تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل كل ما قاله الصحابى فى التفسير يأخُذ حُكم المرفوع؟

  1. #1

    افتراضي هل كل ما قاله الصحابى فى التفسير يأخُذ حُكم المرفوع؟

    بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا اما بعد :
    [أقوال الصحابة فى التفسير] :
    اختلف العُلماء فى أقوال الصحابة فى التفسير : أهى لها حُكم الرفع ، أم هى موقوفةُ عليهم ؟
    والمُحققون من العُلماء : كالحافظ الكبير ابن حجر . على أن اقوال الصحابة فى التفسير لها حُكم المرفوع الى النبى . بشرطين :
    الأول : أن يكون مما لا مجال للرأى فيه ، كأسباب النزول ، وأحوال القيامة ، واليوم الآخر ونحوها
    الثانى : ألا يكون الصحابى معروفًا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، أى غير معروف برواية الاسرائيليات
    وهذا الشرط الثانى . يدُل على بُعد نظر أئمة الحديث ونُقاده ، وأنهم لم تجُز عليهم هذه الاسرائيليات التى رويت عن بعض الصحابة الذين عُرفوا بالأخذ عن أهل الكتاب ،
    فقد علموا كذبها ، وعلموا أنها دخيلةُ على الرواية الاسلامية .
    وليس أدل على ذلك : من أن عبد الله بن عمرو بن العاص . قد شهد له أبو هريرة بأنه كان أكثر حديثًا منه لأنه كان قارئًا كاتبًا . رواه البخارى فى صحيحه ،
    ومع هذا : فقد جاءت مروياته أقل من مرويات أبى هريرة ، لأنه كانت وقعت له كتب من كتب أهل الكتاب فى موقعة اليرموك ، تبلغ حمل بعيرين ، فكان يُحدث ببعض ما فيها ،
    فمن ثم : تحاشى بعض الرواة الرواية عنه ، فكان هذا سبب من أسباب قلة مروياته عن أبى هريرة [1]
    يقول الشيخ العلامة المُحدث - محمد ناصر الدين الالبانى - رحمه الله :
    "وهُنا دقيقة لابد من لفت النظر اليها . ليس كل ما يروية او ما يقوله صحابى ، وكان مُتعلقًا بالامر الغيبى ، من الضرورى ان يكون فى حُكم المرفوع ، وانما لابُد من التفصيل
    ان كان هذا الامر الغيبى الذى تحدث به الصحابى ، مما يتعلق بشريعة الاسلام ، وبما انزل الله على قلب مُحمدٍ - عليه الصلاة والسلام - فهو فى حُكم المرفوع .
    اما اذا كان ليس له علاقة بشريعة الاسلام ، انما له علاقة بما كان واقعًا من قديم الزمان ، فهُنا يحتمل ان يكون من الاسرائيليات ، اى ان يكون هذا الاثر مما تلقاه الصحابى عن بعض الذين اسلموا من اهل الكتاب . اذا ما دخل الاثر مثلُ هذا الاحتمال ، خرج عن قولنا ان له حُكم المرفوع ..
    وهذه المُلاحظه : لابُد لطُلاب العلم ان يُلاحظوها ، كفرق بين الاثر الذى يُمكن ان يكون فى حُكم المرفوع ، وبين الاثر الذى ليس من الضرورى ان يكون فى حُكم المرفوع ..
    هذا ما اردت بيانه " أ.ه من [2]

    " قول الصحابى عند أهل العلم - اذا صح السند اليه - له عدة احتمالات على وجه الاجمال :
    القسم الأول : قول الصحابى الذى لا يُقال مثله بالاجتهاد والرأى وانما سبيله الرواية فقط ، كأن يكون عن أمرٍ غيبى مثلًا .
    فهذا القول يُعتمد عليه ويكون له حُكم الرفع ، فهُنا احتمال قوى أنه من قول النبى ، والصحابة أحيانًا يروون السُنة بلفظها ومُسندة الى النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وأحيانًا بمعناها وغير مُسندة خاصةً اذا خرجت على سبيل الفتوى أو الجواب على سؤال .
