تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: طريقة الخلف في الصفات فساد في العقل و كفر بالسمع -

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي طريقة الخلف في الصفات فساد في العقل و كفر بالسمع -

    .............................. .............................. ...................

    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض ذكره لطريقة الخلف في باب الصفات

    ( لا يجوز أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن «طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم» .

    فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضّلون طريقة الخلف على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.

    فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة
    الخلف.

    وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر ـ وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنًى ـ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى ـ وهي التي يسمونها طريقة السلف ـ وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف ـ وهي التي يسمونها طريقة الخلف ـ فصار هذا الباطل
    مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.

    فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله.

    الى ان قال رحمه الله

    وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده علم طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره.

    وعلم أن الضلال والتهوّك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من البيّنات والهدى، وتركهم البحث عن طريق السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه، ولشهادة الأمة على ذلك، وبدلالات كثيرة، وليس غرضي واحدًا، وإنما أصف نوع هؤلاء، ونوع هؤلاء.

    الحموية الكبرى



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: طريقة الخلف في الصفات فساد في العقل و كفر بالسمع -

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضّلون طريقة الخلف على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.
    فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة
    الخلف.

    بارك الله فيك اخى الطيبونى اعلم انك تركز على ما لون بالاحمر ولكن اريد مزيد بيان لما اوردته عن شيخ الاسلام
    الرد دعوى أن التفويض هو الطريق الأسلم
    درج المفوضة والمتكلمة من الأشاعرة على وصف مذهب التفويض بـ (السلامة) مبررين بذلك – حسب فهمهم الخاطئ – اختيار السلف لهذا السبيل لكونهم أقرب إلى الورع والاحتياط في الدين. وانساق كثير من الناس وراء هذا التبرير الذي يظهر منه – بادئ الرأي – إجلال السلف، وإضفاء مسحة الورع عليهم بتعظيمهم لجانب الرب، وعدم الخوض في هذه المزالق.
    وصار بعض من ينتحل السلف ومذهبهم يلوح بهذه اللافتة (السلامة) للترويج لمذهب التجهيل. ولما كانت (السلامة) كلمة مقابلة لكلمة (الهلاك) أو حتى كلمة (المخاطرة) فقد استمالت النفوس والقلوب طلباً للحذر من الوقيعة في مقام دحض مزلة.
    فاجتمع في دعوى التفويض المزعومة أمران حبيبان إلى النفوس:
    - نسبته إلى السلف...
    - تضمنه للسلامة المنافية للخطر والهلكة.
    ولذلك قيل: (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم).
    وقد تتابع المتأخرون على ترديد هذه المقالة بلفظها أو مضمونها...
    - قول بدر الدين بن جماعة: ت 727هـ: (وقد رجح قوم من الأكابر الأعلام قول السلف لأنه أسلم، وقوم منهم قول أهل التأويل للحاجة إليه) .
    - وقال سعد الدين التفتازاني (ت793هـ) بعد ذكر نصوص الصفات: (إنها ظنيات سمعية في معارضة قطعيات عقلية، فيقطع بأنها ليست على ظواهرها، ويفوض العلم بمعانيها إلى الله – تعالى -، مع اعتقاد حقيقتها، جرياً على الطريق الأسلم الموافق للوقف على (إلا الله) في قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، أو تأول تأويلات مناسبة موافقة لما دلت عليه الأدلة العقلية على ما ذكر في كتب التفسير، وشروح الحديث سلوكاً للطريق الأحكم, الموافق للعطف في (إلا الله، والراسخون في العلم)) .
    - قول أحمد الدردير (ت 1201هـ: (وأجاب أئمتنا، سلفهم، بأن الله تعالى منزه عن صفات الحوادث، مع تفويض معاني هذه النصوص إليه تعالى إيثاراً للطريق الأسلم: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، وخلفهم، بتعيين محامل صحيحة إبطالاً لمذهب الضالين، وإرشاداً للقاصدين.. نظراً إلى الطريق الأحكم، وذهاباً إلى أن الوقف في الآية: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. ومن ثم قيل: إن طريق السلف أسلم، وطريق الخلف أعلم) .
    ومثل هذا في كتب المتأخرين كثير. وسبب ذلك كما يبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة، التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين؛ فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى، بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى – وهي التي يسمونها طريقة السلف – وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف – وهي التي يسمونها طريقة الخلف – فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع.. الخ) .
    نقض شبهتهم:
    بعد هذا العرض والاستذكار لدعوى المفوضة، والمسوغين للتفويض بأن التفويض أسلم، ننقض هذه الدعوى بما يلي:
    أولاً: أن هذه (السلامة) المزعومة سلامة في مقابلة (العلم) و(الحكمة). فنصيب السلف: (السلامة) دون (العلم) و(الحكمة)، ونصيب الخلف (العلم) و(الحكمة) دون (السلامة)، وتلك قسمة ضيزى، وتحكم بلا دليل. فهذه الأمور الثلاثة متلازمة، لا يتصور انفكاكها. فإقرارهم بأن السلف لا يتميزون بالعلم والحكمة لعدم تعيينهم المراد من النصوص يتسلزم نفي السلامة عن طريقتهم. والأمر خلاف ذلك، بل على النقيض تماماً.
    قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين في بيان بطلان هذا الزعم: (.. إن كون طريقة السلف أسلم من لوازم كونها أعلم وأحكم، إذ لا سلامة إلا بالعلم والحكمة. العلم بأسباب السلامة، والحكمة في سلوك تلك الأسباب، وبهذا يتبين أن طريق السلف (أسلم, وأعلم, وأحكم).
    والسلامة التي يمكن إثباتها في مذهب أهل التفويض هي السلامة من التحريف الذي تقوله المتكلمون على الله بغير علم، بصرف معاني النصوص إلى استعمالات مجازية. ولا ريب أن هذا لون من السلامة، لكن قابله الوقوع في هلكة التجهيل، بتفريغ تلك النصوص من أي معنى يفهمه السامع، فكانوا كما قيل:
    المستجير بعمرو حال كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

    ثانياً: أن هذه (السلامة) المدعاة، المبنية على الجهل، لن تصل بأصحابها إلى شاطئ الأمان، وبر الطمأنينة إلا من ابتلي بالإعراض والصدود ولم يشتغل قلبه بمعالي الأمور. أما النفوس الزكية، والقلوب الحية فلا يمكن أن تحال على مجهولات, وطلاسم, ومعميات ثم تركن إليها. (لأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة ووعي وطلب للعلم ونهمة في العبادة إلا أن يكون أكبر همه هو البحث في الإيمان بالله تعالى، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وتحقيق ذلك علماً واعتقاداً) . وبالتالي يظل معتنق التفويض يعيش في حيرة, واضطراب, وتناقض، وحسبه بذلك بعداً عن السلامة المزعومة.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: طريقة الخلف في الصفات فساد في العقل و كفر بالسمع -

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    .............................. .............................. ...................



    وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر ـ وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنًى ـ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى ـ وهي التي يسمونها طريقة السلف ـ وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف ـ وهي التي يسمونها طريقة الخلف ـ فصار هذا الباطل
    مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.

    فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله.
    وعلم أن الضلال والتهوّك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من البيّنات والهدى، وتركهم البحث عن طريق السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه، ولشهادة الأمة على ذلك، وبدلالات كثيرة، وليس غرضي واحدًا، وإنما أصف نوع هؤلاء، ونوع هؤلاء.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله:
    (فمن كان قد آمن بالله ورسوله، فلم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً، إما أنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، وهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفّر مخالفها، وأيضاً فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع؛ أن من الخطأ في الدين ما لا يكفر مخالفه، بل ولا يفسق، بل ولا يؤثم، مثل الخطأ في الفروع العملية


    وقال شيخ الاسلام
    وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير (المرجئة) و(الشيعة المفضلة) ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة، ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير (الجهمية المحضة) الذين ينكرون الصفات، …وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال) (1) ، ثم بين سبب التنازع، فيقول: (وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان، الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابوا في ألفاظ العموم في كلام الأئمة، ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع،......
    وقال الشيخ ابن سعدي قال: (… أما أهل السنة والجماعة فيسلكون معهم ومع جميع أهل البدع المسلك المستقيم المبني على الأصول الشرعية والقواعد المرضية، ينصفونهم، ولا يكفرون منهم إلا من كفره الله ورسوله، ويعتقدون أن الحكم بالكفر والإيمان من أكبر حقوق الله وحقوق رسوله، فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه غير متأوّل من أهل البدع فهو كافر، لأنه كذب الله ورسوله واستكبر على الحق وعانده، فكل مبتدع من جهمي وقدري وخارجي ورافضي ونحوهم عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ثم أصر عليها ونصرها فهو كافر بالله العظيم مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى، زمن كان من أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه خالف الحق وأخطأ في بعض المقالات وأخطأ في تأويله، من غير كفر وجحد للهدى الذي تبين له لم يكن كافراً، ولكنه يكون فاسقاً مبتدعاً، أو مبتدعاً ضالاً، أو معفواً عنه لخفاء المقالة، وقوة اجتهاده في طلب الحق الذي لم يظفر به، ولهذا كان الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم من أهل البدع
    أقساماً متنوعة: منهم من هو كافر بلا ريب كغلاة الجهمية (7) ، الذين نفوا الأسماء والصفات وقد عرفوا أن بدعتهم مخالفة لما جاء به الرسول، فهؤلاء مكذبون للرسول عالمون بذلك،
    ومنهم من هو مبتدع ضال فاسق كالخوارج المتأولين والمعتزلة الذين ليس عندهم تكذيب للرسول ولكنهم ضلوا ببدعتهم، وظنوا أن ما هم عليه هو الحق،
    ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم، في الحكم على بدعة الخوارج ومروقهم كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة فيهم، واتفقوا – أيضاً على عدم خروجهم من الإسلام
    (8) مع أنهم استحلوا دماء المسلمين، وأنكروا الشفاعة في أهل الكبائر، وكثيراً من الأصول الدينية، ولكن تأويلهم منع من تكفيرهم، ومن أهل البدع من هو دون هؤلاء ككثير من القدرية وكالكلابية والأشعرية،
    فهؤلاء مبتدعة ضالون في الأصول التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وهي معروفة مشهورة، وهم في بدعهم مراتب بحسب بعدهم عن الحق وقربهم، وبحسب بغيهم على أهل الحق بالتكفير والتفسيق والتبديع،
    وبحسب قدرتهم على الوصول إلى الحق، واجتهادهم فيه،

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وإذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: إنه فيها مخطىء ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفّر من خالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع؛ فكانوا مرتدين، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك ويعودون) قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله معلقاً على كلام شيخ الإسلام السابق:
    (فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة، فقال في المقالات الخفية التي هي كفر قد يقال: إنه فيها مخطىء وضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة، بل قال: ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين، فحكم بردتهم مطلقاً ولم يتوقف في الجاهل)

    وقال أبناء الشيخ عبد اللطيف - عبد الله وإبراهيم - والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله رداً على قول المخالف وهو:
    (نقول: بأن القول كفر، ولا نحكم بكفر القائل)، فأجابوا: (فإطلاق هذا جهل صرف، لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على معين، ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون به كفراً، فيقال: من قال بهذا القول فهوا كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض الناس، كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية، من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً، ولا يحكم على قائله بالكفر، لاحتمال وجود مانع كالجهل وعدم العلم بنقض النص أو بدلالته، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها - ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كثير من كتبه -)

    وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:
    (فمن كان مؤمناً بالله ورسوله باطناً وظاهراً لكنه اجتهد في طلب الحق؛ فأخطأ أو غلط أو جهل أو تأول، فإن الله تعالى يغفر له خطأه - كائناً من كان - في المسائل النظرية أو العلمية،
    ومنشأ الغلط؛
    أن هؤلاء لما سمعوا كلام شيخ الإسلام رحمه الله في بعض أجوبته يقول بعدم تكفير الجاهل والمجتهد المخطىء والمتأول،
    ظنوا أن هذا يعم كل خطأ وجهل، واجتهاد وتأويل، وأجملوا ولم يفصلوا،
    وهذا خطأ محض،
    فإنه ليس كل اجتهاد وخطأ وتأويل يغفر لصاحبه وأنه لا يكفر بذلك،
    فإن ما علم بالضرورة من دين الإسلام، كالإيمان بالله ورسوله وبما جاء به؛ لا يعذر أحد بالجهل بذلك،
    فقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل، مع أنه لا يشك مسلم بكفرهم، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم وكفر من شك بكفرهم) [130]

    وقال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله - في رده على عثمان بن منصور في احتجاجه بحديث الرجل الذي ذرى نفسه على عدم تكفير من وقع في الشرك حتى تقام عليه الحجة الرسالية، فيما نقله عن شيخ الإسلام كما يدعي -
    قال رحمه الله أثناء جوابه:
    (ويقال أيضاً: فرض الكلام الذي نقله عن أبي العباس رحمه الله ومحله في أهل البدع، كما هو صريح كلامه، والمشركون وعباد القبور عند أهل السنة والجماعة معدودون من أهل الشرك والردة، فالفقهاء فرقوا بين القسمين في الأبواب والأحكام، فذكروا أهل الشرك والردة، وذكروا أهل الأهواء في باب قتال أهل البغي كالخوارج والقدرية ونحوهم، وهذا يعرفه صغار الطلاب..

    إلى أن قال: (... ويقال أيضاً: قد صرح أبو العباس أن عدم التكفير قد يقال فيما يخفي على بعض الناس، وأما ما يعلم من الدين بالضرورة، كشهادة أن لا إله إلا الله وشهادة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا لا يتوقف أحدٌ في كفر من أنكر لفظه أو معناه ولم ينقد لما دلت عليه الشهادتان، وهذا متفق عليه في الجملة، فجعله من المسائل التي خاض فيها أهل البدع والأهواء خروج عن محل النزاع، وخرق لما ثبت وصح من الاتفاق والإجماع) ـ
    وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في "مسألة تكفير المعين": (من الناس من يقول: لا يكفر المعين أبداً! ويستدل هؤلاء بأشياء من كلام ابن تيمية غلطوا في فهمها، وأظنهم لا يكفرون إلا من نص القرآن على كفره، كفرعون، والنصوص لا تجيء بتعيين كل أحد، يدرس باب حكم المرتد ولا يطبق على أحد؟! هذه ضلالة عمياء وجهالة كبرى، بل يطبق بشرط، ثم الذين توقفوا في تكفير المعين في الأشياء التي قد يخفى دليلها فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة، فإذا أوضحت له الحجة بالبيان الكافي كفر، سواء فهم أو قال ما فهمت، أو فهم وأنكر، ليس كفر الكفار كله عن عناد، وأما ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وخالفه؛ فهذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف، سواء في الأصول أو الفروع، ما لم يكن حديث عهد بالإسلام)

    ومما تقدم من كلام الأئمة؛ يتبين سقوط قول : (لا فرق في ذلك بين الشبهة في المقالات الخفية وغيرها، ولا الشبهة عند من نشأ ببادية أو كان حديث عهد بإسلام أولم يكن كذلك)، لعدم تفريقهم بين المقالات الخفية وغيرها، وأنهم مخالفٌون لما قرره أهل العلم، فقد بينوا رحمهم الله أن المسائل الخفية قد يعذر من أخطأ فيها بالجهل، ولا يكفر إلا بعد قيامة الحجة، كاستحلال بعض السلف والخلف لبعض أنواع الربا وبعض أنواع الخمر، بخلاف من استحلال عموم الخمر والربا، لأن هذا يدخل في المسائل الظاهرة التي لا يعذر فيها أحدٌ مطلقاً، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشىء ببادية بعيدة، لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها، ويدخل في المسائل الخفية؛ الجهل ببعض الصفات - كما مر سابقاً في نقولات العلماء رحمهم الله
    وتفريق الأئمة بين المسائل الظاهرة والخفية؛ يبين خطأ من استدل بحديث الرجل الذي ذرى نفسه في عذر من وقع في الشرك الأكبر..
    فنذكر الحديث وكلام أهل العلم حتى يتيقن المنصف في ذلك ولا يرتاب

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال رجل لم يعمل خيراً قط: فإذا مات، فحرقوه، وذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه، ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فأمر الله البحر، فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك، وأنت أعلم فغفر الله له. متفق عليه
    وقد روى الإمام أحمد رحمه الله من طريق أبي كامل عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وزاد: (لم يعمل خيراً قط، إلا التوحيد)
    قال ابن عبد البر رحمه الله في كلامه على هذا الحديث: (روى من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال: "رجل لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد"، وهذه اللفظة إن صحت؛ رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة في هذا الأصل، ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: "لم يعمل حسنة قط أو لم يعمل خيراً قط"، لم يعمل إلا - ما عدا - التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها؛ أن يُؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ قال: "من خشيتك يا رب"، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، قالوا؛ كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به، وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده..)، واستدل له بحديث الرجل الذي لم يعمل خيراً قط غير تجاوزه عن غرمائه

    وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله: (وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه؛ كان موحداً ليس من أهل الشرك، فقد ثبت من طريق أبي كامل عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة: "لم يعمل خيراً إلا التوحيد"، فبطل الإحتجاج به عن مسألة النزاع)

    وقال شيخ الاسلام رحمه الله: (فمن شرط الإيمان؛ وجود العلم التام، ولهذا كان الصواب؛ أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته لا يكون صاحبه كافرًا، إذا كان مقراً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله على وجه يقتضي كفره إذا لم يعلمه، كحديث الذي أمر أهله بتحريقه ثم تذريته، بل العلماء بالله يتفاضلون في العلم به)

    ويقول ابن قتيبة رحمه الله في حديث الرجل الذي ذرى نفسه: (وهذا رجل مؤمن بالله مقر به خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته فظن أنه إذا أحرق وذريَ في الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله له بمعرفته ما بنيته وبمخافته من عذابه جهله بهذه الصفة من صفاته) ـ
    و هذا الرجل كان موحداً ولم يكن من أهل الشرك، ولكنه جهل بعض صفة القدرة، وهي الإعادة بعد التحريق والتفتيت، فغفر الله له ولم يؤاخذه في خطأه، وعدم المؤاخذة؛ هو في ما دون الشرك، لأن الشرك الأكبر لا يغفر بنص القرآن، ولا خلاف في ذلك بين أهل القبلة - كما قاله ابن عبد البر

    قال شيخ الإسلام رحمه الله - بعد كلام له على مظنة الأفعال التي لا تنافي أصول الإيمان -: (ولهذا قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به"، والعفو عن حديث النفس إنما وقع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فعلم أن هذا العفو فيما يكون من الأمور التي لا تقدح في الإيمان، فأما ما نافى الإيمان؛ فذلك لا يتناوله لفظ الحديث، لأنه إذا نافى الإيمان لم يكن صاحبه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، ويكون بمنزلة المنافقين فلا يجب أن يُعفى عما في نفسه من كلامه أو عمله، وهذا فرق بيّن يدل عليه الحديث، وبه تأتلف الأدلة الشرعية وهذا كما عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، كما دلّ عليه الكتاب والسنة، فمن صحّ إيمانه عُفيَ له عن الخطأ والنسيان وحديث النفس، كما يخرجون من النار، بخلاف من ليس معه الإيمان، فإن هذا لم تدل النصوص على ترك مؤاخذته بما حدّث به نفسه وخطأه ونسيانه)
    وقال أيضاً رحمه الله: (وقد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع؛ أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر، لا يقبل منه الإعتذار بالإجتهاد، لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة، ولأن العذر بالخطأ حكم شرعي، فكما أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، والواجبات تنقسم إلى أركان وواجبات ليست أركاناً، فكذلك الخطأ ينقسم إلى مغفور وغير مغفور، والنصوص إنما أوجبت رفع المؤاخذة بالخطأ لهذه الأمة...) .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •