( 3 ) العالم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن ارتكبه
تفسير ابن كثير ( ج1/ ص 250 )
حدثني علي بن الحسن، حدثنا مسلم الجرمي، حدثنا مخلد بن الحسين، عن أيوب السختياني،عن أبي قلابة في قول الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا.
والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم (4) في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف [معروف] (5) وهو واجب على العالم، ولكن [الواجب و] (6) الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب،عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88] . فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، [قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت] (7) ولكنه -والحالة هذه-مذموم على ترك (8) الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك