أخرج الواقدي وغيره في مغازيه (2/488)، فقال: حَدّثَنِي كُثَيّرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
"دَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الْأَحْزَابِ فِي مَسْجِدِ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ. قَالَ: فَعَرَفْنَا السّرُورَ فِي وَجْهِهِ".
قَالَ جَابِرٌ: "فَمَا نَزَلَ بِي أَمْرٌ غَائِظٌ مُهِمّ إلّا تَحَيّنْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَأَدْعُو اللهَ فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ". اهـ.
وخولف فأخرج أحمد في مسنده [14153]، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، به إلا أنه قال: "مسجد الفتح".
والأول الصواب ففيما أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى [2 : 286]، فقال:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فذكره بلفظ الواقدي.
وتوبع أخرج البخاري في الأدب المفرد [704]، فقال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: فذكره بلفظ أبي عامر.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد (19/201) من طريق الطبري، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " دَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ ". اهـ.
ومحمد بن مروان تصحيف لمحمد بن مرزوق البصري وعبد الملك بن عمرو القيسي كلاهما ثقتان.
وفي الإسناد كثير بن زيد الأسلمي فيه كلام كما قال الضياء المقدسي في السنن والأحكام (٤‏/٣٠٠).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (٢‏/٣٤٤) : "في إسناده كثير بن زيد وفيه كلام يوثقه ابن معين تارة ويضعفه أخرى". اهـ.
قلتُ: قال ابن عساكر وعلي ابن المديني ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي: "صالح"، وزاد المديني والرازي: "ليس بالقوي"، وزاد الرازي: "يكتب حديث"، وضعفه يحيى في موضع ءاخر والنسائي، وقال الحاكم: "تركاه لقلة حديثه"، وذكره الذهبي في ديوان الضعفاء.
وقال أبو زرعة الرازي: "صدوق فيه لين"، ونقل عنه الذهبي أنه قال: "ليس بالقوي"، وقال الطبري: "وهو عندهم ممن لا يحتج به"، وقال يعقوب بن شيبة: "ليس بذاك الساقط ، وإلي الضعف ما هو"، وذكره الدارقطني في الضعفاء والمتروكين.
وأحمد بن حنبل وأحمد ابن عدي قالا: "ما أرى به بأسا"، زاد ابن عدي: " وأرجو أنه لا بأس به"، وقال ابن سعد: "كثير الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال محمد بن عمار الموصلي: "ثقة".
وقال ابن حجر: "لينه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أحمد: "ما أرى به بأسًا"، فحديثه حسن في الجملة". "التغليق" (3/ 282). "مختلف فيه". "التغليق" (3/ 249).
وقال المعلمي اليماني في "الأنوار الكاشفة" (ص 41): "غير قوي"، وص (145): "ضعيف". اهـ.
قلتُ: قال أحمد في إسناد فيه كثير بن زيد: " لاَ أعلم فيه حديثا يثبت أقوى شيء فيه حديث كثير بْن زيد عن ربيح وربيح رجل ليس بمعروف". اهـ، وحسن الترمذي في حديث ءاخر كأنه لشواهده.
قلتُ: وله شاهد واهٍ فيما أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة [182]، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا يَوْم الاثْنَيْنَ فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ، وَاسْتُجِيبَ لَهُ عَشِيَّةَ الأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ "،
قَالَ أَبُو غَسَّانَ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ يَذْكُرُ، أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَبَلِ، هُوَ الْيَوْمَ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ الْوُسْطَى الشَّارِعَةِ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ الأَعْلَى". اهـ.
قلتُ: في الإسناد إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي متروك.
وروي عن كثير بن زيد طريق ءاخر أخرجه ابن شبة [174]، فقال:
قَالَ أَبُو غَسَّانَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، قَالَ:
" دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الأَعْلَى عَلَى الْجَبَلِ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَاسْتُجِيبَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ ".
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُعَاذٍ الدِّينَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فذكر مثله.
وفي الإسنادان عبد العزيز بن عمران الزهري متروك أيضا.

فالراجح في كثير بن زيد ضعفه فعليه الحديث ضعيف ومتنه منكر.
فقد خولف متنه فيما أخرجه الواقدي في مغازيه (2/488)، وأبو داود الطيالسي في مسنده [1878]، فقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا أَصَابَهُ الْكَرْبُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، أَلْقَى رِدَاءَهُ، وَقَامَ مُتَجَرِّدًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا، وَدَعَا وَلَمْ يُصَلِّ» قَالَ: «ثُمَّ أَتَانَا، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَصَلَّى». اهـ.
والرجل من بني سلمة لعله السلمي عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب الأنصاري السلمي الذي روى عنه كثير بن زيد الحديث السابق.
ففي الخبر هنا لم يذكر اليوم وفضل استجابة الدعاء يوم الأربعاء ويشهد له ما أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة [181]، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَعَدَ عَلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِ الْفَتْحِ وَحَمِدَ اللَّهَ، وَدَعَا عَلَيْهِ، وَعُرِضَ أَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ ". اهـ.

ولكن ابن أبي يحيى الأسلمي متروك وسلمة بن أبي يزيد المدني به جهالة وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وقال: قال أبي: "روى عن جابر بن عبد الله روى عنه كثير بن زيد". اهـ.
فعلى هذا يوجه فقه هذا الحديث فيما قال ابن المنذر في الإقناع (2/457) :
ويستحب أن يدعو الإمام إذا خاف قومًا، ويقول مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقوله إذا خاف قومًا: «اللهم إني أجعلك فِي نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم».
ودعا عَلَى الأحزاب، فَقَالَ: «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم».
ويستحب للإمام إذا لم يقاتل أول النهار أن يؤخر القتال إِلَى أن تزول الشمس وتهب الرياح، وينزل النصر لحديث النعمان بن مقرن، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ يفعل ذَلِكَ. اهـ.
والله أعلم.