أم سلمة صاحبة الهجرتين والرأي السديد
سعيد عبدالعظيم السيد


>أم سلمة< أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم، وأمها كنانية من بني فراس، كانت ذات جمال وذكاء، تزوجت من عبدالله بن عبدالأسد بن المغيرة، ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي كانت تسمى >برة بنت عبدالمطلب<، وكان في الوقت نفسه أخا الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، حيث أرضعتهما معاً >ثويبة< مولاة أبي لهب، ومنذ بدء الدعوة إلى الإسلام في مكة المكرمة، سارعت هي وزوجها بالدخول فيه، وتعرضا معاً للأذى والبلاء في سبيل الله·
ولما أذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمضطهدين بالهجرة إلى الحبشة، كانت >هند< أول من هاجر من النساء إلى الحبشة مع زوجها، وهناك ولدت ابنها >سلمة<، وبذلك صارت تكنى بأم سلمة، وصار زوجها يكنى بأبي سلمة، وعندما عادت من الحبشة إلى مكة، وجدت قريشاً تزداد بطشاً، فتحملت من اضطهاد قريش ما تحمل المسلمون، الأمر الذي اضطرها وزوجها وابنهما >سلمة< إلى الهجرة مرة ثانية مع المسلمين إلى المدينة، فكانت بذلك أول مهاجرة من النساء إلى المدينة، وبالتالي صارت صاحبة الهجرتين·
وعند بدء الرحلة إلى المدينة المنورة، انقسمت العائلة الصغيرة إلى ثلاثة أقسام··· أبو سلمة ذهب إلى المدينة، وأم سلمة كانت حبيسة لدى أهلها >بنو المغيرة<، وأما الصغير >سلمة< مضى به بنو عبدالأسد، وهكذا تحملت المرأة كما تحمل الرجل، وكذلك الطفل من أجل نصرة الدعوة الإسلامية··· وبعد مضي سنة، رآها رجل من بني عمها على هذه الحال، فرحمها، وقال لبعض قومها: ألا تُخرجون هذه المسكينة؟! فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، فوافقوا، وقالوا لها: الحقي بزوجك إن شئت، وركبت بعيرها >جملها<، ومعها ولدها إلى المدينة المنورة، حيث لحقت بزوجها في صحبة طيبة، وفي المدينة وقفت بجانب زوجها لنصر الإسلام، كما أن زوجها جاهد بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات متأثراً بجراحه بعد غزوة >أحد<، وترك لها سلمة وعمر ووردة وزينب، فاشتد ألمها لموت زوجها، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك منها··· فقال لها: يا أم سلمة اتقي الله واصبري يعوضك الله خيراً··· ويتقدم للزواج منها كل من أبي بكر وعمر تعويضاً لها عن زوجها، فتعتذر في أدب، بالرغم من حاجتها إلى من يرعاها هي وصغارها، وإزاء إصرارها على موقفها يتقدم لها الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها تقول: إني غيرى >شديدة الغيرة< ومسنة، وذات أولاد وأخشى ألا أسد مكاني في بيت النبوة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: أما إنك مسنة، فأنا أكبر منك، وأما الغيرة فليذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله··· ولذلك لم تجد بداً من الموافقة على هذا الزواج الذي كان بمثابة أكبر مكافأة معنوية تحصل عليها، وقد احتلت أم سلمة مكاناً رفيعاً في بيت النبوة، وكرمها الله ـ عز وجل ـ بنزول الوحي في بيتها، وكان لها الرأي الراجح السديد· وقد شهدت مع الرسول صلى الله عليه وسلم أخطر معاهدة سياسية وهي >صلح الحديبية<، وفيه ظن بعض المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم تهاون في معاملة المشركين، وكان من أثر تذمرهم لهذا الموقف، أنهم امتنعوا عن الامتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعاهم إلى التحلل من ثياب الإحرام، وذبح الفدية، وعندئذ دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على زوجته >أم سلمة< والألم يعصر قلبه وهو يقول: >لقد هلك القوم<، وتساءلت: لماذا يا رسول الله؟ فقال: أمرت الناس ثلاثاً فلم يمتثلوا، فقالت: اخرج أنت يا رسول الله واحلق شعرك واذبح، فإنهم إذا رأوك تفعل··· لابد فاعلون، واستجاب الرسول لوجهة نظرها ورأيها السديد، فتسابق المسلمون لامتثال الأمر وتنفيذه·
وهكذا كانت حياتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال الزوجة المثالية··· كما كانت آخر أزواجه رحيلاً عن دنيانا··· وقد دفنت بالبقيع في المدينة المنورة، وصلى عليها أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ رحمها الله ـ عز وجل ـ رحمة واسعة·