الكتابة على الرمال
أم عبد الرحمن محمد يوسف

كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء وفي أثناء سيرهما اختصما، فصفع أحدهما الآخر فتألم الصديق لصفعة صديقه ولكن لم يتكلم!! بل كتب على الرمل، "اليوم أعز أصدقائي صفعني على وجهي وواصلا المسير ووجدا واحة فقررا أن يستحمَّا في الماء، ولكن الذي صفع وتألم من صديقه غرق أثناء السباحة فأنقذه صديقه الذي صفعه ولما أفاق من الغرق نحت على الحجر "اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي" فسأله صديقه: عندما صفعتك كتبت على الرمل لكن عندما أنقذتك من الغرق كتبت على الحجر فلماذا؟ ابتسم وأجابه: عندما يجرحنا الأحباب علينا أن نكتب ما حدث على الرمل لتمسحها رياح التسامح والغفران، ولكن عندما يعمل الحبيب شيء رائع، علينا أن ننحته على الصخر، حتى يبقى في ذاكرة القلب حيث لا تمحوه الرياح.

التغافر بين الأزواج:
إن الحياة الزوجية يتخللها في بعض الأحيان الأخطاء والعثرات من شريك الحياة، فإذا كان الغالب على الزوجين التفاهم والاحترام والتقدير في العلاقة بينهما، فإن الخطأ يمر عليهما مرور الكرام دون أن يحدث هزات أو صدع في العلاقة بينهما، وفي رأيي الشخصي فإن هذه الأخطاء العابرة تكون فرصة أكبر للتقارب وتفسير أمرًا كان غامضًا في يوم من الأيام وفهم أكثر لشخصية شريك الحياة.
والزوجة العاقلة هي التي تتجاوز عن الهفوات إن وقعت من زوجها، ولا تذكره بها بين الحين والحين، وما من صفة تفتح مغاليق قلب الرجل مثل التسامح والعفو، وما من صفة توصد أبواب قلب الرجل مثل تعداد السيئات والتذكير بالهفوات هذه الزوجة العاقلة تتمثل قول الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].
تأملي هذه القصة الرمزية:
(كان لرجل حديقة وكان يمر به صديق حميم في طريقه صباحًا ومساء، فقالت له زوجته يوما: ألا تدع وصديقك على عنقود عنب، سارع الرجل في تنفيذ نصيحة زوجته ودعاه على عنقود، وجلس الضيف يأكله ثم قام شاكرًا لصاحبه
ومرت عشرة أيام على ذلك كل يوم يدعوه على عنقود، وفي اليوم التالي قالت الزوجة: إن من تمام إكرام الضيف أن تأكل معه حتى تشجعه على الاستزادة فنفذ الرجل وصية امرأته وغسل عدة عناقيد وقدمها لصاحبه وجلس معه يشاركه الطعام وصديقه يأكل مبتسمًا شاكرًا له، وإذا بصاحب الكرمة يضع واحدة من العنب في فمه فيصيح من مرارتها قائلا: منذ متى تأكل من هذا العنب؟
ابتسم الصديق وقال: من أول يوم، فهاج صاحب العنب وقال له: كيف تأكل منه وهو بهذه المرارة؟
فقال له الصديق الوفي: لقد أكلت من يديك حلوًا كثيرًا..ألا أغفر لك بعض المر؟) [كيف تبنين بيتًا سعيدًا، د. أكرم رضا، ص(108)].
إن من السبل التي تصل بالزوجة إلى قلب الزوج أن تتنازل قليلًا وتتقبل من زوجها بعض العثرات والأخطاء، ولسان حالها يردد ما قاله أحد السلف لأخيه حين قال له: تعالى نتعاتب، فرد عليه: بل تعالي نتغافر.
الوسائل المعينة على التغافر:
1-العتاب في أوقات الصفاء من الجفاء:
وكثرة العتاب تورث البغض، فقد تعمد الزوجة إلى عتاب زوجها عند قدومه لتأخره أو لعدم إحضاره المطلوب... إلخ وهذا من تعكير الصفو وسوء الفهم، إنها بذلك توصد أبواب الحب عند الزوج، فالتركيز على أخطائه ومحاولتها الدائمة في التقليل من قدراته من أهم أسباب الشقاق.
2- اجعلي الخطأالذي يراد تصحيحه من الزوج يبد وميسور التصحيح، وسهل القيام به.
3- قفي بجانبه في الأوقات التي يكون فيها مخطئًا، لأنه في هذه الأوقات (يشعر بالإحراج والأسى ويكون في أمس الحاجة إلى دعم زوجته، فإذا حصل منها على الدعم فإنه يسجل لها النقاط الكثيرة في رصيد الحب، أما إن لم يحصل منها على الدعم في مثل هذه الأوقات، فإن هذا ينقص، بل ربماأضاع تمامًا رصيد حبها في قلبه) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، بتصرف يسير، ص(228)].
4- الرجل لا يحب المرأة التي تحسب عليه كل شاردة وواردة، فضلًا عمن تقرأ أفكاره قبل أن ينطق بها فتحاسبه عليها.
5-في حالة غضب الزوج: عندما يكون الزوج في حالة غضب حاولي أن تعامليه مثل عاصفة مارة فتنحني.
6-لا داعي لتطوير المشكلة بحجب الخدمات الزوجية عن زوجك: إن أي خصام لابد أن (يعقبه صلح، فلا داعي لتطويره بحجب الخدمات الزوجية عن زوجك، فأداء حقوقه شيء والخصام شيء آخر، فعلاج الخصام يكون بالتفاهم والحوار، وأما حرمانه تلك الخدمات أو الزيادة على ذلك بترك تنظف المنزل وترك تنظيف الولد أو ترك الطفل يبكي تعبيرًا عن الضيق من الزوج، فهذا يزيد النار اشتعالًا، بل إن تقديم الخدمات الزوجية – حتى مع إشعاره بعدم سرورك وعدم ارتياحك له – يكون طريقًا لصلاح وتخفيف الخلاف بل هو أسلوب ذكي للصلح أو ما يمكن أن نطلق عليه "الصلح الصامت") [وصايا إسلامية في الزواج، محمد كامل الشربجي، ص(38-39)، بتصرف يسير].
ذلك الصلح الذي يزيد من الرصيد في قلب الزوج، لأنك لم تحاولي أن تثبتي أنه المخطئ، بل حاولت علاج عاصفة الخطأ بتغافر الكرام.
7- فرق بين الخطأ وبين الشخص الذي أخطأ: هناك قاعدة تقول "فرق بين الفعل والفاعل" فالفاعل زوجي وحبيبي، والفعل تصرف خاطئ وهذه القاعدة الجليلة هي إحدى طرق السعادة والغيير الفعال وحسن الاتصال.
8- إذا كرهت خلقا رضيت آخر: على كل من الزوجين التغاضي عن بعض ما لا يحب أن يراه في الآخر لأنه إذا كره في الآخر صفة، فلابد أن تكون فيه صفة أخرى تشفع له وهذا هو بعينه ما أشار إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – حين قال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) [رواه مسلم].
ماذا بعد؟
إن الذين يغضُّون أحيانًا عن عيوب الآخرين يعيشون حياة أكثر سعادة وهذا الإغضاء هو منهج الاسلام الذي يعين الإنسان على أن يعيش حياة أسعد وأهنأ وأرضى كما شهدت بذلك الدراسات النفسية.
أما محاسبة شريك الحياة على كل صغيرة وكبيرة، فإنها تهدد الكيان الزوجي، وتذكر قول أحدهم لأخيه "تعالى نتعاتب فرد عليه: بل تعالى نتغافر".
المصادر:
· وصايا إسلامية في الزواج، محمد كامل الشربجي.
· حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري.
· كيف تبنين بيتًا سعيدًا، د. أكرم رضا.