تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي .. (1) أهميتها للمؤمنين



    عبد الله العنزي







    لقد خلق الله جل وعلا الخلق لغاية عظمى هي تحقيق العبادة له وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

    وقد عرَّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى العبادة بتعريف جامع؛ فيقول: [العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين... وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له...](1 ).

    فهذا التعريف الجامع بيَّن لنا أن العبادة تنقسم إلى قسمين: 1- أقوال وأعمال ظاهرة، وهي العبادات البدنية. 2- أقوال وأعمال باطنة وهي العبادات القلبية.

    فكل عبادة من العبادات لها ظاهر وباطن؛ فالظاهر قول اللسان وعمل الجوارح، والباطن هو قول القلب وعمل القلب، وكلاهما داخل في مسمى تلك العبادة، كما أنه – أيضاً – سبب في الأجر ، والتقصير بأحدهما تقصيرٌ في العبادة نفسها، كما أن كمال تلك العبادة مرتبط بكمالها ظاهراً وباطناً.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب] (2 ) ، فمثلاً الصلاة لها ظاهر وهي الأركان والواجبات والسنن، ولها باطن وهو الخشوع والإخبات والإخلاص وغيرها.

    * العبادات القلبية : هي أعمال القلوب كالمحبة والشوق والخوف والرجاء والإخلاص والصدق والخشوع والخضوع والتضرع والتواضع وغيرها.


    أهمية الأعمال القلبية:
    يظن فئام من المسلمين أن أعمال القلوب من فضائل الأعمال ومستحباتها، فمن قام بها فله أجر ومثوبة، ومن قصر فيها فلا شيء عليه ، وهذا مما يبين لنا سبب التقصير والخلل عند كثير من الناس في تعلم أعمال القلوب وتكميلها والقيام بها، كما يسعى أحدهم في تعلم وتكميل والقيام بأعمال الجوارح.


    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى عند بيانه لوجوب أعمال القلوب: [فإن العبد كثيراً ما يترك واجبات لا يعلم بها ولا بوجوبها، فيكون مقصراً في العلم، وكثيراً ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها إما كسلاً أو تهاوناً، وإما لنوع باطل أو تقليداً، أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها، أو لغير ذلك] ( 3).


    ولكي يتبين لنا أهمية أعمال القلوب في حياة المسلم؛ سأذكرها بعون الله في عدة نقاط :
    1 – أن أعمال القلوب واجبة على كل مسلم كما تجب عليه أعمال الجوارح، بل إن أعمال القلوب أشد وجوباً من أعمال الجوارح وآكد منها.

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [فواجبات القلوب أشد وجوباً من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات ، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريماً وأعظم إثماً] (4 ).

    2 – إن قيام العبد بأعمال القلوب – بتوفيق الله – سبب للثواب، والتقصير والتفريط فيها قد يكون سبباً للعقاب في الدنيا والآخرة، كما هو الحال في أعمال الجوارح.

    أما في الدنيا فالثواب عليها يكون بقبول الطاعات، واستجابة الدعوات، والطمأنينة والفرح في القلب والتوفيق للحق والثبات عليه وغيرها ، وأما العقوبة فقد تكون حسية أو معنوية وذلك بعدم قبول الطاعات، أو حرمان التوفيق لها، والضيق والضنك في القلوب وغيرها.


    يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: [وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أنه لا عقوبة، وغلفته عما عوقب به عقوبة. وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. وربما كان العقاب العاجل معنوياً، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا ربِّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قيل له: كم أعاقبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟](5 ).

    وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، ويقول جل شأنه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.

    3 – إن العبادات القلبية هي الأصل والعبادات البدنية تبع ومكملة لها؛ إذ إن العبادات القلبية روح العبادات البدنية.

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبيِّناً أهمية أعمال القلوب في حديثه عن النية وأهميتها: [وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة ومُتممةٌ، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد والأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها](6 ).


    4 – تفاضل العباد عند الله تعالى بتفاضل ما في قلوبهم من أعمال القلوب، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وأصل التقوى عمل القلب، قال صلى الله عليه وسلم: "التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات( 7).


    ويقول ابن مسعود رضي الله عنه في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا...) (8 ).


    وقال أبو بكر المزني رحمه الله تعالى: (ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء كان في قلبه) (9 ).

    وعمر بن الخطاب رغم أن إسلامه كان متأخراً بالنسبة للعشرة المبشرين بالجنة؛ إذ كان إسلامه في السنة السادسة من البعثة إلا أنه تقدم على غيره سوى أبي بكر الصديق، وقد أفاد شيخ الإسلام عن ذلك بقوله: [وكان عمر لكونه أكمل إيماناً وإخلاصاً وصدقاً ومعرفة وفارسة ونوراً أبعد عن هوى النفس وأعلى همة في إقامة دين الله، مقدماً على سائر المسلمين غير أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين]( 10).

