تأخر النطق عند الأطفال
عبدالرزاق سمعو


يقلق الأهل عندما يتأخر طفلهم الصغير عن النطق وبخاصة إذا تجاوز الثلاث سنوات ولم يتكلم كلاماً واضحاً ومفهوماً، ويلجأ الكثير منهم إلى الأطباء لمعرفة السبب في ذلك فقد يكون نتيجة لعوامل بينية اجتماعية أو لعوامل وراثية أو مرضية·

مراحل اكتساب اللغة عند الطفل

أثبتت الدراسات المفصلة على لغات الأطفال أن اكتساب اللغة يتبع جدولاً زمنياً تفصيلياً من حيث إن الطفل يبدأ بالتصويب ثم بالمناغاة فالكلمة الواحدة، فتنغيم الجملة، ثم بالكلمتين معاً ثم بجمل تبدو غير صحيحة·
1 ـ مرحلة ما قبل اللغة: هي مرحلة الصياح أو الصراخ وتمتد من مولد الطفل حتى أسبوعه الثامن ويعزى الصراخ في هذه المرحلة إلى الألم أو المنبهات القوية كالضوء الشديد أو الحرارة، فالطفل يستخدم الصراخ للتعبير عن حالاته الانفعالية ودوافعه المختلفة·
2 ـ مرحلة المناغاة: وهي مظهر يخلف الصراخ والمناغاة وهي وراثية إلى أن للوسط أثره في تثبيت أصوات معينة وتطور أصوات أخرى وتختلف المناغاة عن الصراخ في أن المناغاة منغمة ذات ألحان متغيِّرة وفق حالات الطفل كما أن الصراخ غير مقطعي بينما المناغاة مقطعية مما يجعل المناغاة سمة إنسانية ذلك لأن المقطعية سمة الكلام الإنساني، أما الأصوات التي يمزجها الطفل في المناغاة فهي عبارة عن أحرف علة ومتحركة وتعد فترة المناغاة فترة سابقة لتقليد الكلام·
إن ذهن الطفل يدرك تنوع الأصوات التي يخرجها ويسمعها ويربط بينها وبين طرق إخراجها وهنا تبدأ مرحلة تجريب يحرك فيها أجهزته الصوتية بأشكال مختلفة ويستمع إلى نتائج هذه التغيرات·
3 ـ مرحلة المحاكاة: يرى >فالون< أن الطفل بعد الشهر الثالث يأخذ بمحاكاة من حولة في إيماءاتهم وتكشيراتهم وأن الحركات المعبرة عنده هي جسر موصل إلى لغة الكلام·
وتبدأ المحاكاة بعد الشهر التاسع كما يرى أغلب الباحثين وتستمر حتى السن المدرسية، وهناك فوارق فردية بين الأطفال في القدرة على المحاكاة ونطق الكلمة الأولى، وهذه تخضع لعوامل متعددة كالذكاء والسن والجنس وفرص الكلام المتاحة للطفل ووجود أطفال آخرين معه في الأسرة وثراء البيئة الاجتماعية والثقافية·
4 ـ مرحلة الكلام الحقيقي وفهم اللغة: وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل بفهم مدلولات الألفاظ ومعانيها ويظهر ذلك في الأشهر الأولى من السنة الثانية فتتضح المعاني أكثر مع ظهور عناصر الاتصال الأولى التي تنشئ المرحلة من الجملة ويلاحظ في هذه المرحلة بعض العيوب في النطق والتي تعتبر موقتة وطبيعية بعد عمر 4 سنوات، فإذا ما توافرت الشروط البيئية والتربوية المناسبة تختفي هذه العيوب في الكلام الطفولي مثل الجمل الناقصة والإبدال واللثغة وغيرها·
ومن هنا تبرز أهمية مراقبة النطق في الطفل منذ المراحل الباكرة من الطفولة وتلافي عيوب الكلام منذ البداية وإن لم يتخلص الطفل منها بين الرابعة والسادسة من عمره، أصبح شاذاً بالنسبة لمعايير النطق الصحيحة ووجب عرضه على اختصاصي نفسي

العوامل المؤثرة في النمو اللغوي وتعلم الكلام

1 ـ الجنس: لوحظ أن الإناث يتفوقن على الذكور في كل جوانب اللغة كبداية الكلام وعد المفردات اللغوية فيتكلمن بشكل أسرع وهن أكثر تساؤلاً وأكثر إبانة وأحسن نطقاً والسبب العلمي لهذا التفاوت غير مطروح حتى الآن·
2 ـ الذكاء: تعتبر اللغة مظهراً من مظاهر نمو القدوة العقلية العامة والطفل الذكي يتكلم مبكراً عن الطفل الغبي·
3 ـ المحيط الاجتماعي: يعتبر المحيط الاجتماعي بسماته الثقافية والاقتصادية المميزة من أهم العوامل المؤثرة على تعلم النطق والكلام لدى الطفل، حيث إن النمو اللغوي يتأثر بانجراف وكمية ونوعية الميزات الاجتماعية، إذ تساعد كثرة الخبرات وتنوعها واختلاط الطفل بالراشدين في نمو اللغة ويشير فرويد إلى الطفل في العائلة إذا سافرت أمه بعيداً عنه فإنه يفقد موهبته بالكلام التي اكتسبها حديثاً، كما لوحظ أن الأطفال من الطبقات العليا أثرى لغوياً من الطبقات الدنيا ربما لأنه تتاح لهم فرص الاحتكاك مع الآخرين ويلقون الاهتمام من الأهل ويلتحقون بالمدارس التي تولى أمور النطق أهمية كبيرة وللعطف والتشجيع أما أطفال الطبقات الدنيا فمحرومون من كل ذلك مما أدَّى إلى تأخر الطفل لا بل تعثره بمثل التأتأة والفأفأة والتلعثم والارتباك· هذا وتؤثر الحكايات والقصص تأثيراً كبيراً على النمو اللغوي·
4 ـ العوامل الجسمية: ومنها سلامة جهاز الكلام واضطرابه وكذلك كفاءة الحواس ولا سيما السمع·
5 ـ وسائل الإعلام: ولا ننسى دور وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وغيرها فهي تتيح إثارة وتنبيهاً لغوياً أكثر وأفضل يساعد على النمو اللغوي السليم·