تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

  1. #1

    Post فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ
    متن الدرة تأليف فضيلة الدكتور
    محمد يسري إبراهيم

    الجزء الأول
    شرح الباب الأول ويحتوى على أربعة فصول
    شرحها الفقير إلى ربه
    أبو عمار محمد بن عبد الستار الفيديميني

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهْدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70- 71].
    أمـا بعـــد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    وبعــــد:
    إن علم العقائد الإسلامية لهو أهم العلوم على الإطلاق، والعقائد في الإسلام هي الأصول التي تبنى عليها فروعه، والأسس التي يقوم عليها بنيانه، والحصون التي لا بد منها لحماية فكر المسلم من أخطار التشكيك وأعاصير التضليل والتزييف.
    وكثيرا ما سمعنا ورأينا أنواعاً من الانحرافات في الفكر والقول والسلوك لم يكن لها من سبب إلا البعد عن فهم أصول هذا الدين، وركائزه التي قام عليها، والتي لا بد من الإيمان بها ليفهم هذا الدين، وليجاب بها عن جميع التساؤلات التي لم يكن لها سبب سوى الجهل
    بقضايا الإيمان ومسائله.
    لذا فقد أدرك علماء الأمة وسلفها الصالح هذه الأهمية فاعتنوا بهذا العلم غاية العناية، وكتبوا في بيانه وتوضيحه المؤلفات الكثيرة الواسعة التي ملئت بها المكتبات الإسلامية بين مطولات ومتوسطات ومختصرات مطبوعات ومخطوطات.
    وكان من بين هذه المؤلفات المتن الذي جمعه فضيلة الدكتور/محمد يسري إبراهيم، والذي وسمه بـ «درة البيان في أصول الإيمان». والذي اشتمل على مسائل العقيدة الإسلامية، وبيان لوازمها وفروعها، فجاءت خلاصة لعدد من المتون القديمة، والمسائل المتناثرة.
    كل ذلك في حسن سبك، وجودة عرض، وفن صياغة، فوقعت يسيرة غير متكلفة، حتى أثنى عليها جماعة من العلماء ممن طالعها، وقدم لها.
    وهؤلاء العلماء هم:
    1 – الأستاذ الدكتور / مصطفى محمد حلمي . أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة – سابقاً بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة .
    وقد قام فضيلته بشرحها في دروس صوتيه إلا أنه لم يتمها .
    2 – الأستاذ الدكتور/عبد الستار فتح الله سعيد . أستاذ التفسير وعلوم القرآن – جامعتي الأزهر وأم القرى .
    3 – الأستاذ الدكتور/محمد رشاد عبد العزيز دهمش . أستاذ العقيدة ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الإسلامية، وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر سابقاً.
    4 – الأستاذ الدكتور/محمد السيد الجليند . أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة – سابقاً بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة .
    5 – الأستاذ الدكتور/عبد الله شاكر الجنيدي . أستاذ العقيدة ورئيس قسم الدراسات الإسلامية – بكلية المعلمين بالسعودية، ونائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
    6 – الأستاذ الدكتور/سيد عبد العزيز السيلي . أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة – بكلية أصول الدين – جامعة الأزهر سابقاً.
    7 – الأستاذ الدكتور/ عمر عبد العزيز قريشي . أستاذ العقيدة والأديان والمذاهب – بكلية الدعوة الإسلامية – جامعة الأزهر .
    وقد قام فضيلته بشرحها في دروس صوتيه إلا أنه لم يتمها .
    هذا وقد بلغت طبعات الكتاب فيما أعلم سبع طبعات، وقد قام المصنف حفظه الله بشرح المتن بنفسه في شرح صوتي واعتمد في الشرح الطبعة الرابعة، بلغ فيه الصفحة 35 .
    التعريف بالمؤلف :
    هو: الدكتور / محمد يسري إبراهيم . ولد في القاهرة في 1 جمادى الأولى 1386 هـ / 15 سبتمبر 1966 م.
    حصل الدكتور محمد يسري إبراهيم على البكالوريوس في الهندسة الكيميائية بتقدير جيد جداً من جامعة المنيا عام 1988م، ثم على الماجستير في الهندسة بتقدير ممتاز من نفس الجامعة عام 1993. وحصل على الدكتوراه في الهندسة بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1998م.
    كما حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة الأزهر عام 1997م.
    ثم حصل على درجة التخصص (الماجستير) في الشريعة الإسلامية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، والتوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات، وذلك من جامعة الأزهر عام 2003م، عن دراسة بعنوان: «الجناية العمد للطبيب على الأعضاء البشرية بالجراحة الطبية».
    ثم حصل على درجة العالمية (الدكتوراه) في الشريعة الإسلامية بعنوان «النوازل الفقهية للأقليات المسلمة، تأصيلاً وتطبيقاً» في جامعة الأزهر. بتقدير امتياز مع التوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات 2011م.
    الوظائف العلمية التي تقلدها:
    تقلد فضيلة الدكتور/محمد يسري . مجموعة من المناصب والوظائف العلمية التي تدل على مكانته العلمية وتقديره بين أهل العلم، من بين هذه الوظائف ما يلي:
    دكتور باحث بالمركز القومي للبحوث في وزارة البحث العلمي بالقاهرة .
    وكيل جامعة المدينة العالمية- ماليزيا .
    رئيس مجلس إدارة مركز فجر لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وزارة التربية والتعليم – القاهرة.
    رئيس مركز البحوث وتطوير المناهج في الجامعة الأمريكية المفتوحة، القاهرة.
    نائب رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة، القاهرة.
    باحث مشارك مجمع الفقه الإسلامي، جدة .
    عضو مؤسس الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام، رابطة العالم الإسلامي .
    عضو مجلس إدارة مركز قطر الثقافي الإسلامي، بالقاهرة .
    عضو مجلس أمناء ورئيس اللجنة العلمية منظمة النصرة العالمية، الكويت .
    عضو مجلس أمناء الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين .
    أمين عام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
    مؤلفاته العلمية :
    لم ينشغل فضيلة الدكتور/ محمد يسري حفظه الله بالوظائف التي تقلدها عن دوره في الكتابة والتأليف، بل جمع بين ذلك كله فكانت له المؤلفات الكثيرة التي تدل على علو همته، ومن هذه المؤلفات الآتي :
    طريق الهداية ( مباديء ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة ). مجلد.
    المبتدعة وموقف أهل السنة منهم . مجلد.
    الجامع في شرح الأربعين النووية . مجلدان .
    الجناية العمد للطبيب . رسالة ماجستير . مجلد .
    فقه النوازل للأقليات المسلمة تأصيلًا وتطبيقًا. رسالة دكتوراه . مجلدان .
    النسخ في القرآن الكريم عناية وتعليق . مجلدان .
    المصلحة في التشريع الإسلامي . مجلد .
    الفتوى (أهميتها – ضوابطها – آثارها). مجلد .
    أوضح العبارات في شرح المحلى على الورقات . مجلد .
    فتح الباري على مختصر البخاري . مجلد .
    متن درة البيان في أصول الإيمان . غلاف. هو كتابنا المعني بالشرح.
    القواعد النافعة في تمييز البدعة الواقعة . غلاف .
    مباديء علم أصول الدعوة . غلاف .
    معالم في أصول الدعوة . غلاف .
    الإحكام في قواعد الحكم على الأنام . غلاف .
    التطاول الغربي على الإسلام . غلاف .
    الفتوى المعاصرة ما لها وما عليها . غلاف .
    النصوص الشرعية خصائصها وضوابط الاستنباط منها. غلاف .
    صلاح البرية شرح حديث النية . غلاف .
    المشكاة شرح حديث اتق الله . غلاف .
    التسديد شرح حديث النزول للحافظ ابن عبد البر. تعليق . غلاف.
    التجديد في عرض السيرة النبوية: مقاصده وضوابطه. غلاف .
    الفضائيات الإسلامية، رؤية نقدية . غلاف .
    المشاركات السياسية في ضوء السياسة الشرعية . غلاف .
    الفريدة في عقيدة أهل السنة والجماعة. غلاف صغير.
    ولتستبين سبيل المجرمين . غلاف .
    الفهرسة الوصفية للسيرة النبوية . غلاف .
    مكانة آل البيت عند الأئمة الأربعة. غلاف .
    الفرقان المبين في نصرة شريعة رب العالمين. غلاف .
    متن الدرة وثناء العلماء عليها :
    تقدم أن جماعة من العلماء قدموا لهذه الدرة وأثنوا عليها ثناء حسن، وأوصى بعضهم بشرحها ونشرها بين الخاصة والعامة، ونستطيع أن نجمل ما قالوا في الآتي:
    الثناء على المادة العلمية :
    يقول الدكتور/مصطفي حلمي: هذا الكتاب جامع لمسائل العقائد الإسلامية وجدير بعنوانه، فهو على صغر حجمه ثمرة دراسة عميقة واطلاع واسع، بحيث يغني عن الرجوع إلي أمهات كتب العقائد قديماً وحديثاً.

