تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: القواعد العشر في الولاء والبراء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي القواعد العشر في الولاء والبراء

    إن موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، مِنْ أعظمِ أصول الإيمانِ، وإنْ تساهلَ فيها البعضُ في هذه الأزمانِ،
    بل جعلها الله شرطٌ في الإيمانِ كما قال-:
    (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
    إنَ الكفارَ بجميعِ أصنافِهم هم أعداؤُنا قديماً وحديثاً،
    لذا نهى اللهُ عبادَهُ المؤمنين عنْ مُوَالاتِهم ومودتِهم
    فقال سبحانه -:
    (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير)
    ذكر العلماء جملة من القواعد في هذا الباب:
    القاعدة الأولى:
    وجوب معاداة الكفار وبغضهم وتحريم موالاتهم ومحبتهم جاءت في كتاب الله صريحة ومتنوعة،
    بل إنها في صراحتها لا تخفى على العالم ولا العامي ولا على الصغير غير المكلف،
    بل نص أهل العلم على أنه ليس في كتاب الله - تعالى -حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده،
    ومن الآيات الدالة على هذا الأمر قوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق).
    وقال سبحانه -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً).
    وقال سبحانه -: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة).
    ويقول جل وعلا -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون).
    القاعدة الثانية:
    أن الوقوع في هذا المنكر العظيم والجرم الخطير ألا وهو موالاة الكفار ومحبتهم، أو توليهم ونصرتهم قد يخرج الإنسان من دين الإسلام بالكلية بنص كتاب الله - عز وجل -، واسمع إلى قول الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين). قال حذيفة - رضي الله عنه -: "ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر لهذه الآية
    ويقول القرطبي - رحمه الله - عند تفسير هذه الآية: "أي من يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين فحكمه حكمهم في الكفر والجزاء، وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة وهو قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين أ. هـ. ويقول -سبحانه -: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء).
    قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: يعني فقد بريء من الله وبريء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر" أ. هـ.
    القاعدة الثالثة:
    أن الأصل في معاداة الكفار وبغضهم أن تكون ظاهرة لا مخفية مستترة، حفظاً لدين المسلمين،
    وإشعاراً لهم بالفرق بينهم وبين الكافرين حتى يقوى ويتماسك المسلمون ويضعف أعداء الملة والدين،
    والدليل على هذا قوله - تعالى -آمراً نبيه والأمة كلها بأن تقتدي بإبراهيم - عليه السلام - إمام الحنفاء وأن تفعل فعله
    حيث قال - سبحانه -: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)
    وتأمل بعض الفوائد من هذه الآية العظيمة الصريحة التي لم تدع حجة لمحتج:
    1- أنه قدم البراء من الكافرين على البراءة من كفرهم لأهمية معاداة الكفار وبغضهم وأنهم أشد خطراً من الكفر نفسه،
    وفيها إشارة إلى أن بعض الناس قد يتبرأ من الكفر والشرك ولكنه لا يتبرأ من الكافرين.
    2- أنه لما أراد أن يبين وجوب بغضهم عبر بأقوى الألفاظ وأغلظها فقال:
    (كفرنا بكم) لخطورة وعظم الوقوع في هذا المنكر.
    3- أنه قال: (بدا) والبدو هو الظهور والوضوح وليس الخفاء والاستتار فتأمل هذا وقارنه بمن ينعق في زماننا بأنه لا يسوغ إظهار مثل هذه المعتقدات في بلاد المسلمين حتى لا يغضب علينا أعداء الدين، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
    4- تأمل معي قوله: (العداوة والبغضاء) فلا يكفي بغضهم بل لا بد من إظهار العداوة لهم بل إنه قدم العداوة على البغضاء لتأكد وجوبها.
    5- قوله: (أبداً) أي إلى قيام الساعة، ولو تطور العمران وركبنا الطائرات وعمرنا الناطحات،
    فهذا أصل أصيل لا يزول ولا يتغير بتغير الزمان ولا المكان.
