قال ابن الجوزي في المنتظم قال
وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشايخه [الأكابر] مدحه فغمزه بأشياء منها أنه قال كتب إلى أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة يذكر أنه سمع نصر الأندلسي يقول: خرجنا إلى عكبرا فكتبت عن ابن بطة كتاب السنن لرجاء بن مرجى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء، فأخبرت الدارقطني فقال: هذا محال دخل رجاء بغداد سنة أربعين ودخل حفص سنة خمسين ومائتين فكيف سمع منه.
قال الخطيب: وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء، وجواب هذا أن أبا ذر كان من الأشاعرة المبغضين وهو أول من أدخل الحرم مذهب الأشعري ولا يقبل جرحه لحنبلي يعتقد كفره وأما عبد الواحد الأسدي فهو ابن برهان وكان معتزليًا قال الخطيب: كان ابن برهان يذكر أنه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئا وإنما كانت له معرفة بالنحو واللغة، وقال ابن عقيل، كما ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفي الخلود في حق الكفار،
(ثم ذكر كلاما بعد ذلك ثم قال )
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المرد الملاح ويقبلهم وروى الخطيب عن أبي القاسم التنوخي قال أراد أبي أن يخرجني من عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب المعجم للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له لا تفعل فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي وجواب هذا من ثلاثة أوجه أحدها أن التنوخي كان معتزليا يميل إلى الرفض فكيف يقبل قوله في سني والثاني أن هذه الشهادة على نفي فمن أين له أنه لم يسمع وإذا قال ابن بطة سمعت فالإثبات مقدم والثالث من أين له أنه إن كان لم يسمع أنه يرويه فمن الجائز أنه لو مضى إليه قال له ليس بسماعي وإنما أرويه إجازة فما أبله هذا الطاعن بهذا إنما وجه الطعن أن يقول قد رواه وليس بسماعه قال الخطيب وحدثني أبو الفضل ابن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره قد حك سماع وكتب سماعه عليها قال: انظر إلى طعن المحدثين أتراه إذا حصلت للإنسان نسخة فحك اسم صاحبها وكتب سماع نفسه وهي سماعه أيوجب هذا طعنًا ومن أين له أنه لم يعارض بهذا أصل سماعه ولقد قرأت بخط أبي القاسم ابن الفراء أخي القاضي أبي يعلى قال قابلت أصل ابن بطة بالمعجم، فرأيت سماعه في كل جزء إلا أني لم أر الجزء الثالث أصلا.
وأخبرنا إِسْمَاعِيل بن أحمد السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بْن البسري، عن أبي عبد الله بْن بطة قال: كان لأبي ببغداد شركاء وفيهم رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث إلى بغداد ابنك ليسمع الحديث فقال ابني صغير، فقال أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث، فقال لي بعضهم:
سل الشيخ يخرج إليك معجمة فسألت ابنه أو ابن بنته فقال: إنه يريد دراهم فأعطيناه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في سنة خمس عشرة أو ست عشرة وأذكره وقد قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني في سنة أربع وعشرين مائتين فقال المستملي: خذوا هذا قبل أن يولد كل مولود على وجه الأرض. وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران يقول له: من ذكرت يا ثلث الإسلام.
قال المصنف: فإذا كان ابن بطة يقول سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى سماعه فكيف يدفع هذا بنفي فيقال ما سمع فالقادح بهذا لا يخلو إما أن يكون قليل الدين أو قليل الفهم فيكون ما رأى سماعه في نسخة أو ما رآه حاضرًا مع طبقته فينفي عنه السماع قال الخطيب وحدثني عبد الواحد بن برهان قال قال لي محمد بن أبي الفوارس رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْبَغَوِيِّ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ] : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ الْخَطِيبُ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ بَطَّةَ.
[قال المصنف] : وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هذا لا يصح عن ابن برهان قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أحمد بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة لا أصل له وهو شيخي وعنه أخذت العلم في البداية والثاني أنه لو صح فقد ذكرنا القدح في ابن برهان فيقال حينئذ للخطيب لم قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وأن الكفار لا يخلدون فيخرج بذلك إلى الكفر بخرقه الإجماع
( قلت ولو صح فهو وهم من ابن بطة )
فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم، وحكيت عن العلماء أنه الصالح المجاب الدعوة أفلا تستحيي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ باللَّه من الهوى، توفي عبد الله بن بطة بعكبرا في محرم هذه السنة.