أيهما أعلى صوتاً ؟!


كانت والدتي رحمها الله تقص علينا ونحن أطفال، وكم كنا نستمتع بقصصها.. ومن القصص التي ما زالت عالقة بذهني ما حكته لنا ذات يوم أن رجلاً كان له زوجتان، وبينهما خصومة شديدة، وكانتا في منزلين يفصل بينهما فناء .. وكان لهما برنامج عصر كل يوم، إذ تقف كل منهما (قبالة) صاحبتها متحجبة، ثم تبدآن البث.. فتدخلان في مباراة من السباب لا ينهيهما إلا ارتفاع صوت المؤذن بأذان المغرب!

وفي ذات يوم طرق مسافر الباب على إحداهما بعد صلاة العصر، ولم يكن هناك مطاعم، ففتحت فترجاها أن يدفع لها ما معه من لحم وطحين ومستلزماتهما لتصنع له عشاء.. فاعتذرت منه بارتباطها بالبرنامج (اليومي)!!

فتبرع أن يقوم بالدور بعد أن تعطيه ثوباً من ثيابها وخماراً يختمر به!

وتم الاتفاق وتسلل إلى حيث كانت تجلس صاحبة المنزل..
ولم يطل الوقت حتى رأى الزوجة الثانية تأخذ مكانها وتبدأ البث..


لم يتعب نفسه بتقليد صوت المرأة .. فهو ربما أنفضح،
ومن جهة أخرى فهو يريد الاختصار.. ومن هنا تفتق ذهنه عن حيلة.. فإذا هو يقابل (موجات) الكلام الصاخبة من قبل الزوجة الثانية بحركة لم (يفتر) عنها.. كان يرفع يديه أمامها ويفرك أصبعين من أصابع كل يدٍ ببعضهما، وقد لزم الصمت..

بدأ صوت المرأة يرتفع ويرتفع.. وهو ملازم حركته.. خرجت المرأة عن طورها وكانت تطل من بين شرفتين من شرف الجدار الطيني.. فجمعت يديها حول أعلى الشرفة لتقلعه (وهو يمثل لبنه طينية)، وترمي بها صاحبتها، خاصة وقد بلغ بها الغيظ من حركة الرجل مبلغه.. لكنها مع ذلك التوتر لم تتوازن فـهـوت إلى الفناء!!

رجع صاحبنا.. ورأته صاحبة البيت .. واحتجت عليه كيف يقبل الانهزام بسرعة ويرجع.. لكنه فاجأها بالخبر!!




وحين أستذكر هذه القصة، أتساءل: كم أولئك الذين يجعلون عواطفهم (المشبوبة) تقودهم وهم يواجهون المواقف. فترتد تصرفاتهم عليهم، وتترك أثراً (سلبياً) كبيراً في نفوسهم.. وربما مر الناس دون أن يتوقفوا عندهم، أو يلقوا نظرة عليهم.


ترى هل نعطي الآخرين فرصة لاستفزازنا ... أم نجعل ذلك الاستفزاز (تمريناً) يبيّن لنا مستوى (فراملنا)، ومن ثم نظل نمارس (لصيانة) بصورة دورية ؟!!!


صيد الفوائد