السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا تخريج لحديث (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ..) ، وورد بلفظ اخر وهو (لَا يَبْلُغُ [يصيب] عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَحْزُنَ مِنْ لِسَانِهِ) ، وبلفظ ( لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَبْدٌ حَتَّى يَخْزِنَ مِنْ لِسَانِهِ)
ورد من حديث أنس بن مالك ، وعبد الله بن مسعود ، الحسن البصري مرسلاً
حديث أنس بن مالك له طرق:
الطريق الأول [على بن مسعدة عن قتادة عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم]
أخرجه أحمد (13048) ، والقضاعي فى "مسند الشهاب" (887) ، وابن أبي الدنيا فى "الصمت" (9) من طريق: زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عن عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ، عن قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»
وهذا إسناد منكر ، فيه علي بن مسعدة قال أبو داود الطيالسي: ثقة ، وقال ابن معين: صالح ، وفى رواية: ليس به بأس في البصريين ، وقال أبو حاتم: لا بأس به ، وقال البخاري: فيه نظر ، وقال أبو داود: ضعيف ، وقال: النسائي ليس بالقوي ، وقال ابن عدي: ولعلي بْن مسعدة غير ما ذكرت، عَن قَتادَة وكلها غير محفوظة ، وقال ابن حبان: كَانَ مِمَّن يخطء على قلَّة رِوَايَته وينفرد بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ بِمَا لَا يُوَافق الثِّقَات من الْأَخْبَار ، وفي أمالي أبي زرعة: حديثه فيه ضعف ، وقال ابن القيسراني: يَنْفَرِدُ بِمَا لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، وقال: لا يُحْتَجُّ بِهِ ، وأورده العقيلي وابن الجوزى فى الضعفاء ، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه ، وقال الذهبي فى "التلخيص": لين ، وقال فى "الكاشف": فيه ضعف ، وقال فى "المقتني": واه ، وقال ابن حجر فى "التقريب": صدوق له أوهام ، قلت: فهو ضعيف تفرد به عن قتادة وهو ثقة مكثر فلا يقبل تفرده.
الطريق الثاني [محمد بن سيرين عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم]
أخرجه الطبراني فى "الصغير" (964) ، و "الأوسط" (6563) ، ومن طريقه الضياء فى "المختارة" (2595) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَرْدِيُّ، نا زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ، نا دَاوُدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَخْزُنَ مِنْ لِسَانِهِ»
قلت: فى إسناده داود بن هلال النصيبي مجهول تفرد بالرواية عنه زهير بن عباد كما ذكر ابن أبي حاتم فى "الجرح والتعديل" (427/3).
وتابع هشام بن حسان عطاء ابن عجلان : فأخرجه الخرائطى فى "مكارم الأخلاق" (405) ، والقضاعي فى "مسند الشهاب" (893) ، والبيهقي فى "شعب الإيمان" (4652) من طرق عن عطاء بن عجلان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم. ، وعطاء بن عجلان كذاب متروك الحديث.
الطريق الثالث [عطاء البزار عن أنس بن مالك مرفوعاً وموقوفاً]
أخرجه الطبراني فى "الأوسط" (5613) ، والبيهقي فى "شعب الإيمان" (4651) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: نَا سُفْيَانُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْبَزَّارِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مرفوعاً.
وفى إسناده سفيان بن بشر الكوفى ترجمه الذهبي فى "تاريخ الإسلام" (327/5) ، و لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكر رواية جمع من الثقات عنه فهو مستور الحال.
وأخرجه ابن أبي شيبة فى "المصنف" (34754) ، و من طريقه أخرجه كل من ابن أبي عاصم فى "الزهد" (28) ، وأحمد فى "الزهد" (1165) عن حفص بن غياث عن ابن عون عن عطاء عن أنس موقوفاً.
وتابعه أحمد بن عبد الجبار فأخرجه البيهقي فى "شعب الإيمان" (4650) من طريق أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عن حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَنَسٍ موقوفاً. ، وأحمد بن عبد الجبار ضعيف.
قلت: والراجح بلا شك رواية ابن أبي شيبة وأحمد بن عبد الجبار موقوفاً على أنس.
وأخرجه محمّد بن العبّاس بن نجيح، أَبُو بَكْر البزاز فى "الأول والثاني من حديثه" (43) من طريق إبراهيم بن عرعرة، ثنا غندر، عن ابن عون، عن عطاء البزار، عن أنس مرفوعاً.
وأخرجه ابن وهب فى "الجامع" (377) من طريق أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ ، و أبو داود فى "الزهد" (368) من طريق إِسْمَاعِيلُ [ابن علية] ، وهناد فى "الزهد" (532/2) من طريق أَبُو أُسَامَةَ [حماد بن أسامة]، وابن أبي الدنيا فى "الصمت" (17) من طريق سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، جميعهم [أشهل ، وإسماعيل ، وأبو أسامة ، وسليم] عن ابْنُ عَوْنٍ، عن عَطَاءٌ الْبَزَّازُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ موقوفاً
و أخرجه ابن أبي حاتم فى "تفسيره" (3909) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ ، ثنا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَنَسٍ موقوفاً.
قلت: الصحيح وقفه على أنس بن مالك كما هى رواية الجماعة عن ابن عون ورواية شعبة ، ولكن فى إسناده عطاء البزار ، قال يحيى بن معين: ليس بشئ. انظر "الميزان" (78/3) ، فلا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً من هذه الطرق.
حديث عبد الله بن مسعود
أخرجه الطبرانى (10553) ، ومن طريقه الشجري فى "أماليه" (161) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْمَازِنِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ الْكُوفِيُّ، ثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مَذْعُورٍ، عَنْ قُرَيْشٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْتَقِيمُ دِينُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ لِسَانُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْبَوَائِقُ؟ قَالَ: «غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَأَنْفَقَ مِنْهُ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، وَمَا بَقِيَ فَزَادُهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ، وَلَكِنَّ الطَّيِّبَ يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ»
قال الهيثمي فى "مجمع الزوائد" (57/1): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ: حُصَيْنُ بْنُ مَذْعُورٍ، عَنْ فَرَسٍ التِّيمِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُمَا.
قلت: وفيه حبان بن على ضعيف ، فاجتمع فيه مجهولان وضعيف فإسناده ضعيف جداً.
مرسل الحسن البصري
أخرجه هناد فى "الزهد" (502/2) من طريق إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْحَسَنِ مرسلاً.
وأخرجه البيهقي فى "شعب الإيمان" (8) من طريق الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
وأخرجه الشجرى فى "أماليه" (127) ، وإسماعيل الأصفهانى فى "الحجة" (108) من طريق أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذْيَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا إِيمَانَ لَمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمُ لِسَانِهِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ لِسَانُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: «غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْهُ لَا يُبَارَكُ لَهُ وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَفَضْلُهُ زَادُهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُكَفِّرُ السَّيِّئ بِالسَّيِّئ وَلَكِنْ يُكَفِّرُ السَّيِّئ بِالطَّيِّبِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحَقُ الْخَبِيثَ»
وفى إسناده هشام بن عمار [صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن ، فحديثه القديم أصح ] ، ويحيي بن يسار ذكره الخطيب فى "تلخيص المتشابه" (308/1) وقال: حَدَّثَ عَنِ الْحَسَنِ، رَوَى عَنْهُ: سَعْدُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ ، وذكره ابن أبي حاتم فى "الجرح والتعديل" (199/9) وقال: روى عن الحسن روى عنه مسلم بن ابراهيم.
قلت: فهو مستور الحال إن شاء الله. ولكن مرسلات الحسن ضعيفة جداً.
وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ إِن الله يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»رواه أحمد (3672) وغيره ، وهذا الحديث مُختلف فى رفعه ووقفه ، ورجح الدارقطني وقفه كما فى "العلل" (269/5).
وعليه فهذا الحديث ضعيف ولا يصح مرفوعاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم.