وسواس في الاعتقاد


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال

♦ الملخص:
سائلة تسأل عن حكم الوجود والتفاعل مع مشاهد وأحداث فيها كفر بالله تعالى واستحلال لمعاصيه، مع عدم الإقرار بها واعتقاد العقيدة الصحيحة، وتسأل كذلك عن الأفكار الكفرية التي تأتي للإنسان، ما حكمها؟
♦ التفاصيل:
عند مشاهدة وسماع الكفر، أقصد بذلك أي كفر؛ سواء أكان اعتقاديًّا، أم ذلك الذي يحصل بنواقض الدين، هل يكفي عدم اعتقاده، واعتقاد أن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح؟
وهل يصح أن يكون الشخص غير مبالٍ بالكفر لا بالحب ولا بالبغض، فهو إذا سُئل يقول: إنه لا يحب أن يكفر بالله، وكذلك إذا سأل نفسه، لكنه لا يبالي بالأمر لا حبًّا ولا بغضًا، بل يستحضر بُغضه للكفر بين الفينة والأخرى، إذا ما سُئل في ذلك أو سأل نفسه في ذلك؟
وأيضًا قد يقوم بتفاعلات ومشاركة في هذه المشاهد، ليس التفاعل المكفِّر كالضحك على الاستهزاء بالدين أو الموافقة على هذه الأمور وموالاتها، بل أمور أخرى تظهر لي مشكوكًا فيها؛ كالضحك والبكاء، والتشجيع والتفاعل، والاستمتاع والانغماس مع مشاهد وأحداث فيلم فيه معتقدات كفرية باطلة، أو الاستمرار في الحديث والتفاعل مع شخص مستحلٍّ أمر المعصية ...
فهل يكفي ما ذكرت لنفي الرضا بالكفر ورفع الكفر؟
ونفس السؤال في أحاديث النفس الكفرية بكل أنواعها وأشكالها؛ سواء كانت طارئة على الذهن، أو من استحضار الشخص، ثم يرجع عنها، وسواء كانت مستمرة، أو تأتي وتروح، أو مرة واحدة - هل إذا لم يحبها الشخص ولم يبغضها، بل تجاهلها ولم يبالِ بوجودها وطردها فقط دون بُغض لها، أو تركها تدور في رأسه لمشقة محاولًا بُغضها وطردها، وهو في كل الحالات لا يعتقدها ولا يستحسنها، ويعتقد الاعتقادات الصحيحة - فهل يكفي هذا لرفع الكفر؟ أرجو إجابة مباشرة وواضحة؛ فإني أتحدث عن نفسي، فأنا مصابة بوسواس قهري حاد في موضوع الكفر ونواقض الدين.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: لا يصح إيمان العبد إلا بالإقرار بدين الإسلام وبنفي ما سواه، فكلمة التوحيد قائمة على النفي والإثبات: (لا إله): نفي، (إلا الله): إثبات، فلا بد من نفي الباطل واعتقاد الحق؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].
والكفر بالطاغوت معناه: البراءة من عبادة غير الله واعتقاد بطلانها، وأن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يؤمن به، وأن يعتقد أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأن ما دونه باطل؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62].
والواجب على المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت، أنزل الله في ذلك قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4].
فأخبرنا ربُّنا في هذه الآية أن لنا في إبراهيم عليه السلام وأصحابه أسوة حسنة، حين تبرؤوا من قومهم وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم، وأنه لا منتهى لهذه العداوة والبغضاء إلا بأن يدخل قومهم في الإيمان بالله وحده، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة: 1].
والآيات الدالة على هذا كثيرة، وهذا هو الموافق للفطرة السليمة؛ فإن النفس السوية تُبغض الجريمة وتُبغض فاعلها، وكلما كانت الجريمة أفدح وأشنع، كانت العداوة والبغض أشد وأعظم، ومن المعلوم أنه لا جريمة أكبر من الكفر بالله تعالى والشرك به وادعاء الند له، لا سيما جريمة النصارى الذين سبُّوا الله تعالى مَسبة ما سبَّها أحد من العالمين؛ حتى قال الله تعالى عن جريمتهم: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ [مريم: 88 - 90].
ثالثًا: أما عن حديث النفس فأنتِ لستِ مؤاخذة به، ويكفيكِ الالتفات عنه، وعدم الاستمرار في التفكير به، والتبرؤ من كل كفر وباطل، شفاكم الله وعافاكم.
وننصحكِ بالاطلاع على استشارة: (وساوس قهرية مستمرة).
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/142937/#ixzz6d8sIRkE0