هل حث الإمام الشافعي الفقراء على عدم كثرة الإنجاب ؟
قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)
هذه الآية فسر الإمام الشافعي فيها قوله ( ألا تعولوا ) بألا يكثر من تعولون فأخذ من ذلك بعض الناس أنه يحث على قلة الإنجاب لئلا يفتقر الناس
وهذا تعسف حمل عليه التعطش لحمل كلام الفقهاء على قناعات عصرية لها مبادئها الفلسفية التي لا علاقة للإسلام بها ولو كان هذا التفسير سليماً أكان قوله ( أو ما ملكت أيمانكم ) عاضداً لهذا المعنى فملك اليمين ينجب منها الإنسان ويجوز أن يعدد منها فلو كان المقصود الحث على قلة الإنجاب ما قال ( أو ما ملكت أيمانكم )
فهل خفي هذا على الشافعي أم أنهم فهموا كلامه غلطاً ؟
الجواب : الشافعي أجل من أن يخفى عليه مثل هذا الواضح والشافعي لم يعرض نهائياً لذكر الأولاد فالأية في الزوجات والأولاد إنما يأتي ذكرهم تبعاً والآية أصلاً تخاطب الجميع الأغنياء والفقراء والشافعي رأى أنها تخاطب الأحرار دون العبيد
قصد الشافعي بتفسيره ( ألا تعولوا ) أي يكثر من تعولون يعني من النساء فلا يمكنكم العدل فالآية يخاطب فيها من رأى من نفسه بعداً عن العدل الواجب المقدور فيحث على الواحدة لئلا يكثر من يعول من النساء ويجور عليهن وقد استدل الشافعي بهذه الآية على أن الرجال ينفقون على النساء ( وتلاحظ هذا معنى يشترك فيه الغني والفقير )
وهذا التوجيه ذهب إليه نظام الدين القمي في غرائب التفسير ولننظر في كلام الشافعي في استحباب النكاح في الأم فهو واضح في أن الشافعي لا يريد المعنى الذي يذكره بعض الناس عنه
(قال الشافعي) : - رحمه الله - إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع قال {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف: 189] وقال الله عز وجل {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} [النحل: 72] وقيل إن الحفدة الأصهار وقال عز وجل {فجعله نسبا وصهرا} [الفرقان: 54] فبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط» وبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح» وبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار» ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده (قال) : وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32] أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك
أقول : تأمل ما ذكره من الأدلة على استحباب النكاح فذكر أن النكاح مقصود للإنجاب فذكر حديث ( تناكحوا تكثروا ) وذكر ( من مات له ثلاثة أولاد لم تمسه النار ) وهذا يقتضي استحباب إنجاب هذا العدد أو ما يزيد عليه ليتعرض المرء للفضيلة ونظيره خبر ( من عال ثلاث بنات )
ثم تأمل الفارقة حين ذكر قول عمر : ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد قوله تعالى ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) فهذا صريح في أنه يدفع أن يكون الفقر سبباً في ترك أصل النكاح فضلاً عما يتفرع عنه من الإنجاب قل أو كثر لأن الرزق بيد الله عز وجل بل النكاح والإنجاب من أسباب الرزق لدلالة الآية التي ذكرها ودلالة قوله تعالى : ( نحن نرزقكم وإياهم ) فالذي نهى عنه الشافعي متعلق بفعل الإنسان التكليفي عدلاً وجوراً وأما أمر الاكتساب فهذا عند الشافعي لا يؤثر وهذا واضح من البنية الاستدلالية التي اعتمدها
واليوم في ظل المجتمع الفرداني والثقافة الرأسمالية يترك الفقير لوحده وتضعف التكافلية ثم يفرض عليه مثل هذه التقليعات لا تنجب كثيراً وهكذا ، كما أنهم في سياق المرأة يخرجونها من سياق الأسرة ولزوم إعالتها على أوليائها فإن لم يوجد فالدولة وبعد أن يقوموا بذلك يقترحون تشريعات خاصة للتلاعب في أمر النفقات بما يشجع على تطويل مدة الطلاق والانفصال ويحدث أموراً فهم يفرضون سلوكيات تخالف الشريعة ثم بدلاً من إصلاحها يقترحون تحريف الشريعة لتدارك الأمر ! وبقي أن يقال أن تفسير الشافعي خالفه جمهور المفسرين فيه

كتبه / عبدالله الخليفي