شرع الله تعالى صيام رمضان، وفرضه علينا وعلى الأمم قبلنا؛ لتحقق غاية شريفة وأمر عظيم؛ هو: التقوى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]: أي: لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده.
وقد ورد لفظ التقوى كثيرًا في القرآن الكريم بما يقرب من 258 ‪ موضعًا بصيغ مختلفة بين الفعل والاسم، وكل هذه الألفاظ تدل على معانٍ كثيرة بحسب موضعها والسياق الذي قيلت فيه، ولكنها لا تخرج عن هذه المعاني؛ وهي:
• التوحيد: قال تعالى: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ [الفتح: 26].
• الخشية: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
• الإخلاص: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
• العبادة والطاعة: قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 106].
• ترك المعاصي: قال تعالى: ﴿ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 189].
وأعظم مدرسة نتعلم منها التقوى هي شهر رمضان؛ ففيه إصلاح القلوب، وترك الذنوب، ومراقبة الله تعالى، والإخلاص في العمل، وطاعته في الامتناع عن المرغوبات والمشتهيات من طعام وشراب ونساء، وفيه تهذيب للأخلاق؛ فلا سب ولا حسد، وإن أحد سابَّه، فليقل له: إني صائم، فرمضان دورة تدريبية في تعليم التقوى، وبيان أهميتها في الإسلام؛ فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، وهي الزاد الذي يبلغك الآخرة ويرتقي بك في الجنة: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، والتقوى جاء في تعريفها وبيانها كثير من الأقوال؛ ومنها:
• أن تفعل ما أمرك الله به، وتترك ما نهاك عنه؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]: أن يُطاع فلا يُعصَى، ويُذكَر فلا يُنسَى، ويُشكَر ولا يُكفَر.
• وقيل إن التقوى كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
• أن تجعل بينك وبين سخط الله وغضبه وعقابه وقاية؛ بفعل ما يأمر، واجتناب ما ينهى عنه.
• وقد سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا أبيَّ بن كعب رضي الله عنه عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى.
فترك الذنوب والبعد عنها أعظم طريق للتقوى، فكلما كان المسلم قريبًا من الله بعيدًا عن معصيته، أثمر ذلك في قلبه ثمار التقوى.
وأقول لكل مسلم: اتقِ الله ما استطعت، واعلم أن قلبك إذا أُشبع من الذنوب وران عليه من كثرة الآثام، فإنه قد أقفل كل منافذ التقوى للولوج إليه، وأوصد الباب لحلاوة الإيمان أن يدخل إلى قلبه فيتذوقه؛ يقول ابن المعتز:
خلِّ الذنوب صغيرها
وكبيرها فهو التقى
واصنع كماشٍ فوق أر
ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139928/#ixzz6Kzi47rI0