ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا


أحمد قوشتي عبد الرحيم




هذا المعنى الوارد في بعض أدعية النبي صلى الله عليه وسلم معنى عجيب ، يستحق التأمل ، وطول الوقوف عنده ، لا سيما لكل مكروب أو محزون ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت "
وكل إنسان يحب نفسه أشد الحب ، ويحرص على مصلحتها أشد الحرص ، وكل سعيه إنما هو في تحصيل ما يظنه خيرا لنفسه ، ودفع كل ضر عنها ، وشعار غالب الناس : نفسي نفسي ، ولابد من الثقة بالنفس ، والاعتماد عليها ، وفي أهوال القيامة سوف يفر المرء من كل عزيز وحبيب ، أبا كان أو أما ، وزوجا كان أو ولدا ، ولن يفكر إلا في شأنه .
ومع ذلك كله :-
فلو وكل الإنسان إلى نفسه - ليس سنة أو سنوات ، بل طرفة عين - وتولى تدبير أمره ، دون عون من الله وتوفيق ، لهلك وخاب سعيه ، وأتاه الخذلان من حيث ظن الفلاح ، وحل عليه الخسران من حيث ظن الربح .
ولو تفطن ابن آدم ، لعلم أن أمره كله بيد الله ، وناصيته ونفسه بيده سبحانه " وقلبه بين أصبعين من أصابعه ، يقلبه كيف يشاء ، وحياته بيده ، وموته بيده ، وسعادته بيده وشقاوته بيده ، وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بإذنه ومشيئته ، فلا يتحرك إلا بإذنه ولا يفعل إلا بمشيئته .
- إن وكله إلى نفسه ، وكله إلى عجز وضيعة ، وتفريط وذنب وخطيئة .

- وإن وكله إلى غيره ، وكله إلى من لا يملك له ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .
- وإن تخلى عنه ، استولى عليه عدوه ، وجعله أسيرا له .
فهو لا غنى له عنه طرفة عين ، بل هو مضطر إليه على مدى الأنفاس ، في كل ذرة من ذراته باطنا وظاهرا " الفوائد لابن القيم ص 56