    قال الدكتور/عبد الستار فتح الله: هذا المختصر الجامع في أصول الإيمان، محرراً مدققاً، شاملاً القواعد الراسخة، والفرائض الثابتة، واللازمة لبدهيات الإيمان والتوحيد.
    ويقول الدكتور/محمد رشاد دهمش: لقد كانت هذه الدرة الفريدة إبرازاً وتوضيحاً لمنهج السلف الصالح ... والمكتبة الإسلامية في حاجة ملحة إلي هذه الدرة اليتيمة التي حوت علم التوحيد كله في أسلوبه السهل الممتع مع الإيجاز البليغ.
    وقال الدكتور/عبد الله شاكر: هذه رسالة قل نظيرها عند الأولين لأنهم وإن كتبوا الكثير فلا يوجد مختصر جامع ومفيد بهذا العرض والأسلوب، احتوى على جُل مسائل الاعتقاد.

    الثناء على الصياغة :
    قال الدكتور/دهمش: في عبارة حكيمة، وإشارة بليغة، ومعان دقيقة، وتراكيب رشيقة، وأفكار سديدة.
    تميزت بحسن سبكها وجودة عرضها، وسمو لغتها، في سجعة مليحة، لا تخرج المتن عن هيبة العلم وأصالته وعمق مسائله.
    ويقول الدكتور/محمد الجليند: في أسلوب مصفى خالٍ من التعقيدات، في عبارةٍ سهلةٍ، وكلمات دالة على مقصودها، وأسلوب مباشر يخاطب به المؤلف القلب والوجدان، يدل على تمكن المؤلف ومعرفته بمصادر المعرفة الإنسانية ومنابعها.
    يقول الدكتور/القريشي: حقيقة حين أمسكت الكتاب ما استطعت أن أتركه حتى أتممته، والحق يقال: إن الكتاب اسم على مسمى، فقد جاء في بابه درة، وفي أسلوبه غايةً في البيان، وفي مضمونه قد اشتمل على أصول الإيمان.
    الثناء على المؤلف :
    يقول الدكتور/عبد الستار فتح الله: سرنا اشتغال الأخ الكريم محمد يسري بالعلوم الشرعية، والاجتهاد في إبرازها مؤصلة مفصلة، أخذاً من الأصلين الكتاب والسنة، وقد أحسن الاستفادة من كتب الأئمة الأعلام ... وقال: من مميزات هذا العمل امتلاك مؤلفه ناصية فن الصياغة، وسبك العبارة، واختيار الألفاظ ... جزى الله المؤلف على جهده النافع، وبارك في علمه وكتبه .
    وقال الدكتور/عبد الله شاكر: لقد سرني وشرح صدري صاحب اليد الطولى في الكتابة والتأليف فضيلة الأستاذ الدكتور محمد يسري إبراهيم، من كلمات رائقة فائقة في العلم الشريف .
    وقال الدكتور/دهمش: قدم العلامة الفاضل محمد يسري إلى الأمة الإسلامية هديته الربانية في العقائد السلفية، حطم بها الأفكار البدعية، وقدم فيها الأصول الإيمانية.
    وقال الدكتور/ محمد الجليند: هذا العمل يدل على أصالة المؤلف وثقافته وسعة معرفته بتراث سلف الأمة وإفادته منه .
    وقال الدكتور/القريشي: أخي محمد، أغبطك على ما وفقك الله إليه.
    الوصية بنشر هذا المتن وشرحه :
    قال الدكتور/دهمش: قدم درته لعلماء الأمة وطلاب العلم وعشاق المعرفة، ولعامة المسلمين وخاصتهم، كي يعيشوا في رحابها ويقتنصوا ما فيها من الفوائد واللآلىء والفرائد التي زخرت بها هذه الدرة الثمينة.
    وقال الدكتور/عبد الله شاكر: أوجه دعوة صادقة لطلاب العلم ومحبيه أن يقرأوه في حلقات العلم والمساجد عقب بعض الصلوات، وأن يقوم المتأهل منهم في هذا العلم بشرح وتحليل بعض عباراته ليعم النفع به.
    هو متن قوي مؤصل، نتمنى سعة انتشاره، وتناول طلبة العلم له بالتعليق والشرح والبيان، فالحاجة إلي ذلك ماسة، خاصة في هذا الزمان المليء بالفتن وتغير الأحوال نسأل الله الثبات.
    من هنا وبناءً على وصية هؤلاء العلماء، ولما تحويه هذه الدرة من أهمية، وأيضاً لما تمر به الأمة من أحوال وفتن في كل مكان، كانت الحاجة ماسة لدراسة وقرأت منهج السلف في الاعتقاد وبيانه وإظهاره للخاصة والعامة.
    وقد يسر الله لي شرح هذه الدرة مرتين، الأولى: على إخواني من طلبة العلم بمسجد الرضوان بقريتنا الحبيبة، والثانية: على العامة في الدروس الرمضانية بمسجد خاتم المرسلين، ثم إنني استخرت الله تعالى وعزمت على أن أقوم بشرح هذه الدرة في مؤلف يكون أكثر تفصيلاً وتأصيلاً.
    وقد أعانني الله ووفقني لشرح الباب الأول من هذه الدرة الثمينة، وأفاض علينا من فضله وكرمه حتى تم لنا مرادنا، وقد وسمته بـ «فيض المنان بشرح درة البيان في أصول الإيمان». فالله أسأل أن يتمم لنا بقية شرحه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
    وصل اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا . وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتبــــه
    الفقير إلى مولاه /أبو عمار محمد عبد الستار الفيديميني
    مصر – الفيوم – فيديمين

  2. #2

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    الْبَابُ الْأَوَّلُ
    مبَادِئ ومُقَدِّمَات
    الفصل الأول
    مبَادِئ عِلْمُ الْإِيمَانِ وَمُقَدِّمَاتِه
    أوَّلُ الْوَاجِبَاتِ، وَأَعْظَمُ الْمُهِمَّاتِ: تَوْحِيدُ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَات.
    ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    الشرح :

    قول: ( مبادىء ) جمع مبدأ، ومَبْدأ الشّيء: قواعده الأساسيّة التي يقوم عليها، وأوّله ومادّتُه التي يتكوّنُ منها، مثل النواة مبدأ النخل، والحروف مبدأ الكلام ، فقوله ( مَبادِئ علم الإيمان ) أي قواعده الأساسيّة التي يقوم عليها ويخرج منها.
    قوله: ( علم الإيمان ) العلم ضد الجهل، قال في التعريفات: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وقيل: العلم هو إدراك الشيء على ما هو به، وقيل: العلم: صفة راسخة تدرك بها الكليات والجزئيات . والإيمان سيأتي تعريفه، ودليل أن الإيمان علم قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾([1]). وحديث جندب بن عبد الله، قال: كنا مع النبي ﷺ ونحن فتيان حزاورة، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا»([2]).
    قوله: ( ومقدماته ) عطف على مبادىء، والهاء عائدة على علم الإيمان، والمعنى مبادىء ومقدمات علم الإيمان، والمقدمة من كل شيء أوله .
    وقد جرى على ذلك أكثر من صنف من العلماء أن يذكر في مطلع مصنفه مبادىء الفن الذي يصنف فيه ويضع له المقدمات التي تعرف به .
    قوله: (أوَّلُ الْوَاجِبَاتِ، وَأَعْظَمُ الْمُهِمَّاتِ: تَوْحِيدُ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَات). لا شك أن أول الواجبات وأعظمها عند أهل السنة هو توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة دون سواه.
    وقد بدأ المصنف بما بدأ به الله تعالى حيث قال:﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾([3]) ففي هذه أمر من الله لسائر خلقه المكلَّفين بالاستكانة، والخضوع له بالطاعة، وإفراده تعالى بالربوبية والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة. لأنه جلّ ذكره هو خالقهم وخالقُ مَنْ قبلهم من آبائهم وأجدادهم، وخالقُ أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم.
    وكذا كانت الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة أول ما دعى إليه الرسل أقوامهم، بل إن توحيد الله وإفراده بالعبودية هو مقصود دعوة النبيين والمرسلين ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([4]) ، وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾([5]). وعلى هذا كانت دعوتهم عليهم الصلاة والسلام، قال نوح لقومه: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾([6]). وقال هود: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾([7]). وقال صالح: ﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾([8]). وقال إبراهيم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([9]). وقال شعيب: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([10]). وقال عيسى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾([11]). وقال محمد ﷺ: « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله »([12]).
    وهذا هو أول واجب يجب على المكلف أن يشهد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله ، لما صح أن النبي ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ... الحديث». وفي رواية: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ». وفي رواية : «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى»([13]).
    ومن هذه الروايات نعلم أن المراد بالعبادة: هو التوحيد، والمراد بالتوحيد: الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله «ذلك» إلى التوحيد: وقوله «فإذا عرفوا الله» أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة: الإقرار والطواعية.
    وأئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب بلوغه، بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك, ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين، وإن كان الإقرار بالشهادتين واجباً باتفاق المسلمين، ووجوبه يسبق وجوب الصلاة، لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك.
    وهذا خلافاً لأرباب الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، فقد قال بعضهم: أول واجب على المكلف النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدوث العالم.
    وقالت طائفة: أول واجب القصد إلى النظر الصحيح - القصد عندهم: هو تفريغ القلب عن الشواغل-.
    وقالت طائفة أخرى: أول واجب الشك.
    وقالت طائفة رابعة: أول واجب المعرفة بالله – والمراد بالمعرفة عندهم: معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم-.، ومجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمناً، بل ولا يصير مؤمناً بأن يعلم أن الله رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمناً بذلك حتى يشهد أن محمداً رسول الله.
    وقد أنكر ذلك عليهم السلف، قال أبى المظفر السمعانى: لم يرو أنه ﷺ دعاهم – أي الكفار - إلى النظر والاستدلال وإنما يكون حكم الكافر في الشرع أن يدعى إلى الإسلام فإن أبى وسأل النظرة والإمهال لا يجاب إلى ذلك ولكنه إما أن يسلم أو يعطي الجزية أو يقتل ، ولا يجوز على طريقهم – أي أهل الكلام - الإقدام على هذا الكافر بالقتل والسبي إلا بعد أن يمهل لأن النظر والاستدلال لا يكون إلا بمهلة خصوصاً إذا طلب الكافر ذلك وربما لا يتفق النظر والاستدلال في مدة يسيرة فيحتاج إلى إمهال الكفار مدة طويلة تأتي على سنين ليتمكنوا من النظر على التمام والكمال وهو خلاف إجماع المسلمين. اهـ([14])
    وينبغي على قولهم إذا مات في مدة النظر والمهلة قبل قبول الإسلام أنه مات مطيعاً لله مقيماً على أمره لابد من إدخاله الجنة كما يدخل المسلمون.
    ولا شك عندنا أن النظر قد ورد به الأمر في الآيات القرآنية ، فأما إيجابه على كل أحد فلا نسلم به بل ولا نسلم بأنه أول الواجبات، مع التفريق بين النظر الصحيح - فهو المأمور به -، وبين النظر المفضي إلى الباطل - فلا تدل عليه الآيات.
    فالذي يلاحظ من القرآن هو أن النظر يجب على من لم يحصل له الإيمان إلا به، فمثال ذلك قول الله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾([15])، فهذه الآية والتي قبلها جاءت بعد قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُه ُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾([16]). ومثل هذه الآية قوله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾([17]).
    فعلى هذا لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر، مثل لو كان إيمانه فيه شيء من الضعف ويحتاج إلى تقويته فحينئذ لابد أن ينظر في آيات الله.
    ثم اعلم هداني الله وإياك : أن هذا المسألة – أعني أول الواجبات – مبنية على مسألة أخرى وقع فيها أيضاً الخلاف بين السلف والمتكلمين، وهى مسألة معرفة الله تعالى .
    حيث وقع الخلاف في حصول المعرفة بالله تعالى، على ثلاثة أقوال:
    القول الأول: أن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر، وهذا قول كثير من المعتزلة والأشاعرة وأتباعهم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم.
    القول الثاني: أن المعرفة يبتديها الله اختراعا في قلوب العباد من غير سبب يتقدم، ومن غير نظر ولا بحث، وهذا قول كثير من الصوفية والشيعة، ومعنى هذا القول أن المعرفة بالله تقع ضرورة فقط.
    القول الثالث: أن المعرفة بالله يمكن أن تقع ضرورة، ويمكن أن تقع بالنظر، وهذا قول جماهير المسلمين.([18])
    ثم إنه قد بُنيت على هذه المسألة – أعني أول الواجبات – مسألة أخرى، هي حكم إيمان المقلد – والمراد بالمقلد: هو المؤمن بغير دليل إجمالي ولا تفصيلي - .
    فأهل الكلام لما جعلوا النظر أول الواجبات وأصل العلم اختلفوا في حكم من آمن ولم ينظر ويستدل، على ثلاثة أقوال:
    الأول: أنه يصح إيمانه ويكون كافرا.
    الثاني: أن إيمانه صحيح ولكنه آثم على تركه النظر والاستدلال.
    الثالث: أن يكون مقلدا لا علم له بدينه لكنه ينفعه هذا التقليد ويصير به مؤمنا غير عاص.
    وقد خطأ مذهبهم السلف والأئمة، قال الإمام النووي رحمه الله: والجماهير من السلف والخلف على أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً لا تردد فيه كفاه ذلك وهو مؤمن من الموحدين ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله تعالى بها خلافاً لمن أوجب ذلك وجعله شرطاً في كونه من أهل القبلة وزعم أنه لا يكون له حكم المسلمين إلا به، وهذا المذهب هو قول كثير من المعتزلة وبعض أصحابنا المتكلمين وهو خطأ ظاهر فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل ولأن النبي ﷺ اكتفى بالتصديق بما جاء به ﷺ ولم يشترط المعرفة بالدليل فقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيحين يحصل بمجموعها التواتر بأصلها والعلم القطعي.أهـ([19])
    *****


    ([1]) سورة محمد : الآية ( 19).

    ([2]) أخرجه ابن ماجه برقم ( 61)، وصححه الألباني .

    ([3]) سورة البقرة : الآية ( 21 ).

    ([4]) سورة الأنبياء : الآية ( 25 ).

    ([5]) سورة النحل : الآية ( 36 ).

    ([6]) سورة المؤمنون : الآية ( 23 ).

    ([7]) سورة الأعراف : الآية ( 65 ).

    ([8]) سورة الأعراف : الآية ( 73 ).

    ([9]) سورة العنكبوت: الآية ( 16).

    ([10]) سورة العنكبوت: الآية ( 36).

    ([11]) سورة المائدة: الآية ( 72).

    ([12]) متفق عليه: رواه البخاري برقم ( 6924)، ومسلم برقم ( 20 ) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، والشطر الأول من الحديث تواتر نقله عن النبي ﷺ، فهو مروي عن معاذ بن جبل، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأوس بن أوس الثقفي، والنعمان بن بشير، وطارق بن أشيم، وغيرهم .

    ([13]) متفق عليه: رواه البخاري برقم ( 1395)، ومسلم برقم ( 19 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

    ([14]) الانتصار لأصحاب الحديث ص 62، بتصرف يسير.

    ([15]) سورة الأعراف : الآية ( 185 ).

    ([16]) سورة الأعراف : الآية ( 182 ).

    ([17]) سورة الروم : الآية ( 8 ).

    ([18]) انظر: درء تعارض العقل والنقل، لشيخ الإسلام/ابن تيمية ( 7/ 352 ) وما بعدها بتصرف.

    ([19]) شرح النووي على مسلم ( 1/ 210 – 211 ).

  3. #3

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    والتَّوْحِيدُ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، والسَّبَبُ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ.
    وَهُوَ أَصْلُ دَعْوَةِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ ، وغايَةُ خَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَجْمَعِين.
    ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    الشرح :

    وقوله: (والتَّوْحِيدُ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ) التوحيد: هو إفراد الله تعالى بالعبادة لا شريك له، وشرط الصحة: ما يجب وجوده لصحة الشيء وقبوله، والعبادات : جمع عبادة وأصلها في اللغة التذليل، يقال طريق معبد : أي مذلل بكثرة الوطء عليه، فكل طاعة لله من امتثال أمر أو اجتناب نهي على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة. وقيل: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
    قال الراغب الأصفهاني: والعبادة تقال في ثلاثة أشياء: اعتقاد الحق، وتحري الصدق، وعمل الخير، وعبادة الله قد يكون في فعل المباحات كما يكون في أداء الواجبات وذلك إذا قصد بالفعل وجه الله وتحرى به مرضاته.
    وكون التوحيد شرط صحة العبادات دليله، قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾([1]). وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾([2]).
    وقوله: (والسَّبَبُ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ) فالتوحيد إذاً شرط صحة وقبول فلا تصح ولا تقبل العبادات إلا به، فينبغي للعبد أن يكون موحداً مخلصاً لله تعالى .
    والسؤال هنا يطرح نفسه هل هناك فرق بين العبادات والطاعات؟
    يقول الشيخ ابن عثيمين رداً على هذا السؤال: الطاعة إذا كانت منسوبة لله; فلا فرق بينها وبين العبادة، فإن عبادة الله طاعته.
    وأما الطاعة المنسوبة لغير الله; فإنها غير العبادة، فنحن نطيع الرسول ﷺ لكن لا نعبده، والإنسان قد يطيع ملكاً من ملوك الدنيا وهو يكرهه.اهـ
    ثم اعلم إنه فرق جماعة من العلماء بين الطاعة والقربة والعبادة بأن الطاعة امتثال الأمر والنهي، والقربة ما تقرب به بشرط معرفة المتقرب إليه، والعبادة ما تعبد به بشرط النية ومعرفة المعبود، فالطاعة توجد بدونهما في النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى إذ معرفته إنما تحصل بتمام النظر، والقربة توجد بدون العبادة في القرب التي لا تحتاج إلى نية كالعتق والوقف فعلى هذه متفرقة، والحق أن هذه التفرقة تحكم فنحو الصلاة يقال له طاعة وقربة وعبادة باعتبارات وكذا الوقف ونحوه فتأمل.
    وقد جمع المصنف هنا بين العبادات والطاعات ليقطع على كل من فرق بينهما أنه لا تقبل طاعة ولا عبادة دون توحيد الله تعالى .
    قوله: (وَهُوَ أَصْلُ دَعْوَةِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ) تقدم بيانه، ودليله قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([3]) ، وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾([4]).
    قوله: (وغايَةُ خَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَجْمَعِين) قد صرّح سبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾([5])، والعبادة هي التوحيد لأن الخصومة بين الأنبياء والأمم فيه، عن ابن عباس رضي الله عنه:«إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها». وعن أبي صالح، ومقاتل: «إلا ليوحدون». وعن محمد بن كعب: «إلا ليقولوا لا إله إلا الله»([6]).
    وقد دلت الآية على أن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة، وهي القيام بما وجب عليهم من عبادته وحده بترك عبادة ما سواه، ففعل الأول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهي توحيده وعبادته.
    وكان الأولى بالمصنف هنا أن يقدم ما قدمه الله فيقول (وغاية خلق الجن والإنس أجمعين) فهكذا جاء ذكر الجن والإنس في القرآن الكريم.


