تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: بين المرونة والثبات

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي بين المرونة والثبات

    بين المرونة والثبات
    هاني مراد
    تمتاز رسالة الإسلام بالجمع بين المرونة والثبات. فالثابت، يموت المؤمن دونه، ويخاصم ويصالح عليه. والمرن، يحتمل الاختلاف وتنوع الآراء ووجهات النظر، حسب تنوع الأفهام وطبائع العصور وتغير الظروف. ولو كان الإسلام يمتاز بالمرونة المطلقة، لما كان له ثوابت ينطلق منها أو يقوم عليها. ولو كان يمتاز بالثبات المطلق، لما تواءم مع تطور الحياة وتغيرها.

    فالإسلام رسالة الثبات على المبادئ والغايات التي لا تتغير، مع المرونة في الوسائل والأساليب التي قد تتغير. وهو رسالة الثبات على الأصول والأركان، والمرونة في الفروع والجزئيات. وهو رسالة الثبات على القيم والأخلاق، والمرونة في شؤون العلم والعمل.

    وتتجلى جوانب الثبات في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأركان الإسلام الخمسة، وما أجمعت عليه أمة الإسلام. أما جوانب المرونة، فتشمل الاجتهاد في الفروع، والخلاف الذي لا يخرج عن أسس الإسلام، والمعلوم منه بالضرورة.

    والإسلام بذلك يتوافق مع الكون الذي يجمع بين المرونة والثبات، ويتوافق مع سنن الحياة التي تجمع بين الثابت والمتغير، ويتوافق مع فطرة الإنسان التي تأبى الثبات وحده أو التغير وحده.

    وبهذا يحلّ الإسلام النزاع الفلسفي المعروف: هل الأصل في الكون: الثبات أم التغير؟ فقد انقسم الفلاسفة إلى قسمين: قسم يرى أن الأصل في الكون هو الثبات، والقسم الآخر يرى أن التغير هو الأصل. لكنّ الإسلام جمع بين الرأيين.


    وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يتطور، دون التخلي عن أصوله وقيمه وعقيدته. فالثبات يمنحه القوة والغلبة على عناصر الانهيار والخضوع للثقافات والعقائد والأفكار والمجتمعات المخالفة.
    وبالثبات تتضح معالم الرسالة في ذلك المجتمع، فتكون له شخصيته الفريدة وأسسه الراسخة، فلا يذوب ولا يخضع، حتى لو هُزم. والمرونة تمنحه القدرة على التكيف مع متغيرات العصر، ومستجدات الحياة، دون فقدان هويته وخصيصته.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بين المرونة والثبات

    الثبات والمرونة في الدعوة

    من إعجاز هذا الدين، ومن آيات عمومه وخلوده، وصلاحيته لكل زمان ومكان، أن الله تعالى أودع فيه عنصر الثبات والخلود، وعنصر التطور والمرونة معاً، فهو:
    ثبات على الغايات والأهداف.
    ومرونة في الوسائل والأساليب.
    وثبات على الأصول والكليات.
    ومرونة في الفروع والجزئيات.
    وثبات على القيم الدينية والأخلاقية.
    ومرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية[1].
    وبتدبر أحداث الفتح يظهر عدة مواقف برزت فيها هذه الخصيصة، وهي الجمع في التعامل مع المدعوين بين الثبات والمرونة، والتي إذا تأملها الداعية تبين له كذلك حدود مراعاته لأحوال المدعو، وتردد ذلك بين الثبات الذي لا مجال للتغيير فيه، وبين المرونة وسعة الأمر، ومن تلك المواقف التي تمثل الثبات:
    المبادرة إلى إزالة الأصنام المحيطة بالكعبة، وإزالة معالم الشرك، فعقيدة التوحيد هي الأساس الثابت الذي لا تردد فيه، وتمثلت المرونة في تركه صلى الله عليه وسلم حرية الدخول في الإسلام وعدم إكراه الناس عليه، كما سمح بذلك لصفون بن أمية رضي الله عنه مدة أربعة أشهر[2].
    موقفه من المرأة المخزومية، ورفضه تعطيل حدود الله وقد وجبت إقامتها، ببلوغها الإمام، رغم علمه بحرص قريش على عدم القطع،( خوفا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل)[3].
    وتمثلت المرونة في حثه صلى الله عليه وسلم على العفو عن الحدود قبل بلوغها الإمام، ومحاولة درئها([4])، فقد روي: (أن صفوان بن أمية رضي الله عنه قيل له: إنه إن لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده. فقال صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( فهلا قبل أن تأتيني به))[5].
    وهذا يدل على جواز عفوه عنه، بل وأفضلية ذلك بشرط عدم وصولها للإمام، قال ابن عبد البر رحمه الله: ( لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب، حسنة جميلة، ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها)[6].
    إن المرونة في دعوة الناس لحملهم على الالتزام بمبادئ الإسلام، وترغيبهم في ذلك بشتى الوسائل، شيء مرغوب فيه، أما إذا تعلق الأمر بالمساومة على مبادئ الدعوة، وتغيير حقائقها، فينبغي حينئذ للداعية أن يقف وقفة صارمة صحيحة، وإفهام المدعوين أن الله غني عن العالمين، وأن دخولهم في الدعوة تكريم لهم، وتشريف لمقامهم، وليس تشريفا للدعوة، وقد قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[7]،[8]
    والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتنازل أمام المبادئ الثابتة، لكنه صلى الله عليه وسلم يبين الرخصة إذا كان في الأمر متسع لها.


    [1] بتصرف، الخصائص العامة للإسلام ص 204.
    [2] سبق تخريجه ص 138.
    [3] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 14/ 231 ح 6788.
    [4] كما في الحديث: (( تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) سنن أبي داود كتاب الحدود باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان 4/ 133 ح 4376، ومما أثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله:( لو لم أجد للسارق، والزاني، وشارب الخمر، إلا ثوبي، أحببت أن أستره عليه) المصنف: عبد الرزاق الصنعاني 10/ 227 ح 18931.
    [5] سبق تخريجه ص 319.
    [6] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 14/ 232 ح 6788.
    [7] سورة الكهف جزء من آية 29.
    [8] بتصرف، مباحث في التفسير الموضوعي ص 236.
    https://www.alukah.net/sharia/0/93574/
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •