حكم كتابة القصص التي بها كفر وحكم كاتبها وقارئها

أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال
الملخص:
سائلة تسأل عن حُكم كتابة قصص بها كفريات، مع عدم الرضا بما فيها، إنما هي من قبيل القصِّ فحسب، وتسأل عن حكم كاتب وقارئ هذه الكتب.
التفاصيل:
باعتبار أن كل سجود أو ركوع لغير الله كفرٌ، فهل كتابة قصص خيالية دون نشرها، ودون ترك الآخرين يطَّلعون عليها، فيها سجود وركوع لغير الله ليس للعبادة، بل لأسباب أخرى عديدة، وأيضًا قراءتها بصوت مرتفع، والتفاعل معها والاستمتاع بها - هل هذا كله يخرج عن الملة؟ مع العلم أن هذه الأفعال تكون خالية من اعتقاد صحة هذا الفعل، أو اعتقاد حسنه شرعًا ونسبته إلى النفس، لكن يكون هناك نوع من اللامبالاة؛ أي: إن الشخص لا يفكر في الأمر مطلقًا، ويمارس الفعل فحسب، ولا يعتدُّ ولا يعتقد صحة المعتقد، ولا يعتقد أنها حسنة، ويَكرهها عندما ينسبها للعالم الواقعي فقط، أما في عالم القصة، فالأمر مختلف يقول: هي قصة غير موجودة، وأيضًا لا يبغض، ولا ينكر، فهل هذا أمر يخرج من الملة؟

الجواب
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، نسأل الله لكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: فقد اشتملت رسالتكِ على عدة مسائل:
الأولى: حكم كتابة القصص المشتملة على كفر وشرك.
الثانية: حكم كاتب وقارئ هذه القصص.
الثالثة: حكم السجود لغير الله.
الرابعة: الرضا بالكفر وعدم إنكاره.
المسألة الأولى: لا يجوز لمسلم كتابة الكفر والشرك، أو ترديده من غير غرض شرعي معتبر؛ كمناظرة أو مذاكرة.
المسألة الثانية: أما الحكم بالكفر على هذا الفعل، فلا يصح إلا إن اعتقد الكاتب للكفر أو القارئ ما يقرأ من الكفر، أو رضيَه وأقرَّ به، ومع ذلك، فلا يُحكم على مسلم معيَّن بالكفر والرِّدَّةِ، إلا بعد إقامة الحجة عليه، وانتفاء الموانع وإزالة الشبهات.
المسألة الثالثة: مَن سجَد لغير الله على وجه العبادة، فقد وقع في الشرك الأكبر؛ قال ابن تيمية: "السجود على ضربين: سجود عبادة محضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلا لله"؛ [مجموع الفتاوى: (4/ 361)]، وقال: "وأجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم"؛ [مجموع الفتاوى: (4/ 358)].
وقال: "فإن نصوص السنة وإجماع الأمة تحرِّم السجود لغير الله في شريعتنا، تحيةً أو عبادةً، كنهيِهِ لمعاذ بن جبل أن يسجد لَمَّا قدِم من الشام، وسجد له سجود تحيَّة"؛ [جامع المسائل (1/ 25)].
المسألة الرابعة: الرضا بالكفر كفرٌ؛ قال ابن تيمية: "فإن من الرضا ما هو كفر؛ كرضا الكفار بالشرك، وقتل الأنبياء، وتكذيبهم، ورضاهم بما يَسخطه الله ويَكرَهه؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 28].ف
من اتَّبع ما أسخط الله برضاه وعمله، فقد أسخط الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الخطيئة إذا عُملت في الأرض، كان مَن غاب عنها ورضيها كمَن حضرها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكَرها))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((سيكون بعدي أُمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد بَرِئَ، ومن كرِه فقد سلِم، ولكن من رضيَ وتابع، هلك).
وقال تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 96]، فرِضانا عن القوم الفاسقين ليس مما يحبه الله ويرضاه، وهو لا يرضى عنهم، وقال تعالى: ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]، فهذا رضًا قد ذَمَّه الله، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ [يونس: 7]، فهذا أيضًا رضًا مذمومٌ، وسِوى هذا وهذا كثيرٌ، فمَن رضيَ بكفره وكُفْر غيره، وفِسْقَه وفسْقَ غيره، ومعاصيه ومعاصي غيرِهِ - فليس متَّبعًا لرضا الله، ولا مؤمنًا بالله، بل هو مسخط لربه، وربه غضبان عليه، لاعنٌ له، ذامٌّ له، متوعد له بالعقاب، وطريق الله التي يأمر بها المشايخ المهتدون إنما هي الأمر بطاعة الله، والنهي عن معصيته، فمَن أمر أو استحبَّ، أو مدح الرضا، الذي يكرَهه الله ويذُمُّه، وينهى عنه ويعاقب أصحابه - فهو عدوٌّ لله، لا ولي لله، وهو يصد عن سبيل الله وطريقه، ليس بسالك لطريقه وسبيله"؛ [مجموع الفتاوى: (6/ 348)].
فيجب على المسلم عدم الرضا بالكفر، وبُغضه والتبرُّؤ منه، وننصحكِ بالاطلاع على استشارة: (طلب فتوى 2).
ثالثًا: النصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة:
البعد عن هذه الكتابات لقصص الكفر، ولكِ أن تهتمي بالعلم الشرعي، وتفسير القرآن، والقراءة في كتب الأدباء المسلمين المنضبطين بضوابط الشرع، ولعل أخطر ما في هذه الكتابات أنها تُصوِّر الرذيلة بصورة الفضيلة، وأن يختفيَ الإنكار القلبي، ويتلاشى الشعور بشناعة الأعمال والأقوال الكفرية والشركية، وعظيم إثمه عند الله تعالى، فكيف إذا انتشرت مثل هذه القصص والروايات، وأقبل عليها الأطفال والأحداث ومَن هم في سن الشباب.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6e4jtK1Lv