    ([1]) سورة الأنعام : الآية ( 88 ).
    ([2]) سورة الزمر : الآية ( 64 : 66 ).
    ([3]) سورة الأنبياء : الآية ( 25 ).
    ([4]) سورة النحل : الآية ( 36 ).
    ([5]) سورة الذاريات : الآية ( 56 ).
    ([6]) الطبراني في الدعاء ( 1627 ).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمار الفيديميني مشاهدة المشاركة
    والتَّوْحِيدُ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ،
    والسَّبَبُ لِقَبُولِ الطَّاعَاتِ.

    وَهُوَ أَصْلُ دَعْوَةِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ ،
    وغايَةُ خَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَجْمَعِين.
    بارك الله فيك اخى أبو عمار محمد بن عبد الستار الفيديمينى

  5. #5

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك اخى أبو عمار محمد بن عبد الستار الفيديمينى
    وفيكم بارك الله ، وشكر لكم، أخي الكريم محمد بن عبد اللطيف

  6. #6

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    وأَسْمَاؤُهُ: أَسْمَاءُ هَذَا الْعِلْمِ – لِشَرَفِهِ – كَثِيرَةٌ، وأَلْقَابُهُ – لِجَلَالَتِهِ – شَهِيرَةٌ .
    «فَالْإِيمَانُ» و«السُّنَّةُ»، و«التَّوْحِيدُ» و«العَقِيدَةُ»، و«أُصُولُ الدِّينِ» و«الشَّرِيعَةُ» ، وَأَوَّلِهَا إِطْلَاقًا وتَصْنِيفًا «الْفِقْهُ الْأَكْبَرِ»، وكلٌ أَسْمَاءٌ شَرْعِيَّةٌ حَمِيدَةٌ .
    ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    الشرح :

    قوله: (أَسْمَاءُ هَذَا الْعِلْمِ) أي: علم الإيمان (لِشَرَفِهِ كَثِيرَةٌ، وأَلْقَابُهُ لِجَلَالَتِهِ شَهِيرَةٌ) يعرفه أهل العلم وطلبته .
    ومن أسماء هذا العلم (الْإِيمَانُ) ومن الكتب التي صنفت بهذا الاسم :
    1 – الإيمان لأبي عبيد : القاسم بن سلام الهروي البغدادي ( المتوفى: 224 هـ ).
    2 – الإيمان لابن أبي شيبة : أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ( المتوفى: 235 هـ ).
    3 – الإيمان لابن مندة : أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن منده العبدي ( المتوفى : 395 هـ ).
    4 – الإيمان لابن تيمية : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ( المتوفى : 728 هـ ).
    5 – أصول الإيمان: للشيخ /محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ).
    (والسُّنَّةُ) ومنها كتاب:
    1 – أصول السنة : للإمام /أحمد بن حنبل الشيباني ( المتوفى : 241 هـ ).
    2 – السنة لابن أبي عاصم: أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287هـ).
    3 – السنة لعبد الله بن أحمد: أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ البغدادي (المتوفى: 290هـ).
    4 - السنة للمروزي: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي (المتوفى: 294هـ).
    5 – السنة للخلال: أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخَلَّال البغدادي الحنبلي (المتوفى: 311هـ).
    6 - أصول السنة لابن أبي زمنين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري ( المتوفى : 399 هـ ).
    (والتَّوْحِيدُ) :
    إن تسمية علم الإيمان بالتوحيد من باب تسمية الشيء بأشرف أجزائه؛ لأن توحيد الله عز وجل هو أشرف مباحث علم الإيمان، ذلك أن مصطلح الإيمان أوسع وأشمل من مصطلح التوحيد .
    من المصنفات التي تحمل هذا الاسم :
    1 – كتاب التوحيد من صحيح البخاري: الإمام /محمد بن إسماعيل البخاري ( المتوفى : 256 هـ ).
    2 – التوحيد لابن سريج: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي ( المتوفى : 306 هـ ).
    3 – التوحيد لابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري (المتوفى: 311هـ).
    4 – التوحيد لابن مندة : أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن منده العبدي ( المتوفى : 395 هـ ).
    ثم تتابعت الكتب المؤلفة تحت هذا الاسم .
    (والعَقِيدَةُ) منها :
    1 – العقيدة للإمام أحمد: رواية أبو بكر بن الخلال ( المتوفى : 311 هـ ).
    2 - اعتقاد أئمة الحديث: لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس بن مرداس الإسماعيلي (المتوفى: 371هـ).
    3 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي (المتوفى: 418هـ).
    4 – عقيدة السلف وأصحاب الحديث: لأبي عثمان عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني ( المتوفى : 449 هـ ).
    (وأُصُولُ الدِّينِ) ومن ذلك :
    1 - الإبانة عن أصول الديانة: لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (المتوفى: 324هـ).
    2 - الشرح والإبانة عن أصول الديانة ، وهو المعروف بالإبانة الصغرى: لأبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، المعروف بابن بَطَّة العكبري (المتوفى: 387هـ).
    يلاحظ أن العقيدة سميت بهذا الاسم تمييزاً لها عن الفروع، ولا يفهم من ذلك أن تأخذ العقيدة ويترك العمل بالفروع، لا فالعمل من الإيمان، ولكن الذي ينبغي علمه أن للدين أصول وفروع .
    (والشَّرِيعَةُ) :
    ومن ذلك كتاب الشريعة للآجري : أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي (المتوفى: 360هـ).
    قوله : (وَأَوَّلِهَا إِطْلَاقًا وتَصْنِيفًا «الْفِقْهُ الْأَكْبَرِ) صنفه الإمام / أبو حنيفة النعمان بن ثابت ( المتوفى : 150 هـ ) وسبب تسميته بالفقه الأكبر تمييزاً له عن فقه الأحكام، وهذه التسمية تعني الاهتمام بالعقيدة، والبدء بتصحيحها قبل القيام بأداء الأعمال، ولا يعني ذلك إهمال أداء الأعمال، ومعرفة أدلتها التفصيلية؛ لأن دين الإسلام كل لا يتجزأ، ولا يمكن الاستغناء عن بعضه، والاكتفاء بالبعض الآخر.
    (وكلٌ أَسْمَاءٌ شَرْعِيَّةٌ حَمِيدَةٌ) لأنهما مستمدة من الكتاب والسنة، وتلقاها علماء الأمة بالقبول فلم ينكر أحد منهم اسماً من هذه الأسماء، وذلك بخلاف غيرها من الأسماء كالفلسفة، والمنطق، وعلم الكلام كما سيوضحه المصنف حفظه الله ورعاه .
    *****

  7. #7

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    و«عِلْمُ الْكَلَامِ» و« الْفَلْسَفَةُ» أَسْمَاءٌ بِدْعِيَّةٌ ذَمِيمَةٌ.
    ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    الشرح :

    قوله (وعِلْمُ الْكَلَامِ.. الخ) علم الكلام مستمد من الفلسفة وهي مشتقة من كلمة يونانية وهي فيلاسوفيا وتفسيرها: محبة الحكمة فلما أعربت قيل: فيلسوف ثم اشتقت الفلسفة منه ومعنى الفلسفة: علم حقائق الأشياء والعمل بما هو أصلح.
    وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمهم.
    وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المَشَّاؤُون خاصة، وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها. وهي التي يعرفها، بل لا يعرفُ سواها، المتأخرون من المتكلمين.
    أما الفلاسفة فإن إيمانهم بالله تبارك وتعالى لا يكاد يتعدى الإيمان بوجوده المطلق، -أي بوجوده في الذهن والخيال دون الحقيقة-، وأما ما عدا ذلك فلا يكادون يتفقون على شيء، فالمباحث العقدية عندهم من أسخف وأفسد ما قالوا به.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة»([1]).
    والذي ينبغي معرفته أن الفلاسفة لا يؤمنون بوجود الله حقيقة، ولا يؤمنون بوحي ولا نبوة ولا رسالة، وينكرون كل غيب، فالمبادىء الفلسفية جميعها تقوم على أصلين هما:
    الأصل الأول: أن الأصل في العلوم هو عقل الإنسان، فهو عندهم مصدر العلم.
    الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط.
    فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر.
    ثم إنهم تسلطوا على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور.
    وأما أهل الكلام فقد شاركوا الفلاسفة في بعض أصولهم، وأخذوا عنهم القواعد المنطقية والمناهج الكلامية، وتأثروا بها إلى درجة كبيرة.
    وسلكوا في تقرير مسائل الاعتقاد المسلك العقلاني على حد زعمهم، وهم وإن كانوا يخالفون الفلاسفة في قولهم إن هذه الحقائق مجرد وهم وخيال، إلا أنهم شاركوهم في تشويه كثير من الحقائق الغيبية، فلا تجد في كتب أهل الكلام على اختلاف طوائفهم تقريراً لمسائل الاعتقاد كما جاءت بها النصوص الصحيحة، فبدل أن تسمع أو تقرأ قال الله، أو قال رسوله ﷺ، أو قال الصحابة، فإنك لا تجد في كتبهم إلا قال الفضلاء، قال العقلاء، قال الحكماء، ويعنون بهم فلاسفة اليونان من الوثنيين، فكيف جاز لهم ترك كلام الله وكلام رسوله ﷺ والأخذ بكلام من لا يعرف الله ولا يؤمن برسوله؟!
    والمطَّلِع على كتب أهل الكلام يدرك عِظَم الضرر الذي جَنَتْهُ على الأمة المسلمة، إذ تسببت تلك الكتب في حجب الناس عن المعرفة الصحيحة لله ورسوله ولدينه، وجُعِلَ بدل ذلك مقالات التعطيل والتجهيل والتخييل.
    وإنك لتدرك علاقة علم الكلام بالفلسفة من تعريف أحد المتكلمين له يقول أبو حيان الفيلسوف المعتزلي: «وأما علم الكلام فإنه من باب الاعتبار في أصول الدين يدور النظر فيه على محض العقل في التحسين والتقبيح، والإحالة والتصحيح، والإيجاب والتجويز، والاقتدار والتعجيز، والتعديل والتجوير، والتوحيد والتكفير»([2]).
    وقد ارتبط علم الكلام بالفلسفة منذ ظهور فرقة المعتزلة أو ظاهرة «الاعتزال»، يقول الشهرستاني: «ابتدءوا بدعتهم في زمان الحسن، واعتزل واصل عنهم وعن أستاذه بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين. فسمي هو وأصحابه معتزلة. وقد تلمذ له زيد بن علي وأخذ الأصول فلذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة ...... ، ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حيث نشرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام. وأفردتها فنا من فنون العلم، وسمتها باسم الكلام، إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها، هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان»([3]).
    ثم قال: أما رونق الكلام فابتداؤه من الخلفاء العباسيين: هارون، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل؛ وانتهاؤه من الصاحب بن عباد وجماعة من الديالمة.
    وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين، مثل ضرار بن عمرو، وحفص الفرد، والحسين النجار، ومن المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل، ونبغ منهم جهم بن صفوان وأظهر بدعته في الجبر وقتل فى أخر ملك بنى أمية.اهـ
    لذا قد نهى السلف الصالح عَن هَذَا النَّوْع من الْعلم وَهُوَ علم الْكَلَام والفلسفة وزجروا عَنهُ وعدوا ذَلِك ذَرِيعَة للبدع والأهواء، وَحمل بَعضهم قَوْله ﷺ «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع». أنه علم الكلام .
    ومن ذلك قول الشافعي – رحمه الله -: «ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح»، وقال: «حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام»، وقال: «لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء لفروا منه كما يفر من الأسد».
    وقال أبو يوسف: «من طلب العلم بالكلام تزندق».، وذكر ابن أبي خيثمة، ثنا محمد بن شجاع البلخي قال: سمعت الحسن بن زياد اللؤلؤي، وقال له رجل في زفر بن الهذيل: أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله ما أحمقك ما أدركت مشيختنا زفر، وأبا يوسف، وأبا حنيفة، ومن جالسنا وأخذنا عنهم يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم.
    وقال مالك بن أنس: «كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد ﷺ لجدله».
    وعن صالح بن أحمد بن حنبل قال: كتب رجل إلى أبي فسأله عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم فأملى علي جوابه. «أحسن الله عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ وإنما الأمر بالتسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله - جل وعلا».
    وقال أبو عمر بن عبد البر: « أجمع أهل الفقه والآثار من جميع أهل الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ لا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء وإنما العلماء أهل الأثر والمتفقه فيه»([4]).
    وقال أحمد بن إسحاق المالكي: «أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري».
    قال ابن أبى العز: فكيف يرام الوصول إلى علم الأصول، بغير إتباع ما جاء به الرسول؟! ولقد أحسن القائل:
    أيها المغتدي ليطلب علماً ... كل علم عبد لعلم الرسول
    تطلب الفرع كي تصحح أصلاً ... كيف أغفلت علم أصل الأصول
    وما أجمل قول القحطاني في نونيته :
    لا تلتمس علم الكلام فإنه ... يدعو إلى التعطيل والهيمان
    لا يصحب البدعي إلا مثله ... تحت الدخان تأجج النيران
    علم الكلام وعلم شرع محمد ... يتغايران وليس يشتبهان
    اخذوا الكلام عن الفلاسفة الأولى ... جحدوا الشرائع غرة وأمان
    حملوا الأمور على قياس عقولهم ... فتبلدوا كتبلد الحيران
    مرجيهم يزري على قدريهم ... والفرقتان لدي كافرتان
    ويسب مختاريهم دوريهم ... والقرمطي ملاعن الرفضان
    ويعيب كراميهم وهبيهم ... وكلاهما يروي عن ابن أبان
    لحجاجهم شبه تخال ورونق ... مثل السراب يلوح للظمآن
    دع أشعريهم ومعتزليهم ... يتناقرون تناقر الغربان
    كل يقيس بعقله سبل الهدى ... ويتيه تيه الواله الهيمان
    فالله يجزيهم بما هم أهله ... وله الثنا من قولهم براني
    وذم أهل الكلام والمتفلسفة كثير عن أئمة السلف . وقد ألف الموفق ابن قدامة المقدسي كتاباً أسماه «تحريم النظر في كتب الكلام». وعلى هذا عامة أهل العلم لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد .
    هذا باستثناء العالم وطالب العلم الذي يريد أن يطالع شبهاتهم للرد عليها، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/525) :«والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصير من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك ، بخلاف الراسخ، فيجوز له، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف»اهـ .
    وجاء في فتاوى نور على الدرب (التوحيد والعقيدة/267) من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :«وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها ، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها»اهـ.
    وقد قالت اللجنة الدائمة كما في مجلة البحوث الإسلامية (19/138) :« يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال, والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة، إلا إذا كان من يقرؤها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم » اهـ.
    فليتق امرؤ ربه عز وجل ولا يدخلن في دينه ما ليس منه وليتمسك بآثار السلف والأئمة المرضية وليكونن على هديهم وطريقهم وليعض عليها بنواجذه ولا يوقعن نفسه في مهلكة يضل فيها الدين ويشتبه عليه الحق .


    ([1]) الرد على المنطقيين (ص114) .

    ([2]) رسالة أبي حيان في العلوم (ص 21) .

    ([3]) الملل والنحل ( 1/ 29 ) .

    ([4]) انظر ما سبق من أقوال الأئمة جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر رحمه الله .

  8. #8

    افتراضي رد: فَيْضُ الْمَنَّانِ بشَرْحِ دُرَّةِ البَيَانِ في أُصُولِ الِإيمَانِ - متجدد

    حَدُّه: هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْإِيمَانِيَّة ِ المُستَمدُّ مِنَ الْأَدِلَّةِ المَرْضِيَّةِ، ورَدِّ الشُّبُهَاتِ وقَوادحِ الْأَدِلَّةِ الخِلَافِيَّةِ.

    نِسْبَتُه: عِلْمُ التَّوْحِيدِ أَصْلٌ، وَمَا سِوَاهُ فَرْعٌ، قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرهِ .

    ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    الشرح :

    قوله (حَدُّه) منتهى كل شَيْء حَدّه. ومراد المصنف مالا يخرج عنه علم الإيمان كما قال ابن فارس : الحد : الحاجز بين الشيئين. لذا فإن حده (هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) والأحكام الشرعية منها الأصولية ومنها الفرعية لذا فقد أكد أن مراده الأصولية بقوله (الْإِيمَانِيَّة ِ) وإن كانت الأحكام الفرعية لا تخرج عن الأصولية، وقد زاد ذلك تأكيدا بقوله (المُستَمدُّ مِنَ الْأَدِلَّةِ المَرْضِيَّةِ) وهى الكتاب والسنة والإجماع المعتبر، كما سيوضحه المصنف فيما بعد، وذلك لبيان الحق (ورَدِّ الشُّبُهَاتِ وقَوادحِ الْأَدِلَّةِ الخِلَافِيَّةِ) وإلزام المعاندين وإفحام المخالفين، وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو المقدور على إثباته بالأدلة وحل ودفع الشبه الواردة عليه، وهو من أجل فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين .
    قوله : (نِسْبَتُه) أي: ما يعود إليه هذا العلم، فقال (عِلْمُ التَّوْحِيدِ أَصْلٌ) سماه هنا علم التوحيد وقد بوب على أن اسمه علم الإيمان ولا مشاحة في الاصطلاح وقد تقدم أن اسم التوحيد من أسماء هذا العلم الذي تلقاها علماء الأمة بالقبول، وكلٌ أسماء شرعية حميدة، وتسميته هنا بالتوحيد أبلغ لأنه أخص، وهو أصل الأصول وأشرف العلوم.
    ومعنى وحدت الله أي : نسبت إليه الوحدانية، لا جعلته واحدا، فإن وحدانية الله تعالى ذاتية له ليست بجعل جاعل. قال في القاموس: التوحيد إيمان بالله وحده.، أي التصديق بما جاء به النبي ﷺ من الخبر الدال على أن الله تعالى واحد في ألوهيته لا شريك له.
    والتصديق بذلك الخبر أن ينسبه إلى الصدق ومطابقة الواقع بالقلب واللسان معاً، لأنا نعني بالتوحيد هنا الشرعي، وهو إفراد الله بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفات وأفعالا، فلا تقبل ذاته الانقسام بوجه، ولا تشبه صفاته الصفات ولا تنفك عن الذات، ولا يدخل أفعاله الاشتراك، فهو الخالق دون من سواه.
    قوله: (وَمَا سِوَاهُ فَرْعٌ، قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرهِ) إنما كانت العلوم كالفرع لعلم التوحيد; لأنه أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وشرط في صحة كل عبادة وطاعة، وشرط لقبول الأعمال، إذ هو معرفة ذي العظمة والجلال، فمن لم يوحد المعبود، فكل عمله مردود.
    فهو أصل العلوم وأس النجاة، وسلم المعرفة للحي القيوم ، فينبغي لكل عاقل من ذكر وأنثى من بني آدم الاتصاف بالعلم به والدأب في تحصيله، ليكون في إيمانه على بصيرة، وفي عبادته على يقين ومعرفة منيرة، ويباين أهل الشك والريب والحيرة، بل عليه أن يشمر عن ساق الجد والاجتهاد، ويدأب في سائر أحواله لينال المراد، ويباين أهل الفرقة والتفنيد، ويخلع من عنقه ربقة التقليد.
    ****

    حُكْمُه: مِنْهُ فَرْضُ عَيْنٍ، ومِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ .
    فَأَمَّا فَرْضُ الْعَيْنِ: فَمَعْرِفَةُ مَا تَصِحُّ بِهِ الْعَقِيدَةُ بالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّ ة، وَهُوَ مَا تُسْأَلُ عَنهُ جَمِيعُ الْبَرِيَّةِ .
    وأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ: فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ التَّفْصِيلِ، والتَّدْلِيْلِ والتَّعْلِيلِ، والْقُدْرَةِ عَلَى إِلْزَام الْمُعَانِدِينَ ، وإِفْحَام الْمُخَالِفِينَ .

    ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    الشرح :

    قوله ( حكمه ) كلمة حكم أو الحكم تستعمل في اللغة على ثلاثة معان: الأول : المنع والصرف: يقال: حكمت الرجل عن رأيه، وأحكمته، وحكمته- أي منعته وصرفته عن رأيه.
    الثاني: الإحكام والإتقان: ومنه قوله تعالى: ﴿ألر * كتاب أحكمت آياته﴾([1]).
    والثالث: الحكمة : وهو وضع الشيء في موضعه.
    وأما من حيث الاصطلاح الشرعي يستعمل على وضع اللغة في الوجوه الثلاثة:
    فإن الله تعالى شرع الأحكام داعية إلى مصالح العباد، ومانعة عن أنواع العبث والفساد.، وكذا شرعت مبنية على الحكمة البالغة والمعاني المستحسنة.، وكذا هي محكمة متقنة، بحيث لو تأملها العاقل حق التأمل لعرف أنها مما ينبغي أن يكون كذلك.
    وعليه فإن الحكم هو الوصف الثابت للمحكوم فيه من خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، فيتناول اقتضاء الوجود، واقتضاء العدم، إما مع الجزم، أو مع جواز الترك، فيدخل في هذا الواجب والمحظور، والمندوب، والمكروه، وأما التخيير فهو الإباحة.
    وأما الوضع: فهو السبب، والشرط، والمانع.
    فالأحكام التكليفية خمسة؛ لأن الخطاب إما أن يكون جازما، أو لا يكون جازما، فإن كان جازما فإما أن يكون طلب الفعل، وهو الإيجاب، أو طلب الترك، وهو التحريم.
    وإن كان غير جازم، فالطرفان إما أن يكونا على السوية، وهو الإباحة، أو يترجح جانب الوجود، وهو الندب، أو يترجح جانب الترك، وهو الكراهة، فكانت الأحكام ثمانية، خمسة تكليفية وثلاثة وضعية.
    وتسمية الخمسة تكليفية تغليب؛ إذ لا تكليف في الإباحة بل ولا في الندب، والكراهة التنزيهية عند الجمهور.
    وسميت الثلاثة وضعية؛ لأن الشارع وضعها علامات لأحكام تكليفية، وجودا وانتفاء.([2])
    قوله ( منه ) أي : علم الإيمان ( فرض عين ) وهو ما وجب على الجميع، ولم يسقط إلا بفعل كل واحد ممن وجب عليه، ( ومنه فرض كفاية ) وهو ما وجب على الجميع، وسقط بفعل البعض . قال ابن عبد البر رحمه الله: «أجمع العلماء أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع»([3]).
    ( فأما فرض العين) من هذا العلم ( فمعرفة ما تصح به العقيدة بالأدلة الإجمالية ) فهو ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، من حيث ما يجوز ويجب ويمتنع في حق الله تعالى، ذاتاً وأسماءً وأفعالاً وصفات، على وجه الإجمال، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالإيمان المجمل أو الإجمالي. ( وهو ما تسأل عنه جميع البرية ) ولكن ينبغي أن نعلم أن هذه المعرفة لا توجب قوة الإيمان والرسوخ فيه.
    ومن إجماليات الدين ما لا يعذر فيه أحد، كأركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
    فهذه الأصول بإجمال دون دخول في تفصيلاتها لا يعذر أحد في جهلها، وكل يستطيع الإدراك لها ما دام عاقلاً مميزاً، فلا بد من أن يدرك هذه الأمور على وجه الإجمال.
    وفي الجوانب العملية هناك من الدين ما لا يسع المسلم جهله، كأركان الإسلام الخمسة، نعم بعضها مبني على الاستطاعة كالحج، لكن إدراكها والإيمان بأنها واجبة، وكذلك القيام بها حال الاستطاعة أمر لا يعذر فيه أحد.
    فهذا القدر من الإيمان الإجمالي لا يمكن أن يتخلف عند عاقل إدراكه والعمل بما يستطيع منه.
    ( وأما فرض الكفاية ) من هذا العلم علم الإيمان فهو( ما زاد على ذلك ) مما تقدم بيانه ( من التفصيل، والتدليل والتعليل، والقدرة على إلزام المعاندين وإفحام المخالفين ) وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو المقدور على إثباته بالأدلة وحل ودفع الشبه الواردة عليه، وهو من أجل فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين، فلا يجوز أن يخلو الزمان ممن يقوم بهذا الفرض الكفائي المهم، إذ لا شك أن حفظ عقائد الناس أكثر أهمية من حفظ أبدانهم وأموالهم وأعراضهم.
    وهذا يختلف باختلاف أحوال الناس بحسب قدرتهم، وبحسب ما أعطاهم الله من العقول والأفهام والعلم وسماع النصوص وفهمها، فيجب على من سمع النصوص وفهمها وعلمها ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على العالم ما لا يجب على العامي، والذي يجب على أعيان الأمة من هذا العلم التفصيلي ليس شيئا واحدا، بل يتنوع تبعا لأمرين: القدرة والحاجة. فمن ناحية القدرة يجب على القادر على سماع العلم وفهم دقيقه ما لا يجب على العاجز عن ذلك، ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والحاكم والعالم ما لا يجب على آحاد العامة.
    ومن ناحية الحاجة يجب على المكلف أن يعلم ما يتعين عليه الإيمان به واعتقاده وما يتعين عليه امتثاله أو اجتنابه، فمن عنده مال تجب فيه الزكاة يجب عليه معرفة تفاصيل زكاة ماله، ولا تجب معرفة هذا على من ليس عنده مال، والمستطيع للحج تجب عليه معرفة صفته، وهكذا.
    وأما القدر الزائد على ما يحتاج إليه المعين فهو داخل في فرض الكفاية. فالعلم التفصيلي بالشريعة فرض كفائي على الأمة، ويجب على الأمة أن تعلم ما بعث الله به رسوله ﷺ على وجه التفصيل، كما أنه يجب عليها أن تتدبر كتاب ربها، وأن تتعقله وتتفهمه، كما يجب عليها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن تنشر الإسلام، فهذا واجب كفائي، فإذا وجد في الأمة حصل المقصود، وإلا أثمت الأمة.
    فكل من استطاع أن يأخذ علماً من العلوم الشرعية الضرورية وجب عليه أن يحصله، وعلى هذا فإن طلب العلم على وجه الإجمال واجب، يعني: يجب على المسلم أن يتعلم ضروريات دينه حتى ما يزيد على الإجماليات التي ذكرتها؛ لأن هناك أموراً تفصيلية يجب على من يستطيع تحصيلها علماً أن يحصلها.



    ([1]) سورة هود : الآية ( 1 ) .
    ([2]) انظر: إرشاد الفحول للشوكاني ( 1/49 ) ط/دار السلام – القاهرة .
    ([3]) جامع بيان العلم وفضله ( ص 10 ).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •