أنتِ ذات حدين
محمد أحمد المطاع



نعم أختي الفاضلة، أنتِ ذات حدين كل حد له طرقه، ونتائجه، وقد تسألين أختي الفاضلة، ما الذي أقصده من خلال هذا العنوان، فأقول:
إن المرأة على مدار التاريخ قد عرفت بالذكاء، وبرزت منها مواقف عديدة كان لها نتائجها، ومآلاتها، وبعد أن جاء الإسلام وأعلى من شأنها، وكرمها أكثر من ذي قبل، ولكن تظل المرأة محتفظة بدهائها وذكائها الذي جعلها تتميز عن الرجل، ولكن هذا الذكاء يعتبر سلاح ذو حدين حيث قد تستخدمه المرأة في أغراض الخير أو الشر.
والمرأة عنصر فعال في المجتمع، وقد استُغلت استغلالاً واضحاً اليوم من دعاة الفتن والفجور، وهذا هو الحد الأول:



استغلال المرأة في إفساد المجتمعات:
عمد الغرب، ودعاة السفور إلى عنصر المرأة؛ لإفساده، وإخراجه من فطرته التي فُطِرَ عليها؛ لعلمهم أن المرأة بصلاحها تصلح المجتمعات، وبفسادها تفسد المجتمعات، وهذا ما أرشد إليه الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث الذي رواه أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على أمتي من النساء على الرجال))[1].
واعتمد هؤلاء في إخراج المرأة من فطرتها على عدة أمور:
الإعلام الفضائي:
فقد تصدرت المرأة الشاشة، وظهرت عليها، والأولوية لمن كانت أشد تبرجاً، وأكثر إغواءً، وأكثر تزيناً، وذلك لشد انتباه الجماهير، وتكثير شعبيتها، حتى أصبح الحال في عالمنا العربي أن المرأة أصبحت تحتل نصف الوظائف في التلفزيون الرسمي لبعض الدول، ومئات المحطات التلفزيونية العربية توظف أعداداً كبيرة من النساء لا لشيء إلا لعرض جمالهن وأجسادهن في الإعلام المرئي حيث يُطلب من المرأة كما في الكثير من المهن، أن تكون شابة وجميلة.
إن الذي يحدث الآن وبهذه الصورة -للأسف الشديد- يعيد مسيرة المرأة المسلمة إلى نقطة الصفر، مسيرة تجاوز النظرة الدونية لقدرتها على الإنجاز والتواصل، والأخطر من ذلك أنه يحدث من خلال مهنة هي الأقرب إلى صناعة الصورة النمطية للمرأة وهي الأكثر تأثيراً في بلورة هذه الصورة، ولكن إلى أين نسير، وما الهدف من هذا؟



إثارة وتشجيع الاختلاط بين الجنسين:
ومن المعلوم عقلاً أن الرجل يميل طبعاً إلى المرأة، ولهذا جاء الدين الإسلامي بفصل بين الجنسين منذ الصغر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع))[2]، والله -تبارك وتعالى- قد جبل الرجال والنساء على ميل كل منهما إلى الآخر وجعل في الرجال إقبالاً إلى النساء وفيهن إقبالاً إلى الرجال، ومع ميلان كل من الجنسين للآخر وضع الله -تعالى- حدوداً بينهما ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومما يدل على حرمة الاختلاط قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟، قال: الحمو الموت))[3]، وقد اتفقت الأمة على تحريم الاختلاط، ولا يعرف في تاريخ المسلمين من أباحه، أو فعله ممن يقتدى به.
الموضة:
وهذا داء العصر حيث أصبح كثير من النساء -إلا من رحم ربي- لا هم لهن إلا ملاحقة جديد الموضة، ويا ليت هذه الموضة سواء في الملبس، أو المظهر مصبوغة بهويتنا الدينية، بل للأسف الشديد إن نساء المسلمين يلاحقن ما يصدر من جديد الموضة عن فلانة النصرانية، وعلانة الهندوسية، و... ممن ذاع صيتهن من نساء اليهود والنصارى؛ سعياً منهم لإغواء فتيات المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.



إفساد فطرة المرأة:
وهذا ما يسعى إليه دعاة الغرب، وأذنابهم من بني جلدتنا، ممن استهوت عليهم الشياطين، وذلك من خلال الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، والحرية المزعومة لها، وما أشبه ذلك من هذه الدعوات الجوفاء التي أثبت الواقع فشلها، وأنها امتهان للمرأة، وكأنها سلعة يتداولها كل إنسان، والواقع أكبر دليل.
ما نتائج هذا كله؟
هذا هو الحد الأول، والذي هو نتاج للخروج عن الفطرة التي فطر الله المرأة عليها إلى أهواء أهل الزيغ والضلال، وهنا نعرض لما ستجنيه المرأة من هذا العمل، فأهم نتائجه:
أولا: في الدنيا:
1- ضياع المرأة نفسها في المجتمع، وغياب الدور البارز والهام لها في تنمية المجتمع، في ظل هذه الدعوات الهدامة التي تريد اجتثاث الطهر والعفاف من المرأة، وإخراجها من وظيفتها التي جبلت عليها من قبل خالقها - عز وجل -.
2- جعلها كسلعة تتداول بين الرجال، وفي أوساط المجتمع، وهذا ما نلحظه جلياً وواضحا في المجتمعات التي تقول أنها تعطي المرأة مكانة أفضل مما أعطاها الإسلام، وهنا يجدر بنا أن نتساءل ماذا حققت المرأة في تلك المجتمعات، وأين الدور الذي تقوم به في الواقع، حقيقة لم نلمس ولو نصف الدور الذي يتحدثون عنه.
3- احتقار عقليتها وعدم احترام آدميتها، وكونها آدمية لها حقوق وواجبات، وعليها حقوق وواجبات، كل هذا ضائع في ظل هذه الدعوات، وهذا المجتمع، والواقع خير دليل؛ إذ إن المرأة أصبحت تتبع كل ناعق، وكل هوى يأتي به هؤلاء، ومتى ما صدر في فكر دعاة الفجور والسفور فكرة تتصدر المرأة أول القائمة، غثاً كان أو سميناً، وهنا يحصل امتهان المرأة، لا أنها تتبع فطرتها ودينها، وما أمرها ربها به.
4- الأخطر من هذا كله أن المرأة لا يقتصر ضررها على نفسها، بل يتعدى إلى غيرها؛ لأنها إما أماً أو زوجة، وهنا تكمن الخطورة في الأمر؛ إذا المرأة في الإسلام لها دورها البارز في المجتمع المسلم؛ لأنها تمثل النصف الثاني للمجتمع، وبناءً عليه، فصلاحها صلاح المجتمع، وبضياعها ضياع المجتمع؛ لأن الجيل برمته سيتربى على أفكار وآداب تزرعها في نفسه وعقله؛ لتصبح عادات يسير عليها النشء طيلة حياته.



ثانياً: في الآخرة:
أما في آخرتها إن سارت على ما تقدم في هذا الحد، فهي ستجني أمرين:
الأول: خسرانها الخسران الذي ليس بعده خسران؛ لأنها عصت ربها وتجاوزت حدوده واتبعت هوى نفسها وقدمته على رضا ربها، وهذه النتيجة نتيجة حتمية لكل من اتبع حبائل الشيطان، وسار على هواه، وخرج عن أمر ربه، سواء بهوىً متبع، أو دعوى فاسدة؛ لأنه: (وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)[(119) سورة النساء].
الثاني: أنها لم ولن تسلم بعملها هذا في الآخرة، بل ستتحمل أوزار من أغوتهم لا ينقص من أوزارهم شيء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا))[5] فالحذر الحذر.
الحد الثاني:
هو الجانب المشرق الوضاء في المرأة وهو الدور المنوط بها، فقد عمل الإسلام على تفجير طاقات المرأة، وتنمية مواهبها، وتوجيه اهتماماتها نحو سعادتها وكمالها، ونحو مصلحة المجتمع البشري والحياة الإنسانية، فقد حث الإسلام المرأة على العلم والعمل، وتحمل المسؤولية المناطة بها، وعلى أساس هذه الخطة التي رسمها الإسلام للمرأة، وانطلاقاً من هذا البرنامج العظيم، يصبح للمرأة شأنها الكبير في الحياة ودورها الخطير والبارز في المجتمع، فهي عضو فعّال فيما يحدث، ومسؤول مباشر عما يجري في كل مجالات الحياة..
وقد كثر الحديث عن المرأة ودورها لدرجة أنه أصبح هناك بون شاسع بين الرؤى المختلفة عن حدود دور المرأة في المجتمع، وطبعاً كل طرف يتحدث انطلاقاً من قناعاته الخاصة وتصوراته عن المرأة أولاً ثم الدور المنوط بها ثانياً، ويجب أن لا نفهم الفهم العقيم السقيم لدور المرأة في المجتمع أنه داخل إطار منزلها فقط، فالأمر يتعداه إلى ما هو أوسع من ذلك، وهناك دور أهم من ذلك وأعظم وهو تربية النشء، والمشاركة في بناء الأسرة المسلمة المتكاملة، والمساهمة في نهضة المجتمع وتطويره، ولكي تؤدي المرأة هذا الدور لا بد أولاً أن يتم إعدادها؛ لتصبح رسالية وصاحبة دور رسالي بارز.
فالمرأة يجب أن لا تكون تبعية، لكل هوى، وأن لا تقلد الأفكار والقيم الغربية إذا كانت مخالفة لهدي الإسلام، فهي متميزة في شخصيتها كتميز دينها الذي تنتمي إليه وتؤمن به بل وكتميز الأمة التي هي فرد فاعل فيها، فلتتنبه المرأة اليوم لما يحاك ضدها من مؤامرات تهدف إلى هدم عقيدتها، وثوابتها ومحاولة النيل من حيائها وعفتها ودينها.
إن التميز الحقيقي لتلك المرأة التي جرى دم الإسلام في جسدها، وجملت ظاهرها وباطنها بسنة نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - هي المجتهدة في طاعة ربها، الصوامة القوامة، القوالة بالحق، العفيفة النزيهة، القانعة باليسير، الخاشعة، المتواضعة لله، الخائفة منه - عز وجل -، البارة بوالديها، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، إن التميز الحقيقي لتلك المرأة هو أن تحاول أن تنهض بالأمة وتعيد لها أمجادها من جديد، فهي أمة لوحدها، من خلال اهتمامها بدينها، وبالنشء وتربيتهم، وإعدادهم.



ما الذي تجنيه من هذا كله؟
إن الذي تجنيه المرأة في هذا المحور وتكسبه عدة أمور دنيوية وأخروية، منها:
أولاً: الدنيوية:
1- أنها في مكانة احترام وتقدير في المجتمع برمته، فالجميع يحترمها، ويثني عليها في أوساط المجتمع.
2- أنها تكون في الجانب المشرق والهام في المجتمع، فيستقيم المجتمع، وتصلح ركائزه، وتعود له مكانته؛ إذ بصلاحها تصلح المجتمعات، فـ:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
3- تحصد ما زرعته في أولادها حين تكون في أمسِّ الحاجة، حين تصل إلى أرذل العمر، ستجد أولادها الذين ربتهم وغرست فيهم القيم والدين، ستجدهم خدماً مطيعين لها في أوقات الحاجة لهم دون ملل أو كلل.



ثانياً: الأخروية:
لا يقتصر النفع على الأمور الدنيوية فحسب، بل يتعداه إلى الآخرة، ومن هذه الثمرات التي تحصل عليها في الآخرة..
1- السعادة الأبدية التي ليس بعدها سعادة، والحياة الطيبة، والجزاء الأفضل قال - عز وجل -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [(97) سورة النحل]..
2- أنها ستلقى ما عملته في الدنيا حسنات في الآخرة، وفوق هذا كله، ستجد حسنات من تربو على التمسك بالدين في ميزان حسناتها، لا ينقص من أجورهم شيء، كما سبق من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً...)) الحديث.. [7].
3- أهم من هذا كله أنها ستحوز على رضا ربها - عز وجل -، وتدخل جنته -تبارك وتعالى-، بل تدخل من أي أبواب الجنة شاءت، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))[8]، فأي فضل بعد هذا، وأي مكرمة أفضل من هذه المكرمة؟!.
أيتها الفاضلة هذان طريقان أوضحتهما لك، أسباباً، وأهدافاً ونتائج، فأنت ممن قال الله فيهم: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [(10) سورة البلد].، ومن الحمق أن يرضى العبد بالدنية، ويترك النعيم والفض الكبير، ومن الحمق أيضاً أن يُرضي العبد البرية، ويُغضب رب البرية.
أسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يهدينا ويهدي بنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
_____________
[1] مسند أحمد بن حنبل21794، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[2] المستدرك708، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 126.
[3] البخاري 4934، ومسلم 2172.
[5] صحيح مسلم (2674).
[7] صحيح مسلم (2674).
[8] مسند أحمد (1661)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 239).