إن قصة الغلام مع الملك الكافر من أوضح القصص في تمكين الله تعالى للدعاة في تبليغ رسالتهم وأداء أمانتهم.

القصّة على رواية مسلم، مع زيادات و إضافات توضيحية لما يقتضيه السياق من الروايات الصحيحة.

كَانَ مَلِكٌ [مِنَ الْمُلُوكِ][1] فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكانَ لَهُ سَاحِرٌ،
فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، [وَحَضَرَ أَجَلِي][2]، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا [فَهِمًا - أَوْ قَالَ: فَطِنًا - لَقِنًا][3] أُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، [فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ، فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ][4].
فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا [له][5] [عَلَى مَا وَصَفَ][6]يُعَلِّمُهُ [وَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ][7].
فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ [بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ][8] رَاهِبٌ [في صومعة][9]؛
فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ وَأَعْجَبَهُ [نَحْوُهُ وَكَلَامُهُ][10].
[فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ [عَنْ دِينِهِ][11] حَتَّى أَخْبَرهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللهَ][12].
فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ،
فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، [وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟][13] ؛
[وَإِذَا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ السَّاحِرِ قَعَدَ إِلَى الرَّاهِبِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ [فَيُبْطِئُ][14]][15] [فَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ،][16] [وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ؟][17].
فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ [لَهُ][18]:
[أَيْ بُنَيْ][19]إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ [أَنْ يَضْرِبَكَ][20]فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي،
وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ [أَنْ يَضْرِبُوكَ][21]فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ.
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى [جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَثِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ][22]دَابَّة [فَظِيعَة][23]عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسْتِ النَّاسَ [فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا][24][فقال بعضهم: إنّ تلك الدابّة كانت أسد][25]؛
فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ: آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ ؟
فَأَخَذَ حَجَرًا ثُمَّ قَالَ: [ ][26] اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ [وَأَرْضَى لَكَ][27]مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، [وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الْكَاهِنُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا أَقْتُلَهَا][28]؛
فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ.
[فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَامُ. فَفَزِعَ النَّاسُ [إِلَيْهِ][29]، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ][30].
فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ؛ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي؛
قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ؛
وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ.
وَكَانَ الْغُلَامُ يُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ[وَيُشْفِيهِمْ][31].
فَسَمِعَ به جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ -كَانَ قَدْ عَمِيَ-؛
فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ:
مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي.
قَالَ: [لَا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا][32] إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ.
فإن أنتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ؛ دَعَوْتُ اللَّهَ؛ فَشَفَاكَ.
فَآمَنَ بِاللَّهِ؛ [فَدَعَا اللهَ لَهُ][33]فَشَفَاهُ اللَّهُ.
فَأَتَى الْمَلِكَ [يَمْشِي][34] فَجَلِسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ؛
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: [فُلَانُ!][35] [أليس كنت أعمى ؟ قال: نعم ؛ قال: فـ][36] مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟
قَالَ: رَبِّي.
[قَالَ: أَنَا؟!
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ][37].
قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
قَالَ: [نعم؛][38] رَبِّي وَرَبُّكَ [وَاحِدٌ][39] الله.
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبْهُ [فَقَالَ: لَتَدُلَّنَّنِي عَلَى مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا][40]حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ.
فَجِيءَ بِالْغُلَامِ؛ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:
أَيْ بُنَيَّ؛ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ؟
قَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ [وَحْدَهُ][41].
[قَالَ: أَنَا؟
قَالَ: لَا][42]، [وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ وَاحِدٌ][43]
[قَالَ: أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
قَالَ: نَعَمْ؛][44] [رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ][45] [وَاحِدٌ][46]
فَأَخَذَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبْهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ.
فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ [فَأَخَذَهُ بِالْعَذَابِ][47]، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ؛ فَأَبِى.
[فَقَالَ الْمَلِكُ: لَأَقْتُلَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنْكِمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ][48].
فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ؛ فشُقَّ بِهِ، حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ [فِي الْأَرْضِ][49].
[ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ:
ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ [أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ][50]!
فَأَبِى.
فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ [إلى الأرض][51]][52].
ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ؛ فَقِيلَ لَهُ:
ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ [أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ][53]فَأَبِى!
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ؛ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ [مِنْ رَأْسِهِ][54]!
فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ؛ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ !
فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا [أَجْمَعُونَ][55][حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْغُلَامُ][56]؛ وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ!
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ:
اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، [فَلَجِّجُوا بِهِ،][57] فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ!
فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ !
فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فغَرِقُوا [أَجْمَعُونَ][58]؛
وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ؛
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ: [دَعَوْتُ اللهَ][59]كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
[قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ][60].
فَقَالَ لِلْمَلِكِ: [وَاللهِ][61]إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ !
[فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي][62]، [وَإِلَّا فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي][63]،
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كنانتي[64]، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي؛
فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي!
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ ؛
فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ[65]، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ؛ فَمَاتَ[رحمه الله][66]!
فَقَالَ النَّاسُ: [لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ][67]؛ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !
فأُتي الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ:
أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ –وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ؛ قَدْ آمَنَ النَّاسُ [كُلُّهُمْ][68]!
[فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ][69]
فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فخُدَّتْ [(و)أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ][70]وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ؛
وَقَالَ: [مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ، وَ][71]مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فيها!
أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ!
فَفَعَلُوا، [فَجَعَلُوا يَتَقَحَّمُونَ[72] فِي النَّارِ][73]، [فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ[74] فِيهَا وَيَتَدَافَعُون َ][75]؛
حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا [تُرْضِعُهُ][76]،
[فَلَمَّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ، فَنَكَصَتْ][77]؛
فَـ[كَأَنَّهَا][78]تَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا؛
فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ؛ اصبِرِي، فإنَّكِ على الحقِّ.
[1]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [2]أحمد، النسائي، الطبري، البيهقي. [3]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [4]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [5]البزّار، الطبراني1. [6]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [7]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [8]أحمد، ابن أبي شيبة، البيهقي. [9]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [10]أحمد، النسائي، البزّار. [11]الطبراني1. [12]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [13]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، الطبري، البيهقي، الطبراني2. [14]البزّار، البيهقي. [15]ابن حبّان، البزّار، الطبري، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2. [16]أحمد، النسائي، ابن حبّان، البزّار، الطبري، البيهقي، الطبراني2. [17]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، الطبري، البيهقي، الطبراني2. [18]ابن حبّان. [19]ابن أبي شيبة. [20]أحمد، البيهقي. [21]أحمد، البيهقي. [22]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [23]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة [24]أحمد، النسائي. [25]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [26] زاد الطبراني في روايته عن عبد الرزّاق في هذا الموضوع: بسم الله، ولم يطمئنّ القلب لهذه الزيادة. [27]أحمد، النسائي. [28]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [29]الطبراني1، البيهقي. [30]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [31]أحمد، النسائي، البيهقي. [32]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [33]أحمد، النسائي، البزّار، الطبري، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني1، الطبراني2. [34]ابن حبّان. [35]أحمد، النسائي ، ابن حبّان. [36]الطبري. [37]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البيهقي. [38]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، الطبري، البيهقي. [39]ابن حبّان. [40]الطبري. [41]ابن أبي عاصم. [42] أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة. [43]ابن أبي شيبة. [44]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي، الطبراني2. [45]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، البيهقي، الطبراني2. [46]ابن أبي شيبة. [47]الطبراني2. [48]الترمذي، الطبراني1، البيهقي. [49]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي. [50]الطبري. [51]النسائي، البيهقي. [52]النسائي، ابن حبّان، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2. [53]الطبري. [54]الترمذي، الطبراني1. [55]أحمد، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2. [56]الترمذي، الطبراني1. [57]ابن حبّان. [58]أحمد، البزّار، البيهقي، الطبراني2. [59]الطبري. [60]الطبري. [61]ابن أبي شيبة. [62]أحم



(في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان, وأن هذا الإيمان الذي بلغ تلك الذروة العالية في نفوس الفئة الخيرية الكريمة الثابتة المستعلية، لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان.

في حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة أليمة.
ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيئًا آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى.
إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام, ومن متاع وحرمان، ليست هي القيمة الكبرى في الميزان، وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصورًا على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة.
إن الناس جميعًا يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس لا ينتصرون - جميعًا - هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق، إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده، تشارك الناس في الموت، وتنفرد دون كثير من الناس في [ اسباب هذا الموت]، - إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم يخسرون أنفسهم، وكم كانت البشرية كلها تخسر، كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرّية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح، بعد سيطرتهم على الأجساد.

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" [البروج: 8].
حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله، في كل أرض، وفي كل جيل.

إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة، وليست شيئًا آخر على الإطلاق, وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة.

إن المتأمل في قصة الغلام يجد أن الغلام [انتصر بإيمانه وعقيدته ومنهجه], وكذلك الراهب الذي ثبت من أجل أن [يظهر دين الله] في مقابل أن تزهق روحه، أما الأعمى فقد انتصر مرتين، انتصر عندما تخلى عن مكانته عند الملك مع ما في ذلك من جاه ومكانة، وانتصر عندما تخلى عن حياته في مقابل[ إيمانه بالله].

إن الراهب والأعمى قد خلّدا لنا معاني عظيمة من معاني الانتصار الحقيقي، بعيدًا عن التأويل والتبرير الذي يغطي فيه كثير من الناس ضعفهم وخورهم بستار يوهمون فيه الآخرين أنهم فعلوا ذلك من أجل الدين.
لقد كان الغلام [حكيما], حين سنحت له فرصة عظيمة في تبليغ رسالة ربه، اغتنمها وحقق معاني عظيمة في مفهوم النصر والتمكين.

لقد انتصر الغلام بما منَّ الله عليه من الحكمة والادراك لأقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته، وإخراج أمته من الضلال إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان, وانتصر عندما وفق لاتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب، متخطيًا جميع العقبات، ومستعليًا على الشهوات وحظوظ النفس ومتاع الحياة الدنيا، وانتصر على هذا الملك المتجبر المتغطرس، الذي أعمى الله قلبه، فأخرب ملكه بيده، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

إن الغلام كان حكيما عندما خطط لإهلاك الملك الكافر وعندما رسم طريقه لنيل الشهادة في سبيل الله.

لقد كان الانتصار العظيم في المعركة بين الكفر والإيمان لصالح موكب التوحيد، لقد استشهد فرد وحيت بسببه أمة فآمنت برب الغلام.

إن دقة التخطيط وبراعة التنفيذ، وسلامة التقدير، نجاح باهر، وفوز ظاهر.
لقد انتصر الغلام عندما جعله الله قدوة لمن بعده، وأبقى له ذكرًا حسنًا على لسان المؤمنين، حيث جعل الله له لسان صدق في الآخرين، لقد كانت انتصارات متلاحقة ووصلت إلى ذروتها عندما آمن الناس برب الغلام, آمنوا بالله وحده وكفروا بالطاغوت، وهنالك جن جنون الملك، فقد صوابه، فاستخدم كل ما يملك من وسائل الإرهاب والتخويف، في محاولة يائسة، للإبقاء على هيبته وسلطانه وتعبيد الناس له.

ثم يحفر أخاديده، ويوقد نيرانه، ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء المؤمنين في النار، وتأتي المفاجأة المذهلة، بدل أن يضعف من يضعف، ويهرب من يهرب, إذا نجد الإقدام وطلب الاستشهاد ففى سبيل الله، وذلك بالتدافع إلى النار ولا غريب، لأن الإيمان بث في نفوسهم الشجاعة، والثبات, وها هم يجدّون في اللحاق بالغلام، وكأنهم يتلذذون في تقديم أرواحهم فداءً لعقيدتهم ودينهم.

إن الإيمان الحقيقي يصنع بالأمم الغرائب, ويبدد الظلام الطويل الذي عاشوه، والسنوات المديدة التي استعبدهم فيها الطغاة، ومع قصر المدة التي قد يأتي فيها الإيمان إلى النفوس إلا أنه كفيل بتعريف الناس بحقيقة المنهج الرباني كما نرى في هذه الأمة السعيدة التي آمنت برب الغلام، وكأنهم عرفوا المنهج وعاشوا فيه كما عاش الراهب طوال عمره، أو تربوا عليه كما تربي الغلام في صباه.
إن حقيقة الإيمان عندما تخالط بشاشة القلوب، وتلامس الأرواح تفعل العجب.
لقد كان انتصار الناس الذين آمنوا برب الغلام انتصارًا جماعيًا مباركًا يدل على صفاء العقيدة، ووضوح المنهج، وسلامة الطريق، وفهم لحقيقة الانتصار.
إننا لا نجد في القرآن ولا في السُّنَّة أي ذكر لهؤلاء الظلمة، وماذا كان مصيرهم في الدنيا, ولله في ذلك حكمة قد تخفى علينا .. نعم وردت آية في آخر قصتهم فيها دعوة لهم وتحذير: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" [البروج: 10].

قال الحسن البصري ([4]): «انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة».

أن هذه النهاية تحقق معنى من معاني الانتصار، مَنْ المنتصر؟ الذي نصر عقيدته ودين ربه، وحُرّق بضع دقائق، ثم انتقل إلى جنات النعيم، أو ذلك الذي تمتع بأيام في الحياة الدنيا ثم مآله - إن لم يتب - إلى عذاب جهنم وعذاب الحريق؟
هل هناك مقارنة بين الحريق الأول، والحريق الثاني.. حريق الدنيا وحريق الآخرة؟ إنها نقلة بعيدة، وبون شاسع، أما المؤمنون الذين حُرّقوا في الدنيا، فـ - لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ" [البروج: 11]، وتعلن النتيجة التي لا مراء فيها ولا جدال: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" أليس هذا هو الانتصار؟ هذا في الآخرة, وفي الدنيا تمكن المنهج من قلوب الناس وتم ظهوره.[ منقول بتصرف]