زوجات خارج البيت .. في مهمة مجاملة !
أبو بكر محمد عثمان


يجب على النساء ألا يكثرن من الخروج من البيت بإصرارهن على حضور جميع المناسبات من "الخطوبات وقولة الخير وسد المال والعقود وحفلات الزفاف وفطور العريس وعيادة المريض والتعازي واستقبال القادمات وتوديع المسافرات ومواساة المطلقات ومفسوخات الخطوبات" إلا لذوي الأرحام الأشد قربا.
المشكلة هنا أن الناس يخافون من اللوم الذي لا يمكن تجنبه إلا بحضور كل المناسبات لكل الأشخاص، وهذا لزوم ما لا يلزم، وهو منافٍ للواقع، فحتى الأم والأب ليسا في درجة واحدة من استحقاق حسن الصحبة، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - من هو أحق الناس بحسن صحابتي قال: ((أمك قيل ثم من قال: أمك قيل ثم من قال: أمك قيل ثم من قال: أبوك)) فإذا علم هذا فكيف أسوّي بين سعد وسعيد، فإذا حصرت كل المناسبات لكل الأشخاص لا بد من يترتب عليه تقصير شديد في حق نفسك وفي حق من تلزمك رعايتهم الأبوان والإخوان أو الزوج والأبناء، فكيف تهتمين بما لم يكلفك الله به ولا رسوله وتهملين ما ستسألين عنه إذا ضيعتيه: "مش غريبة".
مر سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على رجل يلزم المسجد يصلي ويدعو ويتعبد، فسأل: من ينفق على هذا قالوا أخوه قال: أخوه أعبد منه.
وفي حالة النساء يخالف قول الله - تعالى - في سورة الأحزاب آية 33 (وقرن في بيوتكن).
وفي حالة العزاء يخالف قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيه أن يسلم عليه وإذا دعاه أن يجيبه وإذا استنصحه أن ينصح له وإذا عطس فحمد الله أن يشمته وإذا مرض أن يعوده وإذا مات أن يتبعه)) فإذا أدركت الميت غسلته وكفنته وصليت عليه وتبعته إلى مدفنه فإن فاتك هذا فما عليك إلا أن تدعو له بالرحمة والمغفرة أما مواساة أهله فهي على التراخي وليس على الفور، ومن تيسير الله أن هدى الإنسان لاختراع الهاتف فلماذا لا نستفيد من نعم الله.
وقد بلغ من سوء التقدير إعطاء التعزية قدرا أكبر بكثير من زيارة المريض، فإذا مرض أحدهم مرضا شديدا لم يسافروا لعيادته بل يقولون نصبر حتى يموت، فنذهب للتعزية فتكون سفرية واحدة بدلا من اثنين، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه - عز وجل-، يقول للرجل: ((مرضت فلم تعدني فيقول كيف أعودك وأنت رب العالمين يقول الله - عز وجل - مرض عبدي فلان فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده...)) فانظر إلى عظيم حق المريض وعظيم ثواب عيادته. ولم يقل ذلك عن المعزين.
هذا مجهود عضلي لا يتناسب مع تركيب المرأة الجسدي، وإنما كلفها الله بالعمل داخل البيت لاحتياجه إلى قدر أقل بكثير من السعرات الحرارية ووقت أقل لإنجاز تلك الأعمال خارج البيت لتتفرغ لزينتها.
يصحب هذا المجهود العضلي إرهاق نفسي لما يصحب الخروج من التوتر الناتج عن التفكير في كيفية الوصول إلى مقر المناسبة على الأقدام أم بركشة أو أمجاد أو هايس أو حافلة أو على (بمبر) في صندوق البوكس، ومثل ذلك في العودة وتضطر لاستجداء أصحاب السيارات ليقلبوها إلى بيتها في وقت الظهيرة أو الليل، والسؤال مذلة خصوصا إذا تكرر بلا نهاية (فمتى سينتهي الموت؟) ويضطر أصحاب السيارات لبغضها أو التهرب منها.
أما التكلفة المالية فحدث ولا حرج، أثناء توجهنا للعزاء على بعد 650 كيلومتر قبل 17 سنة جلس أمامي رجل قدرت تكلفة تعزيته بربع مرتبه الشهري، وهذا يعني أن عليه ألا ينفق على أسرته المكونة من زوجته وبناته الثلاث البالغات شاب يافع سبع ليال وثمانية أيام حسوما، فهل هذا يقره دين أو عقل، ولماذا يرهق المسلم أخاه إلى هذا الحد باللوم على عدم الحضور للعزاء، وعندما حدثت وفاة أخرى قرر البعض السفر 650 كيلومتر مع انهيار كوبري قرب القضارف وتنقل الناس بين الضفتين بالجرارات وتبادل الحافلات كل منهم لركاب الاتجاه الآخر.
لاحظت شخصا صامتا وهنا سلمني شخص مبلغا من المال مرسل لذلك الصامت من صديق له في السعودية فلما سلمته المبلغ انتفض وعزم على السفر للعزاء، وهنا أسئلة: لماذا غيّر هذا الصامت موقفه من العزاء بعد أن كان عزم على عدم السفر ولابد أنه استعد لتقديم اعتذار مقبول لأصحاب الميت يخرج به من اللوم "طبعا غير ضيق ذات اليد" فلماذا أصبح فجأة هذا العذر غير مقبول؟ ثم ألم يكن هو وأولاده أولى بهذا المبلغ الذي سقط عليه من السماء على حين غفلة منه من صاحب الباص؟ ثم ألم يكن مرسل المبلغ وأولاده أولى بهذا المبلغ من صاحب الباص؟ وهل لو علم أن المبلغ صرف في ذلك الوجه سيرضي؟ أو سيكرر إرسال مساعدات له أو لغيره؟
ولما كان التنقل للعزاء يستهلك جزءا كبيرا من دخل الأسر فإن ذلك ينعكس على مستوى التغذية والمسكن والملبس والعلاج والتعليم والترفيه فتجد التلاميذ يلبسون "السفنجة" في المدارس ويحملون كتبهم وكراساتهم في كيس خضار بدلا من الحقيبة ولا يحمل معه شيئا للإفطار، فيجلس بجوار الحائط كسير الخاطر أو يتصدق عليه زميل له أو يسرق من أحد التلاميذ طعاما أو كتابا ويبعه ليأكل "صدقوني هذا واقع لمسته بنفسي".. فلماذا ترهق أخاك المسلم حتى يضطر أولاده للسرقة؟!. نواصل في العدد القادم إن شاء الله.