    لكن يُستثنى من هذا اذا كان هُناك احتمال قوى أنه من الروايات الاسرائيليه المنقولة عن أهل الكتاب
    قال الشنقيطى :( فإن كان مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع ، كما تقرر في علم الحديث ، فيقدَّمُ على القياس ، ويُخَصُّ به النص , إن لم يُعْرَف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات ) . انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ) .
    فاذا كان الاحتمال القوى أنه من الأخبار المنقولة عن أهل الكتاب ، ففى هذه الحالة يكون له حكم الاخبار الاسرائيلية
    وحكمها كما بينه الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطى - رحمه الله تعالى - :
    (من المعلوم أن ما يروى عن بنى اسرائيل من الأخبار المعروفة بالاسرائيليات له ثلاث حالات : فى واحدة منها يجب تصديقة ، وهى ما اذا دل الكتاب أو السُنة الثابته على صدقه .
    وفى واحدة يجب تكذيبه ، وهى ما اذا دل القرآن والسُنة أيضًا على كذبه ، وفى الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ، وهى ما اذا لم يثبت فى كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه)
    أنتهى من اضواء البيان 4/238
    ومثال ذلك : حديث الفتون الذى رواه النسائى فى - السنن الكبرى 10/172-183 - عن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى (وفتناك فتونًا) ، وهو حديث طويل جدًا .
    قال بن كثير - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكره : (هكذا رواه الامام النسائى فى السُنن الكُبرى ، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن ابى حاتم فى تفسيريهما ، كلهم من حديث يزيد بن هارون به ، وهو موقوف من كلام بن عباس ، وليس فيه مرفوع الا قليل منه ، وكأنه تلقاه ابن عباس مما أُبيح نقله من الاسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم .
    وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزى يقول ذلك أيضًا ) أ.ه من تفسير ابن كثير 5/239 " أ.ه المقصود من موقع سؤال وجواب
    [خطورة رفع هذه الاسرائيليات الى النبى ]
    ولو أن هذه الاسرائيليات - ولاسيما المكذوب ، والباطل منها - وقف بها عند قائليها ، لكان الأمر مُحتملًا بعض الشئ ،
    ولكن لشناعة وكبر الاثم : أن بعض الزنادقة ، والوضاعين ، وضُعفاء الايمان ، قد رفعوا هذه الاسرائيليات الى المعصوم
    ، ونسبوها اليه صراحة وهُنا يكون الضرر الفاحش والجناية الكُبرى على الاسلام ، والتجنى الآثم على النبى ، فان نسبة الغلط ، أو الخطأ أو الكذب الى الراوى - أيًا كان - أهون بكثير من نسبة ذلك الى النبى
    وان ما اشتملت عليه بعض الاسرائيليات من الخُرافات ، والأباطيل ليصُد أى انسان مهما بلغ من التسامح فى هذا العصر ، الذى نعيش فيه عن الدخول فى الاسلام ، ويحمله على أن ينظُر اليه نظرة الشك ، والارتياب .
    ولهذا : ركز المُبشرون ، والمُستشرقون طعونهم فى الاسلام ، ونبيه على مثل هذه الاسرائيليات والموضوعات ، لأنهم وجدوا ما يُسعفهم على ما نصبوا أنفسهم له من الطعن فى الاسلام ، وارضاء لصليبيتهم التى رضعوها فى لُبان أمهاتهم .
    وهذه الأباطيل والخُرافات مهما بلغ اسنادها من السلامة من الطعن فيه ، لا نشك فى تبرئة ساحة النبى
    وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحىُ يوحى
    [الموقوف من الاسرائيليات على الصحابة والتابعين]
    ولو أن هذه الاسرائيليات جاءت مروية صراحةً عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه ، أو عبد الله بن سلام ، وأضرابهم ، لدلت بعزوها اليهم أنها مما حملوه ، وتلقوه عن كتبهم ، ورؤسائهم قبل اسلامهم ، ثم لم يزالوا يذكرونه بعد اسلامهم ، وأنها ليست مما تلقوه عن النبى أو الصحابة ، ولكانت تشير اليهم الى مصدرها ، ومن أين جاءت ،
    وأن الرواية الاسلامية بريئةً منها .
    ولكن بعض هذه الاسرائيليات - بل الكثير منها - جاء موقوفًا على الصحابة ، ومنسوبًا اليهم - رضى الله عنهم - فيظُن من لا يعلم حقيقة الأمور ، ومن ليس من أهل العلم بالحديث أنها مُتلقاة عن النبى
    ، لأنها من الأمور التى لا مجال للرأى فيها ، فلها حُكم المرفوع الى النبى ، وان لم تكُن مرفوعةً صراحة
    [تحوط دقيق للمُحدثين]
    وقد كان أئمة علم أصول الحديث ، والرواية ، أبعد نظرًا ، وآصل تفكيرًا ، وأوسع اطلاعًا ، وأدق فى تعقيدهم لقواعد النقد فى الرواية حينما قالوا :
    ان الموقوف على الصحابة يكون له حُكم المرفوع الى النبى بشرطين :
    1- ان يكون مما لا مجال للرأى فيه
    2- أن لا يكون راوية معروفًا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا وبرواية الاسرائيليات
    ومن ثم : يجد الباحث الحصيف المُنصف مخارج لهذه الروايات الموقوفة على الصحابة ، وهى فى نفسه مكذوبة وباطلة فهى :
    اما اسرائيليات ، أخذها بعض الصحابة الذين رووها ، عن أهل الكتاب الذين اسلموا ، ورووها ليُعلم مافيها من الغرائب والعجائب ، ولم يُنبهوا على كذبها وبُطلانها اعتمادًا على ظهور كذبها وبُطلانها ، ولعلهم نبهوا الى كذبها وعدم صحتها ، ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم ، واما ان تكون مدسوسة على الصحابة ، وضعها عليهم الزنادقة ، والمُلحدون كى يُظهروا الاسلام وحملته بهذا المظهر المُنتقد المُشين ، وأما ما يحتمل الصدق والكذب منها ، وليس فيه ما يصدم نقلًا صحيحًا ، او عقلًا سليمًا ، فذكروه لما فهموه من الاذن لهم فى روايتها من قوله (حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج) ، وهذا النوع أقل خطرًا من الأول ، الا انه لا فائدة تُذكر من الاشتغال به ، بل كان حجابًا لجمال القُرآن ، وتفسيره الصحيح .
    وكذلك جاء الكثير جدًا من هذه الاسرائيليات عن التابعين ، واحتمال أخذها عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، أكثر من احتمال أخذها عن الصحابة ، فمنشؤها فى الحقيقة هو ما ذكرت لك : وهى التوراة وشروحها ، والتلمود وحواشية ، وما تلقوه عن أحبارهم ، ورؤسائهم الذين افتروا ، وحرفوا وبدلوا ،
    ورواتها الأول : هم كعب الاحبار ، ووهب بن منبه - وأمثالهما - والنبى
    ، والصحابة - رضوان الله عليهم - بريئون من هذا
    ويجُوز ان يكون بعضها مما أُلصق بالتابعين ، ونُسب اليهم زورًا ولاسيما أن اسانيد مُعظمها لا تخلوا من ضعيفٍ أو مجهول ، أو مُتهم بالكذب أو الوضع ، أو معروفُ بالزندقة ، أو مغمور فى دينه وعقيدته .
    [بعض الاسرائيليات قد يصح السند اليها]
    ولعل قائلًا يقول : أما ما ذكرت من احتمال أن تكون هذه الرواية الاسرائيلية مُختلقة ، موضوعة على بعض الصحابة والتابعين ، فهو انما يتجه فى الروايات التى فى سندها ضعيف أو مجهول ، أو وضاع أو مُتهم بالكذب ، أو سئ الحفظ ، يُخلط بين المرويات ، ولا يُميز ، أو نحو ذلك ، ولكن بعض هذه الروايات حكم عليها بعضُ حُفاظ الحديث ، بأنها صحيحة السند أو حسنة السند ، أو اسنادها جيد ، أو ثابت ، ونحو ذلك ، فماذا تقول فيها ؟!
    والجواب : أنه لا مُنافاة بين كونها صحيحة السند ، أو حسنة السند أو ثابتة السند ، وبين كونها من اسرائيليات بنى اسرائيل ، وخُرافاتهم ، وأكاذيبهم فهى صحيحة السند الى ابن عباس ، أو عبد الله بن عمرو بن العاص ، أو الى مُجاهد ، أو عكرمة ، أو سعيد بن جُبير وغيرهم ، ولكنها ليست مُتلقاة من النبى ، لا بالذات ، ولا بالواسطة ولكنها مُتلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، فثبوتها الى من رويت عنه شئ ، وكونها مكذوبة فى نفسها ، أو باطلة ، أو خُرافة ، شئ أخر ،
    ومثل ذلك : الآراء والمذاهب الفاسدة اليوم ، فهى ثابتة عن أصحابها ، ومن آرائهم ولا شك ، ولكنها فى نفسها فكرةً باطلة ، أو مذهب فاسد
    [رواية الكذب ليس معناه أنه هو الذى اختلقة ]
    وأُحب ان أُنبه الى حقيقة . وهى : أنه ليس معنى أن هذه الاسرائيليات المكذوبات والباطلات مروية عن كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الله بن سلام ، وأمثالهم .
    انها من وضعهم ، واختلاقهم ، كما زعم ذلك بعض الناس اليوم ، وانما معنى ذلك :
    أنهم هم الذين رووها ، ونقلوها لبعض الصحابة والتابعين من كُتب أهل الكتاب ومعارفهم ، وليسوا هم الذين اختلقوها ، وانما اختلقها ، وافتجرها أسلافهم القُدماء .
    ولم يقُل أحد من أئمة الجرح والتعديل على حصافتهم ، وبُعد نظرهم :
    أن كعبًا ، ووهبًا ، وعبد الله بن سلام ، وتميم الدارى ، وأمثالهم كانوا وضاعين ، يتعمدون الكذب ، والاختلاق من عند انفسهم ،
    وانما الذى قالوه عنهم : أنهم كانوا هم الواسطة فى حمل ونقل معارف أهل الكتاب الى المُسلمين ، وأن البعض رواها عنهم ، فليس الذنب ذنبهم ، وانما الذنب ذنب من نقلها ، ورواها عنهم ، من غير بيان لكذبها وبُطلانها .
    [3]
    [أقسام الأخبار الاسرائيلية] :
    سبق بيان ان ما يروى عن أهل الكتاب على ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق . فذاك صحيح
    فالقرآن هو الكتاب المُهيمن ، والشاهد على الكُتب السماوية قبله. فما وافقه فهو حقُ وصدق ، وما خالفه فهو باطلُ وكذب
    وانزلنا اليك الكتاب بالحق مُصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومُهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله . ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق . لكُلٍ جعلنا منكُم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم اُمةً واحدة . ولكن ليبلوكم فيما ءاتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعًا . فيُنبئكم بما كُنتم فيه تختلفون وأن احكُم بينهم بما انزل الله . ولا تتبع أهواءهم . واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله اليك
    وهذا القسم صحيح . وفيما عندنا غُنية عنه ، ولكن يجوز ذكره ، وروايته للاستشهاد به ، ولاقامة الحُجة عليهم من كُتبهم ، وذلك مثل : ما ذُكر فى صاحب موسى
    - عليه السلام - وأنه الخضر ، فقد ورد فى الحديث الصحيح ، ومثل : ما يتعلق بالبشارة بالنبى ، وبرسالته . وأن التوحيد هو دين جميع الانبياء ، مما غفلوا عن تحريفه ، أو حرفوه ، ولكن بقى شُعاعُ منه يدُل على الحق
    وفى هذا القسم : ورد قوله ( بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على مُتعمدًا فليتبوأ مقعدهُ من النار)
    قال الحافظ فى (الفتح) : أى . لا ضيق عليكم فى الحديث عنهم ، لأنه كان تقدم منه - صلى الله عليه وسلم - الزجر عن الأخذ عنهم ، والنظر فى كُتبهم ، ثم حصل التوسع فى ذلك ، وكان النهى قبل وقوع استقرار الأحكام الاسلامية ، والقواعد الدينيه ، خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور وقع الأذن فى ذلك ، لما فى سماع الأخبار التى فى زمنهم من الاعتبار
    والقسم الثانى : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يُخالفه .
    وذلك مثل : ما ذكره فى قصص الانبياء ، من أخبارٍ تطعن فى عصمة الانبياء - عليهم الصلاة والسلام - كقصة يوسف ، وداود ، وسُليمان .
    ومثل : ما ذكروه فى توراتهم . من أن الذبيح اسحاق ، لا اسماعيل ، فهذا لا تجوز روايته ، الا مُقترنًا ببيان كذبه ، وأنه مما حرفوه وبدلوه ، قال تعالى :
    يُحرفون الكلم عن مواضعه
    والقسم الثالث : ما هو مسكوتُ عنه ، لا من هذا القبيل ، ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نُكذبه ، وتجوزُ حكايته لما تقدم من الاذن فى الرواية عنهم [4]
    وبخُصوص ما روى عن السلف من الاسرائيليات التى هى من القسم الثانى :
    تقدم انها اما رووها ليُعلم مافيها من الغرائب والعجائب ، ولم يُنبهوا على كذبها وبُطلانها اعتمادًا على ظهور كذبها وبُطلانها ، ولعلهم نبهوا الى كذبها وعدم صحتها ، ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم ، واما ان تكون مدسوسة على الصحابة ، وضعها عليهم الزنادقة ، والمُلحدون كى يُظهروا الاسلام وحملته بهذا المظهر المُنتقد المُشين ، وأما ما يحتمل الصدق والكذب منها ، وليس فيه ما يصدم نقلًا صحيحًا ، او عقلًا سليمًا ، فذكروه لما فهموه من الاذن لهم فى روايتها من قوله (حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج) [5]
    [الخاتمة والخُلاصة] :
    فى كُتب التفسير بالمأثور ، كثير من الروايات عن الصحابة والسلف .
    ولكن ليس كل ما روى عن الصحابى وصح اسناده يأخُذ حُكم المرفوع ، بل قد يكون فى حُكم الاسرائيليات اذا كان هُناك احتمال قوى انه أخذه عن أهل الكتاب الذين اسلموا .
    وسبق ذكر التفصيل فى ذلك : انه اذا كان ما رواه الصحابى فى (الغيبيات) ، مما يتعلق بشريعة الاسلام ، فهذا له حُكم المرفوع ..
    واما اذا لم يكُن يتعلق بشريعة الاسلام وانما بالاُمم السابقة ، فهُنا يُحتمل انه اخذه عن مسلمى اهل الكتاب ، فلا يكون له حُكم المرفوع
    واذا كان كذلك فلا يُحتج به . بل يُنظر هل وافق القُرآن والسُنة ام خالف . فان وافق فهو حق مقبول والا فباطلُ مردود .. (ولتراجع ما نقلته سابقًا عن العلامة الالبانى)
    يقول الشيخ - المنجد - : "والحاصل: أن المروي عن الصحابي ليس على درجة واحدة، وأنه إذا خالف النص، واحتمل أن يكون مأخوذا من أهل الكتاب ، فهو مردود."
    ولا سيما ما ذُكر عن قصص الانبياء المُتقدمون فى ذلك ، فان فيها اكاذيب وخُرافات واباطيل وافتراءات عليهُم مُناقضة لما قصه الله تعالى فى صريح القُرآن
    فاحذر اخى المُسلم / واخى طالب العلم .. من ان تقرأ شئ من كُتب التفسير ، وانت لا تستطيع ان تُميز بين الغث والثمين والباطل الواضح والحق المُبين . وتُصدق ذلك
    وقد قال شيخ الاسلام بن تيمية - الحافظ الناقد البصير - :
    "والنقولات في ذلك عن ابن عباس ضعيفة بل موضوعة .
    ولو قدر أنه قال ذلك فبعض ما يخبره هذا وعبد الله بن عمرو من الإسرائيليات كله مما سمعوه من أهل الكتاب ، فلا يجوز الاحتجاج به.
    والصاحب والتابع فقد ينقل عنهم ما لم يتبين له أنه كذب ، فإن تبين لغيره أنه كذب لم يجز نقله إلا على وجه التكذيب،
    كما قال كثير منهم: إن الذبيح إسحاق، ودلائل الكتاب والسنة وغير ذلك أنه إسماعيل، وأمثال ذلك.
    وكثير من السلف يروي أحاديث عن النبي - - إما مسندة وإما مرسلة، فإن كان لم يعلم أنها كذب فيجوز له روايتها، وإن كان غيره ممن علم أنها كذب لا يجوز له روايتها.
    وعامة ما ينقله سلفنا من الإسرائيليات إذا لم يكن عن نبينا - - فهو دون المراسيل عن نبينا - - بكثير؛ فإن أولئك النقلة من أهل الكتاب، والمدة طويلة، وقد علم الكذب فيهم والله أعلم."اهـ [6]
    ويوجد كثيرُ من الجُهال والمُتعالمين ، ممن يتكلم فى هذا الباب بغير علمٍ ، بل بمُجرد رأية وهواه ، ليُعطى حُكم المرفوع . لأشياء حكم أهل العلم بانها من الاسرائيليات ..
    بدون مُراعاة القواعد والاصول والضوابط التى ذكرها الُمحققون النُقاد من اهل الحديث
    وانا فقط كُل ما صنعته هو انى نقلت لك كلام الراسخون فى العلم . نسأل الله ان يجعلنا من المُقتدين بهم
    ولعلنا نُكمل الحديث فى هذا الموضوع الخطير فيما بعد - ان شاء الله تعالى - ..
    والله اعلم وصلى الله على مُحمدٍ واله وصحبه وسلم ..

    [1] انظر فتح البارئ ج1 ص167 - الاسرائيليات والموضوعات فى التفسير لمحمد بن شهبة ص 53 الى 54 - مذكرة فى أصول الفقة على روضة الناظر . للشنقيطى ص256
    [2]
    سلسلة الهُدى والنور الشريط 861 . الدقيقة : 32:20
    [3]
    الاسرائيليات والموضوعات فى كُتب التفسير ص94 الى 97
    [4]
    انظُر المواضع السابقة ص106 - ومقدمةً فى أصول التفسير لابن تيمية ص 100 ط. زرزور
    [5] ص 95
    [6] جامع المسائل لابن تيمية 5/259 لعزيز شمس .

  2. #2

    افتراضي رد: هل كل ما قاله الصحابى فى التفسير يأخُذ حُكم المرفوع؟

    [معنى الاسرائيليات والموضوعات]
    يقتضى منهج البحث التلحليلى أن نبين معانى هذه الكلمات ، حتى يكون القارئ على علمٍ بها فنقول :
    أ) الاسرائيليات :
    جمع اسرائيلية ، نسبةً الى بنى اسرائيل ، والنسبة فى مثل هذا تكون لعجز المُركب الاضافى لا لصدره ،
    واسرائيل . هو يعقوب أى : عبد الله ، وبنو اسرائيل . هم : أبناء يعقوب ، ومن تناسلوا منهم فيما بعد ، الى عهد موسى ومن جاء بعده من الأنبياء ، حتى عهد عيسى ، وحتى عهد نبينا محمد
    وقد عُرفوا - باليهود ، او بيهود ، من قديم الزمان ، أما من آمنوا بعيسى : فقد أصبحوا يُطلق عليهم اسم النصارى ، وأما من آمن بخاتم الأنبياء : فقد أصبح فى عداد المُسلمين ويعرفوا بمُسلمى أهل الكتاب (1)
    وقد أكثر الله من خطابهم ببنى اسرائيل فى القرآن الكريم تذكيرًا لهم بأبوة هذا النبى الصالح ، حتى يتأسوا به ، ويخلقوا باخلاقة ، ويتركوا ما كانوا عليه من نُكران نعم الله عليهم وعلى ابائهم ، وما كانوا يتصفون به من الجحود ، والغدر ، واللؤم ، والخيانة وكذلك ذكرهم الله - سبحانه - باسم اليهود فى غير ما آية .
    وأشهر كُتب اليهود هى : التوراة ، وقد ذكرها الله فى قوله تعالى : آلم الله لا اله الا هو الحى القيوم . نزل عليك الكتاب بالحق مُصدقًا لما بين يدية وأنزل التوراة والانجيل من قبلُ هُدى للناس . وأنزل الفُرقان وقال : انا انزلنا التوراة فيها هُدىً ونورُ يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شُهداء ..
    والمُراد بها التوراة التى نزلت من عند الله قبل التحريف والتبديل ، أما التوراة المُحرفة المُبدلة ، فهى بمعزلٍ عن كونها كُلها هداية ، وكونها نورًا ، ولاسيما بعد نزول القرآن الكريم ، الذى هو الشاهد والمُهيمن على الكُتب السماوية السابقة ، فما وافقة فهو حق ، وما خالفة فهو باطل .
    ومن كُتبهم أيضًا : الزبور وهو كتاب داود ، وأسفار الانبياء ، الذين جاؤوا بعد موسى - عليه وعليهم السلام - وتسمى التوراة وما اشتملت عليه من الأسفار الموسوية وغيرها (بالعهد القديم)
    وكان لليهود بجانب التوراة المكتوبة التلمود ، وهى التوراة الشفهية ، وهو مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ، ومدنية وشروح ، وتفاسر ، وتعاليم ، وروايات كانت تتناقل وتُدرس شفهيًا من حينٍ الى آخر .. وقد اتسع نطاق الدرس والتعليم فيه الى درجةٍ عظيمة جدًا ، حتى صار من الصعب حفظه فى الذاكرة ، ولأجل دوام المُطالعة ، والمُداولة ، وحفظًا للأقوال والنصوص ، والآراء الاصلية المُتعددة والترتيبات ، والعادات الحديثة ، وخوفًا من نسيانها وفُقدانها ، مع مرور الزمن ، وخُصوصًا وقت الاضطهادات ، والاضطرابات ، قد دونها الحاخامون بالكتابة سياجًا للتوراة ، وقُبلت كسُنة من سيدنا موسى - عليه السلام - (2)
    ومن التوراة وشروحها ، والأسفار وما اشتملت عليه ، والتلمود وشروحه ، والاساطير والخُرافات ، والأباطيل التى افتروها ، او تناقلوها عن غيرهم : كانت معارف اليهود وثقافتهم ، وهذه كلها كانت المنابع الأصلية للاسرائيليات التى زخرت بها بعض كتب التفسير ، والتاريخ والقصص والمواعظ ، وهذه المنابع ان كان فيها حق ، ففيها باطل كثير ، وان كان فيها صدق ، ففيها كذب صرُاح ، وان كان فيها سمين ففيها غث كثير ، فمن ثم انجر ذلك الى الاسرائيليات ، وقد يتوسع بعض الباحثين فى الاسرائيليات ، فيجعلها شاملة لما كان من معارف اليهود ، وما كان من معارف النصارى التى تدور حول الاناجيل وشروحها ، والرسل وسيرهم ، ونحو ذلك ، وانا سُميت اسرائيليات لأن الغالب والكثير منها انما هو من ثقافة بنى اسرائيل ، أو من كتبهم ومعارفهم ، أو من اساطيرهم وأباطيلهم (3)
    والحق : أن ما فى كتب التفسير من المسيحيات أو من النصرانيات هو شئ قليل بالنسبة الى مافيها من الاسرائيليات ، ولا يكاد يُذكر بجانبها ، وليس لها من الآثار السيئة ما للاسرائيليات ، اذ مُعظمها فى الأخلاق ، والمواعظ ، وتهذيب النفوس ، وترقيق القلوب ، .. وأما :
    ب) الموضوعات :
    فهى جمع موضوع ، اسم مفعول ، وهو فى اللغة مأخوذ من وضع الشئ يضعه وضعًا ، اذا احطه وأسقطه . أو من وضعت المرأة ولدها اذا ولدته (4)
    وأما فى اصطلاح ائمة الحديث . فالموضوع : هو الحديث المُختلق (5) المصنوع ، المكذوب على رسول الله أو على من بعده من الصحابة والتابعين ، ولكنه اذا اطلق ينصرف الى الموضوع على النبى - عليه السلام - أما الموضوع على غيره : فيُقيد ، فيُقال مثلًا : موضوع على ابن عباس ، أو على مُجاهد مثلًا .
    والمُناسبة بين المعنى اللُغوى والاصطلاحى ظاهرة ، أما على المعنى اللُغوى الأول : فلأنه مُنحط ساقط عن الاعتبار ، وأما على الثانى : فلما فيه من معنى التوليد ، والتسبب فى الوجود .
    والموضوع من حيث مادته ونصه نوعان :
    1- أن يضع الواضع كلامًا من عند نفسه ، ثم ينسبه الى النبى أو الى الصحابى ، أو التابعى
    2- أن يأخذ الواضع كلامًا لبعض الصحابة أو التابعين ، أو الحُكماء ، والصوفية ، أو ما يُروى فى الاسرائيليات ، فينسبه الى رسول الله ، ليروج وينال القبول .
    مثال ما هو من قول الصحابة : ما يُروى من حديث "أحبب حبيبك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما ، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما"
    فالصحيح أنه من قول سيدنا على - كرم الله وجهة - .
    ومثال ما هو من قول التابعين : حديث "كأنك بالدُنيا لم تكُن ، وبالآخرة لم تزل .." فهو من كلام عُمر بن عبد العزيز .
    ومثال ما هو من كلام الحُكماء : "المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء" فمن قول الحارث بن كلدة طبيب العرب
    وثال ما هو من كلام المُتصوفة : ما يُروى "كُنت كنزًا مخفيًا ، فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فعرفتهم بى فعرفونى"
    ومثال ما هو من الاسرائيليات : "ما وسعنى سمائى ولا أرضى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن"
    قال الامام بن تيمية : هو من الاسرائيليات ، وليس له أصلُ معروف عن النبى
    ومثل ذلك ما روى عن ابن عباس : "من أن عُمر الدنيا سبع آلاف سنة" فهو من الاسرائيليات
    وقد نُسب الى النبى والى الصحابة والتابعين كثير من الاسرائيليات فى بدء الخلق والمعاد وأخبار الامم الماضية ، والكونيات ، وقصص الأنبياء ،
    وسأذكر الكثير فيما بعد ، وبعضها من الخطورة على الدين بمكان
    (6)

    (1) أهل الكتاب يُطلقون على اليهود والنصارى ، ولكنهم فى مثل هذا يُراد بهم اليهود غالبًا لأنهم الذين كانوا يسكنون بالمدينة وما جاورها .
    ولأن الكُثرة الكاثرة من الاسرائيليات دخلت عن طريق اليهود .
    (2) من التلمود ص7 ، 8
    (3) التفسير والمُفسرون ج1 ص165
    (4) انظر القاموس والمصباح المُنير مادة (وضع)
    (5) الاختلاق أعم من أن يكون ابتدع كلامًا لم يُسبق اليه ، أو أخذ كلام الغير ثم نسبه الى النبى فيكون الاختلاق فى نسبته اليه
    (6) أ.ه من الاسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير ص12-16

  3. #3

    افتراضي رد: هل كل ما قاله الصحابى فى التفسير يأخُذ حُكم المرفوع؟

    نتابع باذن الله ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •