلب وباللسان معاً؛ بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء البتة؛ إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة على العقد لكل شيء، وأوقعها أيضاً تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط؛ فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به، وهو تعالى خالق اللغة، وأهلها فهو أملك بتصريفها، وإيقاع أسمائها على ما يشاء"اهـ (الفصل 3/107)



    وقال: "والتصديق بالشيء - أي شيء كان - لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة، ولا نقص، وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة؛ لا يمكن البتة أن يكون فيه زيادة، ولا نقص"اهـ (الفصل 3/108)
    وقال: "ولا عدد للاعتقاد، ولا كمية، وإنما الكمية والعدد في الأعمال، والأقوال فقط"اهـ (الفصل 3/109)
    وقال: "فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان؛ بخلاف قول من قال: إنه التصديق؛ فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد؛ لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد، وإذا كان ذلك؛ فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه، وقد جاء النص بذكر النقص، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور؛ المنقول نقل الكواف؛ أنه قال للنساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للرجل الحازم منكن) قلن: يا رسول الله، وما نقصان ديننا؟ قال عليه السلام: (أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها)، ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقاً؛ لأن التصديق لا يتبعض أصلاً، ولصار شكاً"اهـ (الفصل 3/110)



    وقال: "إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق: إطلاق هذا القول خطأ؛ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا؛ فمن تلك المعاني: شيء يكون الكفر ضداً له. ومنها: ما يكون الفسق ضداً له؛ لا الكفر. ومنها: ما يكون الترك ضداً؛ له لا الكفر، ولا الفسق. فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضداً له؛ فهو العقد بالقلب، والإقرار باللسان؛ فإن الكفر ضد لهذا الإيمان. وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضداً؛ له لا الكفر؛ فهو ما كان من الأعمال فرضاً؛ فإن تركه ضد للعمل، وهو فسق؛ لا كفر. وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضداً؛ فهو كل ما كان من الأعمال تطوعاً؛ فإن تركه ضد العمل به، وليس فسقاً، ولا كفراً"اهـ (الفصل 3/118-119)
    وقال: "القول عندنا في هذه المسألة: إن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه؛ فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبكل ما أتى به عليه السلام، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك؛ فواجب عليه أن يعترف بذلك كما أمر تعالى؛ إذ قال تعالى {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحًدث} ولا نعمة أوكد، ولا أفضل، ولا أولى بالشكر؛ من نعمة الإسلام؛ فواجب عليه أن يقول: أنا مؤمن مسلم قطعاً عند الله تعالى في وقتي هذا. ولا فرق بين قوله: أنا مؤمن مسلم، وبين قوله: أنا أسود، أو: أنا أبيض. وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها"اهـ (الفصل 3/127)
    وقال: "وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه؛ اعتقاداً لا يشك فيه، وقال بلسانه: لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه مسلم مؤمن؛ ليس عليه غير ذلك"اهـ (الفصل 4/29)
    وقال: "وقد بين عليه السلام ذلك؛ بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير؛ ثم من في قلبه مثقال برة من خير؛ ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل؛ ثم من في قلبه مثقال ذرة؛ إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك؛ ثم من لم يعمل خيرا قط إلا شهادة السلام؛ فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل "اهـ (الفصل 4/43)
    وقال: "وأما من قال بما لا يدري؛ أن ذلك الميزان ذو كفتين؛ فإنما قاله قياساً على موازين الدنيا، وقد أخطأ في قياسه؛ إذ في موازين الدنيا ما لا كفة له"اهـ (الفصل 4/55)


    وقال: "صح بنص القرآن أن روح من مات لا يرجع إلى جسده إلا إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة، وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الأرواح ليلة أسرى به عند سماء الدنيا؛ عن يمين آدم عليه السلام أرواح أهل السعادة، وعن شماله أرواح أهل الشقاء، وأخبر عليه السلام يوم بدر إذ خاطب القتلى أنهم وجدوا ما توعدهم به حقاً قبل أن يكون لهم قبور؛ فقال المسلمون: يا رسول الله أتخاطب قوماً قد جيفوا؛ فقال عليه السلام: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ فلم ينكر عليه السلام على المسلمين قولهم: إنهم قد جيفوا، وأعلمهم أنهم سامعون؛ فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك، وأما الجسد فلا حس له"اهـ (الفصل 4/56)
    وقال: "فتنة القبر وعذابه والمسألة؛


    إنما هي للروح فقط بعد فراقه للجسد إثر ذلك"اهـ (الفصل 4/56)
    وقال: "في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعلى وجوب الطاعة لهم، وهو أن الله تعالى قال مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم في الأعراب: {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا وَلنْ تقاتلوا معي عدوا}، وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم؛ بعد غزوة تبوك بلا شك التي لا تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة، ولم يغز عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى أيضاً: {سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ إِذا انطلقتم إِلَى مَغَانِم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله قل لن تتبعونا كذلكم قَالَ الله من قبل}؛ فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك لهذا؛ ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلق باب التوبة؛ فقال تعالى: {قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد تقاتلونهم أَو يسلمُونَ فَإِن تطيعوا يُؤْتكُم الله أجرا حسنا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا توليتم من قبل يعذبكم عذَابًا أَلِيمًا{؛ فأخبر تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك؛ بجزيل الأجر العظيم، وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم، وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون؛ إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم،



    ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك؛ فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضاً؛ فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم"اهـ (الفصل 4/89)
    وقال: "والذي نقول به، وندين الله تعالى عليه، ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل: أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام؛ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم أبو بكر"اهـ (الفصل 4/91)
    وقال: "قد صحت النصوص والإجماع على أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أحب فضيلة، وذلك كقوله عليه السلام لعلي: (لأعطين الرابة غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) .. فقد صح يقيناً؛ أن كان أتم حظاً في الفضيلة؛ فهو أفضل ممن هو أقل حظاً في تلك الفضيلة؛ هذا شيء يعلم ضرورة؛ فإذا كانت عائشة أتم حظاً في المحبة التي هي أتم فضيلة؛ فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها، ولذلك لما قيل له عليه السلام: من الرجال؟ قال: أبوها؛ ثم عمر. فكان ذلك موجباً لفضل أبي بكر؛ ثم عمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم؛ فالحكم بالباطل لا يجوز في أن يكون يقدم أبو بكر ثم عمر في الفضل من أجل تقدمها في المحبة عليهما، وما نعلم نصاً في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر وحده"اهـ (الفصل 4/99)
    وقال: "فهذا عمار، والحسن، وكل من حضر من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، والكوفة يومئذ مملؤة منهم؛ يسمعون تفضيل عائشة على علي، وهو عند عمار والحسن؛ أفضل من أبي بكر وعمر؛ فلا ينكرون ذلك، ولا يعترضونه، وهم أحوج ما كانوا إلى إنكاره؛ فصح أنهم متفقون على أنها وأزواجه عليه السلام؛ أفضل من كل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام"اهـ (الفصل 4/106)
    وقال: "ووجه الله تعالى هو الله، وليس هو شيئاً غيره"اهـ (الفصل 4/141)



    وقال: "وإنما حملهم على هذا الضلال؛ ظنهم أن إثبات علم الله تعالى، وقدرته، وعزته، وكلامه؛ لا يثبت إلا بهذه الطريقة الملعونة، ومعاذ الله من هذا؛ بل كل ذلك حق؛ لم يزل غير مخلوق؛ ليس شيء من ذلك غير الله تعالى، ولا يقال في شيء من ذلك: هو الله تعالى؛ لأن هذه تسمية له عز وجل، وتسميته لا تجوز إلا بنص، وقد تقصينا الكلام في هذا في صدر ديواننا هذا، والحمد لله رب العالمين"اهـ (الفصل 4/157)
    وقال: "وأما الصرع فإن الله عز وجل؛ قال: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}؛ فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصروع؛ فإنما هو بالمماسة؛ فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً، ومن زاد على هذا شيئاً؛ فقد قال ما لا علم له به، وهذا حرام لا يحل"اهـ (الفصل 5/10)
    وقال: "جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل الملائكة إلى نساء؛ فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى؛ فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عز وجل: {وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}؛ فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عز وجل بالبشارة لها بإسحاق ثم يعقوب؛ ثم بقولهم لها: {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله}، ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه. ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما السلام يخاطبها، وقال لها: {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا}؛ فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح، ورسالة من الله تعالى إليها، وكان زكريا عليه السلام يجد عندها من الله تعالى رزقاً وارداً؛ تمنى من أجله ولداً فاضلاً.




    ووجدنا أم موسى عليهما الصلاة والسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم، وأعلمها أنه سيرده إليها، ويجعله نبيا مرسلاً؛ فهذه نبوة لا شك فيها، وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح؛ أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها؛ لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها، أو بما يقع في نفسها، أو قام في هاجستها؛ في غاية الجنون، والمرار الهائج، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق، أو في غاية الجنون؛ مستحقاً لمعالجة دماغه في البيمارستان؛ لا يشك في هذا أحد؛ فصح يقيناً أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم؛ كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده؛ فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لو لم يكن نبياً واثقاً بصحة الوحي، والنبوة الوارد عليه من ذبح ولده؛ لكان ذبح ولده لرؤيا رآها، أو ظن وقع في نفسه، وكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقاً في نهاية الفسق، أو مجنوناً في غاية الجنون؛ هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس؛ فصحت نبوتهن بيقين. ووجدنا الله تعالى قد قال، وقد ذكر من الأنبياء عليهم السلام في سورة كهيعص؛ ذكر مريم في جملتهم؛


    ثم قال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح}، وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم، وليس قوله عز وجل: }وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ{؛ بمانع من أن تكون نبية؛ فقد قال تعالى: }يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ{، وهو مع ذلك نبي رسول، وهذا ظاهر وبالله تعالى التوفيق. ويلحق بهن عليهن السلام في ذلك امرأة فرعون؛ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)، أو كما قال عليه السلام. والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك، وكان تخصيصه صلى الله عليه وسلم مريم وامرأة فرعون تفضيلاً لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك؛ إذ من نقص عن منزلة آخر، ولو بدقيقة؛ لم يكمل؛ فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالاً لم يلحقهما فيه امرأة غيرها أصلاً، وأنهن بنصوص القرآن نبيات"اهـ (الفصل 5/13)


    وقال: "وإنما نعني بقولنا العلماء: من حفظ عنه الفتيا من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وعلماء الأمصار، وأئمة أهل الحديث، ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين. ولسنا نعني: أبا الهذيل، ولا ابن الأصم، ولا بشر بن المعتمر، ولا إبراهيم بن سيار، ولا جعفر بن حرب، ولا جعفر بن مبشر، ولا ثمامة، ولا أبا عفان، ولا الرقاشي، ولا الأزارقة والصفرية، ولا جهال الإباضية، ولا أهل الرفض؛ فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار، ومعرفة صحيحها من سقيمها، ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود؛ بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات،



    ولكل قوم علمهم، ونحن، وإن كنا لا نكفر كثيراً ممن ذكرنا، ولا نفسق كثيراً منهم؛ بل نتولى جميعهم؛ حاشا من أجمعت الأمة على تكفيره منهم؛ فإنا تركناهم لأحد وجهين: إما لجهلهم بحدود الفتيا والحديث والآثار، وإما لفسق ثبت عن بعضهم في أفعاله ومجونه فقط؛ كما نفعل نحن بمن كان قبلنا من أهل نحلتنا جاهلاً، أو ماجناً، ولا فرق، وبالله التوفيق. ولسنا نخرج من جملة العلماء؛ من ثبتت عدالته، وبحثه عن حدود الفتيا، وإن كان مخالفاً لنحلتنا؛ بل نعتد بخلافه كسائر العلماء ولا فرق؛ كعمرو بن عبيد، ومحمد بن إسحاق، وقتادة بن دعامة السدوسي، وشبابة بن سوار، والحسن بن حي، وجابر بن زيد، ونظرائهم، وإن كان فيهم القدري، والشيعي، والإباضي، والمرجئ؛ لأنهم كانوا أهل علم، وفضل، وخير، واجتهاد؛ رحمهم الله، وغلط هؤلاء بما خالفونا فيه؛ كغلط سائر العلماء في التحريم والتحليل، ولا فرق"اهـ (مراتب الإجماع ص 14-15)


    وقال: "وإنما لم يكفر من ترك العمل، وكفر من ترك القول؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالكفر على من أبى من القول، وإن كان عالماً بصحة الإيمان بقلبه، وحكم بالخروج من النار لمن علم بقلبه، وقال بلسانه؛ وإن لم يعمل خيراً قط"اهـ (الدرة ص 337-338)
    وقال: "إن الخلق لما كانوا لا يقع منهم الفعل إلا لعلة؛ وجب للبراهين الضرورية أن الباري عز وجل خلاف جميع خلقه من جميع الجهات؛ فلما كان ذلك؛ وجب أن يكون فعله لا لعلة بخلاف أفعال الخلق، ولا يجب أن يقال في شيء من أفعاله: لم فعل هكذا أولاً؟ إذ حبا الإنسان بالعقل، وحرمه سائر الحيوان .. تعالى الذي لا يسأل عن فعله؛ يقول تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}"اهـ (الأصول والفروع 1/181)



    وقال: "وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به، ولا تبين منه؛ لأنه لم يزل متكلماً؛ كما أن قدرته لا تبين منه؛ لأن الكلام لا يكون إلا من متكلم، ولا تكون القدرة إلا من قدير .. والله عز وجل لم يزل متكلماً؛ ليس لكلامه أول، ولا آخر"اهـ (الأصول والفروع 2/395-396)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •