[الاحْتِجَاجُ بالمتقدمين كَقَوْلِهِ: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] ،
وَقَوْلِهِ:
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 24] .
الشرح
أي: إذا جاءتهم الرسل بالحق احتجوا بآبائهم،
فإن موسى عليه السلام لما دعا فرعون إلى الإيمان احتج فرعون بما عليه الأولون
{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51]
يريد أن يحتج بما عليه القرون الأولى التي سبقته من الكفرة، وهذه حجة باطلة،
وهي حجة جاهلية.
وكما قال قوم نوح لما دعاهم إلى الله، قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 24]
فقابلوا دعوة نبي الله نوح بما عليه آباؤهم على أنه حق، وأن ما جاء به نوح باطل؛ لأنه مخالف لما عليه آباؤهم.
وكفار قريش يقولون: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} [صّ: 7] أي: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا} الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
{فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} ملة آبائهم وأجدادهم {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} كذب، فهم وصفوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كذب، لماذا؟ لأنه مخالف لما عليه آباؤهم، وهو عبادة الأوثان، ولم يرجعوا إلى دين أبيهم إبراهيم وإسماعيل؛ بل رجعوا إلى ما كان عليه آباؤهم قريباً، وهم آباؤهم وأجدادهم في مكة من كفار قريش،
فهذه سنة الكفار،
وهذه سنة الجاهلية؛ أن يحتجوا بمن سبقهم من الأمم.
والواجب على العقلاء أن ينظروا ما مع الرسل، ويقارنوا بينه وبين ما عليه آباؤهم؛ ليتضح لهم الحق من الباطل،
ويقارنوا بينه وبين ما عليه آباؤهم؛ ليتضح لهم الحق من الباطل،
أمّا إغلاق الباب على أنفسهم،
يقولون:
ما نقبل إلا ما عليه آباؤنا، ولا نقبل ما يخالفه،
فهذا ليس من شأن العقلاء فضلاً عن الذين يريدون النجاة لأنفسهم.
والآن عُبّاد القبور إذا نُهوا عن عبادة القبور، قالوا: هذا عليه البلد الفلاني، وعليه الجماعة الفلانية، وعليه قرون مضت.
وأصحاب الموالد إذا نهوا، قيل لهم: هذه بدعة قالوا: هذا شيء معمول به قبلنا، ولو كان باطلاً ما عملوه.
وهذا احتجاج أهل الجاهلية،
فليس العبرة بما عليه الناس،
وإنما العبرة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛
لأن الناس يخطئون ويصيبون، لكن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صواب قطعاً، والواجب اتباعه،
والله لم يكلنا إلى آبائنا وأجدادنا، ولو كان الذي عند الآباء والأجداد يكفي ما احتجنا إلى الرسل.
وهكذا الصوفية، يقولون: أحوالنا تكفي عن اتباع الرسول، ولنا أحوال، ولنا اتصال مع الله، ونأخذ عن الله مباشرة، وأهل السنة يأخذون دينهم عن أموات – يعنون رجال السند-،
أما نحن فنأخذ ديننا عن الحي الذي لا يموت، ويقولون: الرسل إنما يحتاجهم العوام، أما الخواص فهؤلاء ليسوا بحاجة إلى الرسل؛ لأنهم وصلوا إلى الله، وعرفوا وليسوا بحاجة إلى الرسل،
هكذا يقول لهم الشيطان،
ويقول:
إن أصحاب الطرق لا يحتاجون للرسل؛ لأنهم يأخذون عن الله مباشرة.
وهذا من دين الجاهلية،
والوقائع كثيرة من هذا النوع.
[شرح مسائل الجاهلية للشيخ صالح الفوزان]