ميراث المرأة عدل وإنصاف
علي بن أحمد المطاع


لقد تولى الله - سبحانه وتعالى - قسمة الميراث بنفسه محدداً من يرث ومن لا يرث وما لكل وارث، ولم يدعها قسمة بشرية ولا مسألة اجتهادية ولا قابلة للتغيير والتبديل بحسب الظروف والأحوال الأسرية والمادية، وظهرت حكمة الله - تعالى - في توليه هذه القسمة ظهوراً جلياً لا يخفى على أحدٍ إلا أعمى أو متعامٍ، لا يرى إلا بعين الهوى، ومن أبرز ما في الحكمة الربانية أنها راعت الوضع العام الذي عليه الناس إلى يوم الدين وذلك في أمور:
- إعطاء حق الملكية للجيل الثاني بعد الجيل الأول بحيث يبقى تداول مال الله الذي استخلف عباده عليه ولم يفرض فناء الأموال بموت أهلها، وكل نشء يكسب لنفسه.
- مراعاة نفسية الميت وأهله بأن ما تَعِبوا في تحصيله لا يذهب سدىً ولا يتنازعه الخالفون فيكون سببا للخلاف لعدم قانون تقسيمه، ومراعاة هذه النفسية تبقي أملاً في أن المال لن يكون سبباً لنزاع الأهل ما دام مقسوما محسوما أمره، ويحصل بذلك التكسب والسعي إلى تحصيله.
- توزيع المال الموروث حسب الحاجة العامة فالملاحظ أن المودعين للدنيا [حسب سنة الله - تعالى -وإلا فقد يموت السقط والطفل والشاب والكهل]كالأجداد والجدات- أقل من الذين لا زالوا في الدنيا -كالأب والأم- وعليهم تبعات ونفقات ولهم حاجات، وأن الذين لا زالوا في إقبال على الدنيا كالأولاد أكثر من أولئك جميعاً ويكونون أكثر حظا وإرثاً من المورث؛ لكثرة حاجياتهم للمال لتصريف شؤون الحياة..
- وحسب الحاجة الخاصة فرض الله - تعالى -للذكور عند تساويهم مع الإناث في أسباب الإرث جهة وقوة وقرباً أن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لما في ذلك من الحكم العظيمة والمعاني الدقيقة الفهم لأولي الأبصار.
إلى غير ذلك من الحِكَم التي أرادها الله - تعالى -حين تولى بنفسه قسمة التركات وجعلها قانونا سماوياً لا يمسه تدخل بشري.
ومن هنا ظهرت استدراكات واعتراضات منظمات حقوق النساء لتطعن في قسمة الله وعدله! ظانين أنهم يخدمون المرأة التي يستدرجون، وموقنون بأنهم يهدمون الدين الذي يستدركون عليه.
فقائل: لم للذكر مثل حظ الأنثيين وهما في درجة واحدة؟.
وقائل: لم الذكر يرث في حالات تحجب فيها المرأة..
وقائل: إن الرجل يحجب المرأة عن الميراث أو عن بعضه، وهي لا تحجبه، وإن حجبته ففي أقل مما يجبها الرجل.
وقائل: لا بد من المساواة بين المرأة والرجل في الميراث مهما كانت الحيثيات ومهما اختلفت الحالات (أي لمجرد المساواة المنشودة وإن لم يُقَلْ بظلمها).
وغيرها من الشبهات الداحضة التي لا يستوعبها إلا من لا يعرف عدل الله - تعالى -ورحمته، ولا يفقه من قسمة الميراث في شرع الله شيئا.
وبداية يقال: إن المرأة تأخذ أكثر من الرجل في عدة حالات وفرص إرثها أكثر، وللتوضيح نذكر بعض الأمثلة:
- عدد الوارثات فعلاً أكثر من عدد الوارثين فعلا:
1- الوارثون من الرجال خمسة عشر رجلاً فإذا اجتمعوا كلهم لم يرث إلا ثلاثة وسقط اثنا عشر رجلاً. بينما النساء فالوارثات منهن عشر وإذا اجتمعن كلهن ورثت خمس منهن.
2- إذا اجتمع جميع الرجال الوارثون وجميع النساء الوارثات ورث الوالدان (أب وأم) والولدان (ابن وبنت فأكثر) وأحد الزوجين (زوج أو زوجة) فالتساوي في أصل حق الإرث موجود وقد تكون الإناث أكثر إن كانت زوجة.
3- إذا اجتمع عدد من الجدات في درجة واحدة ورثت منهن ثلاث: 1- أم أم الأم. 2- وأم أم الأب. 3- وأم أبي الأب وإن علون أمومة، فإن تساوين في الدرجة فالسدس بينهن، وإن اختلفن فالأقرب منهن وسبب إرثهن جميعا الأمومة حتى التي من جهة الأب. بخلاف الأجداد فلا يرث إلا واحد الأقرب ومن جهة الأب فقط.
4- في بعض الحالات قد لا ترث الأنثى شيئاً من الفروض، فيعصبها أخوها أو ابنه كما لو وجدت بنتان مستحقتان للثلثين وبنت ابن، فلا شيء لبنت الابن بسبب البنتين، فلو وجد معها ابن ابن أو ابن ابن ابن حصل لها معها التعصيب.
- صاحبات الفروض أكثر من أصحاب الفروض:
الفروض المقدرة ستة فروض (الثلثان، النصف، الثلث، الربع، السدس، الثمن) ولكل فرض شروطه وطريقة قسمته وتوزيعه، ولكن في الجملة:
1- أصحاب الثلثين وهو أعلى نصيب مفروض كلهن نساء: بنتان فأكثر، بنتا ابن فأكثر، شقيقتان فأكثر، أختان لأب فأكثر. مع شروط في كل ذلك. فما حظ الرجال فيه؟
2- أصحاب النصف وهو ثاني أعلى مرتبة كل أصحابه نساء عدا رجل واحد وهو الزوج، بنت واحدة، بنت ابن واحدة، شقيقة واحدة، أخت لأب واحدة. فما حظ الرجال فيه؟
3- أصحاب الثلث: الأم، الإخوة لأم مع تساوي الذكور والإناث فيه. فما حظ الرجال فيه؟
4- الربع لأحد الزوجين.
5- السدس، وأكثر أهله نساء: الأم، ولد الأم الواحد ذكرا كان أو أنثى، الجدة، بنت الابن، الأخت لأب، ويبقى الأب والجد. فما حظ الرجال فيه؟.
6- فلا يرث بالفرض من الرجال إلا الزوج والأخ لأم، والأب والجد في بعض الحالات.
ومما سبق يتبين لنا أن النساء لهن مكانتهن في الميراث من حيث أصل القسمة والدخول والاستحقاق والأهلية أكثر من الرجل.
وهكذا (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [سورة النساء: 7]. حسب موازين ربانية ومعايير سماوية.
ثم إنه فيما يتعلق بالتعصيب (اجتماع الذكر مع قرينته في الدرجة) يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذا في مسائل الأولاد، والإخوة مطلقاً، فقط، قال - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) [سورة النساء: 11] وقال - تعالى -: (يَستفتونك قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة النساء: 176] وإلا فقد يتساوى الذكر والأنثى كالجد والجدة والأب والأم؛ كما قال - تعالى -: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) [سورة النساء: 11].
وعليه فليست قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين" مطلقة في كل الأحوال، بل قد تتساوى مع الذكر وقد تزيد عليه.
ومظنة الشبهة أنه كان ينبغي المساواة بين الذكر والأنثى فلا يرث الولد أكثر من البنت، لما في ذلك من الظلم والهضم لحق المرأة، وهذا فهم خاطئ مجانب للصواب؛ فإن الحكمة الربانية تقتضي المفاضلة لصالح الذكر وذلك لعدة أمور:
- أن الذي أعطى الذكر أكثر من المرأة هو الذي فرض عليه القوامة المالية على زوجته وبناته وأخواته وأمه وجداته وكل امرأة من أقاربه هو أقرب إليها من غيره.
- إذا كبُر الذكرُ فعليه أن يدفع المهر إذا أراد الزواج؛ لقوله - تعالى -: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[سورة النساء: 4] وأما الأنثى فما عليها إلا أن تمد يدها لتأخذه مكرمة معززة.
- وأن المرأة لو كانت "مليونيرة" فإن سكناها ونفقتها وكسوتها واجبة على من يعولها من أوليائها بحسب ترتيبهم بالمعروف، وليس واجباً عليها أن تنفق حتى على نفسها وتعفيهم إلا تفضلاً وعفواً منها، ومراعاة للحال.
- أن النفقة على الأهل والأولاد واجبة على الرجل، وليست واجبة على المرأة، فإذا تزوج صار مسؤولا عن نفقة أولاده وزوجته، وأما أخته فإذا تزوجت وجبت نفقتها على زوجها، وإن لم تتزوج ظلت نفقتها واجبة على أبيها أو أخيها. وكذا إن مات زوجها أو طلقت.
وبهذا تصير المرأة آخذة لا معطية، مدخرة لا منفقة، غانمة لا غارمة، فهي مكفية مكفولة بنتاً وزوجة وأماً وجدة وأختا، لا تخاف حين يخاف الباحثون عن الرزق وأسباب الكسب، ولا تهم الإيجارات ولا الفواتير ولا النفقات ولا الكسوة ولا الترفيه ولا المواصلات ولا التأثيث ولا البناء... إلخ.
وأما قاعدة الحجب فإن الذكر يحجب المرأة في مسائل، حجب حرمان، وفي مسائل أخرى حجب نقصان، وهو وإن كان يحجبها عن الإرث في بعض الحالات فقد سبق أنه يكون سبباً في إرثها في حالات أخرى، وكما أن مسألة فيها "أخ مشؤوم" لولاه لورثت أخته، فإن ثمت مسألة أخرى فيها "أخ مبارك" بدونه لا ترث، وأيضاً من النساء من يحجبن الذكور كالبنت تحجب الزوج حجب نقصان من النصف إلى الربع، وتحجب الإخوة لأم حجب حرمان، والأخت الشقيقة تحجب الأخ لأب مطلقاً في حال أن يكون معها فرع وارث أنثى.
وقد تحجب الأنثى أنثى كالبنت تحجب الأخت، والشقيقة تحجب الأخت لأب، وهذا يدل على أن التقسيم ليس باعتبار الجنس، وإنما باعتبار القرابة من الميت فالأقرب منه هو الأكثر حظاً.
فليعلم المعترض أن "المساواة ليست في كل حال عدلا"، وأن الشارع الحكيم المدبر العليم أنزل علينا شرعه في أتم حكمة، وأوجز كلمة، وأعدل قسمة، وأكمل رحمة، وأن من ظن فيها نقصاً فإنما يعرض عقله للناس متلبساً بتهمة النقص، فالنقص في عقل الذي وهِم بظلم الله - تعالى - عبادَه، وأن الشرع فيه نقص وخلل، يحتاج إلى استدراك وتعديل؛ إذ القول بهذا يدل على قصور في الفهم وإهمال للنظر للرشيد، والفكر السديد.