عبق الرَّحيق

في ترجمة الشيخ المغربي أبو عبد الله بن رشيق
ناسخ مصنَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة البحر العميق

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه الصَّادق الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

فهذا تقييدٌ شريفٌ ومنزعٌ لطيفٌ في ترجمة أحد المغاربة ـ وهو أبو عبد الله بن رشيِّق!!؟ ـ المعروف عنه رحمه الله أنَّه كاتب وناسخ مصنَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ وهو بهذا العمل الجليل! قد أضفى له ولأهل المغرب قاطبة، منقبةً شريفةً ومفخرةً منيفة؛ ويكفيهم فقط في هذا! ما قد قيل: ((فضل الفعل على القول مكرمة)). فهي بحقٍّ منقبةٌ! قد أبى الله تعالى إلاَّ أن يجعلها في صحيفة صنع هذا المغربيِّ؛ إذ قضى عزَّ وجلَّ أن يكون سبباً في بقاء وانتشار واشتهار غالبيَّة كتب شيخ الإسلام عند النَّاس؛ إمَّا في المشرق وإمَّا في المغرب. وهو بهذا يكون فعلاً سبباً فعَّالاً في نشر السَّلفيَّة أو المنهج السَّلفيِّ في ذاك الزَّمان!! فجزاه الله عن ذلك كلِّه خير الجزاء.
فليفخر أهل المغرب إذن! وحقَّ لهم أن يفتخروا به أيَّما افتخار؛ كيف لا وهو المغربيُّ!!!؟ فإذا كان هنالك مجداً وشرفاً لهم فإنَّه بالضَّرورة يكون له فيه الفضل الأوفى والحظُّ الأسمى! فلا تعزى ـ هنالك!! ـ خلَّةً نبيلةً إلاَّ إليه، ولا تقصر منقبةً جليلةً إلاَّ عليه، ولا تؤثر مأثرةً نفيسةً إلاَّ عنه، ولا تقتبس سيرةً جميلةً إلاَّ منه؛ إنَّه فقط هو المجدُ والعهدُ! لمثل هذا الشَّيخ الفاضل، إنَّه فقط الشَّيخ ابن رشيِّق!!!
لذلك ارتأينا أن نحرِّر فيه هذا الجزء البسيط لنقف فيه وإيَّاكم مع ترجمةٍ له، فيعرفها الخاص والعام، والمغربيُّ والمشرقيُّ، وكلَّ سلفيٍّ له ودٌّ وعشقٌ بشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، وقد سمَّيناها بحمد الله بـ "عبق الرَّحيق في ترجمة الشَّيخ المغربي أبو عبد الله بن رشيق"؛ وهي على صغر حجمها وفقر مادَّتها!!!
إلاَّ أنَّها ـ وبالرَّغم من ذلك كلِّه ـ قد جمعت لنا شتات ما تفرَّق من هنا وهنالك، لذلك نرجو أن ينتفع بها الإخوان، وأن يبارك الله تعالى فيها بالقبول، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.

فصل: في معرفة الشَّيخ المغربي

قلت: في مادة ( رشيِّق ) بالتَّصغير(1) أو بتصغير المثقَّل(2)؛ وقال الصفديُّ(3): بضمِّ الرَّاء وفتح الشِّين المعجمة وتشديد الياء؛ آخر الحروف مصغَّراً. وهما اثنان: الجدُّ والحفيد. وهذا الثَّاني هنا هو محلُّ الكلام عليه ومحلُّ التَّرجمة، إذ قد اتَّفق كلٌّ من أئمَّة التَّراجم كالإمام الذَّهبيِّ والحافظ ابن كثيرٍ وابن قاضي شهبة وابن رافع السُّلاميِّ والحافظ ابن حجر؛ على أنَّه هو: الشَّيخ أبو عبد الله بن رُشيِّقٍ؛ كذا ذكره الحافظ ابن عبد الهادي المقدسيُّ(4) والزِّركليُّ(5)؛ إلاَّ أنَّه ذكره من غير كنيته(6) كما هي محقَّقةٌ عند غيره(7). وقد ذكره أيضاً ابن مرِّي الحنبليُّ(8) في "رسالته"(9) أكثر من مرَّة بالكنية، ومثله ابن حامد الشَّافعيُّ(10).
وكذلك ذكره ـ أو سمَّاه ـ محمَّد بن عبَّاد الشُّجاعيُّ في "الفصل"(11) بروايته عنه فيها؛ فقال رحمه الله: ((أخبرني الشَّيخ أبو عبد الله محمَّد بن رشيِّق المغربيُّ المالكيُّ، أنَّ علاء الدِّين...)).
قلت: وهذه منه زيادة نافعةٌ ماتعةٌ أفادنها هنا، وقد أكَّدها لنا المترجم له هو بنفسه وخطِّه في آخر رسالة "الاجتماع والإفتراق في الأيمان والطَّلاق" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة(12)، وكذا في آخر "رسالة في العقل والرُّوح"(13)؛ وقال: ((محمَّد بن عبد الله بن أحمد سبط ابن رشيِّقٍ المالكيُّ)).
وهو ما أثبته الحافظ في "تبصيره"(14) مع زيادة مهمَّة؛ وهي قوله: ((المرَّاكشيُّ)). ومثله ـ أو لنقل ـ أثبت من ذلك كلِّه، ما جاء مذكوراً عند ابن رافع في "ذيله"؛ فقال رحمه الله: ((أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن أحمد المرَّاكشيُّ، ثمَّ المصريُّ(15) المالكيُّ(16)، سبط الإمام عبد الوهَّاب بن رشيِّق))(17).
فهذا منه ـ على الأقلِّ لنا ـ نقلٌ واسع وذكرٌ نافعٌ، في بيان ترجمته هذه الدَّقيقة، ومع ذلك اشتهر وعرف كما قالوا بـ "ابن رشيِّق المغربيِّ!!!"، وأحياناً أخرى بـ "ابن رشيِّق المالكيِّ!!!".
قال الزِّركلِّيُّ(18): من أهل دمشق.
وقال ابن رافعٍ(19): ((وأقام بدمشق مدَّة)).
كما اتَّفقوا(20) أيضاً على أنَّه رحمه الله قد توفِّي في يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبعمائة(21).

فصل: في معرفة جدُّه الإمام

ذكر ابن رافع أنَّه: ((سبط الإمام عبد الوهَّاب بن رشَيِّق))(22). وقال الحافظ(23): ((هو جدٌّ له)).
ومثله الإمام الذَّهبيُّ في "تاريخه"(24)؛ وقال(25) هو: ((جدٌّ لأمِّه)). وقد سمَّاه باسمه؛ وقال(26): ((عبد الوهَّاب بن يوسف بن محمَّد بن خلف، الفقيه أبو محمَّد ابن الفقيه أبي الحجَّاج الأنصاريُّ القَصْريُّ المغربيُّ المالكيُّ)).
ومثله ابن رافع(27) وقال: ((الفقيه أبو محمَّد عبد الوهَّاب بن أبي الحجَّاج يوسف بن محمَّد ابن خلف بن محمَّد بن أيُّوب، الأنصاريُّ القصْريُّ المالكيُّ؛ المعروف بابن رشيِّق)). ومثله الحافظ ابن ناصر الدِّين الدِّمشقيُّ(28).
وكذلك ذكره الحافظ(29)؛ لكن من غير الكنية. وكذا الصفديُّ(30) ـ متابعة للذَّهبيِّ! ـ؛ فقال: ((أبو محمَّد ابن الفقيه أبي الحجَّاج القصْريِّ)).
قال ابن ناصر الدِّمشقيُّ ـ في معنى قوله القصْريِّ ـ(31):
((من أهل قَصْر عبد الكريم من الغرب، ولهذا يقال له: القَصْريُّ))(32).
قال الذَّهبيُّ(33) فيه: ((الفقيه القدوة،...، شيخٌ عالم، صالحٌ خيِّرٌ، ذو مروءةٍ وفتوَّة وتعفُّفٍ وفقر.
حمل عن أبيه الرَّاوي(34)، عن عياض(35) وأبي بكر بن العربيِّ(36) وعن عبد الجليل القصريِّ(37) مصنِّف "شعب الإيمان"...)).
وقال الحافظ الدِّمشقيُّ(38): ((سمع من أبيه الفقيه أبي الحجَّاج يوسف بن رشيِّق الأندلسيِّ.
وأبوه أبو الحجَّاج هذا سمع من القاضيين: أبي بكر محمَّد بن العربيِّ، وعياض بن موسى السَّبتيِّ)).
قال الذَّهبيُّ(39): ((وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر)). ومثله ابن رافع(40)؛ وزاد: ((من الفضلاء الصُّلحاء)).
وقال الحافظ(41): ((كان أحد المتصدِّرين بجامع عمروٍ)).
كتب عنه الرَّشيد العطَّار(42) حكاية(43)؛ كذا ذكر الإمام الذَّهبيُّ؛ وقال(44): ((ومات ليلة عيد الفطر، عن ثلاثٍ وستِّين سنة)). ونحوه ابن رافع وكذا ابن ناصر الدِّين؛ وقالا: ((في سنة خمسين وستُّمائة))، ومثلهم الحافظ(45).

فصل: في معرفة أمِّه العابدة

قلت: أمُّه تسمَّى (فاطمة!!)؛ وهي ابنت الفقيه أبو محمَّدٍ عبد الوهَّاب المالكيُّ. قال ابن رافع(46):
((وابنته فاطمة امرأةٌ صالحةٌ عابدةٌ كثيرة الأوراد)). ونحوه أيضاً في "التَّبصير"(47). ثمَّ زاد ابن رافع(48):
((توفِّيت في ليلة نصف شهر رمضان سنة تسع عشرة وسبعمائة. ودفنت بمقبرة الصُّوفيَّة بظاهر دمشق. ذكرها شيخنا أبو محمَّدٍ البرزاليُّ(49) في "تاريخه"..)).

فصل: في معرفة مشايخه

قلت: من المعلوم أنَّ له شيخان اثنان؛ وهما:
الأوَّل: وهو أصل هذه التَّرجمة؛ وهو شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، وهو غنيٌّ عن التَّعريف كما تعلم.
والآخر: أبا الحسن عليِّ بن المظفَّر بن إبراهيم الكنديِّ الوداعيُّ(50) صاحب "التَّذكرة الكنديَّة"!!!
قال ابن رافع(51): ((سمع من أبي الحسن عليِّ بن المظفَّر بن إبراهيم الكنديِّ، وكتب عن الشَّيخ تقيُّ الدِّين أحمد بن عبد الحليم بن تيميَّة كثيراً من كلامه)).
ونحوه الحافظ ابن حجر في "التَّبصير"(52).
وكذلك لا ننسى شيخه الأوَّل(53)؛ وهو جدُّه الفقيه أبو محمَّدٍ عبد الوهَّاب المالكيُّ!!! - فهو هنا وبحكم النَّشأة ودم القرابة، وأيضاً بحكم التَّعليم الأوَّلي - يكون بلا ريبٍ قد أخذ عنه الفقه والمذهب المالكي؛ وهذا لا ينكره إلاَّ معاندٌ أو جاحدٌ(54).

فصل: في معرفة بعض من صفاته وأحواله

قلت: وممَّا قد حكاه عنه الحافظ ابن كثير هنا قوله: ((...ديِّناً، عابداً، كثير التِّلاوة، حسن الصَّلاة، له عيالٌ وعليه ديونٌ؛ رحمه الله وغفر له آمين(55))).

فصل: في معرفة ما قالوا فيه

قلت: ومن المهمِّ هنا! أن نعرف ما قالوا فيه من عدالةٍ أو جرحٍ إن وجد ما يعدَّل به أويجرَّح، و هذا - كما تعلم!! - من أمانة العلم والنَّقل.
والموجود عندنا هو فقط ما ذكره الحافظ ابن كثير من قوله فيه: ((لا بأس به!!))(56). وهذه من ألفاظ التَّعديل، زيادة أيضاً إلى إطلاق كلٌّ من ابن عبد الهاديِّ(57) وابن مرِّي الحنبليِّ(58) فيه بأنَّه: ((شيخ!!)). ومثلهما أيضاً ابن حامد الشَّافعيُّ في "رسالته"(59) له؛ ذكرها صاحبي "الجامع"(60) وصاحب "العقود الدريَّة". زيادة أيضاً إلى قول الإمام الذَّهبيِّ فيه: ((صاحبنا الفقيه!!))(61).
وكلامه هذا قد حوى لنا في طيِّه فائدتان دقيقتان:
الأولى: في إطلاق الصُّحبة له؛ أي أنَّه رحمه الله صاحب أصحاب وتلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ كالذَّهبيِّ وابن كثير وابن قيِّم الجوزيَّة وابن عبد الهاديِّ وابن مرِّي وغيرهم، فضلاً كذلك عن صحبته له هو بعينه والتَّتلمذ عليه.
والثَّانية: في إطلاق عليه لقب الفقيه؛ كيف لا؟! وهو حفيد الفقيه، ثمَّ هذه شهادة لها وزنٌ هنا؛ فتنبَّه!!!

فصل: في مناقشة كلام ابن كثير فيه
وكذا في ذكر مؤلَّفاته

قلت: لقد ذكرنا سابقاً (ص/13) أنَّ له معرفة بشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، كما قد كتب كتبه!!! كما حكاه ابن رافع(62)؛ وقال: ((وكتب عن الشَّيخ تقيِّ الدِّين أحمد بن عبد الحليم بن تيميَّة كثيراً من كلامه)). بينما الحافظ ابن كثير يقول ـ موضِّحاً ذلك ومصرِّحاً ومؤكِّداً ـ أنَّه: ((كاتبُ مصنَّفات شيخنا العلاَّمة ابن تيميَّة))(63). ومثله الزِّركلِيُّ(64).
ثمَّ زاد ابن كثير؛ فقال: ((كان أبصر بخطِّ الشَّيخ منه، إذا عزَب شيءٌ منه على الشَّيخ استخرجه أبو عبد الله هذا، وكان سريع الكتابة))(65).
وهذا كلامٌ(66) دقيقٌ يحوي على لطيفتين هامَّتين:
الأولى: أنَّه بحقٍّ يعتبر ـ وهذا اعترافٌ وشهادة من ابن كثيرٍ ـ الكاتب والنَّاسخ الأليَقُ والأجدرُ لما كتبه شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، كما يكون أيضاً!! قد نسخ كلَّ مصنَّفاته الكثيرة؛ وهو محتملٌ هنا! أو قل البعض منها؛ وهذا واضحٌ من قول ابن كثير وابن مرِّي الآتي. كما أنَّه ومن الممكن جدًّا! أن يقال ـ وهو محتملٌ هنا ومقبولٌ!! ـ: أن يكون هو السَّبب في اشتهار وانتشار كلَّ كتب شيخ الإسلام؛ والله أعلم.
والثَّانية: في قوله: ((كان أبصر بخطِّ الشَّيخ منه، إذا عزَب شيءٌ منه على الشَّيخ استخرجه أبو عبد الله هذا))؛ فهذا شاهدٌ قويٌّ، وقيدٌ في غاية الدقَّة والأمانة
يؤكِّد ما ذهبنا إليه في اللَّطيفة الأولى!!! من أنَّه ـ والله أعلم ـ هو سبب انتشار كتب شيخ الإسلام؛ وهذا بما امتاز به من دون غيره ممَّن كان أقرب منه، فإنَّه له خصوصيَّتان قد أهَّلتاه وميَّزتاه عن كثيرٍ من تلامذته:
(أحدهما): سرعة الكتابة كما أفاده الحافظ ابن كثير؛ أي: في الكتابة والنَّسخ، إمَّا ما يمليه الشَّيخ، أو ما كتبه هو بيده رحمه الله.
وهو بهذا! يكون له السَّبق والتفرُّد في كتب الشَّيخ ابن تيميَّة، كما يكون باعتبار هذا! الفضل في انتشارها.
(والأخرى): في معرفته الجيِّدة والفائقة بخطِّ شيخ الإسلام رحمه الله؛ حتَّى أنَّه كان من أبصر به منه، وهي ميزةٌ في غاية الأهميَّة هنا لمن يتدبَّر أو ينتبه! لأنَّه إذا ما عزب شيخ الإسلام عن خطِّه، فبالأحرى تلامذته ومن ينقل عن كتبه أو ينسخها؛ هم أولى بهذا العزب هنا كما تعلم!!؟ فممَّا كانت الإستفادة والإعتماد في هذه الحالة؛ وهي معضلةٌ! على ما امتاز به فقط هذا المغربيُّ ابن رشيِّق؛ في فكِّ الخطِّ وقراءته كما يجب أن يكون في أصله. وهو بهذا! يكون له الفضل في انتشار كلَّ كتب شيخ الإسلام أو بعضها على الأقلِّ؛ انتشاراً يليق بإمامته وجلالته، ويليق كذا بوزنه الثَّقيل في عالم السَّلفيَّة.
((تتمَّةٌ مفيدةٌ)): يقال: إنَّ الشَّيخ ابن رشيِّق المغربيِّ، وكذا شيخ الإسلام ابن القيِّم الجوزيَّة؛ هما من أخصِّ النَّاس بشيخ الإسلام، إذ يختصُّ كلٌّ منهما بما يفوت الآخر.
فلابن رشيِّق هذا! من النُّفوذ في المعرفة بخطِّه ـ كما علمته آنفاً!!! ـ وأيضاً بتفاريق فتاويه الكثيرة ما قد يفوت ابن القيِّم الجوزيَّة، وعند ابن القيِّم الجوزيَّة من الإختصاص بشيخه في (السِّجن!) وخارجه ما يعزب عن علم المغربيِّ، وفي كلِّ فضلٍ وخيرٍ.
لكنَّ - وكما يقال: - أنَّ خصوصيَّة التَّلميذ وقربه من الشَّيخ قد لا تعني تقدُّمه في العلم، بل و لا ضبط علم شيخه. وقد وجد من لازم العلماء دهراً طويلاً، ولم يكن كغيره ممَّن قلَّ ملازمتهم وكثر انتفاعهم به؛ وهو ما حكاه أحد الإخوان في الشَّبكة؛ وهو حقٌّ لا يردُّ، ولا يشاحح فيه، بل وكما قيل: "العلم مواهب!!!؟".
فلا عجب! أن ترى ابن رشيِّق هذا؛ أنَّ أكثر ما مدح فيه أنَّه كاتب كتب الشَّيخ متمكِّنٌ من قراءة خطِّه؛ لا يخفى أنَّ هذا مدحٌ مخصوصٌ؛ لا يلزم منه غير ما عيِّن كما أفاده من قبل الحافظ ابن كثير.
إلاَّ أنَّ الإمام الذَّهبيُّ له رأيٌ آخر فيه! فقد نعته رحمه الله في كتابه "المشتبه"(67) بـ: ((صاحبنا الفقيه!!!)). وهي منه زيادة علمٍ يعتدُّ بها هنا! فلا يهضم حقَّه في كونه ثقةٌ؛ كما هو مفهومٌ من قوله: ((صاحبنا))، وأنَّه أيضاً! صاحب فقه(68). وهو على المذهب (المالكيِّ!)؛ كما نسبه ابن رافع آنفاً؛ فقيل له: المالكيُّ!!!
لكنَّه وبالرَّغم من ذلك! فهو لا يقارن ـ أبداً ـ بتلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميَّة المبرزين؛ ولا نحاول أن نقول ذلك أو ندَّعيه؛ بعد تلميح ابن كثير إلى ذلك.
وهذه نكتةٌ مهمَّةٌ! يجب التَّنبيه عليها وبيانها، وهي واضحةٌ جليَّةٌ في عبارته السَّابقة؛ قال رحمه الله: ((كاتب مصنَّفات..، كان أبصر بخطِّ الشَّيخ منه..، سريع الكتابة، لا بأس به..)).
فهو لم يصفه بشيءٍ من العلم، بل كان جلُّ المدح على تلك المزيَّة؛ وهي لا تضرُّ ألبتَّه! بعد وصف الذَّهبيُّ له بالفقيه، وأيضاً إطلاق المشيخة عليه كلٌّ من الحافظ ابن عبد الهاديِّ، وكذا الشَّيخ ابن حامد الشَّافعيِّ؛ والذي قال فيه: ((الشَّيخ الإمام العالم العامل))(69). وهذه زيادة(70) في باب (الإمامة والعلميَّة!) تلحق في ما ذكرناه فيه سابقاً في مكانه.
وأيضاً ابن مرِّي الحنبليُّ؛ وهو ما أكَّده تأكيداً أكيداً! في "رسالته(71)" إلى تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ فقال: ((فاحتفظوا بالشَّيخ أبي عبد الله ابن رشيِّق ـ أيَّده الله ـ وبما عنده من الذَّخائر والنَّفائس، وأقيموا لهذا المهمِّ الجليل بأكثر ما تقدرون عليه، ولو تألمَّتم أحياناً من مطالبته؛ لأنَّه بقي في فنِّه فريداً(72)!!! ولا يقوم مقامه غيره من سائر الجماعة على الإطلاق، وكلُّ أحوال الوجود لا بدَّ فيها من العوارض والأنكاد؛ فاحتسبوا مساعدته عند الله تعالى، وانهضوا بجموع كلفته؛ فإنَّ الشَّدائد تزول، والخيرات تغتنم!!!؟ فاكتبوا ما عنده وليكتب ما عندكم، وأنا أستودع الله دينه وما عنده، وأوصيه بالصَّبر أيضاً وبمعاملة الله سبحانه في ما هو فيه(73)، وإن قصَّر الإخوان في حقِّه، وليطلب نصيبه من الله تعالى متَّكلاً عليه في رزقه المضمون، ومجْمِلاً في الطَّلب؛ لأنَّه ما قُسِّم لا بدَّ له أن يكون))(74).
ومثله ـ أيضاً ـ الحافظ ابن عبد الهاديُّ المقدسيُّ في "العقود الدُّرِّيَّة"(75)؛ فقال رحمه الله: ((قال الشَّيخ أبو عبد الله [يعني به: ابن رشيِّق](76): لو أراد الشَّيخ تقيُّ الدِّين رحمه الله أو غيره حصرها يعني مؤلَّفات الشَّيخ لما قدروا؛ لأنَّه ما زال يكتب، وقد منَّ الله عليه بسرعة الكتابة، ويكتب من حفظه من غير نقلٍ.
وأخبرني غير واحدٍ: أنَّه كتب مجلَّداً لطيفاً في يومٍ. وكتب غير مرَّة أربعين ورقةً في جلسةٍ وأكثر.
وأحصيت ما كتبه في يومٍ وبيَّضْتُه فكان ثماني كراريس في مسألةٍ من أشكل المسائل، وكان يكتب على السُّؤال الواحد مجلَّداً، وأمَّا جواب؛ يكتب فيه خمسين ورقةً وستِّين وأربعين وعشرين فكثير، وكان يكتب الجواب؛ فإن حضر من يبيِّضه وإلاَّ أخذ السَّائل خطَّه وذهب. ويكتب قواعد كثيرة في فنونٍ من العلم في الأصول والفروع والتَّفسير وغير ذلك، فإن وجد(77) من ينقله من خطِّه وإلاَّ لم يشتهر، ولم يعرف، وربَّما أخذه بعض أصحابه(78)؛ فلا يقدر على نقله ولا يردُّه إليه فيذهب.
وكان كثيراً ما يقول(79): قد كتبت في كذا وفي كذا، ويُسأل عن الشَّيء؛ فيقول: قد كتبت في هذا، فلا يدري أين هو!؟ فيلتفت إلى أصحابه ويقول: ردُّوا خطِّي وأظهروه ليُنقل، فمن حرصهم عليه لا يردُّونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه ولا أين هو؟! فلهذه الأسباب وغيرها تعذَّر إحصاء ما كتبه، وما صنَّفه، وما كفى هذا! إلاَّ أنَّه لمَّا حُبس وتفرَّق أتباعه، وتفرَّقت كتبه، وخوَّفوا أصحابه من أن يظهروا كتبه، ذهب كلَّ أحدٍ بما عنده، وأخفاه، ولم يظهروا كتبه، فبقي هذا يهرِّب بما عنده، وهذا يبيعه أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتَّى أنَّ منهم من تُسرق كتبه أو تجحد فلا يستطيع أن يطلبها، ولا يقدر على تخليصها، فبدون هذا تتمزَّق الكتب والتَّصانيف كلَّ ممزَّق، ولولا أنَّ الله تعالى لطف وأعان، ومنَّ وأنعم، وجرت العادة في حفظ أعيان كتبه وتصانيفه، لما أمكن لأحدٍ أن يجمعها، ولقد رأيت من خرق العادة في حفظ كتبه وجمعها وإصلاح ما فسد منها وردِّ ما ذهب منها: ما لو ذكرته لكان عجباً، يعلم به كلَّ منصفٍ أن لله عناية به، وبكلامه؛ لأنَّه يذبُّ عن سنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
قلت: ومن هذا النَّقل المذكور قبل قليل نستفيد بعض من مزايا هذا المغربيِّ؛ وهي:
الأولى: أنَّه كان من أخصِّ أصحاب شيخ الإسلام، وأكثرهم كتابة لكلامه، وحرصاً على جمعه؛ وهو ما أفاده الإمام ابن عبد الهاديُّ في كتابه "العقود الدريَّة"؛ فقال(80): ((وكان من أخصِّ أصحاب شيخنا، وأكثرهم كتابة لكلامه، وحرصاً على جمعه)). وهذا منه فيه شهادة حقٍّ وصدقٍ وعدلٍ على تلك الخصوصيَّة في الصُّحبة من جهة، ومن جهةٍ أخرى! في خصوصيَّة كثرة الكتابة والجمع(81)؛ وكفى بها من شهادة هنا.
والثَّانية: أنَّه رحمه الله كان مرجعاً حقيقيًّا لكتب شيخه ابن تيميَّة؛ وهذا بما حواه من ذخائره ونفائسه، وكذا وهو المهمُّ؛ بقدرته على قراءة وإصلاح ما عزب عن غيره، وهو ما أفاده ابن مرِّي الحنبليُّ وابن كثير، وكذا ما ذكره ابن عبد الهاديُّ آنفاً.
والثَّالثة: تفردِّه عن أقرانه في هذا الفنِّ(82).
والرَّابعة: أنَّه هو من كان يقوم بتبييض ما يكتبه شيخ الإسلام؛ بدليل قوله المنقول: ((وأحصيت ما كتبه في يومٍ وبيَّضْتُه فكان ثماني كراريس)). وهذا في الغالب!! بدليل التفرُّد المذكور.
والخامسة: أنَّه كانت بينه وبين شيخ الإسلام صحبةٌ خاصَّة، كما كانت له قبل أن يتوفَّى في سجنه بقليلٍ مكاتبات ومراسلات، ومنها ما قد صرَّح به الحافظ ابن عبد الهاديُّ؛ فقال(83):
((قال الشَّيخ أبو عبد الله بن رشيِّق:..ثمَّ لمَّا حبس في آخر عمره كتبت له أن يكتب على جميع القرآن مرتَّباً على السُّور؛ فكتب يقول: إنَّ القرآن فيه..)).
وقال(84) أيضاً: ((وأرسل إلينا شيئاً يسيراً ممَّا كتبه في هذا الحبس..)).
والخامسة: أنَّه يمثِّل ـ في حقيقة الأمر! ـ فهرسة(85) حيَّة وواقعيَّة لغالبيَّة كتب شيخ الإسلام رحمه الله. كيف لا؟! وهذا الشَّيخ عبد الله بن حامد الشَّافعيُّ يطلب منه ذلك؛ فقال(86): ((لكن لمَّا سبق الوعد الكريم منكم بإنفاذ فهرست مصنَّفات الشَّيخ ـ رضي الله عنه ـ وتأخَّر ذلك عنِّي)).
والسَّادسة: أنَّه وباعتبار ما قلناه سابقا ولاحقاً! يعدُّ ـ ولا فخر؛ ومن غير منازع!!؟ ـ الوحيد والفريد من دون غيره؛ ممَّن أحصى أسماء مصنَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله. فإنَّ له في هذا المجال كتابٌ نفيسٌ في الباب يحمل عنوان: "أسماء مؤلَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة"؛ حتَّى أنَّه وإلى حدِّ السَّاعة! قد بقيت منه قطعة صالحة(87)، لكنَّ النَّاس يعزونها ـ جهلاً وخطأً! ـ إلى ابن القيِّم الجوزيَّة، وهو ما وقع عند الدَّكتور صلاح الدِّين المنجد والشَّيخ بكر أبو زيد، ومن قبلهما الشَّيخ جميل العظْم، وكذا الشَّيخ العلاَّمة طاهر الجزائريُّ، إلى أن قيَّض الله تعالى الشَّيخ الفاضل النقَّاب محمَّد عزير شمس وكذا قرينه الشَّيخ عليُّ بن محمَّد العمران؛ فردَّا الكتاب إلى من رصَّفه وصنَّفه، ألا وهو المترجم له!!! وهو الشَّيخ المغربيُّ أبو عبد الله بن رشيِّق؛ جزاه الله خير الجزاء، وأدخله فسيح جنانه آمين!!!

فصل: تتمَّةٌ في ذكر مؤلَّفات ابن رشيِّق

وتتمَّة لما ذكرناه آنفاً! فإنَّنا نضيف هنا قائلين:
أنَّ لابن رشيِّق المغربيِّ هذا مؤلَّفان هامَّان؛ وهما:
(الأوَّل): وهو من تأليفه؛ وهو بعنوان "أسماء مؤلَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة"؛ وقد رأيناه سابقاً فلا مزيد عليه.
(والثَّاني): وهو فقط من روايته؛ وهو بعنوان "فصلٌ في مبشِّرات رآها الصَّالحون للشَّيخ تقيِّ الدِّين أحمد ابن تيميَّة بعد موته إلى رحمة الله"(88)؛ يرويها محمَّد بن عبَّاد الشُّجاعيُّ عن تلاميذ الشَّيخ ومعاصريه.
قلت: ومن هؤلاء التَّلاميذ المقرَّبين بقوَّةٍ من شيخ الإسلام رحمه الله ومن أصحابه! هو الشَّيخ أبي عبد الله ابن رشيِّق المغربيُّ هذا؛ والذي يروي(89) غالبيَّة هذه الرُّؤى المذكورة في هذا الجزء أو في هذه الرِّواية الذي يرويها الشُّجاعيُّ؛ وجملتها اثنتا عشرة رؤية، انفرد ابن رشيِّق بسبعٍ منها، والبقيَّة لغيره ممَّن ذكرت أسماؤهم فيها(90).

الخاتمة

هذا! وقد أتينا في الأخير على ختام وإتمام هذه التَّرجمة الموجزة، بما لها أو عليها!!؟ لكنَّ الحقَّ والحقُّ نقول: أنَّ إخوانه وأقرانه قد قصَّروا في حقِّه؛ إذ كان رحمه الله يعاني من شظف العيش ومرارة الحياة بسبب قلَّة المال لديه، وهو ما أكَّده سابقاً الحافظ ابن كثير، وكذا الشَّيخ أحمد بن مرِّي الحنبليُّ كما في "رسالته"(91) السَّابقة؛ والشَّاهد فيها هو قوله مثلاً: ((..فاحتسبوا مساعدته عند الله تعالى، وانهضوا بمجموع كلفته)). وقوله أيضاً: ((وأوصيه بالصَّبر أيضاً، وبمعاملة الله سبحانه فيما هو فيه، وإن قصَّر الإخوان عنه!!!)). وقوله: ((فساعدوه وأزيلوا ضرورته، واجمعوا همَّته)).
فهذا يدلُّك على فقر(92) الرَّجل فعلاً!! ومع ذلك قام بما هو عليه واجبٌ في نشر كتب شيخه وجمعها كما يجب؛ فجزاه الله خير الجزاء.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا ورسولنا وحبيبنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم واتَّبع سبيلهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

كتبه بقلمه راجي عفو ربِّه: أبو حامد الإدريسي
الجزائر: يوم السبت بعد صلاة العصر 03 ربيع الأول 1442هـ الموافق لـ 21 أكتوبر 2020م

(ملاحظة): هذا البحث قد كنت كتبته بتاريخ يوم الجمعة 23/05/1434هـ الموافق لـ 03/05/2013م).


ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
(1) انظر ((المشتبه في أسماء الرِّجال))(ص/225) للإمام الذَّهبيِّ.
(2) انظر ((تبصير المنتبه بتحرير المشتبه))(2/605و606) للحافظ ابن حجر العسقلاني.
(3) انظر ((الوافي بالوفيَّات))(ترجمة الجد).
(4) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/27و28) له.
(5) انظر ((الأعلام))(4/86) له.
(6) وقد يكون هذا منه سهواً أو خطأً، أو قد تكون سبق قلم. وهو ما أكَّد لي هذه الحقيقة من قول صاحبا ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام))(ص/59)؛ فقالا في الهامش: ("البداية والنِّهاية"(14/241) ط. الريَّان، ووقع في: "عبد الله بن رُشَيِّق" وهو خطأ مطبعي لا ريب، والصَّواب: أبو عبد الله، كما جاء في السَّطر الذي يليه، وعلى هذا الوهم ترجم له الزركلي في "الأعلام"(4/86) في من اسمه: عبد الله؛ وحتَّى يستقيم له هذا حَذَف: "أبو" التي جاءت على الصَّواب في السَّطر الثَّاني من كلام ابن كثير!!).
(7) انظر ترجمته: ((تاريخ ابن قاضي شهبة))(2/655) و((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27) لابن رافع السُّلاميِّ و((تبصير المنتبه بتحرير المشتبه))(2/605و606) للحافظ ابن حجر و((المشتبه في أسماء الرِّجال))(ص/225) للإمام الذَّهبيِّ.
(8) وهو الشَّيخ أحمد بن محمَّد بن مرِّي شهاب الدِّين الحنبلي رحمه الله.
(9) والمسمَّاة بـ ((رسالة من الشَّيخ أحمد بن محمَّد بن مُرِّي الحنبليِّ (بعد 728هـ) إلى تلاميذ شيخ الإِسلام ابن تيميَّة)). أخرجها صاحبي ((الجامع))(ص/151) فيه؛ وقالا هنالك: (نشرها محمَّد حامد الفقِّي في "مجموعة رسائل علميَّة"(القاهرة 1368هـ، ص/ 147-154)، بالاعتماد على نسخة بخطِّ الشَّيخ جمال الدِّين القاسمي منقولة من نسخة منقولة من خطِّ المؤلِّف، مخرومة من أوَّلها مع محوٍ في أثنائها، استخرجها القاسمي من مجموع بديع، وقام بتصحيحها).
(10) هو الشَّيخ قِوام الدِّين عبد الله بن حامد الشَّافعيِّ من العراق. ورسالته تلك تسمَّى بـ: ((رسالة من عبد الله بن حامد أَحد علماء الشَّافعيَّة إلى أبي عبد الله [ابن رُشَيِّق] في الثَّناء على شيخ الإسلام)) وقد جاء في هامش ((الجامع)): (هي ملحقة بـ "العقود الدريَّة"(ص/ 502-507)، ونشرها الدَّكتور محمَّد رشاد سالم في مقدِّمة "درء التَّعارض"(1/40-43)، وضمَّنها العلاَّمة الألوسي كتابه "غاية الأماني"(1/ 387-389). ومنها نسخة خطية في مكتبة كوبريلي برقم 1142/6 (ق 188 ب- 190 أ). والمكتوب إليه "أبو عبد الله" هو ابن رشيِّق لا ابن عبد الهادي، فقد طُلِب منه إنفاذ فهرس مؤلَّفات الشَّيخ وبعض كتبه، وابن رشيِّق هو المعروف بذلك. والرِّسالة ليست ضمن "العقود" بل ملحقة به، فالكتاب ينتهي بصفحة (497)، وما بعدها ملحق به من قبل بعض القرَّاء أو النسَّاخ. وانظر "نوادر المخطوطات العربيَّة في مكتبات تركيا" (1/48)، ففيه ذكر رسالة ابن رشيِّق في الردِّ عليها، وهذا يُرجِّح ما ذكرنا).
(11) وهو ((فصلٌ في مبشِّرات رآها الصَّالحون للشَّيخ تقيُّ الدِّين أحمد ابن تيميَّة بعد موته إلى رحمة الله)) يرويها محمَّد بن عبَّاد الشُّجاعيُّ عن تلاميذ الشَّيخ ومعاصريه. قال صاحبي ((تكملة الجامع))(ص/10) في الهامش: (ونسخته الخطيَّة الّتي اعتمدناها تقع ضمن مجموع في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة النَّبويَّة - مجموعة المكتبة المحموديَّة رقم [2775]).
قلت: لم أقف على من ترجم لهذا الشُّجاعيُّ رحمه الله.
(12) قال صاحبي ((تكملة الجامع))(ص/8): (هذه النُّسخة محفوظة في دارة الملك عبد العزيز بالرِّياض - الخزانة الملكيَّة رقم (5)). وقالا في ((الجامع))(ص/59): انظر ((الأعلام))(1/144) للزِّركلي.
(13) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة أيضاً؛ وهي مطبوعة بعناية طارق السعود، طبعة ثانية دار الهجرة. قال صاحبي ((الجامع))(ص/59): (كما في "مجموعة الرَّسائل المنيريَّة"(2/49)، وقالا: (وقد تحرَّف فيها "ابن رشيِّق" إلى "مرشق").
(14) انظر ((تبصير المنتبه بتحرير المشتبه))(2/605و606) له.
(15) كذا نسبه أيضاً ابن قاضي شهبة في ((تاريخه))(2/655)، والذَّهبيُّ في ((المشتبه))(ص/225) لجدِّه الإمام الزَّاهد، وقد يكون يقصده بالمثل، باعتبار الإقامة فيها أو الإنتساب لجدِّه؛ والله أعلم.
(16) كذا نسبه أيضاً الذَّهبي في كتاب ((المشتبه))(ص/225)، ونسب هو نفسه في الرِّسالتين المذكورتين آنفاً وهما: ((الاجتماع والافتراق)) و((العقل والرُّوح)).
(17) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27) له.
(18) انظر ((الأعلام))(4/86).
(19) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبي))(ص/27).
(20) أي الأئمَّة الذين ذكرناهم سابقاً ممَّن ترجم له أو ذكره.
(21) ((فائدةٌ)): قلت: فإذا أراد الحافظ ابن كثير رحمه الله من قوله في كتابه القيِّم ((البداية والنَّهاية))(14/229): ((..وفي هذا اليوم توفِّي))؛ أنَّه يقصد به اليوم الذي توفِّي من ترجم له قبله وهو القاضي شهاب الدِّين بن فضل الله! فقال فيه: ((وفي يوم عرفة، وكان يوم السَّبت))؛ فهذا يعني أنَّ ابن رشيِّق هذا! قد توفِّي في يوم السَّبت من يوم عرفة، وهو محتملٌ هنا والرَّاجح لسياق قوله، وأمَّا إن أراد فقط يوماً غيره ولم يعيِّنه فإنَّنا نبقى والحالة هذه! على مجرَّد السَّنة المعيَّنة المذكورة؛ والله أعلم.
((فائدة مهمَّة)): وهي في بيان اعتراضٌ وجوابه؛ فنقول:
وقد يعترض علينا هنا معترضٌ - وهو ما وقع فعلاً من أحد الإخوان المتعصِّبين!!! - فيقول قائلاً: هذا منك مجرَّد ظنٌّ!! وقد يكون أحدٌ آخرٌ غير الذي ذكرته - كونه المرَّاكشيُّ والمغربيُّ!! -؛ وهو ممَّا التبس عليك اسمه وكنيته فحسب، بل هو أحدٌ آخر.
وفي الرَّدِّ عليه – أو في جواب على اعتراضه ذاك!! - أن نقول: إنَّ ظنَّنا بكون المترجم له هو (أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن أحمد المرَّاكشيُّ، ثمَّ المصريُّ، المالكيُّ) باعتبار فقط ما ترجَّح عندنا يقيناً أكيداً؛ وهذا لأمورٍ وقرائنٍ عدَّة، نجملها كما يلي:
(الأمر الأوَّل): وهو الأهمُّ! وهو لموافقته في اسم (رشيِّق)؛ وهو بيِّنٌ، كما هو عند الحافظ وابن رافع وابن قاضي شهبة، وأيضاً عند الإمام الذَّهبيِّ.
(والأمر الثَّاني): لموافقته أيضاً في الكنية؛ وهي واضحةٌ فيه كما ترى! من غير إجحافٍ ولا إجحاد.
(والثَّالث): وهو في موافقته أيضاً في سنة الوفاة المؤرَّخ فيها؛ وهي سنة (749هـ)، وكذا موافقته في يوم الوفاة؛ وهو يوم عرفة.
(والأمر الرَّابع): وهي نكتةٌ دقيقةٌ للغاية - يجب التَّركيز عليها، وكذا الاعتماد على التَّنويه في دلالتها هنا للأهميَّة بمكان!! -؛ وهي أنَّه قد توفِّي في يوم (عرفة)، وهو ما قد أفادناه به آنفاً ابن رافع، وكذا الحافظ وابن كثير، وزيادة هذا الأخير! أنَّه في يوم السَّبت. وهو ما ألمحنا إليه سابقا في الهامش (ص/11)، وأنَّه من قوله فقط كما تذكر؛ وهو يوم السَّبت عنده والله أعلم.
(والأمر الخامس): مشاركته كذلك؛ في كونه من أهل دمشق وهو ما أفادناه به الزِّركلِّيُّ في كتاب ((الأعلام)). لكنَّ ابن رافع السُّلاميِّ؛ قال: ((وأقام بدمشقٍ مدَّة)). وهو يوافقه بشكلٍ ما! إذ طول الإقامة هذه دليلٌ على هذا الإنتساب المذكور.
(والأمر السَّادس): وهو مهمٌّ أيضا؛ في مشاركته المعلومة بلا ريب! أنَّه له معرفةٌ بشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، وكتب كتبه؛ كما حكاه ابن رافع وغيره.
وعندئذٍ: إذا ما اعتبرنا هذه الموافقة والمشاركة أنَّها موافقةً توافق المنقول والمعقول في ترجمة الرَّجل؛ لا علاقة لها ألبتَّة بمحض الصُّدفة فيه! فإنَّنا نقول عندها مع القناعة التَّامَّة واحتمال التَّرجيح: أنَّه هو نفس الشَّيخ المترجم له سابقاً ولاحقاً. وهو ما ذهب إليه أيضاً كلٌّ من الأستاذين الفاضلين [محمَّد عزير شمس وعلي بن محمَّد العمران] في كتابهما ((الجامع))؛ وقالا هنالك فيه مؤكِّدين: ((واسمه هذا منقولٌ من خطِّه في آخر رسالة ((الاجتماع والافتراق)) لشيخ الإسلام، وكذا في آخر ((رسالة في العقل والرُّوح)) بخطِّه...)).
قلت: وهذا طبعاً بإشراف الشَّيخ بكر أبو زيد رحمه الله؛ وهو يوافقهما فيه بلا ريب. فتنبَّه لهذا وافْهَم ولاحظ!!!
فيكون حينها؛ هو: (محمَّد بن عبد الله بن أحمد، المرَّاكشيُّ المغربيُّ، ثمَّ المصريُّ، أبو عبد الله الشَّيخ المالكيُّ)؛ والمعروف كما ذكرنا سابقاً بـ (ابن رشيِّق المغربيِّ!!!).
وبالتَّالي: فلم يبق للمعترض ذاك المذكور؛ إلاَّ التَّسليم لهذه المناقشة، بقرائنها القويَّة وأدلَّتها المنطقيَّة، وكذا التَّسليم لأئمَّة هذا الفنِّ النَّبيل، مع ما قد قدَّموه لنا من ترجمة له؛ قليلةٍ كانت أو ضئيلة، ولا يعاند في معارضته هذه؛ وإلاَّ فهي منه فقط كون أنَّ المترجم له مغربيُّ الأصل، وأنَّ المعترض له في نفسه شيء من أئمَّة المغرب؛ والله المستعان!!!
(22) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27).
(23) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606).
(24) انظر ((تاريخ الإسلام))(47/448) له.
(25) انظر ((المشتبه في أسماء الرِّجال))(ص/225) له أيضاً.
(26) انظر ((تاريخ الإسلام))(47/448).
(27) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27).
(28) انظر ((توضيح المشتبه))(1/913) له.
((فائدة)): وهي أنَّه قد انفردا – يعني: ابن رافع وابن ناصر!!! – عن غيرهما من الأئمَّة بزيادةٍ قد لا تراها في غير محلٍّ إلاَّ عندهما، وهي زيادة قولهما في نسبه: ((...بن محمَّد بن أيُّوب))؛ وهي زيادةٌ لها اعتبار في معرفة النَّسب والانتماء كما تعلم.
(29) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606).
(30) انظر ((الوافي بالوفيَّات)) له.
(31) انظر ((توضيح المشتبه))(1/913).
(32) قلت: وفي قصر عبد الكريم هذا! يقول الإمام الذَّهبيُّ في كتابه الهام ((تاريخ الإسلام))(43/295): ((...وهو قصر كُتامة)).
وقال أبو الثَّناء مقديش الصَّفاقسي في ((نزهة الأنظار))(1/73): (([قصر عبد الكريم]: ومن بلاد مكناسة في جهة الغرب إلى قصر عبد الكريم ثلاث مراحل. ويسكن هذا القصر قوم من البربر يسمُّون دنهاجة، وهي مدينة صغيرة عامرة بأخلاط دنهاجة، وهي على نهر أولكس، ويجري هذا النَّهر من جهة الجنوب وبينها وبين البحر نحو (من ثلاثة أميال).
ومن قصر عبد الكريم إلى مدينة سلا [التي على البحر المالح] مرحلتان من القصر إلى المعمورة ومن المعمورة إلى سلا)).
ويقول المؤرِّخ المصري محمَّد عنَّان في عدَّة مواضع من كتابه ((دولة الإسلام في الأندلس))(4/141): ((مدينة قصر عبد الكريم أو القصر الكبير)).
ثمَّ قصر عبد الكريم أو قصر كتامة، يعرف اليوم أيضاً بالقصر الكبير؛ تمييزًا له عن القصر الصَّغير المعروف، كذلك بقمر مصمودة وقصر المجاز، ووردت تسمية الأوَّل في ((الاستبصار)) بقمر صنهاجة أيضًا، وعبد الكريم الذي يضاف إليه القصر هو: عبد الكريم بن عبد الرَّحيم بن أحمد المعروف بابن العجوز السَّبتي، نسب إليه لأنَّه كان رئيس كتامة، وقتله المرابطون عند غلبتهم كتامة.
انظر ترجمته مفصَّلة في ((المدارك))(ترجمة رقم: 1363). وانظر أيضاً في قصر عبد الكريم ((الاستبصار))(ص/189) والمراجع المذكورة في حاشيته، وفي ((مرآة المحاسن))(ص/145 وما بعدها)؛ نبذة طيِّبة في القصر الكبير وتاريخه، وكذا ((تقويم البلدان))(ص/133) لأبي الفدا.
(33) انظر ((تاريخ الإسلام))(47/448) له.
(34) هو أبي الحجَّاج يوسف الأنصاري.
(35) هو عياض بن موسى السَّبتيُّ؛ الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي اليحصبيُّ المالكيُّ، صاحب التَّصانيف المشهورة؛ توفِّي سنة (544هـ).
(36) هو الفقيه الكبير الإمام أبو بكرٍ بن العربيُّ المغربيُّ المعافِرِيُّ الأندلسيُّ الإشبيليُّ؛ القاضي الحافظ المشهور، توفِّي سنة (643هـ).
(37) هو عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل القصريُّ؛ الإِمام القدوة شيخ الإسلام أبو محمَّدٍ الأنصاريُّ الأوسيُّ الأندلسيُّ القرطبيُّ. وشُهِرَ بالقصريِّ لنزوله قصر عبد الكريم؛ وهو قصر كتامة. حمل ((الموطّأ)) عن أبي الحسن بن حُنَيْن الكِنانِيِّ محدِّث فاس. وصَحِبَ الشَّيخ أبا الحسن بن غالب الزَّاهد بالقصر ولازمه. وكان رأساً في العلم والعمل، منقطع القرين، فارغاً عن الدُّنيا. صنَّف ((التَّفسير)) وشرح الأسماء الحسنى، وله كتاب ((شعب الإِيمان))، وكلامه في العرفان بديع مُقَيَّدٌ بظواهر الأثر. توفِّي سنة (608هـ).
(38) انظر ((توضيح المشتبه))(1/912و913).
(39) انظر ((تاريخ الإسلام))(47/448).
(40) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27).
(41) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606).
(42) هو ـ كما في ((تذكرة الحفَّاظ))(ص/271) لابن عبد الهادي الحنبليِّ و((شذرات الذَّهب))(7/540) لابن العماد و((حسن المحاضرة))(1/356) للسُّيوطيِّ ـ الحافظ أبو الحسين؛ يحيى بن عليِّ بن عبد الله ابن علي بن مفرّج القرشيُّ الأمويُّ النَّابلسيُّ ثمَّ المصريُّ المالكيُّ. توفِّي سنة (662هـ).
(43) على ما يبدو قد ذكرها في كتابه ((المعجم))؛ وهذا يعني أنَّ ـ الفقيه أبو محمَّد عبد الوهَّاب الأنصاريُّ القصريُّ؛ جدُّ المترجم له ـ له ترجمة في ((معجم)) الرَّشيد العطَّار هذا؛ والله أعلم.
(44) يعني الإمام الذَّهبيُّ رحمه الله.
(45) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606) و((ذيل المشتبه))(ص/27) و((توضيح المشتبه))(1/912و913).
(46) انظر ((ذيل المشتبه))(ص/27).
(47) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606) للحافظ ابن حجر.
(48) انظر نفس المصدر السَّابق.
(49) هو علم الدِّين القاسم بن محمَّد بن يوسف، المتوفِّى سنة (739هـ) أشهر كتبه: ((المقتفى في التَّاريخ)) و((معجم شيوخه)) و((سماعاته)). ترجمته في ((معجم المؤرِّخين الدِّمشقيِّين))(ص/142).
قلت: وهذا يعني أنَّ لها ـ أي (فاطمة) أمِّ المترجم له ـ ترجمة عند الحافظ أبو محمَّد البرزاليُّ في كتابه ((المقتفى في التَّاريخ)). ويبدو ـ والله أعلم! ـ أنَّ تلميذه ابن رافع قد أخذ ما ذكره في كتابه آنفاً عنها من كتاب شيخه. وقد يبدو أيضا على هذا الإحتمال الوارد، وعلى هذا القيد المذكور؛ أنَّ شيخه البرزالي رحمه الله يكون هو الوحيد من انفرد ـ من دون غيره ـ بترجمتها، وقد جاءت نافعة لنا ومفيدة هنا، بالرَّغم على قلَّتها وندرتها؛ فله الحمد والمنَّة على ذلك.
((ملاحظة)): وهي أنَّ ما قد ذكرناه آنفاً ـ بالإجمال والتَّفصيل ـ من ترجمة ابن رشيِّق ذاك! علمنا من خلالها أمران:
(أحدهما): معرفة ترجمة نسبه من جهة أمِّه (فاطمة) رحمها الله، وأنَّها فاضلة عابدة، وأبوها (أبو محمَّد عبد الوهَّاب الأنصاريُّ) من كبار فقهاء المالكيَّة، وجدُّها (أبو الحجَّاج يوسف بن محمَّد الأنصاريُّ) من كبار الرُّواة، روى عن القاضيين ابن العربي وعيَّاض وغيرهما.
(والآخر): في عدم معرفة ـ أيِّ شيء ـ من ترجمة نسبه من جهة أبيه (عبد الله)، وهذا ممَّا يؤسف له هنا! لكن ـ وبالرَّغم من ذلك كلِّه ـ لم نر من ترجمه إلاَّ ما قد جاء مذكوراً (ص/5 وما بعدها) فقط عند الأئمَّة سابقاً، وهي ضئيلةٌ شحيحة؛ لا تفي بالغرض كما كنَّا نعتقد أو نرجوه، لكن وكما قيل قديماً: ((من لم يدرك كلَّه لا يترك جلَّه!)).
((فائدة دقيقة)): وهي أنَّ معرفته رحمه الله بابن رشيِّق، واشتهاره بذلك عند العامَّة والخاصَّة وبين النَّاس؛ هو من جهة أمِّه (فاطمة) إذ أبوها أو بالأحرى جدُّه (عبد الوهَّاب) هو الذي من كان يعرف بذلك. ممَّا قد أطلق عليه (ابن رشيِّق) وعرف به، وذلك فقط باعتبار أوَّلاً أنَّه الحفيد، وباعتبار ثانياً أنَّه حامل علمه والرَّاوي عنه. فكان من الطَّبيعي أن يعرف هذا الحفيد بلقب جدِّه الإمام؛ وهذا واضح فتنبَّه!
(50) هو: الشَّيخ الإمام المقرئ المحدِّث النَّحويُّ الأديب البارع والكاتب المنشئ، والشَّاعر المشهور، علاء الدِّين عليُّ بن المظفَّر بن إبراهيم بن عمر بن زيد هبة الله الكنديُّ الإسكندرانيُّ ثمَّ الدِّمشقيُّ، المعروف بالوداعيِّ كاتب ابن وداعة، ويقال له ابن عرفة؛ ولد بحلب سنة (640هـ) تقريباً، وتوفِّي ببستانه عند قبَّة المسجد ليلة الأربعاء بدمشق في 19 [وقيل: 16 أو 17] رجب سنة (716هـ)، ودفن بالمزَّة.
تلا بالسَّبع على علم الدِّين القاسم اللُّورقيِّ وشمس الدِّين ابن أبي الفتح، وطلب الحديث؛ فسمع من ابن أبي طالب ابن السرُّوريِّ ومن عبد الله بن الخُشوعيِّ وعبد العزيز الكَفَرْطابيِّ والصَّدر البكريِّ وعثمان بن خطيب القَرافَة والنَّقيب بن أبي الجنِّ وابن عبد الدَّائم وإبراهيم بن خليل؛ قرأ عليه بنفسه ((المعجم الصَّغير للطَّبرانيِّ))، وابن عبد الدَّائم ومن بعدهم.
قال البرزاليُّ: جمعت شيوخه بالسَّماع من سنة أربعين فما بعدها فبلغوا المائتين.
واشتغل في الآداب؛ فمهر في العربيَّة وقال الشِّعر فأجاد، وكتب الدُّرج بالحصون مدَّة، ثمَّ دخل ديوان الإنشاء في آخر عمره بعد سعيٍ شديدٍ، وكان لسانه هجَّاء؛ فكان النَّاس ينفرون عنه لذلك، وكان شديداً في مذهب التشيُّع من غير سبٍّ ولا رفض، وزعموا أنَّه كان يخلُّ بالصَّلاة، وولي الشَّهادة بديوان الجامع ومشيخة الحديث النَّفيسيَّة في مدَّة عشر سنين، وجمع تذكرة في عدَّة مجلَّدات تقرب من الخمسين، وقفها بالسميساطيَّة بخطِّه، وهي كثيرة الفوائد؛ تعرف بـ ((التِّذكرة الكنديَّة))، وله كذا ((ديوان شعر)) في ثلاثة مجلَّدات.
قال ابن كثير: قرأ ((صحيح البخاري)) مرَّات عديدة وأسمع الحديث، وكان يلوذ بشيخ الاسلام ابن تيميَّة.
أنظر ترجمته في المراجع التَّالية: ((البداية والنِّهاية))(14/229) لابن كثير و((الدُّرر الكامنة))(3/130) و((لسان الميزان))(4/293)؛ كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلانيِّ، و((الوافي بالوفيَّات)) للصَّفديِّ و((فوات الوفيَّات))(2/87) لابن شاكر الكتبيِّ و((النُّجوم الزَّاهرة))(9/235) لابن تغري بردي و((ديوان الإسلام)) لابن غزِّي و((الدَّارس في تاريخ المدارس)) للنعيمي و((الأعلام))(5/23).
((فائدة)): اعلم ـ أيُّها القارئ ـ أنَّ ((التِّذكرة الكنديَّة)) يقال لها أيضاً ((التَّذكرة العلائيَّة))؛ كما في ((كشف الظُّنون))(1/389) وغيره. قال ابن كثير في ((البداية والنِّهاية))(14/89): ((جمع كتاباً في نحو من خمسين مجلَّداً، فيه علوم جمَّة أكثرها أدبيَّات سمَّاها ((التَّذكرة الكنديَّة))...)).
(51) انظر ((ذيل المشتبه))(ص/27).
(52) انظر ((تبصير المنتبه))(2/605و606).
(53) وهذه حتميَّة لا مناص منها ولا جدال، باعتبار النَّشأة والقرابة!!!
((فائدةٌ)): ومن الهام هنا أن نذكر بين يدي هذه الزَّائدة في المشيخة المذكورة أعلاه! هذه الأمور الدَّقيقة والنُّكث العميقة؛ وهي:
(الأولى): أنَّه ومن العرف المقرَّر والبداهة المنطقيَّة أن يكون التَّعليم الأوَّلي للأبناء عموماً ـ كما هو واردٌ عند استقراء جملة من تراجم العلماء والفقهاء والأدباء ـ عند الأباء أو الأجداد أو ممكن أيضاً من عند الأمَّهات؛ فممَّا قد نجد ـ ومن غير غرابة أو تعجُّب! ـ في حالة ترجمتنا هذه؛ أن يأخذ الحفيد من جدِّه الإمام؛ فتنبَّه!!!
(والثَّانية): في دليل هذا الزَّعم منَّا وما ذكرناه كذا قبل قليل، وأيضاً بسبب شهرته بـ (ابن رشيِّق المالكي) مثل شهرة جدِّه! وهذا إن دلَّ هنا فلا محالة يدلُّ على ما ذهبنا إليه وزعمناه.
(والثَّالثة): وهي أنَّنا إذا عرفنا هذا جيِّداً! وعرفنا بحال التلقِّي المعمول بها عند أهل الأثر؛ عرفنا حينها أنَّه بالضَّرورة روى عنه جميع مرويَّاته، وجدُّه عن أبيه أبي الحجَّاج، وهو عن القاضيين ابن العربي والإمام عياض رحمهما الله.
(54) انظر ((البداية والنِّهاية))(14/229).
قلت: وهنا فائدتان هامَّتان في كلامه يجب بيانهما؛ وهما:
(الأولى): وهي في قوله ((..حسن الصَّلاة)): ويعني به أنَّ صلاته رحمه الله كانت حسنة ومستقيمة، أي على السنَّة كما هو الحال بها في الإتِّباع والمتابعة للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاته؛ والله أعلم.
زيادة ـ أيضاً ـ على ديانته الواردة وعبادته المذكورة، وكذا كثرة تلاوته؛ نكون قد عرفنا حينها على بعض من صفاته وأحواله الشَّخصيَّة حتَّى ولو كانت قليلة؛ المهمُّ نخرج بانطباعٍ جيِّدٍ لصاحب التَّرجمة.
(والثَّانية): في قوله ((..له عيالٌ وعليه ديون)): وهذا يعني أنَّه كان فقيراً، وهو ما عناه ابن مرِّي الحنبليُّ من قوله: ((وانهضوا بمجموع كلفته))، ومن قوله: ((وإن قصَّر الإخوان عنه!!)). وسوف يأتي معنا مزيداً إن شاء الله فيما بعد.
((تنبيه هام)): أنَّ الحافظ ابن كثير يكون رحمه الله هو الوحيد فقط من انفرد بذكر هذه الصِّفات لصاحب التَّرجمة، وهي منقبة لهما؛ فتنبَّه!!
(56) انظر ((البداية والنِّهاية))(14/229).
(57) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/80 - 82).
(58) انظر أنظر ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام))(ص/152).
(59) الملحقة بـ ((العقود الدريَّة))(ص/502) وزاد: ((الإمام العالم العامل)).
(60) انظر (ص/241 إلى 245).
(61) انظر ((المشتبه في أسماء الرِّجال))(ص/225).
(62) انظر ((ذيل مشتبه النِّسبة للذَّهبيِّ))(ص/27).
(63) انظر ((البداية والنِّهاية))(14/229).
(64) انظر ((الأعلام))(4/86).
قلت: لابن عبد الهادي في ((العقود)) كلام رائقٌ؛ سوف يأتي معنا.
(65) انظر ((البداية والنِّهاية))(14/229).
(66) أي كلام ابن كثير هذا وسابقه مع غيره في باب الكتابة!!!
(67) انظر ((المشتبه في أسماء الرِّجال))(ص/225).
(68) أي أنَّه فقيه من فقهاء المالكيَّة، فمثله كمثل جدِّه الإمام المذكور!!!؟
(69) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/502).
(70) وهي هامَّة ودقيقةٌ في ميزان المترجم له وعدالته وثقته.
(71) وهي رسالةٌ خاصَّة في العناية بكتب شيخ الإسلام رحمه الله.
(72) وهذا قيدٌ مهمٌّ للغاية، وشهادة لمترجمنا بتفرُّده في هذا المضمار!!! وقال ابن مرِّي فيها أيضاً: ((وقُبِل رأي أبي عبد الله في ذلك كلِّه؛ لأنَّه على بصيرةٍ من أمره؛ وهو أخبر الجماعة)).
(73) أي من الحاجة والفقر والضَّيق.
(74) انظر ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام))(ص/152). وفي بقيَّة النصِّ زيادة علم! فيها من الفائدة والعائدة ما فيها.
(75) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/80 - 82).
(76) والظَّاهر أنَّ محقِّق ((العقود)) قد أخطأ لمَّا جعل القائل هو أخو شيخ الإسلام.
(77) في كلامه هذا! دليل على قلَّة من له معرفة بخطِّ شيخ الإسلام، وكذا على قلَّة من ينسخ كتبه بخطِّه.
(78) وقد يعني بهم المقرَّبون منه كثيراً، كما يعني بهم من جملة أصحابه.
(79) أي شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله.
(80) انظر (ص/27و28).
(81) أي جمعه لكراريس ورسائل شيخ الإسلام بخطِّه هو رحمه الله.
(82) أي: فنُّ معرفة خطِّ ابن تيميَّة رحمه الله وكذا قراءته وإصلاحه وتبييضه. وقد ألمحنا إلى هذا سابقاً في الهامش (ص/37)، وكذا ما قد ذكرناه هنالك أيضاً عن ابن مرِّي؛ وقال ـ مؤكِّداً بأنَّه أعلم الجماعة بهذا الأمر على الإطلاق ـ: ((..ولا يقوم مقامه غيره من سائر الجماعة على الإطلاق)). وقال أيضاً: ((وإذا جُمِعت هذه المؤلَّفات العزيزة الكثيرة، ونقل من المسوَّدات ما لم يُنْقَل، وقُبِل رأيُ أبي عبد الله في ذلك كلِّه؛ لأنَّه على بصيرة من أمره، وهو أخبر الجماعة بمظانِّ المصالح المفردة التي قد انقطعت مادَّتها)). وقال: ((والشَّيخ أبو عبد الله ـ سلَّمه الله ـ فهو بلا تردُّدٍ واسطة نظام هذا الأمر العظيم..)).
(83) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/73).
(84) انظر نفس المصدر.
(85) الفهرس أو الفهرست أو الفهرسة: هو قائمة المحتويات للكتب.
(86) انظر ((العقود الدريَّة))(ص/502-507) ومقدِّمة ((درء التَّعارض))(1/40-43) و((غاية الأماني))(1/387-389) للألوسي.
(87) وهذه القطعة الباقية منشورة ضمن المعلمة الحافلة المسمَّاة بـ ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام))! الذي جمع - أي هذه المعلمة - بهمَّة الشَّيخين الفاضلين الكريمين: الشَّيخ محمَّد عزير شمس المذكور أعلاه، والشَّيخ علي العمران؛ زادهما الله توفيقاً!!!
فقالا في مقدِّمة ((الجامع))(ص/8): أنَّ هذا ((الجامع)) يصوِّب خطأً قديماً تتابع الباحثون عليه، وهو أنَّه منذ أن نشر الدَّكتور صلاح الدِّين المنجد ((أسماء مؤلَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة)) المنسوب لابن القيِّم الجوزيَّة (751هـ) رحمه الله في ((مجلَّة المجمع العلمي العربي)) بدمشق (28/1953/371-395) لم يشك أحدٌ من الباحثين في صحَّة هذه النِّسبة إلى ابن القيِّم، بل اعتمدوه في دراساتهم عن شيخ الإسلام، أو عن تلميذه ابن القيِّم، وذلك على مدار نحو نصف قرنٍ من الزَّمان!!!
قلت: فأنت تجد مثلاً الشَّيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه الماتع ((ابن قيم الجوزيَّة: حياته آثاره مداره)) قد وقع في نفس هذا الوهم والخطأ؛ فهو لمّاَ يذكر (ص/208) مصنَّفه هذا أي ((أسماء مؤلّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة))! قد ذكره معزواً إلى ابن القيِّم الجوزيَّة تبعاً للدَّكتور المنجد.
لكنَّه في تقديمه للكتاب ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيميَّة))(حـ) يقول رحمه الله: ((تلميذه ابن رشيِّق المغربي المالكي، أفرد رسالة في تسمية ما وقع له من مؤلَّفات شيخه وقد أفاد هذا ((الجامع)) في مقدِّمته توثيق نسبتها إليه، وغلَّط من نسبها مطبوعة لابن القيِّم، بما تتابع المعاصرون عليه، منهم كاتب هذا التَّقديم)).
وهذا اعترافٌ من الشَّيخ على الخطأ والوهم المذكور، وإقراره بما ذهبا إليه الفاضلان الشَّيخ عزير شمس والشَّيخ العمران فجزى الله الجميع.
(88) ذكرها جامع مادة ((تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام))، وهو علي بن محمَّد العمران في (ص/10) و(ص/69)؛ وقال: مخطوط ضمن مجموع بالمكتبة المحموديَّة [2775] ق 123 ـ 125.
وقال (ص/10): ((هذا الفصل فيه مجموعة من الرُّؤى الّتي رُئيت للشَّيخ بعد وفاته، فيها دلالة على حُسن خاتمته ورفعة منزلته)).
(89) باعتبار قانون استقراء لهذه الرِّواية المرويَّة!!!
(90) ومن تلك الأسماء أن نذكر مثلاً: صلاح الدِّين يوسف ابن المرحوم علاء الدِّين ابن أخي الصَّاحب تقيِّ الدِّين ابن مهاجر التَّكريتي، والمرأة الصَّالحة أمَّ عُمر شَهْلاء بنت إبراهيم بن صالح المقوِّم؛ وغيرهما.
قلت: وهي مخرَّجة في ((تكملة الجامع))(ص/69)؛ فانظرها هنالك.
(91) انظر ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام))(ص/152) فهي منقولة هنالك بكاملها، وقال صاحبا ((الجامع)): ((نشرها محمَّد حامد الفقِّي في "مجموعة رسائل علميَّة"(القاهرة 1368هـ، ص/147-154)، بالاعتماد على نسخة بخطِّ الشَّيخ جمال الدِّين القاسمي منقولة من نسخة منقولة من خطِّ المؤلِّف، مخرومة من أوَّلها مع محوٍ في أثنائها، استخرجها القاسمي من مجموع بديع، وقام بتصحيحها)).
(92) توفِّي سنة (749هـ) رحمه الله وهو فقيراً والدَّين في ذمَّته، وهو في ذمَّة من فرَّط في مساعدته وسَدِّ خُلَّته؛ سامح الله الجميع!!