    القاعدة الرابعة:
    أن حرمة موالاة الكفار تزداد وتتأكد في حق من كان محارباً مقاتلاً للمسلمين، مخرجاً لهم من ديارهم، صاداً لهم عن دينهم كما قال - تعالى -: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
    القاعدة الخامسة:
    أن هذه القضية أعني وجوب معاداة الكافرين وبغضهم أمر لا خيار لنا فيه،
    بل هو من العبادات التي افترضها على المؤمنين كالصلاة وغيرها من فرائض الإسلام
    وقد تقدمت الآيات الصريحة الدالة على هذا الأمر،
    فلا تغتر بمن يزعم أن هذا دين فلان أو فلان، بل هذا دين رب العالمين، وهدي سيد المرسلين.
    القاعدة السادسة:
    أن هذا الأمر من الشرائع التي فرضت على كل الأنبياء والرسل،
    أعني معاداة أعداء الله والبراءة منهم،
    فهذا نوح يقول الله له عن ابنه الكافر: (إنه ليس من أهلك)،
    وهذا إبراهيم يتبرأ هو ومن معه من المؤمنين من أقوامهم وأقرب الناس إليهم بل تبرأ من أبيه فقال: (واعتزلكم وما تدعون من دن الله)،
    وأصحاب الكهف اعتزلوا قومهم الذين كفروا حفاظاً على دينهم وتوحيدهم قال \ جل وعلا - عنهم: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً).
    القاعدة السابعة:
    إن قضية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين مرتبطة بلا إله إلا الله ارتباطاً وثيقاً،
    فإن لا إله إلا الله تتضمن ركنين:
    الأول: النفي وهو نفي العبودية عما سوى الله والكفر بكل ما يعبد من دون الله وهو الذي سماه الله عز وجل - الكفر بالطاغوت.
    والثاني: الإثبات : وهو إفراد الله بالعبادة. والدليل على هذين الركنين قوله - تعالى -: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)
    ومن الكفر بالطاغوت الكفر بأهله كما جاء في قوله تعالى -:
    (كفرنا بكم) وقوله: (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله)
    إذ لا يتصور كفر من غير كافر، ولا شرك من غير مشرك،
    فوجب البراءة من الفعل والفاعل حتى تتحقق كلمة التوحيد كلمة لا إله إلا الله.
    القاعدة الثامنة:
    فَرّق بعض أهل العلم بين الموالاة والتولي،
    وقالوا: إن موالاة الكفار:
    معناها المصانعة والمداهنة للكفار لغرض دنيوي مع عدم إضمار نية الكفر والردة عن الإسلام كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمثل هذا يعتبر كبيرة من الكبائر، وليست بكفر ينقل عن الملة،
    ولهذا النوع مظاهر معاصرة كالتشبه بهم في اللباس وفي الهيئة أو حضور أعيادهم وتهنئتهم بها، وغيرها من مظاهر الموالاة التي لا تعد كفراً ناقلاً عن الملة.
    وأما التولي فهو:
    الدفاع عن الكفار وإعانتهم ونصرتهم بالمال والبدن والرأي والمشورة ولو بقلم أو كلمة، وهذا كفر صريح وخروج عن الملة كما جاءت بذلك الآيات.
    القاعدة التاسعة:
    هناك فرق بين بغض الكافر وعداوته وبين معاملته ودعوته إلى الإسلام، فالكافر لا يخلو إما أن يكون حربياً، فهذا ليس بيننا وبينه إلا السيف وإظهار العداوة والبغضاء له، وإما أن يكون ليس بمحارب لنا ولا مشارك للمحاربين، فهذا إما أن يكون ذمياً أو مستأمناً أو بيننا وبينه عهد، فهذا يجب مراعاة العهد الذي بيننا وبينه، فيحقن دمه ولا يجوز التعدي عليه، وتؤدى حقوقه إن كان جاراً، ويزار إن كان مريضاً، وتجاب دعوته بشرط دعوته للإسلام في كل هذه الحالات، وعدم الحضور معه في مكان يعصى الله فيه، وبغير هذين الشرطين لا يجوز مخالطته والأنس معه، فصيانة الدين والقلب أولى وأحرى، بل أُمرنا عند دعوتهم بمجادلتهم بالتي هي أحسن كما قال جل وعلا -: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وقال عمن لم يقاتلنا: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
    القاعدة العاشرة:
    يجوز في بعض الحالات [أن تتقيهم بظاهرك ان كنت تخشى على نفسك]، وهذا فقط في الظاهر لا في الباطن، كما قال جل وعلا -: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)
    قال ابن كثير - رحمه الله -: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال: أي إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان"،...
    قال ابن جرير عند تفسير قوله:
    (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل.
    الشيخ. ناصر بن محمد الأحمد المختار

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: القواعد العشر في الولاء والبراء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    إن موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، مِنْ أعظمِ أصول الإيمانِ،
    نعم
    يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
    (فهذه مسألة مبنية على أصل كبير ، وهو أن الله تعالى عقد الأخوة والموالاة والمحبة بين المؤمنين كلهم ، ونهى عن موالاة الكافرين كلهم من يهود ونصارى ومجوس ومشركين وملحدين ومارقين وغيرهم ، ممن ثبت في الكتاب والسنة الحكم بكفرهم . وهذا الأصل متفق عليه بين المسلمين ، ودلائل هذا من الكتاب والسنة كثيرة معروفة. فكل مؤمن موحد تارك لجميع المكفرات الشرعية ، فإنه يجب محبته وموالاته ونصرته ، وكل من كان بخلاف ذلك ، فإنه يجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته ، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة)ا هـ لفتاوي السعدية
    أن قضية الولاء والبراء هي قضية شرعية محسومة في دين الله فهي الركن الركين في دين الله لا يستقيم الإسلام أو يتحقق التوحيد أو يكتمل الإيمان إلا بتحقيقها.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(هذا الموضع غلط فيه كثير من العامة ؛ بل ومن السالكين ، فمنهم من يشهد القدر فقط ويشهد الحقيقة الكونية دون الدينية ، فيرى أن اللّه خالق كل شيء وربه ، ولا يفرق بين ما يحبه اللّه ويرضاه ، وبين ما يسخطه ويبغضه ، وإن قدره وقضاه ولا يميز بين توحيد الألوهية ، وبين توحيد الربوبية ، فيشهد الجمع الذي يشترك فيه جميع المخلوقات سعيدها وشقيها مشهد الجمع الذي يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر والنبي الصادق والمتنبئ الكاذب ، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء اللّه وأعداؤه ، والملائكة المقربون والمردة الشياطين ؛ فإن هؤلاء كلهم يشتركون في هذا الجمع وهذه الحقيقة الكونية ، وهو أن الله ربهم وخالقهم ومليكهم لا رب لهم غيره. ولا يشهد الفـرق الذي فـرق الله بـه بين أوليائه وأعدائه ، وبين المؤمنين والكافرين ، والأبرار والفجار، وأهل الجنة والنار وهو توحيد الألوهية ، وهو عبادته وحده لا شريك له، وطاعته وطاعة رسوله، وفعل ما يحبه ويرضاه، وهو ما أمر اللّه به ورسوله أمر إيجاب، أو أمر استحباب، وترك ما نهى اللّه عنه ورسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين بالقلب واليد واللسان، فمن لم يشهد هذه الحقيقة الدينية الفارقة بين هؤلاء وهؤلاء، ويكون مع أهل الحقيقة الدينية وإلا فهو من جنس المشركين ، وهو شر من اليهود والنصارى ... وأما الذي يشهد الحقيقة الكونية، وتوحيد الربوبية الشامل للخليقة، ويقر أن العباد كلهم تحت القضاء والقدر، ويسلك هذه الحقيقة، فلا يفرق بين المؤمنين والمتقين الذين أطاعوا أمر اللّه الذي بعث به رسله، وبين من عصى اللّه ورسوله من الكفار والفجار، فهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى )اهـ مجموعة الرسائل والمسائل(1/7
    وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله:(والمرء قد يكره الشرك، ويحب التوحيد، لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك، وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم؛ فيكون متبعاً لهواه، داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً، لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه، فلا يحب ولا يبغض لله، ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسواه؛ وكل هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله.)إهـ الدررالسنية(8/396).
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:( إنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد أن لا إله إلا الله ، فعبد الله وحده بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه ، ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه ، وإسلامه له، ودعائه له ، والتوكل عليه ، وموالاته فيه ، ومعاداته فيه ، ومحبته ما يحب ؛ وبغضه ما يبغض)اهـ مجموع الفتاوى(8/164

    قال الشيخ محمد بن عبد الطيف آل الشيخ رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:(والـذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) :( قال بعض العلماء الفضلاء: الفتنة في الأرض الشرك ، والفساد الكبير اختلاط المسلم بالكافر، والمُطيع بالعاصي ، فعند ذلك يختل نظام الإسلام وتضمحل حقيقة التوحيد ، ويحصل من الشر ما الله به عليم ؛ فلا يستقيم الإسلام ، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويرتفع علم الجهاد ، إلاَّ بالحب في الله والبغض فيه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه ، والآيات الدالة على ذلك ، أكثر من أن تُحصر، وأما الأحاديث ، فأشهر من أن تُذكر)إهـ الدررالسنية (8/447).
    نعم لما هدمت قواعد الدين ، وطمست آثار التوحيد ، واندثرت معالم ملة إبراهيم عليه السلام و اشتدت غربة الاسلام ،انقلبت الحقائق الشرعية عند الأكثرين حتى عـاد المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً ، فاختلط أهـل الإيمان بأهـل الكفر، والتبست الملة الإسلامية بالملل الشركية ، واختل ميزان الحب والبغض والولاء والبراء عند كثير من المنتسبين إلى الإسلام ، فصاروا يوالون الكفرة المشركين ويحبونهم ويقربونهم ، ويتبرأون من المؤمنين الموحدين ويبغضونهم ويبعدونهم ، وأصبح الدين الحق غريباً وأهله المتمسكين به هم الغرباء ولا حـول ولا قـوة إلا بالله.
    ولــذا كان من الضروري على الموحد أن يتنبه إلى خطورة الانحراف الحاصل في قضية الولاء والبراء حتى لا تلتبس عليه الحقائق الشرعية ، أو يختلط عليه سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فيضع الأمور في غير موضعها الصحيح.
    ( إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح ، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني ... ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم .. فهما صفحتان متقابلتان ، وطريقان مفترقتان .. ولا بد من وضوح الألوان والخطوط .. ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين.
    يجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين ؛ ووضع العنوان المميز للمؤمنين ، والعنوان المميز للمجرمين في عالم الواقع لا في عالم النظريات.
    فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون بعد تحديد سبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم ، وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم ، بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان ، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين ... وهذا التحديد كان قائماُ ، وهذا الوضوح كان كاملاً ، يوم كان الإسلام يواجه المشركين في الجزيرة العربية ؛ فكانت سبيل المسلمين الصالحين هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، وكانت سبيل المشركين المجرمين هي سبيل من لم يدخل معهم في هذا الدين ... يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين ... ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة ، وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف ؛ وألا تقعدهم عنها لومة لائم ، ولا صيحة صائح ..) .
    أن ضرورة معرفة المسلم من المشرك ، وتمييز المؤمن من الكافر هو من أكبر مطالب الشريعة الإسلامية ، وأعظم مقاصدها لمن فهم طبيعة هذا الدين.
    إن قضية الولاء والبراء هي من لوازم ومقتضيات كلمة التوحيد
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:( فإن تحقيق الشهادة بالتوحيد يقتضي ألا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ، ولا يوالي إلا لله ، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما يحبه الله ، ويبغض ما أبغضه ، ويأمر بما أمر الله به وينهى عما نهى الله عنه ، وإنك لا ترجو إلا الله ، ولا تخاف إلا الله ، ولا تسأل إلا الله ، هذا ملة إبراهيم ، وهذا الإسلام الذي بعث الله به جميع المرسلين)إهـ مجموع الفتاوى(8/164
    يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله:( فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد ، أوعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله ، والمعاداة في الله والموالاة في الله ، ولوكان الناس متفقين على طريقة واحدة ، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء ، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل ، ولابين المؤمنين والكفار، ولابين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)إهـ رسالة أوثـق عـرى الإيمان
    فالحب في الله والبغض في الله أصل عظيم من أصول الدين يجب على العبد مراعاته.
    إن الولاء والبراء قائم على الحب والبغض ، وأصل الإيمان أن تحب في الله أنبياءه وأتباعهم ، وأن تبغض في الله أعـداء رسله ، فالولاء لله هو محبة الله ونصرة دينه ومحبة أوليائه ونصرتهم ، والبراء هو بغض أعداء الله ومعاداتهم وتكفيرهم ومجاهدتهم بقدر الإمكان.
    والعباد ينقسمون إلى فريقان ، الفريق الأول:(أولياء الله) والفريق الثاني:(أولياء الشيطان
    قال الله تعالى( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات أؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون) سورة البقرة الآية:257.
    يقول العلامة صديق حسن خان القنوجي رحمه الله معلقاً على هذه الآية الكريمة:(فالآية تقتضي أن الناس قسمان: الذين آمنوا وليهم الله تعالى أي لا غيره ، فليس لهم مولى دون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ الله مولانا ولامولى لكم ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت فلا واسطة ، فمن اتخذ الطاغوت ولياً دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً وارتكب خطباً جسيماً فليس إلا ولي الله أو ولي الطاغوت فلا شركه بوجه من الوجوه البتة كما تقتضيه الآية)إهـ العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة
    (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك ، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً ) (جامع العلوم والحكم
    يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله:(قوله"وولى في الله"هذا بيان لازم المحبة في الله وهي الموالاة فيه إشارة إلى أنه لايكفي في ذلك مجرد الحب بل لابد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب وهي النصرة والإكرام والإحترام والكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً ، وقوله"وعادى في الله"هذا بيان لازم البعض في الله وهو المعاداة فيه أيّ إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله والبراءة منهم والبعد عنهم باطناً وظاهراً إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب بل لابد مع ذلك من الإتيان بلازمه كما قال تعالى:" لقد كان لكم أسوة حسنة)إهـ تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد

    يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله:(وأصل الموالاة الحب واصل المعاداة البغض وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة كالجهاد والهجرة ونحو ذلك من الأعمال)إهـ الدرر السنية(2/157
    والولاء يكون في الأصل لله تعالى ثم للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين تبع ، فلا يتولى المسلم غير المسلمين ولا يتولى بغير ولاية الإسلام ولا يتولى إلاّ تبعاً لولاية الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ولله وفي الله وبولاية الإسلام وليس بغير ذلك.
    قال الله تعالى:(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)
    والبراءة من الكفار تكون ببغضهم وعداوتهم وتكفيرهم ومفارقتهم وعدم مشايعتهم على دينهم الباطل.
    قال تعالى:(لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)
    وفي الحديث عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع فقلت: يا رسول ابسط يدك حتى أبايعك واشترط عليَّ فأنت أعلم قال: أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ،وتفارق المشركين) رواه الإمام أحمد. وبالجملة فلا يدخل العبد في الإسلام ولا يعصم دمه وماله إلا بتحقيق أصل الولاء والبراء لأن موالاة الكفار ونصرتهم ومحبتهم لدينهم وإعانتهم على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام
    يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:(اعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى أنه لا يستقيم للعبد إسلام ولادين إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله وموالاة أولياء الله ورسوله ، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان"
    قال تعالى:"الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً " سورة النساء الآية:139.
    وقال تعالى:" لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" سورة المجادلة الآية:22.
    فالواجب على من أحب نجاة نفسه وسلامة دينه ، أن يعادي من أمره الله ورسوله بعداوته ، ولو كان أقرب قريب ، فإن الإيمان لا يستقيم إلا بذلك والقيام به ، لأنه من أهم المهمات ، وآكد الواجبات.)إهـ الدررالسنية في الأجوبة النجدية(8/37
    فيجب تحقيق هذا الأصل العظيم الذي ضيعه كثير من الخلق ، وان يعضد عليه بالنواجذ ويتمسك به ، وان يجعل الميزان هو الحب فى الله والبغض فى الله ،
    والولاء والبراء ، قائم على رابطة الإيمان والإسلام ، وليس على رابطة الأهل أوالعشيرة أوالطائفة أوالوطنية أوالقومية أوالجنسية أو الإنسانية أوغيرها من دعاوي الجاهلية التى أبتلينا بها هذه الأيام التى اختلطت فيها المفاهيم ووقع الإلتباس بين كثير من الناس فى مفهوم الإسلام والإيمان , والكفر بالطاغوت ,ونتيجة ذلك ظهرت مصطلحات ومفاهيم تهدم الإسلام وظهرت اسماء ما انزل الله بها من سلطان
    وفى النهاية نقول ان الولاء والبراء هو السبيل الوحيد لحفظ الدين وبه يستبين المسلم من المشرك ، ويتميز المؤمن من الكافر وتستبين سبيل اهل الايمان عن سبيل اهل الشرك والكفران وهذا من أكبر مطالب الشريعة الإسلامية ، وأعظم مقاصدها لمن فهم طبيعة هذا الدين.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •