( يا بني اركب معنا )
يوسف بن إبراهيم الزين



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فلم يكن نوح - صلى الله عليه وسلم - في دعوته غافلاً عن أحد، فقد دعا قومه وعشيرته، ودعا أهل بيته، وخصّ ابنه حتى اللحظات الأخيرة (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ)(ه ود: 42)، وسأل عن ابنه وذلك بعد نزول العذاب وانتهاء الطوفان (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(ه ود: 45)، فجاءه الجواب: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، وزوجته كذلك - عليه السلام - ضربها الله مثلاً فقال - تعالى -: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(ا لتحريم: 10).




قال بن كثير - رحمه الله -: وليس المراد بقوله (فخانتاهما) في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة، لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور.
أخي القارئ:
أ- إن في هذا الذي وقع لنوح - صلى الله عليه وسلم - ما يدعو المؤمن إلى بذل الجهد مع أهل بيته لأنهم أولى الناس به وأقربهم إليه وألا يكتفي بوسيلة واحدة بل عليه أن يطرق جميع الوسائل الممكنة مع والديه وزوجته وأبنائه، فإن كانوا مستقيمين نقلهم إلى مراتب أعلى في فهم الدين، والعمل به، وإن كانوا مفرطين دعاهم إلى الإقبال على الله - تعالى - ومن وسائل ذلك:




1/ خدمة الكبار وقضاء حوائجهم، ذلك أن النفوس مجبولة على محبة من أحسن إليها كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان.
2/ اللعب مع الصغار والتصابي لهم، فإن ذلك يجلب المودة والمحبة.
3/ أن يخصص وقتاً للصغار يقص عليهم خلاله بعض القصص المناسبة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسير الأنبياء والصحابة والتابعين.
4/ أن يخصهم ببعض الهدايا والألعاب فإن ذلك يؤثر في نفوسهم تأثيرا بالغاً.




5/ الحوار مع الشباب ومشاركتهم هواياتهم المباحة كالسباحة والكرة والصيد ونحو ذلك، واتخاذههم أصحاباً حتى يعتادوا على صحبة أهل الخير، ويجدوا صدوراً مفتوحة فلا يحتاجون مع ذلك إلى أصحاب السوء.
6/ الدعاء لهم بالصلاح، وهذا منهج سلكه الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
ب- وفيه أيضاً تسلية لمن فسد أبناؤه ولو كان صالحاً إذا كان قد بذل جهده في دعوتهم.