    5 – تفاضل أعمال العباد عند الله جل وعلا بتفاضل ما في قلوبهم من أعمال القلوب، فقد يعمل الرجلان عملاً واحداً، والفرق بين عمليهما عند الله كما بين السماء والأرض، لتفاضل ما في قلبيهما من أعمال القلوب.


    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض] (11 ).


    ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [والله يضاعف ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص والتثبيث عند النفقة]( 12).


    6 – إن القلب وما فيه من أعمال القلوب هو محل نظر الرب تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"(13 ).


    7 – القلب كالملك، والجوارح كالجنود التابعة له، فبصلاح القلب تصلح الجوارح بالعمل الصالح، وبفساد القلب تفسد الجوارح بالمعاصي ، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"(14 ).


    8 – إن لذة العبادة والطمأنينة فيها والأُنس بها، وقرة العين، وراحة النفس وانشراح الصدر لا تكون إلا بتحقيق أعمال القلوب أثناء القيام بتلك العبادة؛ لأن أعمال القلوب هي روح أعمال الجوارح، وبالروح تكون اللذة والطمأنينة والأنس، وإن فارقتها فأعمال الجوارح موات لا روح فيها ولا لذة وطمأنينة ولا أنس.
    = يتبع الجزء الثاني إن شاء الله
    ------------------
    (1) مجموع الفتاوى (10/149).
    (2) المصدر السابق (11/381).
    (3) إغاثة اللهفان (2/924)
    (4) إغاثة اللهفان (2/924).
    (5) صيد الخاطر ص(84) تحقيق أبي أنس سيد بن رجب.
    (6) بدائع الصنائع (3/1140).
    (7) رواه مسلم رقم (2564).
    (8) شرح العقيدة الطحاوية ص(546)
    (9) نفس المصدر
    (10) مجموع الفتاوى (10/304).
    (11) منهاج السنة (6/221-222).
    (12) أعلام الموقعين (1/238).
    (13) رواه مسلم رقم (2564).
    (14) رواه البخاري رقم (52)، ومسلم رقم (1599).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب وأثرها في حياة المؤمن والمربي ..(2) أهميتها للمربي


    عبد الله العنزي










    أهمية أعمال القلوب في حياة المربي ..

    1 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – لمحبة الله جل وعلا له وهي الغاية العظمى التي يسعى لها كل مسلم.
    قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"( 1).


    2 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في وضع القبول له في الأرض، ومن ثَمَّ محبة الناس له، والاقتداء به، والتأثر بدعوته وتربيته، بل وفي رؤيته وسمته وإن لم يتكلم فإنها تذكر بالله جل وعلا( 2).

    وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبداً نادى: يا جبريل إني أحب فلاناً، فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"(3 ).
    يقول ابن رجب رحمه الله تعالى:


    [ومن اشتغل بتربية منزلته عند الله بما ذكرنا من العلم الباطن وصل إلى الله، فاشتغل به عما سواه، وكان له في ذلك شغل عن طلب المنزلة عند الخلق، ومع هذا، فإن الله يعطيه المنزلة في قلوب الخلق والشرف عندهم، وإن كان لا يريد ذلك ولا يقف معه، بل يهرب منه أشد الهرب ويفرُّ أشد الفرار، خشية أن يقطعه الخلق عن الحق جل جلاله.

    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} أي: في قلوب عباده ، وفي حديث: "إن الله إذا أحب عبداً نادى: يا جبريل، إني أحب فلانا..." الحديث(4 ).

    3 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في الإكثار والمسارعة للطاعات، واجتنابه للمعاصي والمنكرات.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [إذا حسنت السرائر أصلح الله الظواهر، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون] (5 ).


    4 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في استمراره في طريق الدعوة والتربية والصبر والمصابرة على ذلك.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [أعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة وهي مقصودة تراد لذاتها] (6 ).

    فإذا تحرك القلب بما فيه من أعمال قلوب تحركت الجوارح ونشطت للعمل والاجتهاد والبذل والعطاء ، وإذا ضعفت أعمال القلوب في القلب ضعفت حركته وكسل، فكسلت الجوارح بكسله، فهو ملكها ومحركها والباعث لها.

    وأذكر هنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة أخرى للمناسبة؛ فيقول: [وكان عمر لكونه أكمل إيماناً وإخلاصاً وصدقاً ومعرفة وفارسة ونوراً أبعد عن هوى النفس وأعلى همة في إقامة دين الله] ( 7).

    5 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في تطهير قلبه من آفات القلوب وأمراضها كالحسد والكبر والرياء والعجب والحرص على الشهرة وحب الظهور وغير ذلك من الآفات ، فبقدر تمكن أعمال القلوب وقوتها في قلب المربي يكون تطهير قلبه من أضدادها ، فالإخلاص مثلاً ينفي ويطهر من القلب الرياء والعجب وحب الشهرة والظهور ، والتواضع ينفي ويطهر من القلب الكبر والتعالي، ورد الحق خاصة إذا ورد من الخصم.
    وسلامة القلب تنفي عنه وتطهره من الحسد والغل... وهكذا.


    وسلامة قلب المربي من هذه الأهواء والآفات من أسباب قبول الله لتعليمه ودعوته وتربيته ووضع البركة فيها، ومن ثم أثرها الطيب بين الناس.

    إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في حفظه من زيغ القلوب واتباع الهوى عند ورود الشبهاب والشهوات ، قال تعالى عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، يقول القرطبي رحمه الله تعالى عن هذه الآية: [وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (المُخْلِصِينَ) بكسر اللام، وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله، وقرأ الباقون بفتح اللام...] ( 8).

    ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: [... والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء؛ لأنه من عباده المخلصين له في عبادتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه] (9 ).

    7 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – للهداية للحق والسداد في الآراء عند ورود الشبهات وأيام الفتن والملمات.

    8 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – للثبات على الحق والانتصار به عند ورود الشدائد والمحن ، يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.

    يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: [يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين، أي: الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا، عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة، على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين، للجواب الصحيح، إذ قيل للميت "من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟" هداهم للجواب الصحيح، بأن يقول المؤمن: "الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي".

    9 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي من أسباب نصر الله جل وعلا لعبده، وظفره على من عاداه ، فالصبر والتقوى من أعمال القلوب، اللذان لهما أثر على أعمال الجوارح، وبهما يستنزل النصر، ويتحقق الظفر.

    قال تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}.
    وقال تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.


    10 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في حسن الخاتمة.
    [وتأتي أهمية السرائر وأعمال القلوب أيضاً من كونها الأساس في الإيمان والكفر والنفاق، وذلك حسب ما يقوم في القلب من هذه الأوصاف.. وهذا بدوره يؤثر في حسن الخاتمة وسوئها، حيث ترتبط الخاتمة حسناً وسوءاً بصلاح السريرة أو فسادها] ( 10).


    11 – إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في أثره الطيب والذكر الحسن له بعد موته.
    يقول ابن المبارك: [ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثرة صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة] ( 11).


    والشاهد من هذا أن الإمام مالك رحمه الله تعالى طاب أثره ورُفع ذكره بعد موته – وذلك بسبب خبيئة في قلبه وحسن سريرته، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً – إذ كان من الأئمة الأعلام المقتدى بهم، بل وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المتبعة.
    = يتبع

    --------
    ( 1) رواه مسلم (2965).
    (2 ) في الحديث "ألا أخبركم بخياركم"، قالوا: بلى، قال: "الذين إذا رُؤوا ذكر الله..." انظر صحيح الأدب المفرد فقد حسنه الألباني رقم (46).
    (3 ) رواه البخاري (3209).
    ( 4) مجموعة رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي، دراسة وتحقيق أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني (1/95).
    ( 5) مجموع الفتاوى (3/277).
    ( 6) المصدر السابق (1/95).
    ( 7) المصدر السابق (1/304).
    (8 ) الجامع لأحكام القرآن (11/318)، طبعة الرسالة العالمية.
    ( 9) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، طبعة مؤسسة الرسالة ص (396).

    ( 10) يوم تبلى السرائر، ص (13).
    (11 ) سير أعلام النبلاء (8/97).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب وأثرها في حياة المؤمن والمربي ..(3) وقفات






    عبد الله العنزي







    1 – لا يعني التنويه بأهمية أعمال القلوب وأنها الأصل وأعمال الجوارح تبع ومكملة، لا يعني ذلك التقليل من شأن أعمال الجوارح، أو ترك أعمال الجوارح على حساب أعمال القلوب. فأعمال القلوب غالباً ما تقوم إلا بأعمال الجوارح، كما أن أعمال الجوارح لا تنفه وتقبل إلا بأعمال القلوب.

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
    [الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته. فلا ينفع ظاهرٌ بلا باطن له، وإن حَقَنَ به الدماء وعَصَمَ به المال والذرية. ولا يُجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجزٍ أو إكراه خوف هلاك. فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليلٌ على فساد الباطن وخُلُوِّه من الإيمان، ونقصه دليلُ نقصه، وقوّته دليل قوّته] (1 ).


    2 – إن أعمال القلوب منها قدر واجب، ومنها قدر مستحب، كما أن أعمال الجوارح منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ولا شك أن الواجب مقدم على المستحب سواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح.
    فمن أعمال الجوارح ما تركه كفر كالصلاة، ومنها ما لا يكون صلاح الأمة إلا به كالجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيل الله جل وعلا وتربية الناس وتعليمهم وغيرها.
    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبيناً أقسام أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأفضلية أعمال القلوب في كل قسم: [... وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديمة أو قليلة المنفعة] ( 2).

    3 – إن أعمال القلوب وقيام القلب بها والسعي لتكميلها ليس أمراً مستحيلاً أو أمراً يصعب تحقيقه؛ لأن الله جل وعلا من رحمته بعباده لا يأمرهم ويوجب عليهم ما لا يطيقون. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. ولكنها تحتاج إلى تربية ذاتية وجهاد نفس، وقد قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا}.

    4 – عدم اليأس من روح الله في تحقيق أعمال القلوب؛ خاصة إذا كان في القلب أمراض وآفات ، ويتبين ذلك خاصة عند الحديث عن الإخلاص والصدق مع الله والحذر مما يضادهما، حينها قد تجد من النفس انقباض ونوع يأسٍ من تحقيقها في القلب، ولكن هذا في الحقيقة من وسوسة الشيطان وتخذيله أعاذنا الله منه.

    5 – الحذر من اتهام الناس بضعف أعمال قلوبهم، أو الحكم على نياتهم وسرائرهم، فما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب.
    وبالمثال يتضح المقال:


    المثال الأول: قد يكون لشخص أو مجموعة مشروعاً دعوياً أو تربوياً أو علمياً، ولكن مع مرور الوقت كانت نتائج المشروع ضعيفة، حينهما قد يحكم بعض الناس عليهم بفساد نياتهم وسرائرهم أو ضعف أعمال قلوبهم.

    ومما يبين خطأ هذا الحكم قصة نوح عليه الصلاة والسلام الذي كان من أولي العزم من الرسل؛ فقد كانت زوجته وأحد أولاده كافرين؛ فليس لقائل أن يقول: أين تربيته لولده وزوجته؟! كما أن نتاج دعوته عليه الصلاة والسلام: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}. فلا يمكن لقائل أن يقول: أهذا نتاج دعوة {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}؟!

    وفي الحديث: "عرضت علي الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد"( 3).
    وفي هذا السياق كم من العلماء الأجلاء في هذه الأمة – وقد شهد لهم بالعلم والفضل – أفنوا جلّ سني أعمارهم في العلم والتعليم، والكتابة والتأليف؛ فمنهم مَن كان له مذهب في الفقه متبع، اندثر مذهبه وعفى أثره، ومنهم من كانت له كتب ومؤلفات فقدت ولم يوجد لها أثر، أو وجد بعض أجزائها. فليس لطاعن أن يطعن في سرائرهم، أو أن يتهم نياتهم؛ فلا يعلم بالنيات إلا رب البريات.


    المثال الثاني:
    قد يقع شخص في بعض المخالفات الشرعية والمعاصي الظاهرة، ولكن ليس لأحد أن يتهمه في باطنه، وليس هذا تعليلاً أو إعذاراً للعاصي، ولكن تحذيراً من اتهام النيات والسرائر.


    فقد يكون في قلب من عليه مخالفات شرعية من محبة الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب أن رجلاً كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعلنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله"( 4).

    قال ابن حجر رحمه الله تعالى: [وفيه أن لا ينافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله"( 5).

    وقد يكون لمن عليه مخالفات شرعية خبئة حسنة أو عمل صالح قد يكون سبباً في تكفير سيائت. ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فينثر عليه تسع وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدَّ البصر، فيقال: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة قدر الكف، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، فيقول: أين تقع هذه البطاقة من هذه السجلات؟ فتوضع هذه البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات"( 6).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: [فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون: لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة] ( 7).

    وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يُطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته، فغُفر لها به"(8 ).

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: [فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يُغفر لها، وكذلك هذا الذي نحّى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذ ذاك بإيمان خالص، وإخلاص قائم بقلبه، فغفر له بذلك] ( 9).
    = يتبع

    ---------
    (1 ) الفوائد، ص (124)، طبعة دار عالم الفوائد.
    ( 2) مدارج السالكين (1/206).
    ( 3) البخاري
    ( 4) رواه البخاري (6780).
    ( 5) فتح الباري (12/78).
    ( 6) رواه الإمام أحمد (213/2) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي (2639).
    ( 7) منهاج السنة (6/218).
    ( 8) رواه البخاري (3467).
    ( 9) منهاج السنة (6/221).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي (4) أسباب القيام بأعمال القلوب





    عبد الله العنزي







    من أسباب القيام بأعمال القلوب
    1 – كثرة الدعاء والتضرع إلى الله، وإظهار الفاقة والافتقار إليه جل وعلا باستصلاح القلوب.
    ويكون ذلك:
    أ – بدعائه جل وعلا بتطهير القلب من أمراضه، ومن أدران الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات.
    ب – بدعائه جل وعلا بملء القلب إيماناً وتقوى وسائر أعمال القلوب التي يحبها الله ويرضاها.
    فدعاء الله تبارك وتعالى من أهم وأعظم أسباب استصلاح القلوب؛ إذ هو رب القلوب ومالكها ومقلبها ومصرفها، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد.

    قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}... النعم الدينية والدنيوية والحسية والمعنوية، الظاهرة والباطنة، كلها بيد الله جل وعلا.
    وقال جل شأنه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2].
    وفي الحديث القدسي "يا عباد كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"(1)
    ويقول مطرف بن عبد الله بن السفير رحمه الله تعالى:
    [تذاكرت ما جماع الخير، فإذا الخير كثير الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله عز وجل، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إذا أن تسأله فيعطيك، فإذاً جماع الخير في الدعاء]

    2 – ينبغي للمربي الصادق الذي يريد أن يصل إلى مرتبة الربانية أن يتعلم (علم أعمال القلوب)؛ إذ هو من أجَلِّ العلوم لأنه من العلم بالله جل وعلا.
    وأن يتعلم كذلك (أمراض القلوب) ومداخلها وكيفية علاجها.
    ومما يساعد على تعلم هذا العلم عدة نقاط، منها:
    أ – الإكثار من الدروس والمحاضرات التي تُعنى بأعمال القلوب حضوراً وسماعاً.
    ب – الإكثار من قراءة الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات التي تُعنى بأعمال القلوب؛ ومن ذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم من السلف والخلف.
    جـ - عقد دورات وندوات في كيفية تعلم هذا العلم وتعليمه.
    فكما أن هناك دورات تدريبية وندوات تعليمية لتعلم بعض العلوم وإتقانها؛ فلا شك أن هذا العلم لا يقل أهمية عن غيره من العلوم الشرعية، إن لم يكن الناس أحوج إليه من غيره من العلوم.
    د – أن توضح مناهج ومقررات دراسية في (علم أعمال القلوب) على منهاج أهل السنة والجماعة في المدارس الحكومية، والحلقات والمعاهد والجامعات.
    وأن يشاد بهذا العلم، ويبين أهميته ومكانته في الدين؛ ليزول اللبس عند كثير من الناس سواءً طلاب أو دارسين أو غيرهم في ظنهم أن أعمال القلوب من فضائل الأعمال، وليست من الواجبات، حينها يرجع هذا العلم إلى مكانته الحقيقية اللائقة به في منظومة علوم الشريعة الإسلامية، كما كانت عند السلف الصالح رحمهم الله.

    3 – ينبغي للمربي أن يكون حَذِراً حَذَراً تاماً من أمراض القلوب، فلا يهمل قلبه بل يراقبه مراقبة دائمة لئلا يتسلل إليه من حيث لا يشعر؛ فإن هذا كان دأب السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
    قال عبد الله بن أبي مُليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه] (2 ).
    وإن وَجَدَ المربي – لا قدر الله – آفة في قلبه فعليه أن يبادر بعلاجها لئلا تتجذر في قلبه فيطول علاجها أو تصبح مرضاً مزمناً يصعب دواؤه نسأل الله العفو والعافية.
    فأمراض القلوب ومعاصي الجوارح مما تضاد أعمال القلوب، فهي إما أن تغلب أعمال القلوب فتعطل عملها وأثرها على القلب، وإما أن تزاحمها فتضعف عملها وأثرها؛ وذلك حسب قوة مرض القلب أو ضعفه.
    فتنقية القلب وتطهيره من أمراضه من الواجبات؛ كي يكون القلب مهيأً للقيام بالعبادات القلبية دون كدر أو تنغيص.
    ولأهمية هذه النقطة سوف أفرد لها عنواناً خاصاً بإذن الله.
    4 – تربية الناشئة من ذكور وإناث على أعمال القلوب كما يربون على أعمال الجوارح، ومتابعتهم في ذلك عند صغرهم وحال كبرهم؛ لينشأ عليها الصغير ويهرم عليها الكبير.
    فمثلاً يعلم الصغير أن الإخلاص لله جل وعلا شرط في قبول الأعمال، وأن العمل الذي لا إخلاص فيه لا يقبله الله.
    كما يعلم أن جميع العبادات لا بد أن يكون لها أركان ثلاثة، هي: المحبة والخوف والرجاء.
    فأي عبادة لا بد أن تتوفر فيها هذه الأركان، وأن يكون المحرك للقيام بهذه العبادات محبة لله وخوفاً منه ورجاء لما عنده.
    وكذلك عندما يعلم الصغير كيفية الصلاة ووجوب المحافظة عليها، كذلك يعلم كيفية الخشوع وأسبابه، ويعلم أن ليس له من صلاته إلا ما خشع فيها.
    وعندما يعلم الصغير كيف يقرأ القرآن ويحفظه، يعلم وجوب الإخلاص في ذلك، كما يعلم كيف فضل تلاوة القرآن وحفظه والخشوع في القراءة وتدبر الآيات.
    وهكذا في سائر العبادات البدنية يعلم الصغير ويربى على ما يرتبط ويتعلق بها من عبادات قلبية.
    5 – مصاحبة أهل التقى والفضل؛ الذين رؤيتهم ومجالستهم تذكر بالله جل وعلا.
    روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لولا ثلاث لما أحببت البقاء: لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر)
    6 – قراءة سير الصالحين وأولياء الله المتقين؛ للتعرف على أحوالهم وأقوالهم وأعمالهم، والاقتداء بآثارهم.
    فيرى المربي في مجالسة أهل الفضل والتقى، وقراءة سير الصالحين تطبيقاً عملياً لما تعلمه من أعمال القلوب؟ فيرق قلبه وتصفو نفسه وتعلو همته، فيجد لذلك أثراً على سلوكه وأحواله.
    (يتبع )
    -------------------
    (1) رواه مسلم (2577).
    (2) رواه البخاري في تاريخه (5/137) وسنده حسن.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي (5) شؤم المعاصي والذنوب في حياة المربي






    عبد الله العنزي







    إن من أهم الأسباب التي تبعد العبد عن ربه تبارك وتعالى، وما يتلو ذلك من مصائب وعقوبات حسية كانت أو معنوية؛ لهو اقتراف الذنوب والمعاصي الظاهرة منها والباطنة واستمراؤها.

    وإن من أخطر وأضرِّ العوائق لدى المربي في مشروعه التربوي هو اقتراف الذنوب والمعاصي؛ لأن من أسياسيات المشروع التربوي قوة إيمان المربي، ومدى تطبيقه لما يقول؛ إذ هو القدوة الحسنة لمن تحت يده.

    فإذا ما وقع في معصية – لا قدر الله – خاصة ذنوب الخلوات، أضعفت إيمانه، ومن ثمَّ أضعفت قوة تأثيره على من تحت يديه، وعلى من حوله.
    يقول ابن عباس رضي الله عنهما:


    [إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق] ( 1).

    ولما كانت هذه الذنوب بهذه الخطورة وهذا الشؤم؛ كان لا بد أن تُنال بشيء من التفصيل؛ ليكون المسلم عموماً والمربي خصوصاً في حذر منها.


    أولاً: الذنوب الظاهرة:

    الذنوب والمعاصي التي انتشرت بين الناس كثيرة جداً، حتى إن جملة منها أصبحت عادات وثقافة لبعض المجتمعات نسأل الله العافية.

    ولن أستطيع حصر هذه الذنوب والمعاصي ولكن سأذكر بعون الله بعض أصناف الذنوب التي تندرج تحتها ذنوب كثيرة، فيجب على كل مسلم عموماً والمربي خصوصاً الحذر من هذه الأصناف وما تندرج تحتها من ذنوب، ومن هذه الأصناف:

    1 – ذنوب ومعاصٍ يقع فيها العبد فسرعان ما يستيقظ قلبه ويستغفر ربه ويتوب إليه، فيرجى لمن هذه حاله أن تقبل توبته وتزال عثرته، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17].

    2 – ذنوب ومعاصٍ استمرأتها قلوب كثير من المسلمين؛ بل أصبحت عادة لها وطبعاً، فهذه الذنوب والمعاصي – نسأل الله العافية – قلَّ من يتوب منها، لأن أحدهم لا يجد عند اقترافها ألماً في قلبه وحرقة في نفسه بسبب اعتياده عليها.

    وإذا نوصح في هذه الذنوب وتلك المعاصي اعتذر بأنها ذنوب قد انتشرت في المجتمعات وشاعت بين الناس، فليس وحده الذي يقترفها، ويعتذر مرة أخرى بأنها ذنوب صغيرة، والله غفور رحيم.


    ومكمن الخطر في هذا الصنف من الذنوب:

    أ – الإصرار على الذنب.
    ب – استصغار الذنوب.
    جـ - الاعتذار للنفس والتهوين من المعصية.

    والذنب قد يكون صغيراً ولكنه قد يتحول إلى كبيرة بسبب تكراره والإصرار عليه وعدم المبالاة به.

    يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: (اعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب: منها الإصرار والمواظبة – إلى أن قال رحمه الله تعالى – ومن الأسباب التي تعظم بها الصغائر أن يستصغر الذنب، فإن الذنب كلما استعظمه العبد، صغر عند الله تعالى، وكلما استصغره العبد، كبر عند الله تعالى) ( 2).

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والذنب يتغلظ بتكراره، وبالإصرار عليه) (3 ).

    ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن "الكبيرة" قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر.
    وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب. وهذا قدر زائد على مُجرَّد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره) (4 ).


    3 – ذنوب ومعاصٍ يقترفها العبد ويعلم في قرارة نفسه أنها معصية وذنب، ولكنه يبحث لنفسه عن شبهة، أو فتوى تجيز له فعل هذه المعصية مع عدم اقتناعه في نفسه بها، فهو يلبِّس هواه وشهوته بشبهة، حينها يجتمع في قلبه شبهة وشهوة، وحال من يفعل ذلك يُشبه حال أهل السبت من بني إسرائيل: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}، فاحتالوا على ذلك بأن وضعوا الشباك يوم الجمعة، فلما أتت الحيتان والأسماك يوم السبت وقعت في الشباك، فصادوها يوم الأحد؛ فنهاهم علماؤهم عن فعلهم ذلك، وبينوا لهم أن شبهتهم وهي وضع الشباك يوم الجمعة وأخذ الصيد يوم الأحد، هو في الحقيقة تحايل على الشرع المطهر للوصول إلى الحرام، فلما أصروا على شبهتهم قَلَبَهم الله جل وعلا قردة خاسئين؛ فليحذر الذين يلبِّسون شهواتهم بشبهات أن تُقلب قلوبهم، حينها لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً إلا ما أشربوا من أهوائهم، نسأل الله العافية.

    4 – ذنوب ومعاصٍ استحلها أصحابها، فجعلوها حلالاً بعد أن حكم الشرع المطهر بحرمتها، وذلك بأن عارضوا نصوص الشريعة الصحيحة الصريحة، بآرائهم، أو أهوائهم وشهواتهم، أو أذواقهم ووجداناتهم، أو سياساتهم، فهؤلاء وأولئك يُخشى عليهم الكفر، إذ إن اقتراف الذنب معصية، ولكن استحلال الذنب كفر، وذلك إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع.

    ثانياً: الذنوب الباطنة:

    وحقيقة الذنوب الباطنة أنها أمراض قلوب كالكبر والاستعلاء والحسد والغل والرياء والسمعة والعجب وسوء الظن بالله والهوى وغيرها من الأمراض، وخطورة هذه الأمراض أن لها جذوراً في القلب تمدُّ الأعمال الظاهرة الخبيثة وتؤزُّها إلى الشر أزاً، فهي أصلها وأساسها.

    ولما كانت هذه الأمراض القلبية بهذه الخطورة، رتّب الله جل وعلا عليها عقوبات عظيمة لمن لم يطهر قلبه ويتعاهده من حين لآخر.

    فلقد طرد الله جل وعلا إبليس من الجنة ولعنه لعنة إلى يوم الدين بسبب الكبر الذي يملأ قلبه، مما جعله يأبى أمر الله جل وعلا حين أمره أن يسجد لآدم عليه السلام، وحسده وتوعد ذريته، فهي ذنوب متراكمة بسبب مرض الكبر نسأل الله العافية.

    وخذل الله جل وعلا ذلك العالم الذي ترنوا إليه أبصار الناس، وتصغي إليه آذانهم ويصدرون عن رأيه، خذله الله وقد آتاه آياته حين انسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، وكان سبب ذلك الخذلان اتباعه للهوى نسأل الله العافية {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف:176].

    وعاقب الله جل وعلا أولئك الثلاثة مع أن أعمالهم كانت من أفضل القربات، عالم وحافظ للقرآن، ومقاتل قُتل في الجهاد في سبيل الله، ورجل أنفق ماله يمنة ويسرة، عاقبهم بأن جعلهم أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة( 5)، وكان سبب ذلك الرياء وحب الظهور الذي كان في قلوبهم، فقدموا مدح الناس وثناءهم على مدح الله وثنائه جل وعلا، فكانت عقوبتهم عظيمة، نسأل الله العفو والعافية.

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى بعد ذكره حديث "فهؤلاء أول خلق الله تسعَّر بهم النار يوم القيامة": (وسمعت شيخ الإسلام يقول: كما أن خير الناس الأنبياء، فشرُّ الناس من تشبه بهم من الكذابين، وادعى أنه منهم، وليس منهم.

    فخير الناس بعدهم العلماء والشهداء والمتصدقون المخلصون، فشرُّ الناس من تشبَّه بهم، يوهم أنه منهم، وليس منهم) (6 ).

    {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} إذ لم تكن هذه الأعمال التي خذلوا فيها، أو عوقبوا عليها، لم تكن حادثة مفردة في حياتهم بل كانت نتيجة أمراض كانت كامنة في قلوبهم تظهر على صفحات وجوههم، وفي بعض تصرفاتهم من حين لآخر.

    وصدق الله جل وعلا: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]، فهؤلاء وأولئك يصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلى ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها"( 7).

    يقول ابن القيم رحمه الله في معنى هذا الحديث: (.. لما كان العمل بآخره وخاتمته، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتمَّ له، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة، فرجع إلى موجبها وعَمِلَت عَمَلَها، ولو لم يكن هناك غشٌّ وآفاةٌ، لم يَقْلب الله إيمانه كفراً وردةً مع صدقه فيه وإخلاصه بغير سبب منه يقتضي إفساده عليه، والله يعلم من سرائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض) ( 8).

    ولما علم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الحديث العظيم خافوا على أنفسهم، فتعاهدوا قلوبهم.

    قال عبد الله ابن أبي مُليكة: (أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه) ( 9).

    وهذا عمر الفاروق رضوان الله عليه المبشر بالجنة يسأل حذيفة صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: (أنشدك الله، هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني في المنافقين، فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحداً) (10 ).

    يقول ابن القيم رحمه الله عن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من كبار الصحابة كأهل بدر وبيعة الرضوان: (بل كان هؤلاء أشد اجتهاداً وحذراً وخوفاً بعد البشارة منهم قبلها، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت، ومقيدةٌ بانتفاء موانعها، ولم يَفْهمُ أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق والإذن فيما شاؤوا من الأعمال) (11 ).

    فإذا كان هؤلاء الصحابة على جلالة قدرهم يخشون على قلوبهم من النفاق، فنحن ولا شك أولى بالخوف من النفاق منهم، {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.

    والنفاق نوع من أنواع أمراض القلوب، قال تعالى عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10].
    ( يتبع )
    .......
    (1)الداء والدواء، لابن القيم، ص(135)، طبعة دار عالم الفوائد
    (2)مختصر منهاج القاصدين، ص(282).
    (3)مجموع الفتاوى (11/659).
    (4)مدار السالكين (1/574).
    (5)وأصل الحديث في صحيح مسلم رقم (1905)، والترمذي رقم (2383).
    (6)الداء والدواء، ص(73)، طبعة دار عالم الفوائد.
    (7)رواه البخاري رقم (3208)، ومسلم رقم (2643).
    (8)الفوائد، لابن القيم، ص(239)، طبعة دار عالم الفوائد.
    (9)رواه البخاري في تاريخه (5/137) وسنده حسن.
    (10)ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/42)، وقال رواه البزار ورجاله ثقات، وقال ابن حجر: إسناده صحيح. وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (38545)، قال ابن حجر في (المطالب العالية): إسناده صحيح.
    (11)الفوائد، ص(23).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي ..

    أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي (6) امراض القلوب






    عبد الله العنزي






    الناس في أمراض القلوب أصناف:
    1- صنف معافى من أمراض القلوب، ولكنه حذر كل الحذر أن يصاب بشيء من هذه الأمراض القلبية، وكثيراً ما يدعو بهذا الدعاء العظيم (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (1).

    2- صنف يعلم من نفسه أنه مريض بأحد أدواء القلوب، ولكنه يسعى جاهداً لأن يتخلص من هذا المرض، ويدعو الله جل وعلا صادقاً من قلبه أن يعافيه من أمراضه الباطنة؛ فحريٌّ بمن هذا حاله أن يعافيه الله ويلطف به.

    3- صنف مريض بأحد أمراض القلوب، ولكنه لا يحب أن يصارح نفسه بذلك، بل يحاول أن يتجاهل هذا المرض القلبي كلما بدا له من حين لآخر، بل ويُعدُّ ذلك من وسواس الشيطان، وهذا من إهمال النفس ونسيانها، عافانا الله وإياكم.

    4- صنف هو أخطر الأصناف وهو من يلبس على نفسه ومن حوله، فيُسمي بعض الأمراض القلبية بغير اسمها الصحيح، فالكبر عنده "عزة نفس"، والرياء والسمعة "وأما بنعمة ربك فحدث"، والحسد حق من حقوقه، فإذا حسد شخصاً بين عيوبه، وإنه أحق بهذا الأمر منه، كما قالت بنو إسرائيل عن طالوت {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ}، وغير ذلك من المسميات التي يلبس بها الحق بالباطل.

    وأمراض القلوب قسمان هما:
    1- من أمراض القلوب ما تخرج صاحبها من دائرة الإسلام والإيمان إلى دائرة الكفر والنفاق، وذلك إذا كانت سبباً في ذهاب أصل الإيمان من القلب.

    2- ومنها ما يضعف الإيمان في القلب مع بقاء أصله، فإن صاحبه ما يزال في دائرة الإسلام، ولكنه مريض القلب بحسب المرض الذي في قلبه.

    وأمراض القلوب لها خطر على صاحبها في الدنيا والآخرة.
    أما في الدنيا فإن لها جذوراً في القلب تمد الأعمال الظاهرة الخبيثة وتغذيها بالسوء، وتؤزها إلى الشر أزاً فهي أصلها وأساسها، فمن أراد التخلص من المعاصي الظاهرة وأن لا يعود لها أبداً – بإذن الله تعالى – فليتب من الذنوب الظاهرة، وليتب – كذلك – من أمراض القلوب التي تمدها بالسوء، وليقلعها من جذورها في قلبه لئلا يعود لها – بعون الله تعالى – أبداً.
    وأما في الآخرة فإن كانت تلك الأمراض القلبية قد أذهبت أصل الإيمان في قلبه، فصاحبه كافر خالد مخلد في النار.

    وإن كانت أضعفت الإيمان مع بقاء أصله فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر الله وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ومرض قلبه ثم يخرج من النار طاهراً نقياً ثم يدخل الجنة.

    قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:41].

    يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى – عن هذه الآية: (دلت الآية على أن من لم يُطهِّر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، بحسب نجاسة قلبه وخبثه، ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطُهره، فإنها دار الطيبين، ولهذا يقال لهم: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]، أي ادخلوها بسبب طيبكم، والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم، كما قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]، فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من خبث...) (2).
    بعض أعمال القلوب:
    · الإخلاص ، المحبة. ، الخوف ، الرجاء ، الصبر ، اليقين ، التضرع ، الافتقار ، الخشوع.
    ---------------------
    (1) رواه الترمذي رقم (2140)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (7987).
    (2) إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان (1/94-95)، طبعة دار عالم الفوائد.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •