أولاً: تعريف الإصرار
الإصرار لغة:
مداومة الشيء وملازمته والثبوت عليه[1] قال تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعْلَمُونَ﴾[2].
واصطلاحاً:
هو العزم بالقلب على الأمر وعلى ترك الإقلاع عنه وأكثر ما يستعمل الإصرار في الشر والإثم والذنوب[3].
ثانياً: تعريف الصغائر
الصغائر لغة:
من صغر الشيء فهو صغير وجمعه صغار، والصغيرة صفة وجمعها صغار أيضاً، ولا تجمع على صغائر إلا في الذنوب والآثام.[4]
واصطلاحاً: فقد اختلفت عبارات العلماء فيها:
فقال بعضهم: الصغيرة من الذنوب هي كل ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار.[5]
ومنهم من قال: الصغيرة ما دون الحدين حد الدنيا، وحد الآخرة.
ومنهم من قال: الصغيرة هي ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.[6]
ومنهم من قال: ما نهى الله عنه في القرآن فهو كبيرة، وما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صغيرة.[7] ومنهم من قال: الصغيرة ما قلَّ فيه الإثم.[8]
ومنهم من قال: ما كان تحريمه في شريعة دون شريعة. [9]
قال ابن النجار: الصغائر هي كل قول أو فعل محرم لا حد فيه في الدنيا ولا وعيد في الآخرة. [10]
وقال الأحناف: ما كان شنيعاً بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين، فهو من جملة الكبائر، وكذلك الإعانة على المعاصي والفجور والحث عليها من جملة الكبائر يوجب سقوط العدالة، وإذا كان حدّ الكبائر هذه الأشياء كان ما عداها من جملة الصغائر. [11]
ثالثاً: ضابط الإصرار على الصغيرة
قال العزّ بن عبد السلام[12]: "إذا تكرّرت منه الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك، وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر أصغر الكبائر".[13
أمر ينبغي التفطّن له: وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء، والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل.[14]
رابعاً: علامات إذا اقترنت بالصغيرة صيَّرتها بمنـزلة الكبيرة
هناك علامات ودلائل إذا اقترنت بالصغيرة صيَّرتها إلى أن تكون بمنـزلة الكبيرة، وهي كالآتي:
أولاً: التهاون بستر الله تعالى؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ».[15]
ثانياً: المجاهرة بفعل الصغائر؛ بأن يبيت الرجل يعصي والله يستره فيحدث بالذنب فيهتك ستر الله عليه بأن يجيء في اليوم التالي ليحدث بما عصى وما عمل فالله ستره، وهو يهتك ستر الله عليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ يَا فُلاَنُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ».[16]



ثالثاً: الإصرار والمداومة عليها.
رابعاً: استصغار المعصية واحتقارها.
خامساً: الفرح بفعل المعصية الصغيرة والافتخار بها.
سادساً: أن يكون فاعل المعصية الصغيرة عالماً يقتدى به؛ لأنه إذا ظهر أمام الناس بمعصيته كبر ذنبه.
خامساً: هل الإصرار على الصغيرة يحيلها إلى كبيرة؟
اختلف العلماء في حكم الصغيرة إذا أصرَّ المكلف على فعلها، فهل ذلك الإصرار يحيلها إلى أن تُدرَج في منـزلة الكبائر، أم أن الإصرار على فعل الصغيرة لا يخرجها عن كونها صغيرة، وذلك على قولين كالآتي:
القول الأول: أن الصغيرة إذا أصرَّ المرء على فعلها فإن ذلك يحيلها إلى أن تُدرَج في منـزلة الكبائر[17]، فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.[18]
القول الثاني: أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة؛ وإلى هذا ذهب الشوكاني وأبي طالب القضاعي. [19]
واستدل أصحاب القول الأول بالآتي:
قال القرافي: "أن الصغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجب فسوقاً، إلا أن يُصر عليها فتكون كبيرة، فإنه لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، كما قال السلف، ويعنون بالاستغفار التوبة بشروطها، لا طلب المغفرة مع بقاء العزم، فإن ذلك لا يزيل كبر الكبيرة البتة ".[20]
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
إن القول بأن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة ليس عليه دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، وهي: "لا صغيرة مع إصرار " وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ، وجعله حديثاً، ولا يصح ذلك.[21]
ونوقش: إن الإصرار هو التصميم على الاستمرار في المعصية، أما إذا فعل المعصية ثم تاب منها توبة نصوحاً، ثم غلبته نفسه فعاد إليها، ثم تاب توبة نصوحاً وعاد إليها وهكذا، فلا يعد مصراً.
القول الراجح: هو القول الأول أن الصغيرة إذا أصرَّ المرء على فعلها، فإن ذلك يحيلها إلى أن تُدرَج في منـزلة الكبائر، وذلك لما ذكره العلماء من أثر الإصرار في تحول الصغيرة إلى كبيرة.
ووجه ذلك، أن الإمام الزركشي قد أورد في عداد الكبائر إدمان الصغيرة: وأما حقيقة التكرار المشترط في تحقق الإصرار فيعرف من تقسيم الزركشي الإصرار إلى قسمين:
أحدهما حكمي: وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها، فهذا حكمه حكم من كررها فعلاً، بخلاف التائب منها، فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء، فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة.[22]
والثاني: الإصرار بالفعل، وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الإدمان، وعن بعض الشافعية قال: لا أجعل المقيم على الصغيرة المعفو عنها مرتكباً للكبيرة إلا أن يكون مقيماً على المعصية المخالفة أمر الله دائماً.[23]

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/100796/#ixzz6ijKge000