لطالما اهتم الباحثون بتناول شخصية الشاعر الماجن أبي نواس التي كثر عنه القيل والقال بسبب حياته الماجنة الغارقة في اللذات ، فأثيرت حوله الكثير من القضايا حول حقيقة شذوذه وزندقته . وسنحاول أن نعرض لكم بعض الآراء في هذه المسألة .

يرى الكثير من الباحثين أن زندقة أبي نواس هي في الحقيقة محض عبث غرضه إظهار النفس فقط . فالمتتبع لحياة الشاعر الماجن يجد أنه كان من الدارسين المجتهدين المحبين للعلوم حيث جاء في التراجم أنه : " كان عالما فقيها ، عالما بالأحكام والفتيا ، بصيرا بالاختلاف ، صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث ، وكان أحفظ لأشعار القدماء والمخضرمين وأوائل الإسلاميين والمحدثين " .

في حين ذهب عمر فروخ إلى أن زندقته لا شك فيها ، معتبرا أن الزندقة ليست سوى التساؤل عن الغاية من فروض الدين ، والتهكم على الذين يتحوبون من إتيان المعاصي ، ويستشهد على ذلك بمجموعة من الأبيات منها :

أيها العاتب على الخمـ * ر متى صرت سفيها

لو أطعنا ذا عتاب * لأطعنا الله فيها

وقوله :

يا من يلوم على حمراء صافية * صر في الجنان ودعني أسكر النارا

أما محمد نبيه حجاب فيرى أن أبا نواس قد جمع بين معنيين من معاني الزندقة : أحدهما يطلق على كل ماجن خليع مستهتر بالدين ، والثاني يطلق على كل كافر ملحد لا يؤمن باليوم الآخر وما وراءه من ثواب وعقاب ، واستدل على ذلك بقول أبي نواس :

يا ناظرا في الدين ما الأمر * لا قدر صح ولا جبر

ما صح عندي من جميع الذي * يذكر إلا الموت والقبر

فاشرب على الدهر وأيامه * فإنما يهلكنا الدهر

ومن الفريق الثاني شوقي ضيف ، الذي يرى أن زندقة أبي نواس هي من قبيل المجون والعبث ، وليس الزندقة التي تخرج صاحبها من كنف الإسلام ، قال : ” وأبو نواس خير من يصور الصنف الثاني من الزنادقة التي كانت تلصق بهم التهمة بسبب مجونهم وبسبب ما قد يبدر على ألسنتهم في قصفهم وشربهم من أبيات مارقة على شاكلة قوله :

يا ناظرا في الدين ما الأمر * لا قدر صح ولا جبر

ما صح عندي من جميع الذي * يذكر إلا الموت والقبر

ولكن هذا كان تعابثا ومجانة ، وكان القائمون على ديوان الزنادقة يميزون بينه وبين الزندقة الحقيقية فيكتفون بحبس أبي نواس حتى يرتد عن غيه ” .

أما عن مجون الشاعر وتعلقه بالخمرة يقول شوقي ضيف في شأنه : " وربما کان من دوافع رحلته مــع والبة بن الحباب وإغراقه - فيما بعد - في المجــون أنّــه کانت تؤذيه ســيرة أمه فهو کان کالمستجير من الرمضاء إلی النار ، فقد وقع في حبائل شــيطان کبير غمسه في کل ما يقع فيه من خطايا وآثام " .

ويقول عميد الأدب طه حسين : " علی أن من الحق أن نعرف لأبي نواس شــيئا غير هذا الفسق والإغراق في المجون وهو التوفيق بين الشــعر وبين الحياة الحاضرة ، بحيث يكون الشــعر مرآة صافية تتمثل فيها الحياة، ومعنی ذلك العدول عن طريقة القدماء لأن هذه الطريقة كانت تلائم القدمــاء وما ألفوا من ضروب العيش ، فإذا تغيرت ضروب العيش هذه، وجب أن ّ يتغير الشعر بها ، فليس يليق بساكن بغداد المستمتع بالحضارة ولذاتها أن يصف القصور والرياض ويتغنى الخمر والقيان . فإن فعل غير ذلك فهو كاذب متكلف . أراد أبونواس أن يشــرع للناس هذا المذهب فجد فيه ووفق التوفيق كله، واتخذ وصف الخمر وما إليها من اللذات وسيلة إلى مدح طريقته الحديثة وذم طريقة القدماء " .

وينفي الكاتب الكبير عباس محمود العقاد تهمة ” المثلية الجنسية ” حيث يرى أن الشاعر كان شخصية نموذجية ” تسعى لما كان في عصرها من ” فاكهة محرمة ” ومن ثم فهو لم يكن يعاني من الشذوذ الجنسي ، فذلك الشذوذ ، بالنسبة للعقاد ، لا يقدم مبررا لمجمل سلوكياته ؛ وإنما ما عانى منه أبو نواس هو انحراف أكثر عمومية ، ألا وهو ” النرجسية ” .ويرى النقاد أن مجون أبي نواس كان في أغلبه على سبيل التظرف والهزل ، والانغماس في الملذات ومعاقرة الخمر .

مصادر :
- أبو نواس الإباحي .
- أبو نواس شاعر الخمر .