كان عبدا أسود اللون لامرأة من أهل مكة


أحمد قوشتي عبد الرحيم


لم تكن دمامة الشكل ، أو عيوب البدن ، أو لون البشرة ، أو نسب الشخص ، أو أنه كان عبدا في الأصل ، مانعة من التعلم في المجتمع المسلم ، أو تولي أرفع المناصب كالإفتاء والقضاء وإمامة الناس، طالما حصل صاحبها علما وأهلية لتولي منصبه هذا .
وفي صحيح مسلم «أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعسفان ، وكان عمر رضي الله عنه استعمله على مكة ، فقال له عمر رضي الله عنه : من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال : استخلفت عليهم ابن أبزى ، قال : وما ابن أبزى ؟ فقال : رجل من موالينا ، فقال عمر رضي الله عنه : استخلفت عليهم مولى ؟ فقال : إنه قارئ لكتاب الله ، عالم بالفرائض ، قاض ، فقال عمر رضي الله عنه» : « أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ، ويضع به آخرين» "
والتابعي الجليل عطاء بن أبي رباح- رحمه الله - كان عبدا أسود اللون لامرأة من أهل مكة ، وكان أنفه كأنه باقلاة ، وقد جاءه الخليفة وقتها سليمان بن عبد الملك ومعه ابناه ، فجلسوا إلى عطاء وهو يصلي ، فلما صلى انفتل إليهم ، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج ، وقد حول قفاه إليهم .
فلما فرغا قال سليمان لابنيه: «قوما» ، فقاما ، فقال: «يا بني لا تنيا في طلب العلم , فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود "
( الخطيب البغدادي : الفقيه والمتفقه 1 / 140 )

وقد حكي أيضا عن محمد بن عبد الرحمن الأوقص أن عنقه كان داخلا في يده ، وكان منكباه خارجين كأنهما زجان - والزج هو الحديدة في أسفل الرمح - فقالت له أمه :
يا بني : لا تكون في قوم إلا كنت المضحوك منه ، المسخور به ، فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك ، فطلب العلم ، وولي قضاء مكة عشرين سنة ، فكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم " ( ابن عساكر : تاريخ دمشق 54 / 106 )