تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)

    (إذا قيلَ لكَ) أيُّها المسلمُ (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ) الذي أنتَ تعبدُهُ؟.
    (فقلْ) عرفتُهُ (بآياتِهِ ومخلوقاتِهِ) أي: بآياتِهِ الكثيرةِ، وبمخلوقاتِهِ العظيمةِ، التي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الرَّبُّ العَظِيمُ، وأنَّهُ الخَلاَّقُ العَلِيمُ، وأنَّهُ المُسْتَحِقُّ لأَِنْ يُعْبَدَ، وأنَّهُ الذي يَخْلُقُ ما يَشَاءُ، ويُعْطِي ويَمْنَعُ، ويَنْفَعُ ويَضُرُّ، بيدِهِ كلُّ شيءٍ سبحانَهُ وتعالى.
    فهوَ المستحقُّ بأنْ نعبدَهُ بطاعتِهِ ودعائِهِ واستغاثتِهِ وسائرِ أعمالِنا وعباداتِنا؛ لأنَّ اللَّهَ خلقَنا لهذا.
    وقالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وهذهِ العبادةُ هِيَ توحيدُهُ، وطاعتُهُ، واتباعُ شريعتِهِ، وتعظيمُ أمرِهِ ونهيِهِ قولاً وعملاً.

    {وَمِنْ آياتِهِ الليلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ} كلُّ هذهِ تدلُّ على أنَّهُ ربُّ العالمينَ وأنَّهُ الخلاَّقُ العليمُ، يأتي الليلُ بظلامِهِ، ويَذْهَبُ النهارُ بضيائِهِ، ثمَّ يجيءُ النهارُ، ويَذْهَبُ اللَّيْلُ، وهذهِ الشمسُ تَطْلُعُ على النَّاسِ في الدنيا كلِّها، ويَنْتَفِعُون بِها، وهذا القمرُ كذلكَ.
    وغيرُ هذهِ منَ الآياتِ العظيمةِ، كالأرضِ وما فيها منْ جبالٍ وأنهارٍ وبحارٍ وأشجارٍ وحيواناتٍ، وهذهِ السمواتُ التي يراها الناسُ، كلُّها منْ آياتِهِ الدالةِ على عظمتِهِ، وأنَّهُ ربُّ العالمينَ، وأنَّهُ الخلاقُ العليمُ وأنَّهُ المستحقُّ للعبادةِ، ولهذا قالَ: {وَمِنْ آياتِهِ الليلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلقَمَرِ وَاسْجُدُوا للَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} يعني: لا تَعْبُدُوا هذهِ المخلوقاتِ، بلِ اعْبُدُوا الذي خَلَقَها وأوجدَها سبحانَهُ وتعالى.
    فهو المُسْتَحِقُّ بأن يَذِلَّ لهُ العبدُ ويَخْضَعَ لهُ، ويُطِيعَ أوامرَهُ ويَنْتَهِيَ عنْ نواهيهِ سبحانَهُ وتعالى؛ تعظيمًا وتقديسًا لهُ، وخوفًا منهُ، ورغبةً فيما عندَهُ.
    [للشيخ الامام عبد العزيز بن ابن باز رحمه الله على شرح ثلاثة الأصول]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فى شرح ثلاثة الأصول

    (إذا قيلَ لكَ) (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)
    أيْ: إذا قِيلَ لكَ: بِأَيِّ شيءٍ عَرَفْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ (فَقُلْ) : عَرَفْتُهُ (بآيَاتِهِ ومَخْلُوقَاتِهِ ) .

    الآياتُ: جَمْعُ آيَةٍ، وهيَ العلامةُ على الشيءِ التي تَدُلُّ عليهِ وَتُبَيِّنُهُ.
    وآياتُ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ:
    - كَوْنِيَّةٌ.
    - وشرعيَّةٌ.
    فالكونيَّةُ هيَ المخلوقاتُ، والشرعيَّةُ هيَ الوحيُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ على رسلِهِ.
    وعلى هذا يكونُ قولُ المُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِه ِ) منْ بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ، إذا فَسَّرْنَا الآياتِ بأنَّهَا الآياتُ الكونيَّةُ والشرعيَّةُ، أوْ مِنْ بابِ عطفِ المُبَايِنِ المُغَايِرِ، إذا خَصَّصْنَا الآياتِ بالآياتِ الشرعيَّةِ.
    وعلى كلٍّ؛ فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُعْرَفُ بآياتِهِ الكونيَّةِ، وهيَ المخلوقاتُ العظيمةُ وما فيها منْ عجائبِ الصَّنْعَةِ وَبَالِغِ الحِكْمَةِ، وكذلكَ يُعْرَفُ بآياتِهِ الشرعيَّةِ وما فيها من العَدْلِ والاشتمالِ على المصالحِ ودفعِ المفاسدِ.
    وفي كُلِّ شيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ على أنَّهُ واحدُ

    كُلُّ هذهِ منْ آياتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ على كمالِ القدرةِ، وكمالِ الحكمةِ، وكمالِ الرحمةِ. فالشمسُ آيَةٌ منْ آياتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِكَوْنِهَا تَسِيرُ سَيْرًا مُنْتَظِمًا بَدِيعًا مُنْذُ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وإلى أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِخَرَابِ العالمِ، فهيَ تَسِيرُ لِمُسْتَقَرٍّ لها كما قالَ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وهيَ منْ آياتِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَجْمِهَا وَآثَارِهَا، أمَّا حَجْمُهَا فعظيمٌ كبيرٌ، وأمَّا آثَارُهَا فَمَا يَحْصُلُ منها من المنافعِ للأجسامِ والأشجارِ والأنهارِ والبحارِ وغيرِ ذلكَ.
    فإذا نَظَرْنَا إلى الشمسِ، هذهِ الآيَةِ العظيمةِ، ما مَدَى البُعْدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا؟ وَمَعَ ذلكَ فَإِنَّنَا نَجِدُ حَرَارَتَهَا، هذهِ الحرارةَ العظيمةَ، ثمَّ انْظُرْ ماذا يَحْدُثُ فيها من الإضاءةِ العظيمةِ التي يَحْصُلُ بها توفيرُ أموالٍ كثيرةٍ على النَّاسِ؛ فإنَّ النَّاسَ في النهارِ يَسْتَغْنُونَ عنْ كلِّ إضاءةٍ، وَيَحْصُلُ بها مصلحةٌ كبيرةٌ للناسِ منْ توفيرِ أموالِهِم، وَيُعَدُّ هذا من الآياتِ التي لا نُدْرِكُ إلاَّ اليسيرَ منها.
    كذلكَ القمرُ منْ آياتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ حيثُ قَدَّرَهُ منازلَ، لكلِّ ليلةٍ منزلةٌ، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، فهوَ يبدُو صغيرًا، ثمَّ يَكْبُرُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حتَّى يَكْمُلَ، ثمَّ يَعُودُ إلى النقصِ، فهُوَ يُشْبِهُ الإنسانَ؛ حيثُ إنَّهُ يُخْلَقُ مِنْ ضعفٍ، ثُمَّ لا يزالُ يَتَرَقَّى منْ قوَّةٍ إلى قوَّةٍ حتَّى يَعُودَ إلى الضعفِ مَرَّةً أُخْرَى، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالقِينَ.
    أيْ: والدليلُ على أنَّ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ منْ آياتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قولُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} إلخ؛ أيْ: من العلاماتِ البَيِّنَةِ المُبَيِّنَةِ لِمَدْلُولِهَا الليلُ والنهارُ في ذاتِهِمَا واختلافِهِمَا، وما أَوْدَعَ اللَّهُ فيهما منْ مصالحِ العبادِ وَتَقَلُّبَاتِ أحوالِهِم، وكذلكَ الشمسُ والقمرُ في ذاتِهِمَا وَسَيْرِهِمَا وانتظامِهِمَا، ومَا يَحْصُلُ بذلكَ منْ مصالحِ العبادِ ودفعِ مَضَارِّهِم.
    ثمَّ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى العبادَ أنْ يَسْجُدُوا للشمسِ أو القمرِ وإنْ بَلَغَا مَبْلَغًا عَظِيمًا في نفوسِهِم؛ لأنَّهُمَا لا يَسْتَحِقَّانِ العبادةَ لكونِهِمَا مَخْلُوقَيْنِ، وإنَّمَا المُسْتَحِقُّ للعبادةِ هوَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَهُنَّ.

    وقولُهُ (أيْ) من الأدلَّةِ على أنَّ اللَّهَ خَلَقَ السماواتِ والأَرْضَ قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} الآيَةَ، وفيها مِنْ آياتِ اللَّهِ:
    أوَّلاً: أنَّ اللَّهَ خَلَقَ هذهِ المخلوقاتِ العظيمةَ في سِتَّةِ أيَّامٍ، ولوْ شَاءَ لَخَلَقَهَا بِلَحْظَةٍ، ولكنَّهُ رَبَطَ المُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا كما تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ.
    ثانيًا: أنَّهُ اسْتَوَى على العرشِ؛ أيْ: عَلاَ عليهِ عُلُوًّا خاصًّا بهِ كما يَلِيقُ بجلالِهِ وعظمتِهِ، وهذا عُنْوانُ كمالِ المُلْكِ والسُّلْطَانِ.
    ثالثًا: أنَّهُ يُغْشِي اللَّيْلَ النهارَ؛ أَيْ: يَجْعَلُ الليلَ غِشَاءً للنهارِ؛ أيْ: غِطَاءً لهُ، فهوَ كالثَّوْبِ يُسْدَلُ على ضَوْءِ النهارِ فَيُغَطِّيهِ.
    رابعًا: أنَّهُ جَعَلَ الشمسَ والقمرَ والنُّجُومَ مُذَلَّلاَتٍ بِأَمْرِهِ جَلَّ سُلْطَانُهُ، يَأْمُرُهُنَّ بما يَشَاءُ لمصلحةِ العبادِ.
    خامسًا: عُمُومُ مُلْكِهِ، وَتَمَامُ سُلْطَانِهِ؛ حيثُ كانَ لهُ الخلقُ والأمرُ لا لِغَيْرِهِ.
    سادسًا: عُمُومُ رُبُوبِيَّتِهِ للعالَمِينَ كُلِّهِم.

    يُشِيرُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلى قولِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
    فالرَّبُّ هوَ المعبودُ؛ أيْ: هوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ، أوْ هوَ الَّذِي يُعْبَدُ لاسْتِحْقَاقِهِ للعبادةِ.
    وليسَ المعنَى أنَّ كُلَّ مَنْ عُبِدَ فهوَ رَبٌّ؛ فالآلهةُ التي تُعْبَدُ منْ دونِ اللَّهِ واتَّخَذَهَا عُبَّادُهَا أَرْبَابًا منْ دونِ اللَّهِ لَيْسَتْ أَرْبَابًا.
    والرَّبُّ هوَ: الخالقُ المالكُ المُدَبِّرُ لجميعِ الأمورِ.

    أي: الدليلُ على أنَّ الرَّبَّ هوَ: المُسْتَحِقُّ للعبادةِ.

    النِّدَاءُ مُوَجَّهٌ لجميعِ النَّاسِ منْ بَنِي آدَمَ، أَمَرَهُم اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، فلا يَجْعَلُوا لهُ أَنْدَادًا، وَيُبَيِّنُ أنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ العبادةَ لكونِهِ هوَ الخالقَ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ.

    قولُهُ: {الَّذِي خَلَقَكُم} ، هذهِ صفةٌ كاشفةٌ تُعَلِّلُ ما سَبَقَ؛ أي: اعْبُدُوهُ؛ لأِنَّهُ رَبُّكُم الَّذِي خَلَقَكُم، فمنْ أجلِ كونِهِ الربَّ الخالقَ كانَ لِزَامًا عليكم أنْ تَعْبُدُوهُ.
    ولهذا نَقُولُ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ أنْ يَعْبُدَهُ وَحْدَهُ، وإلاَّ كانَ مُتَنَاقِضًا.

    أيْ: مِنْ أجلِ أنْ تَحْصُلُوا على التَّقْوَى، والتَّقْوَى هيَ اتِّخَاذُ وِقايَةٍ منْ عذابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ باتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نواهِيهِ.

    أيْ: جَعَلَهَا فِرَاشًا وَمِهَادًا، نَسْتَمْتِعُ فيها منْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ ولا تَعَبٍ، كما يَنَامُ الإنسانُ على فِرَاشِهِ.

    أيْ: فَوْقَنَا؛ لأنَّ البناءَ يَصِيرُ فَوْقَ السماءِ بِنَاءً لأهلِ الأَرْضِ، وهيَ سَقْفٌ محفوظٌ، كما قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}.

    أيْ: أَنْزَلَ من العُلُوِّ؛ من السحابِ، ماءً طهورًا، كما قالَ تَعَالَى: {لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} ، كما في سُورَةِ النَّحْلِ.

    أيْ: عَطَاءً لَكُمْ، وفي آيَةٍ أُخْرَى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَِنْعَامِكُ مْ} .

    أيْ: لا تَجْعَلُوا لهذا الَّذِي خَلَقَكُم، وَخَلَقَ الذينَ مِنْ قَبْلِكُم، وَجَعَلَ لكم الأَرْضَ فِرَاشًا، والسماءَ بناءً، وَأَنْزَلَ لكم من السماءِ ماءً، فَأَخْرَجَ بهِ من الثمراتِ رِزْقًا لكم، لا تَجْعَلُوا لهُ أَنْدَادًا تَعْبُدُونَهَا كما تَعْبُدُونَ اللَّهَ، أوْ تُحِبُّونَهَا كما تُحِبُّونَ اللَّهَ؛ فإنَّ ذلكَ غيرُ لائقٍ بكم؛ لا عَقْلاً ولا شَرْعًا.

    أيْ: تَعْلَمُونَ أنَّهُ لا نِدَّ لهُ، وأنَّهُ بِيَدِهِ الخَلْقُ والرِّزْقُ والتَّدْبِيرُ، فلا تَجْعَلُوا لهُ شَرِيكًا في العبادةِ.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)

    قال الشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم فى حاشية ثلاثة الأصول
    المتن:
    فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ(1)؟
    فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقاَتِه ِ(2)، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ(3)، وَالشَّمْسُ وَالْقمَرُ(4)، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُمَا(5).
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} .
    - وَقَوْلُهُ تَعَالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(6) لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ(7) وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(8) } .
    - وَقَوْلُهُ تَعَالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوات وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (9) ثُمَّ اسْتوَى عَلَى الْعَرْشِ (10) يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً(11) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْـرِهِ (12) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ (13) تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (14)} .
    وَالرَّبُّ: هُوَ الْمَعْبُودُ(15).
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (16) الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (17) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً (18) وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (19) وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رزْقاً لَكُمْ (20) فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (21)
    قَالَ ابْنُ كَثيِرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-(22): (الْخَالِقُ لِهذِهِ الأَشْيَاءِ، هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعبَادَةِ)(23).




    الحاشية :

    (1) أيْ: فإِذَا قَالَ لَكَ قَائِلٌ: بِمَ اسْتَدْلَلْتَ به عَلَى مَعْرِفَتِكَ رَبَّكَ؛ مَعْبُودَكَ وخَالِقَكَ؟.

    (2) أيْ : فَقُلْ: عَرَفْتُه بآياتِه ومَخْلُوقَاتِهِ ، التي نَصَبَها دَلاَلَةً عَلَى وحْدَانِيَّتِه، وتَفَرُّدِه بالرُّبُوبيةِ والإِلَهِيَّةِ، والآياتُ: جَمْعُ آيةٍ، والآيةُ العَلاَمَةُ والدَّلاَلَةُ، والبُرْهانُ والحُجَّةُ.
    والمَخْلُوقاتُ: جَمْعُ مَخْلُوقٍ، وهو مَا أُوجِدَ بَعْدَ العَدَمِ.
    وآياتُ الرَّبِّ سبحانَه هي: دَلاَلاَتُه، وبَرَاهِينُه التي بِهَا يَعْرِفُه العِبَادُ، ويَعْرِفُونَ أَسْمَاءَه وصِفَاتِه، وتَوْحيدَه، وأَمْرَه ونَهْيَهُ، وآياتُه العَيانِيَّةُ الخَلْقِيَّةُ والنَّظَرُ فيها، والاسْتِدْلاَلُ بِهَا، يَدُلُّ عَلَى مَا تَدُلُّ عليه آياتُه القَوْلِيَّةُ السَّمْعِيَّةُ.
    والرُّسُلُ تُخْبِرُ عَنْه بكَلاَمِه الذي تَكَلَّمَ به، وهو آياتُه القَوْلِيَّةُ، ويَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذلك بِمَفْعُولاَتِه ، التي تَشْهَدُ عَلَى صِحَّةِ ذلك، وهي آياتُه العَيَانِيَّةُ، والعَقْلُ يَجْمَعُ بينَ هذه وهذه، فيَجْزِمُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فتَتَّفِقُ شَهَادَةُ السَّمْعِ والبَصَرِ.
    والعَقْلُ والفِطْرَةُ، وكُلُّ شَيْءٍ مِن آياتِهِ ومَخْلُوقَاتِهِ ، وإنْ دَقَّ، دَالٌّ عَلَى وحْدَانِيَّتِه وتَفَرُّدِه بالرُّبُوبِيَّة ِ،
    كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
    فَوَاعَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ = أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُه الجَاحِدُ
    وللَّهِ فِي كُـلِّ تَحْـرِيكَـــــ ــــــةٍ = وتَسْكِينَةٍ أَبَـدًا شَاهـــــِدُ
    وفِي كُلِّ شَيْءٍ لَــــــــهُ آيــــــةٌ = تَـدُلُّ عَلَى أَنـَّهُ واحِــــــــدُ

    >
    وقَالَ آخَرُ:
    تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وانْظُـــــــــ رْ = إلى آثَارِ مَـــــا صَنَعَ الْمَلِيـــكُ
    عُيونٌ مِن لُجَيْنٍ شَاخِصَــــــــ ـاتٌ = بِأَبْصَارٍ هي الذَّهَبُ السَّبِيـكُ
    عَلَى قَصَبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ = بأنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَــــــــهُ شَرِيــــــكُ

    وقَالَ آخَرُ:
    تَأَمَّلْ سُطُورَ الكَائِنَاتِ فإِنَّهَـــــــ ا = مِن الْمَلِكِ الأَعْلَى إِلَيْكَ رَسَائِلُ
    وَقَدْ خُطَّ فيها لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا = أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ



    فَإِيجَادُ هذه المَخْلوقَاتِ أَوْضحُ دَلِيلٍ عَلَى وجُودِ البَارِي تَعَالَى، وتَفَرُّدِه بالرُّبُوبِيَّة ِ والإِلَهِيَّةِ، ونَعْرِفُ رَبَّنا تَبَارَكَ وتَعَالَى أيْضًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذلك، وهي كَثِيرَةٌ، فالكِتَابُ والسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بذلك.

    (3) أيْ: ومِن أَعْظَمِ آياتِهِ المُشَاهَدَةِ بالأَبْصَارِ، اللَّيْلُ والنَّهَارُ، وكونُ اللَّيْلِ يَأْتِي عَلَى النَّهَارِ فيُغَطِّيه، حتَّى كأنَّه لَمْ يكنْ، ثُمَّ يَأْتِي النَّهَارُ فيَذْهَبُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، حَتَّى كَأَنَّ اللَّيْلَ لَمْ يَكُنْ، فَمَجِيءُ هذا، وذَهَابُ هذا بهذه الصِّفَةِ، وهذه الصُّورَةِ المُشَاهَدَةِ: دَالٌّ أَعْظَمَ دَلاَلَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِه ومُوجِدِه.

    (4) أيْ: ومِن أَعْظَمِ آياتِهِ المُشَاهَدَةِ بالأَبْصَارِ، الشَّمْسُ والقَمَرُ، وكَوْنُهُمَا يَجْرِيانِ هذا الجَرَيانَ المُتْقَنَ {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} دَلَّ أَعْظَمَ دَلاَلَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ مُوجِدِهِمَا تَعَالَى وتَقَدَّسَ.

    (5) أيْ: ومِن أَعْظَمِ مَخْلُوقاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِه تَعَالَى السَّمَاواتُ السَّبْعُ، وسَعَتُها وارْتِفَاعُها، والأَرَضُونَ السَّبْعُ، وامْتِدَادُها وسَعَةُ أَرْجَائِهَا، ومَا فِي السَّمَاواتِ السَّبْعِ، مِن الكَوَاكِبِ الزَّاهِرَةِ، والآياتِ البَاهِرَةِ، ومَا فِي الأَرَضِينَ السَّبْعِ مِن الجِبَالِ والبِحَارِ، وأَصْنَافِ المَخْلُوقاتِ، مِن الحَيَواناتِ والنَّبَاتَاتِ، وسَائِرِ المَوْجُودَاتِ، ومَا بَيْنَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ، مِن الأَهْوِيَةِ والسَّحَابِ، وغَيْرِ ذلك: دَالٌّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ البَارِي جَلَّ جَلاَلُه، وعَلَى تَفَرُّدِه بالخَلْقِ والتَّدْبِيرِ.

    (6) أيْ: ومِن حُجَجِ وَحْدَانِيَّتِه تَعَالَى، وبَرَاهِينِ فَرْدَانِيَّتِه ، الدَّالَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَه المُصَنِّفُ: مَا تَعَرَّفَ بِهِ تَعَالَى إِلَيْنَا، بِمَا نَرَاهُ مِن مَخْلُوقَاتِهِ.
    ومنها: اللَّيْلُ والنَّهَارُ، فمَجِيءُ هذا، وذَهابُ هذا مِن دَلاَئِلِ قُدْرَتِهِ، وحِكْمَتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِه ، والشَّمْسُ والقَمَرُ مَخْلُوقَانِ مُسَخَّرَانِ دَائِبَانِ يَجْرِيانِ دَالاَّنِ عَلَى تَفَرُّدِه تَعَالَى، بالخَلْقِ والتَّدْبِيرِ.
    وهذا وجْهُ اسْتِدْلاَلِ المُصَنِّفِ بالآيةِ ههنا.

    (7) لأَِنَّ السُّجُودَ عِبَارَةٌ عَن نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، والشَّمْسُ والقَمَرُ مَخْلُوقانِ مُتَصَرَّفٌ فيهما، يَعْتَرِيهِمَا التَّغَيُّرُ، فَلاَ يَسْتَحِقَّانِ أنْ يُسْجَدَ لَهُمَا.

    (8) أَمَرَ عِبَادَه أنْ يُفْرِدُوه بالعِبَادَةِ وحْدَه، فكَمَا أنَّه المُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، والشَّمْسِ والقَمَرِ، وسَائِرِ المَخْلُوقاتِ، فهو المُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وحدَه، لاَ شَرِيكَ لَه.

    (9) أيْ: ومِن أَعْظَمِ الدَّلاَئِلِ، والمُعَرِّفاتِ التي تَعَرَّفَ بِهَا سُبْحَانَه إِلَى عِبَادِه: خَلْقُ السَّمَاواتِ والأَرْضِ مِن غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وتَقْدِيرُ أَقْوَاتِهَا فيها فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.
    وأَصْلُ الخَلْقِ إِيجَادُ المَعْدُومِ عَلَى تَقْدِيرٍ واسْتِواءٍ، وإِبْدَاعُه مِن غَيْرِ أَصْلٍ سَابِقٍ، ولاَ ابْتِدَاءٍ مُتَقَدِّمٍ:
    - قَالَ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .
    - وقَالَ: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .

    (10) اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وعَظَمَتِه، قَالَ مَالِكٌ: (الاسْتِواءُ مَعْلُومٌ، والكَيْفُ مَجْهُولٌ، والإيمانُ بِهِ واجِبٌ، والسُّؤَالُ عنه بِدْعَةٌ).
    وبهذا قَالَ السَّلَفُ، وأَدِلَّةُ عُلُوِّه عَلَى خَلْقِهِ واسْتِوائِهِ عَلَى عَرْشِهِ أَكْثَرُ مِن أنْ تُحْصَرَ، وأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى ذلك.

    (11) أيْ: يَأْتِي باللَّيْلِ، فيُغَطِّي بِهِ النَّهَارَ، ويُلْبِسُهُ إيَّاه، حتَّى يَذْهَبَ بنُورِهِ، ويُغْشِيَ النَّهَارَ باللَّيْلِ.
    {يَطْلُبُه حَثِيثًا} طَلَبًا سَرِيعًا، لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهما شَيْءٌ، ولاَ يُدْرِكُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.

    (12) مُذَلَّلاَتٌ، جَارِيَةٌ في مَجَارِيها بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ تَتَقَدَّمُ ولاَ تَتَأَخَّرُ، وإذا تَأَمَّلْتَ هذا العَالَمَ وجَدْتَه عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ وأَتَمِّه، وأَدَلِّه عَلَى وُجُودِ خَالِقِه جَلَّ وعَلاَ، ووَحْدَانِيَّتِ ه وقُدْرَتِه، وكَمَالِ عِلْمِه وحِكْمَتِه.

    (13) فهو المُتَفَرِّدُ بالخَلْقِ، كَمَا أَنَّه المُتَفَرِّدُ بالأَمْرِ، فَلاَ شَرِيكَ لَهُ في الخَلْقِ، كمَا أنَّه لاَ شَرِيكَ له في الأَمْرِ، له الخَلْقُ كلُّه، وله الأَمْرُ كلُّه، وبيدِه الخَيْرُ كلُّه، وهو عَلَى كلِّ شيءٍ قَديرٌ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} .

    (14) أيْ: بَلَغَ في البَرَكَةِ نِهَايتَها، إِلَهُ الخَلْقِ ومَلِيكُهُم، ومُوصِلُ الخَيْرَاتِ إِلَيْهِم، ودَافِعُ المَكَارِهِ عَنْهُم، والمُتَفَرِّدُ بإيجادِهِم وتَدْبِيرِهم، لاَ إِلَهَ إلاَّ هو، ولاَ رَبَّ سِوَاه.

    (15) أيْ: ومِن مَعَانِي الرَّبِّ، ومِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ المَعْبُودُ، كَمَا أنَّه يُطْلَقُ عَلَى الخَالِقِ والرَّازِقِ والمَالِكِ والمُتَصَرِّفِ، ومُرَبِّي جَمَيعِ الخَلْقِ بالنِّعَمِ، وإِذَا قُرِنَ بالمَعْبُودِ شَمِلَ مَعَانِيَ عَدِيدَةً.
    ومَعْنَى المَعْبودِ المَأْلُوهُ، المُسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ وحْدَه، دونَ كلِّ مَن سِوَاه.

    (16) هذا خِطَابٌ لِجَميعِ الخَلْقِ، وهو أَوَّلُ أَمْرٍ يَمُرُّ بِكَ في المُصْحَفِ الكَرِيمِ، كَمَا أنَّ أوَّلَ فِعْلٍ يَمُرُّ بِكَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وتَقْدِيمُ المَعْمُولِ هنا يُفِيدُ الحَصْرَ، أيْ : لاَ نَعْبُدُ سِوَاكَ، كَمَا أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ دَعَتْ إليه الرُّسُلُ مِن أَوَّلِهم إلى آخِرِهم {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} .
    ومَعْنَى {اعْبُدُوا ربَّكُم} ومَعْنَى قَوْلِ الرُّسُلِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} ومعنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هو مَا فَسَّرَه ابْنُ عَبَّاسٍ بقَوْلِه: (كلُّ مَوْضِعٍ في القُرْآنِ {اعْبُدُوا اللَّهَ} فَمَعْنَاهُ: وحِّدُوا اللَّهَ، وقَالَ: عِبَادَةُ اللَّهِ تَوْحِيدُ اللَّهِ) يَعْنِي: اعْبُدُوه وحْدَه، دونَ كلِّ مَن سِوَاه.
    وهذا يُفِيدُكَ عِظَمَ شَأْنِ التَّوْحيدِ، وأنَّه أَوْجَبُ الواجباتِ، وأَنَّه أوَّلُ فَرْضٍ عَلَى المُكَلَّفِ، عِلْمًا وعَمَلاً، وهو مَدْلُولُ شَهَادَةِ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، التي أَوْجَبُ الواجباتِ: العِلْمُ بِمَعْناهَا، والعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، مِن إِفْرَادِ اللَّهِ بالعِبَادَةِ، والبَرَاءَةِ مِن الشِّرْكِ وأَهْلِه.
    وصُدُورُ العِبَادَةِ مِن غَيرِ تَوْحيدٍ لاَ يُسَمَّى عِبَادَةً، ولَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وإذا صَدَرَتْ مِمَّن أَشْرَكَ فيها مَعَ اللَّهِ غَيرَه، فهي بِمَنْزِلَةِ الجَسَدِ الذي لاَ رُوحَ فيه.
    وإِذَا عَبَدَ اللَّهَ تَارَةً، وأَشْرَكَ مَعَه تَارَةً، فَلَيْسَ بِعَابِدٍ للَّهِ عَلَى الحَقِيقَةِ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ المُشْرِكِينَ مُشْرِكِينَ، وهم يَعْبُدُونَ اللَّهَ ويُخْلِصُونَ له العِبَادَةَ في الشَّدَائِدِ، وعندَ رُكُوبِ البِحَارِ، وتَلاَطُمِ الأمْوَاجِ: يَهْرُبُونَ ويَفْزَعُونَ، ويَلْجَؤُونَ إليه تَعَالَى وحدَه، ويَعْرِفُونَ أنَّ تلك الآلِهَةَ ليستْ شَيْئًا في الحَقِيقَةِ، وأنَّها لاَ تَنْفَعُهم عندَ الكُرُوبِ، ومَعَ ذلك كلِّه سَمَّاهُم اللَّهُ مُشْرِكِينَ، بل نَفَى عنهم تلك العِبَادَةَ بالكُلِّيَّةِ، في غيرِ مَوْضِعٍ مِن كِتَابِهِ.
    ولَمْ يَرِدْ في العِبَادَةِ إلاَّ إِفْرَادُه تَعَالَى بِجَمِيعِ أَنْواعِهَا، فَمَن أَطَاعَه في جَمِيعِ مَا أَمَره به منها فَقَدْ وحَّدَه، وإلاَّ فَلاَ، وكونُه تَعَالَى ربَّنا يُفِيدُ ويَقْتَضِي: أنْ نَعْبُدَه وحدَه، وأنْ لاَ نَجْعَلَ له شَرِيكًا في رُبُوبِيَّتِه، ولاَ في أُلُوهيَّتِه وعِبَادَتِه.

    (17) أي: الذي أَوْجَدَكُم، ومَن قَبْلَكُم مِن العَدَمِ، فَلاَ تَجْعَلُوا المَخْلُوقَ شَرِيكًا للخالقِ في عِبَادَتِه، فهو سبحانَه أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عن الشِّرْكِ، بل وحِّدُوه سبحانَه، لَعَلَّكُم تَنْجُونَ مِن عِقَابِه، وأَليمِ عَذَابِه.

    (18) أيْ: بِسَاطًا غَيرَ حَزْنَةٍ تَتَمَكَّنُونَ مِن المَسِيرِ فيها، والمُكْثِ عَلَى ظَهْرِها، وتَنْتَفِعُونَ منها بأَنْواعِ الْمَنافِعِ.

    (19) قُبَّةً مَضْرُوبَةً عَلَيْكُم، وسَقْفًا مَحْفُوظًا، مُزَيَّنًا بالمَصَابِيحِ، والعَلاَمَاتِ التي تَهْتَدُونَ بِهَا في ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحْرِ.

    (20) أيْ: وأَنْزَلَ مِن السَّحَابِ المَطَرَ، فإِنَّ كُلَّ مَا عَلاَكَ فَهُو سَمَاءٌ، فأَخْرَجَ بالْمَاءِ مِن جَمِيعِ أَنْواعِ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُم تَتَمَتَّعُونَ بِهِ، وتَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى عِبَادَتِه وحدَه، وكُلُّ صِفَةٍ مِن هذه الصِّفَاتِ مُفِيدَةٌ ومُقْتَضِيَةٌ إِفْرادَ رَبِّ العَالَمِينَ بالعِبَادَةِ.

    (21) أيْ: ومَن كانَ هذا وصْفَه، فهو المُسْتَحِقُّ أنْ تَعْبُدُوه وحدَه، لاَ تَجْعَلُونَ له أَنْدَادًا، أَمْثَالاً ونُظَرَاءَ، بِصَرْفِ شَيْءٍ مِن أنْواعِ العِبَادَةِ لَهُم، وأَنْتُم تَعْلَمُونَ أنَّها لاَ تُمَاثِلُه بوجْهٍ مِن الوُجُوهِ.
    أو كُنْتُم تَعْلَمُونَ تَفَرُّدَه بإيجادِ المَخْلُوقَاتِ، وإِنْزَالِ المَطَرِ، وجَعْلِ الأَرْضِ فِرَاشًا، والسَّمَاءِ بِنَاءً وأنَّه لاَ يَرْزُقُكُم غَيْرُه. يَحْتَجُّ تَعَالَى عَلَيْهِم بِمَا أَقَرُّوا بِهِ وعَلِمُوه، مِن تَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ عَلَى مَا جَحَدُوه وأَنْكَرُوه، مِن تَوْحيدِ الأُلُوهِيَّةِ، فإنَّه تَعَالَى كَثِيرًا مَا يُقَرِّرُ فِي كِتَابِه تَوْحِيدَ أُلُوهِيَّتِه، بِتَوْحيدِ رُبُوبِيَّتِه، فإنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ هو: الدَّلِيلُ الأَوْضَحُ، والبُرْهانُ الأَعْظَمُ، عَلَى توحيدِ الأُلُوهِيَّةِ.

    (22) هو عِمَادُ الدِّينِ أَبو الفِدَاءِ، إِسْمَاعِيلُ بنُ عُمَرَ، القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَافِظُ، صَاحِبُ التَّفْسيرِ المَشْهُورِ، والتَّارِيخِ، وغَيْرِهِمَا، المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وسَبْعِينَ وسَبْعِمائةٍ.

    (23) يعني: أنَّ الآياتِ دَلَّتْ عَلَى أنَّ الذي خَلَقَ هذه الأَشْياءَ، وأَوْجَدَها مِن العَدَمِ، عَلَى غَيرِ مِثَالٍ سَبَقَ، هو المُسْتَحِقُّ للعِبَادَةِ، وحْدَه دونَ مَن لَمْ يكنْ لَهُ شِرْكَةٌ فيها، ولاَ في غَيْرِهَا، وإنْ قَلَّ، بل مَن سِوَاه تَعَالَى وتَقَدَّسَ: مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ، مُتَصَرَّفٌ فيه، فيَكُونُ في ذلك أَوْضَحُ بُرْهانٍ، أَنَّه سبحانَه هو المُسْتَحِقُّ أنْ يَعْبُدَه وحدَه، دونَ كلِّ مَن سِوَاه، لاَ إِلَهَ غَيْرُه، ولاَ رَبَّ سِوَاه.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: (بِمَ عرفْتَ ربَّكَ)

    قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرح ثلاثة الأصول


    قال رحمه الله:
    (فإذا قيل لك: بِمَ عرفت ربك؟) : الربوبية تحتاج إلى معرفة، تحتاج إلى علم، وهذا العلم جاء في القرآن الدلالة عليه، قال جل وعلا: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، وقال جل وعلا: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} فالدعوة إلى النظر في الملكوت في القرآن، بِمَ استُدِلَّ على الله جل وعلا، على ربوبيته؟ قال الشيخ هنا: (فإذا قيل لك: بما عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته) :

    ومن آياته: الشمس والقمر والليل والنهار، ومن مخلوقاته: السماوات والأرض.
    لا شك أن الليل والنهار والشمس والقمر من آيات الله، كما قال جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}، وكذلك السماوات والأرض هي آيات لله جل وعلا، كما قال أبو العتاهية في شعره السائر:
    وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه الواحد
    الدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} يعني: مما يدل عليه دلالة واضحة ظاهرة بينة جلية: الليل والنهار والشمس والقمر، فإن المتأمل إذا تأمل الليل والنهار؛ ووجد هذا يدخل في هذا، وذاك يدخل في ذاك، وهذا يطول وذاك يقصر، علم أن الليل من حيث كونُه ليلاً، والنهار من حيث كونُه نهاراً؛ أنها أشياء لا يمكن أن تأتي بنفسها بل هي مفعول بها.
    الليل، ذهاب الضوء.
    والنهار، مجيء الضوء.
    الشمس أتت بضيائها فصار نهاراً، لما ذهبت الشمس أتى القمر فصار ليلاً، هذا لا شك يدل على أن هذه الأشياء مفعولٌ بها، وإذا كانت مفعولاً بها فمن الذي فعلها؟
    هذا السؤال الجواب عليه سهل ميسور لأكثر الناظرين، بل لكل ناظر؛ ألا وهو: أن هذه تدل على أنها محدثة، ولا بد لها من محدث، وأن محدثها هو الذي خلقها وسيَّرها على هذا النحو الدقيق العجيب وهو رب العالمين؛ لهذا قال في الآية الأخرى - آية الأعراف -: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} .
    {يُغْشِي اللَّيْلَ} يجعل الليل غشاء للنهار، {يَطْلُبُهُ} هذا يذهب وهذا يطلب الآخر، مرة يأخذ الليل من النهار، ويزيد جذباً ويطلبه طلباً حاثّاً، ومرة النهار يأخذ ويطلب من الليل طلباً حاثاً، قال: {يُغْشِي} من المُغشِي والمُغَشِّي؟ هو الله جل وعلا: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فذكر الربوبية للعالمين، بعد ذِكر هذه الأصناف من الآيات والمخلوقات.

    [الفرق بين الآيات والمخلوقات]
    والشيخ رحمه الله ـ هاهنا ـ فَرَّق بين الآيات والمخلوقات، مع أن في القرآن ما يثبت أن السماوات والأرض من الآيات، فلم فَرَّق؟
    الجواب: أن تفريق الشيخ - رحمه الله تعالى ـ بينهما دقيق جداً، وذلك أن الآيات جمع آية، والآية هي البينة الواضحة الدالة على المراد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني: لدلالة بينة واضحة على المراد منها، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِ ينَ} يعني: لدلالات واضحات بينات على المراد منها، وهنا ننظر إلى أنه بالنسبةِ لمن سئل هذا السؤال، كون الليل والنهار والشمس والقمر آية، أظهر منه عند هذا المسؤول أو المجيب من السماوات والأرض، لِمَ؟
    لأن تلكم الأشياء التي وصفت بأنها آيات؛ متغيرة متقلبة، تذهب وتجيء، أما السماء، فهو يصبح ويرى السماء، ويصبح ويرى الأرض، فإِلْفُهُ للسماء وللأرض يحجب عنه كون هذه آيات، لكن الأشياء المتغيرة التي تذهب وتجيء، هذه أظهر في كونها آية؛ ولهذا إبراهيم الخليل عليه السلام طلب الاستدلال بالمتغيرات، قال جل وعلا: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} لِمَ؟
    لأنه استدل بهذه الحركة على الحدوث، استدل بهذا التنقل على أنه آية لغيره، {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً} استدل بالقمر، {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً} استدل بالشمس؛ لأنها متغيرات.
    أما السماوات والأرض فهي آيات، لكنها في الواقع عند الناظر ليست مما يدل دلالة ظاهرة واضحة على المراد عند مثل المسؤول هذا السؤال، مع كونها عند ذوي الفهم وذوي الألباب العالية أنها آيات، كما وصفها الله جل وعلا في كتابه، فالشمس والقمر والليل والنهار متغيرات، تُقْبِل وتَذْهَب، فهي آيات ودلالات على الربوبية، وأن هذه الأشياء لا يمكن أن تأتي بنفسها، لكن السماء ثابتة، الأرض ثابتة، ينظر إلى هذه وهذه، وتلك متغيرات، والتغير يثير السؤال؛ لِمَ ذهب؟ ولِمَ جاء؟ لِمَ أتى الليل؟ ولِمَ أتى النهار؟ لِمَ زاد الليل؟ ولِمَ نقص النهار؟ وهكذا.
    فهي في الدلالة أكثر من دلالة المخلوقات، مع أن في الجميع دليلاً ودلالة؛ لهذا قال: (فإذا قيل لك: بِمَ عرفت ربك؟ قل: بآياته ومخلوقاته) فالآيات تدل على معرفة الله والعلم بالله، وكذلك المخلوقات تدل على العلم بالله، والمعرفة بالله، لكن ما سماه آيات أخص مما سماه مخلوقات، وهذا جواب اعتراض، قد اعترض به بعضهم على الشيخ -رحمه الله تعالى- في تفريقه بين الآيات والمخلوقات، وتفريقه رعايةً لحالِ من يُعلَّم هذه الأصول تفريقٌ دقيقٌ مناسبٌ، رحمه الله تعالى.

    [شرح قول المؤلف:
    والرب هو المعبود]
    ثم ذكر أن معنى الربوبية هو العبادة، والدليل قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وهذه الآية فيها أمر؛ وهو أول أمر في القرآن، أول أمر في القرآن: الأمر بعبادة الله، قال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} الرب وقعت عليه العبادة؛ لأنه مفعول به {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} فالعابد هم الناس، والمعبود هو الرب.
    فتلخص: أن الرب هو المعبود؛ لأنه قال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، فالرب مفعول به.
    ما الذي فُعل؟
    العبادة، فصار معبوداً، ولهذا ساق عن ابن كثير رحمه الله تعالى: أن من فعل هذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} إلى آخر الآية، قال ابن كثير: الذي فعل هذه الأشياء هو المستحق للعبادة؛ لهذا جاء ما بعدها، ما بعد الأمر بالعبادة من قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وهو قوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} جاء تعليلاً لما سبق، لِمَ كان مستحقاً للعبادة؟ قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، كأن سائلاً سأل: لِمَ كان مستحقاً للعبادة؟ لم أُمرنا بأن نعبده؟ قال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} إلى آخره.
    فهذه الأشياء من معاني ربوبيته،
    وقد ذكرنا من قبل: أن الربوبية تستلزم الألوهية؛ ولهذا صارت الربوبية هنا في قوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} هي العبودية،
    والرب هو المعبود، والفاعل لتلك الأشياء هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه؛
    لأنه هو وحده الذي خلق، وهو وحده الذي رزق، وهو وحده الذي جعل الأرض فراشاً، وهو وحده الذي جعل السماء بناء، وهو وحده الذي أنزل من السماء ماء، والخلق جميعاً لم يعملوا شيئاً من ذلك، فالمستحق للعبادة هو الذي فعل، وخلق، وصنع، وبرأ، وصَوَّر، وأبدع تلك الأشياء.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •