فرحة موءودة (قصة)
حمادة عبد الإله حامد


غالبا ما يستهويني السهر، خصوصا حين يعتدل الجو، وتنتشر في أوصالي طمأنينة مع نسيم الليل الناعس.
حينها أجلس وقد ضمني الليل، وابتلعني السكون... أقلب صفحات كتاب أقرأه على حاسوبي، وفي غمرة القراءة أنسى هسيس مروحة تطنّ طنينا مزعجا... أرفع عن الحاسوب ناظري .. أسرح بخيالي في مهامه الذكريات، أذكر أياما مضت ومواقف لفها النسيان في جلبابه، وطواها مر السنين..
ثم ترسو سفينة الفكر عند بلدي مصر وما يدور فيها، فأذكرالدماء والقتل.. لا أتمالك نفسي... تتحرك أوتار روحي فأستعبر ... يكاد الحزن يلجمني.. أرسل كل عواطفي في مجاري الدمع... كأني أجمع هموم وطن بات الألم عنصرا من عناصر حياة أبنائه ... يخترق بكائي الصامت صغيرتي، وقد قامت من فراشها ... ما زال يجري في صفحة وجهها بقية من نوم ...
أنسى بعض الشيء ما أنا فيه ... تشدني للواقع، وقد بدا عليها الشعور بالظفر إذ وجدت من يؤنسها في سهرها ... على الفور قامت تجمع شتات ألعابها ... عروس ناعسة ... دبدوب رابض ... بلونتان أرغمتني على نفخهما، وإلا استخدمت سلاح البكاء الذي لا تستطيع مقاومته في جوف الليل وكأنها ألهمت أن سلاح المرأة هو الضعف والبكاء ... بقايا لعبة على شكل هاتف منزلي تمزقت أوصاله وصار أشلاء ... جلست بجواري، رفعت سماعة الهاتف اللعبة المتهالك ...
مين؟ مريم ازيك يا مريم يا حبيبتي، (لفظتها بصوت ناعم ونبرة حانية مفترا ثغرها عن ابتسامة وردية رسمتها على شفتيها وقد تبدت أسنانها بيضاء منضودة). ثم شعرتُ أنها جادة بعدما أومأتْ إلي وقطبتْ جبينها.
ما لك يا مريم، تعبانة؟ ألف سلامة عليك .
بابا عاوز يسلم عليك، ثم ناولتني السماعة بحزم لا يقبل النقاش، لم يكن أمامي إلا أن أتظاهر بجدية الموضوع رفعت السماعة ثم قلت ألف سلامة لسه عارف حالا من حنين ابنتي ربنا يشفيك .... ثم ناولتُ ابنتي الهاتف، فلم أكن في حالة نفسية تسمح بالاستطراد ..
العجيب أن ابنتي استشاطت غضبا مني، ثم فاجأتني يا بابا، الخط انقطع، ليه قفلت السكة ...؟ ... ضحكتُ بصوت مكتوم، ولسان حالي يردد : لعب عيال، صحيح , لكنه ممتع ليتنا نرد إليه ينتشلنا من أحداث تسرق أحلامنا وتسلبنا ابتسامة وطن ...

وطن يتربص به الماكرون لا يريدون له أن يرقد في حضن الأمان، حتى في يوم عيده، يسرقون البسمة من عيون أبنائه ...

ما أحوجنا إلي نفوس طفلة نقية في تلك الليالي الليلاء والظلمات المدلهِّمة !