لقد خص الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن جعله خاتم النبيين، وآخرهم رسالةً، فأرسله "بخير كتاب وأتم شريعة وأفضل ملة وأكمل دين وختم الله تعالى به النبيين والمرسلين، وأكمل بدينه كل دين"[1]، قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
قال الإمام ابن كثير[2]: "فالرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، دائمًا إلى يوم الدين، وهو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر لكان هو الواجب الطاعة، المقدم على الأنبياء كلهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لَمَّا اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في يوم الحشر في إتيان الرب لفصل القضاء، وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له"[3].
وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في سنته أنه خاتم النبيين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ»[4].
فالخاتم" الذي ختم به الأنبياء، والخاتم أحسن الأنبياء خَلْقًا وخُلُقًا" [5].
فمما يترتب على كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أن كل ما يحتاج إليه البشر، لجلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم في دينهم ودنياهم، اشتملت عليه الشريعة الإسلامية، فهي أكرم الشرائع وأفضلها، وأحكمها وأعمِّها، وبيَّن الله تعالى فيها جميع ما يحتاجه العباد، فعن "طارق بن شهاب[6]، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا؛ قال: أي آية؟ قال الله: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر رضي الله عنه: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ»[7].
فمن أعظم نعم الله عز وجل على هذه الأمة "أن أكمل لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه" [8].
وقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه معناه "أنا لم نهمل هذا، ولا خفي علينا زمن نزولها ومكانها، ولا تركنا تعظيم ذلك اليوم والمكان، فإذا اجتمعا زاد التعظيم، فقد اتخذنا ذلك اليوم عيدًا، فعظَّمناه وعظَّمنا مكان النزول" [9].
فنزلت الآية الكريمة في يوم هو أفضل أيام الأسبوع، ووافق يومًا هو من أفضل أيام العام، فاجتمع في نزولها عيدان في يوم واحد، عيد الجمعة وعيد يوم عرفة، ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة، فشرَّف الله عز وجل المكان والزمان، وكفى بذلك شرفًا وفضلًا، أن أكمل الله سبحانه وتعالى الدين، وأتم علينا النعمة، "فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات، إلا وقد بُيِّنت غاية البيان، نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولًا إلى نظر المجتهد، فإن قاعدة الاجتهاد أيضًا ثابتة في الكتاب والسنة، فلا بد من إعمالها" [10].
وخلاصة القول في اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين عليهم جميعًا الصلاة والسلام - أن مما ينبغي على المسلمين أن يأخذوا دينهم، وإرشادهم، وأخلاقهم، وقيمهم، من كتاب ربهم عز وجل، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقد أرسل إليهم الهدى كاملًا، واختصهم عن غيرهم بالفضل عامًا شاملًا، وأخبرهم الله عز وجل، بأنه أكمل لهم الدين، وأتم عليهم النعمة، ورضي لهم الإسلام دينًا.
----------------
[1] لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية: شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي، ج2، ص269، مؤسسة الخافقين دمشق، ط2، 1402 هـ - 1982م؛ (بتصرف).
[2] إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي الشيخ عماد الدين، ولد سنة سبعمائة أو بعدها بيسير، ونشأ هو بدمشق وسمع من إسحاق الآمدي وابن عساكر والمزي وابن الرضي وطائفة، وأجاز له من مصر الدبوسي والواني والختني وغيرهم، واشتغل بالحديث مطالعةً في متونه ورجاله، فجمع التفسير وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يكمل، وجمع التاريخ الذي سماه البداية والنهاية، وعمل طبقات الشافعية، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي، مات في شعبان سنة 774هـ؛ [انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، ج1، ص445، تحقيق: محمد عبدالمعيد ضان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر آباد/ الهند، ط2، 1392هـ/ 1972م].
[3] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير، ج4 ص113.
[4] صحيح البخاري: كتاب: المناقب، باب: خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، ج4 ص186، رقم ح3535، وفي صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب: ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ج4 ص179، رقم ح2286.
[5] مشارق الأنوار على صحاح الآثار؛ ابن عياض، ج1، ص230.
[6] طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جشم بن نقر بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار ابن بجيلة وهي أمه، وهي ابنة صعب بن سعد العشيرة بها يعرفون، قال: أخبرنا يحيى بن عباد وسليمان أبو داود الطيالسي قالا: أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت في خلافة أبي بكر، زاد يحيى بن عباد في الحديث: وعمر بضعًا وأربعين بين غزوة وسرية، وقال: قال روح بن عبادة بهذا الإسناد: ثلاثًا وأربعين، قال وقد روى طارق عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبدالله وخالد بن الوليد وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري، وعن أخيه أبي عزرة، وكان أكبر منه، وكان يكثر ذكر سلمان؛ [انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج6 ص66.
[7] صحيح البخاري: كتاب: الإيمان، باب: زيادة الدين ونقصانه، ج1 ص18، رقم ح45، وفي صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب: ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ج4 ص2312، رقم ح3017.
[8] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير، ج3 ص22.
[9] التوضيح لشرح الجامع الصحيح؛ لابن الملقن، ج3 ص129؛ (بتصرف).
[10] الاعتصام، للشاطبي، ج2 ص816.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/141747/#ixzz6WrhTMVqf