رثاءُ المعلم
خالد البيطار


"كان يعطي الدرس لطلابه بجد ونشاط والموجّه التربوي في آخر الصف يستمع له، وفي نهاية الحصة شعر بإرهاق في صدره فخرج هو والموجه إلى إدارة المدرسة ولم يخط خطوتين حتى أسلم روحه لخالقها".
في غرفةِ الدرسِ أعطى الروحَ باريها *** وارتاحَ من غَصَصِ الدنيا وما فيها

أعطى الحياةَ كريماً دونما مللٍ *** حتى قضى باعتزازٍ وهو يعطيها
لم يَشْكُ من مرضٍ يوماً ولا تعبٍ *** فكلُّ نازلةٍ تأتيهِ يُخفيها
ذو همةٍ وإباءٍ منذُ نشأتهِ *** سَلِ الشهامةَ تندبُ خيرَ أهليها
لكم روى عن أُباةِ الضيمِ حادثةً *** كادتْ ليالي الأسى والحزنِ تُنسيها
وكم روى عن رجالِ العزِّ سيرتَهم *** حتى كأنّا نراهم حين يرويها
وجدّدَ النخوةَ السمحاءَ مشرقةً *** حتى غدا مبغضوها من مُحبّيها
لقد بنى نفسه مذ شبَّ مجتهداً *** وكانَ فرداً بهذا وهو يبنيها
وراحَ في صفه يُملي بلا كللٍ *** بروحهِ فتلاشتْ وهو يُمليها
إنَّ المعلمَ هذا حاله أبداً *** يروي البذورَ ويذوي وهو يَرويها
يُذيبُه ما يعاني في تقلّبه *** من المدارس قاصيها ودانيها
حتى إذا ما استقر الوضعُ أرهقهُ *** صقلُ الطبائعِ تعليماً وتوجيهاً
وكم يُلاقي من الغَصّات يكتمها *** ومن عقولٍ عجافٍ إذ يُداريها
وكم يعاني ليحيي كل ميتةٍ *** من النفوس وكم يشقى ليُحييها
وبعد ذلكَ يأتيه الموجهُ في *** همسٍ لطيفٍ..وقد يهديه تنبيها
لا تعجبوا إن نقشَ الصخر صنعتُهُ *** وليس يعرفها إلا مُعانيها
إن المعلمَ جنديٌّ يجاهدُ في *** هذي البلادِ فيبنيها ويُعليها

يبني البلاد ويبقى في تواضعه *** ولا يسيرُ على وجه الثرى تيها
يبني ويعملُ لا يدري به أحدٌ *** سِواكَ يا مُنشئ الدنيا وباريها