السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا تخريج للأثر المروى عن إمام المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله عنه (أَشَدُّ خَلْقِ رَبِّكَ عَشَرَةٌ: الْجِبَالُ، وَالْحَدِيدُ يَنْحَتُ الْجِبَالَ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الْحَدِيدَ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ، وَالسَّحَابُ الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَحْمِلُ الْمَاءَ، وَالرِّيحُ تُقِلُّ السَّحَابَ، وَالْإِنْسَانُ يَتَّقِي الرِّيحَ بِيَدِهِ، وَيَذْهَبُ فِيهَا لِحَاجَتِهِ، وَالسُّكْرُ يَغْلِبُ الْإِنْسَانَ، وَالنَّوْمُ يَغْلِبُ السُّكْرَ، وَالْهَمُّ يَمْنَعُ النَّوْمَ، فَأَشَدُّ خَلْقِ رَبِّكَ الْهَمُّ)
أخرجه الطبراني فى "الأوسط" (901) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا سَعِيدٌ قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ به.
قال الهيثمي فى "مجمع الزوائد" (132/8): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وجوّد إسناده السيوطي فى "الهيئة السنية" (ص86).
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني فى "الطب النبوي" (227) من طريق الطبراني ولكن مختصراً بلفظ: النوم يغلب السكر والهم يمنع النوم فأشد خلق ربك الهم.
قلت: فى إسناده زكريا بن أبى زائدة ثقة ولكنه كان يدلس عن الشعبي ذكر ذلك الإمام أحمد ، وأبو داود , وأبو زرعة , أبو حاتم , وابن أبي حاتم ,والعلائي , والذهبي , وابن حجر. وفيه الحارث بن عبد الله الأعور قال الحافظ ابن حجر فى "التقريب": صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف. ، وقال الذهبي فى "الكاشف": لين قال النسائي وغيره ليس بالقوي.
وأخرجه الدينوري فى "المجالسة وجواهر العلم" (2591) ومن طريقه ابن عساكر فى "تاريخ دمشق" (400/42) قال: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا زَكَرِيَّا؛ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا [الشعبي] يَقُولُ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا: أَيُّ الْخَلْقِ أَشَدُّ؟ قَالَ: أَشَدُّ خَلْقِ رَبِّكَ عشرة...
قلت: في إسناده زكريا بن يحيى الكندي قال ابن معين: ليس بشئ.
وأخرجه الحكيم الترمذي فى "نوادر الأصول" (1426) قال: حدثنا الجارود بن معاذ، قال: نا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن علي -كرم الله وجهه-: أنه قال -عندما بلغ ذكر خلق الإنسان - قال: ((ثم خلق الإنسان يغلب الريح يتقيها بيده، ثم خلق النوم يغلب الإنسان، ثم خلق الهم يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهم)).
وأخرجه القالي فى "أماليه" (174/2) قال: قرأنا على أبي الحسن، قال: قال أبو محلم: حدثني وكيع بن الجراح وأبو نعيم قالا: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نحوه.
قلت: أبو محلم هو محمد بن هشام بن عون التّميميّ السَّعديّ اللُّغَويّ ترجمه الذهبي فى "تاريخ الإسلام" (1249/5) وقال: ((أحد أئّمة العربيّة....ودخل البادية فِي طلب لسان العرب، وبقي بها مدة، وكتب الكثير من خطابهم ولغاتهم، وكان يُنظْر بابن الأعرابيّ)) ، وقال فى "الميزان": ((وقال أبو أحمد العسكري:كان عالما باللغة والعربية والشعر وأيام الناس وأصله من الأهواز ورحل في الحديث مرارا إلى مكة والبصرة والكوفة، وَغيرها.)) وجاء فى "إنباه الرواه" (173/4) ما يدل على حفظه حيث قال: ((قال: مؤرّج: كان أحفظ الناس، استعار منى جزءا وردّه من الغد ، وقد حفظه في ليلة، وكان مقداره خمسين ورقة.)) قلت: فالظاهر أنه عالم حافظ.
وأخرجه ابن منده فى "التوحيد" (61) معلقاً من قول على بن أبي طالب وقال: رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قلت: سماع الشعبي من علي مُختلف فيه والراجح ثبوته ، قال العلائي فى "جامع التحصيل" (ص204): ((عامر بن شراحيل الشعبي أحد الأئمة روى عن علي رضي الله عنه وذلك في صحيح البخاري وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء كما تقدم وعن طائفة كثيرة من الصحابة لقيهم وأرسل عن عمر وطلحة بن عبيد الله وابن مسعود وعائشة وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم)) انتهى. ، وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني عند كلامه حول أحد الأحاديث فى "جنة المرتاب" (243): ((سنده حسن إن ثبت سماع الشعبي من عليّ. قال الحاكم: "لم يسمع الشعبيُّ من عليّ، وإنما رآه رؤية". وقال الدارقطني في "العلل": لم يسمع من عليٍّ إلا حرفًا واحدًا ما سمع غيره. قال الحافظ: "كأنه عني ما: أخرجه البخاري في الرجم عنه، عن عليٍّ، حين رجم المرأة. قال: رجمتها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " اهـ. قُلْتُ: ولا أعرف الشعبي بتدليس. قال ابن معين: إذا حدث عن رجل فسماه، فهو ثقة يحتج بحديثه. ولا يؤخذ من عبارته أنه يتهمه بتدليس، فضلًا عن ثبوته عليه. وإدراكه لعليٍّ منصوصٌ عليه، فما المانع من سماعه منه. والدارقطني على جلالته في الفن وتقدمه لم يُحط بكل شيءٍ علمًا. والله أعلم.)) انتهى.
والحاصل أنه اُختلف على زكريا بن أبي زائدة فى هذا الحديث فرواه عنه ابنه يحي عن الشعبي عن الحارث عن علي ، ورواه كل من أبو نعيم الفضل بن دكين و وكيع بن الجراح عنه عن الشعبي عن علي بدون ذكر الحارث. وجميعهم أئمة حفاظ ثقات أثبات ، وربما يكون الراجح رواية الجماعة (وكيع وأبو نعيم) حيث يُستبعد إجتماعهما على الخطأ ، ويُمكن أن يقال أن يحيى بن زكريا أعلم بحديث أبيه فالله أعلم. وتبقى فى جميع الحالات علة تدليس زكريا بن أبي زائدة حيث ذكره غير واحد من العلماء بالتدليس عن الشعبي كما تقدم. وعليه فالأثر ضعيف.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك أخرجه الترمذي (3369) وأحمد (12253) من طريق يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا العَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ الجِبَالَ، فَقَالَ بِهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ، فَعَجِبَتِ المَلَائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الجِبَالِ. قَالُوا: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمُ الحَدِيدُ. قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمُ النَّارُ. فَقَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمُ المَاءُ. قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ المَاءِ؟ قَالَ: نَعَمُ الرِّيحُ. قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ ابْنُ آدَمَ، تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ "
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. قلت: فى إسناده سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مجهول فالإسناد ضعيف.
وله شاهد اخر من حديث زيد بن أسلم مرسلاً أخرجه عبد الرزاق فى "التفسير" (1482) من طريق مَعْمَرٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ , قَالَ: " لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقًا إِلَّا وَقَدْ خَلَقَ مَا يَغْلِبُهُ: خَلَقَ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ , وَخَلَقَ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا تُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ , وَخَلَقَ الْأَرْضَ فَتَزَحْزَحَتْ , وَقَالَتْ: مَا يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَوَتَّدَهَا , فَقَالَتِ الْجِبَالُ: غَلَبْتُ الْأَرْضَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخَلَقَ الْحَدِيدَ: فَقَالَ الْحَدِيدُ: غَلَبْتُ الْجِبَالَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخُلِقَتِ النَّارُ , فَقَالَتِ النَّارُ: غَلَبْتُ الْحَدِيدَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخُلِقَ الْمَاءُ فَقَالَ الْمَاءُ: غَلَبْتُ النَّارَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخُلِقَتِ الرِّيحُ تَرُدُّهُ فِي السَّحَابِ , فَقَالَتِ الرِّيحُ: غَلَبْتُ الْمَاءَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخُلِقَ الْإِنْسَانُ يَبْنِي الْبِنَاءَ الَّذِي لَا يَنْفُذُهُ رِيحٌ , فَقَالَ ابْنُ آدَمَ: غَلَبْتُ الرِّيحَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَخُلِقَ الْمَوْتُ , فَقَالَ الْمَوْتُ: غَلَبْتُ ابْنَ آدَمَ فَمَا يَغْلِبُنِي؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْلِبُكَ "
وهذه الشواهد - مع ضعفها- فيها إختلاف فى اللفظ كما هو واضح فيبقي الأثر ضعيفاً ، والله أعلم بالصواب.