تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    اليوم 1/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق 24/ ابريل / 2020 ميلادي
    ( 1 )
    تفسير الحافظ ابن كثير :
    ط " دار طيبة " تحقيق سامي السلامة
    الحمد لله رب العالمين وبه نستعين :

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] .
    {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] .
    {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70، 71] .
    أما بعد :
    قال المحقق : (ج1/ ص 7-9 )
    وتفسير ابن كثير -رحمه الله-من أعظم وأجل كتب التفسير، أمضى فيه مؤلفه -رحمه الله-عمرا طويلا وهو يقلب فيه بين الفينة والأخرى، محليا إياه بفائدة تخطر له، أو حكاية قول أزمع تحقيقه.
    وقد احتوى تفسيره على الكثير من الأحاديث والآثار من مصادر شتى، حتى أتى على مسند الإمام أحمد فكاد يستوعبه، كما نقل عن مصادر لا ذكر لها في عالم المخطوطات، كتفسير الإمام أبي بكر بن مردويه، وتفسير الإمام عبد بن حميد، وتفسير الإمام ابن المنذر، وغيرها كثير.
    كما تضمن تفسير ابن كثير-رحمه الله-بعض المباحث الفقهية والمسائل اللغوية، وقد قال الإمام
    السيوطي: لم يؤلف على نمط مثله.
    والطريقة التي اتبعها الحافظ ابن كثير في كتابه أن يذكر الآية، ثم يذكر معناها العام، ثم يورد تفسيرها من القرآن أو من السنة أو من أقوال الصحابة والتابعين، وأحيانا يذكر كل ما يتعلق بالآية من قضايا أو أحكام، ويحشد لذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويذكر أقوال المذاهب الفقهية وأدلتها والترجيح بينها.
    وقد أبان الحافظ ابن كثير عن طريقته في مقدمة تفسيره،قال: "فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك فعليك بالسنة؛ فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لاسيما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين-وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعي
    .............................. ..
    (ج1/ ص 18)
    يعد تفسير الحافظ ابن كثير، رحمه الله، من الكتب التي كتب الله لها القبول والانتشار، فلا تكاد تخلو منه اليوم مكتبة سواء كانت شخصية أو عامة.
    وقد نهج الحافظ ابن كثير فيه منهجا علميا أصيلا وساقه بعبارة فصيحة وجمل رشيقة، وتتجلى لنا أهمية تفسير الحافظ ابن كثير، رحمه الله،في النقاط التالية: 1-ذكر الحديث بسنده.
    2-حكمه على الحديث في الغالب.
    3-ترجيح ما يرى أنه الحق، دون التعصب لرأي أو تقليد بغير دليل.
    4-عدم الاعتماد على القصص الإسرائيلية التي لم تثبت في كتاب الله ولا في صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما ذكرها وسكت عليها، وهو قليل.
    5-تفسيره ما يتعلق بالأسماء والصفات على طريقة سلف الأمة، رحمهم الله، من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل.
    6-استيعاب الأحاديث التي تتعلق بالآية، فقد استوعب، رحمه الله،الأحاديث الواردة في عذاب القبر ونعيمه عند قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}
    وكذا استوعب أحاديث الإسراء والمعراج عند قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} وكذا الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي عند قول الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وكذا الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت عند تفسير قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} وغير هذا كثير (1) .
    وقد قال السيوطي في ترجمة الحافظ ابن كثير: "له التفسير الذي لم يؤلف على نمط مثله".
    وقال الشوكاني: "وله تصانيف، منها التفسير المشهور وهو في مجلدات، وقد جمع فيه فأوعى، ونقل المذاهب والأخبار والآثار، وتكلم بأحسن كلام وأنفسه، وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها"
    .................
    (ج1/ ص 19)
    أما مصادر الحافظ ابن كثير في تفسيره فقد سردها الدكتور إسماعيل عبد العال في كتابه " ابن كثير ومنهجه في التفسير" أنقلها هنا حسب ترتيب المواضيع:
    أولا الكتب السماوية:
    1-القرآن الكريم.
    2-التوراة، وأشار أنه نقل من نسختين.
    3-الإنجيل.
    ثانيا: في التفسير وعلوم القرآن:
    أ-في التفسير:
    4-تفسير آدم بن أبي إياس، المتوفى سنة / 220 هـ أو 221 هـ.
    5-تفسير أبي بكر بن المنذر، المتوفى سنة / 318 هـ 0
    6-تفسير ابن أبي حاتم، المتوفى سنة /223 هـ/. (ط) قسم منه.
    7-تفسير أبو مسلم الأصبهاني (محمد بن بحر) ، المتوفى سنة /322 هـ،واسم كتابه: "جامع التأويل لمحكم التنزيل".
    8-تفسير ابن أبي نجيح (عبد الله بن يسار الأعرج المكي مولى ابن عمر) .
    9-تفسير البغوي (أبو محمد الحسن بن مسعود بن محمد الفراء) ، المتوفى سنة 516، واسم كتابه (معالم التنزيل) . (ط)
    0-تفسير ابن تيمية (تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم) ، المتوفى سنة 728 هـ،وهو جزء في تفسير قوله تعالى: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} (
    من مقدمة الوادعي (ص 5 )
    11-تفسير الثعلبي (أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق النيسابوري) ، المتوفى سنة 427 هـ (مخطوط) في المكتبة المحمودية.
    12-تفسير الجبائي (أبي علي) المتوفى سنة 303 هـ.
    13-تفسير ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي) ، المتوفى سنة 597 هـ، واسم الكتاب (زاد المسير في علم التفسير) وهو مخطوط بدار الكتب تحت رقم 123 تفسير في أربعة مجلدات. (ط) .
    14-تفسير ابن دحيم (أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم) ، المتوفى سنة 319 هـ.
    15-تفسير الرازي (محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري أبو عبد الله المشهور بفخر الدين الرازي) ، المتوفى سنة 606 هـ، وكتابه يسمى "التفسير الكبير" المشهور بمفاتيح الغيب. (ط) .
    16-تفسير الزمخشري (جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الخوارزمي) ، المتوفى سنة 538 هـ وكتابه يدعى (الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) . (ط) .
    17-تفسير السدي الكبير، المتوفى سنة 137 هـ-745 م.
    18-تفسير سنيد بن داود، المتوفى سنة 226 هـ.
    19-تفسير شجاع بن مخلد، المتوفى سنة 235 هـ.
    20-تفسير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ (ط) .
    21-تفسيرعبد بن حميد، المتوفى سنة 249 ه
    ....................
    (ج1/ ص 35 )
    قال في مقدمة تفسيره -بعد أن ذكر حديث "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"-: "ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد. فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما نشهد له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم. وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك. كما يذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم، وعصا موسى من أي شجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز. كما قال تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم} إلى آخر الآية [الكهف
    قال في أول سورة ق: "وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق، جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف!!! وكأن هذا -والله أعلم-من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم. كما افتري في هذه الأمة -مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها-أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالعهد من قدم. فكيف بأمة بني إسرائيل، مع طول المدى، وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته. وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل. فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل"
    وقال عند تفسير الآيات (41-44) من سورة النمل -وقد ذكر في قصة ملكة سبأ أثرا طويلا عن ابن عباس، وصفه بأنه "منكر غريب جدا"-ثم قال: "والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب، سامحهما الله فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ. ولله الحمد والمنة".
    وقال عند تفسير الآية: (46) من سورة العنكبوت-بعد أن روى الحديث: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"-قال: "ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه، ثم ما أقل فائدته".
    وقال عند تفسير قوله تعالى: {ولي فيها مآرب أخرى} [طه: 18] : "أي مصالح ومنافع وحاجات أخرى غير ذلك، وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمته،فقيل: كانت تضيء له بالليل، وتحرس له الغنم إذا نام، ويغرسها فتصير شجرة تظله، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، والظاهر أنها لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى، عليه الصلاة والسلام، صيرورتها ثعبانا، فما كان يفر منها هاربا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية

    ..............
    (ج1/ ص 101 )
    فاتحة الكتاب
    يقال لها: الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطا، وبها تفتح (1) القراءة في الصلاة (2) ويقال لها أيضا: أم الكتاب عند الجمهور، وكره أنس، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن: الآيات المحكمات: هن أم الكتاب، ولذا كرها (3) -أيضا -أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [الحديث] (4) الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم " ويقال لها: الحمد، ويقال لها: الصلاة، لقوله عليه السلام (5) عن ربه: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي " الحديث. فسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: " فاتحة الكتاب شفاء من كل سم (6) ". ويقال لها: الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أنها رقية؟ ". وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها (7) بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة: الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " (8) . ويقال لها: سورة الصلاة والكنز ذكرهما الزمخشري في كشافه. وهي مكية، قاله (9) ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل مدنية، قاله (10) أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال: نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] ، والله أعلم (11) . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جدا، نقله القرطبي عنه. وهي سبع آيات بلا خلاف، [وقال عمرو بن عبيد: ثمان، وقال حسين الجعفي: ستة (12) وهذان شاذان] (13)
    .................
    (ج1/ ص 101)
    وإنما اختلفوا في البسملة: هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء؟ على ثلاثة أقوال
    قالوا: وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا. قال البخاري في أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتب، أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة (1) وقيل: إنما (2) سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله (3) إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر (4) أو مقدم لأمر -إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع
    يقال لها أيضا: الفاتحة؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصح تسميتها بالسبع المثاني، قالوا: لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة
    ............
    (ج1/ ص 106)
    ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: " اقرأ: الحمد لله رب العالمين، حتى تختمها " (7) . هذا إسناد جيد، وابن عقيل تحتج (8) به الأئمة الكبار، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي، والله أعلم. ويقال: إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر (9) . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض، كما هو المحكي عن كثير من العلماء، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن العربي، وابن الحصار من المالكية. وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك؛ لأن الجميع كلام الله، ولئلا يوهم التفضيل نقص
    المفضل عليه، وإن كان الجميع فاضلا نقله القرطبي عن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وأبي حاتم بن حبان البستي، ويحيى بن يحيى، ورواية عن الإمام مالك [أيضا]
    .........
    (ج1/ ص 108)
    ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب، أم تجزئ هي أو غيرها؟ على قولين مشهورين، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة، واحتجوا بعموم قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] ، وبما ثبت في الصحيحين، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته (5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " (6) قالوا: فأمره بقراءة ما تيسر، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها، فدل على ما قلناه.
    والقول الثاني: أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة، ولا تجزئ الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة: مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور، حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " والخداج هو: الناقص كما فسر به في الحديث: " غير تمام ". واحتجوا -أيضا-بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " (7) . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " (8) والأحاديث في هذا الباب كثيرة،
    م إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم: أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات، وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من
    الصلوات، أخذا بمطلق الحديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
    وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين (1) قراءتها، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] ، [كما تقدم] (2) والله أعلم.
    وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعا: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها " (3) . وفي صحة هذا نظر، وموضح (4) تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير، والله أعلم.

    .................

    (ج1/ ص 109)
    لوجه الثالث: هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
    أحدها: أنه تجب عليه قراءتها، كما تجب على إمامه؛ لعموم الأحاديث المتقدمة.
    والثاني: لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " ولكن في إسناده ضعف (5) . ورواه مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر من كلامه (6) . وقد روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
    والقول الثالث: أنه تجب القراءة على المأموم في السرية، لما (7) تقدم، ولا تجب (8) في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا " وذكر بقية الحديث (9) .
    وهكذا رواه أهل السنن؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وإذا قرأ فأنصتوا " (10) . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي، رحمه الله، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل (11) .

    ....
    (ج1/ ص 111)
    والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها، إنما تكون قبل التلاوة، ومعنى الآية عندهم: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة كقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} الآية [المائدة: 6] أي: إذا أردتم القيام. والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله
    (ج1/ ص 113)
    وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال: وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية: {فاستعذ} وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب. وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه.
    مسألة: وقال الشافعي في الإملاء، يجهر بالتعوذ، وإن أسر فلا يضر، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى: هل يستحب التعوذ فيها؟ على قولين، ورجح عدم الاستحباب، والله أعلم. فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد (5) بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم، وقال آخرون: بل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لمطابقة أمر الآية ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور، والأحاديث الصحيحة، كما تقدم، أولى بالاتباع من هذا، والله أعلم.

    ...........

    (ج1/ ص 114)
    ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف:
    بل للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد، والجمهور بعدها قبل القراءة.
    ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني، وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} [الإسراء: 65] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.
    فصل: والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي:
    يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به ممن أحاذره
    لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره
    (ج1/ ص 114)
    ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته (2) بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة، قوله في الأعراف: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [الأعراف: 200] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون ": {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 96 -98] ، وقال تعالى في سورة " حم السجدة ": {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}

    ..................
    قال المحقق في الهامش (ج1/ ص 115)
    عن البيتين
    ل المتنبي:
    يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به ممن أحاذره
    لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره
    ذكر البيتين الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/275) وقال: "وقد بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- أنه كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة في مخلوق ويقول: إنما يصلح هذا لجناب الله -سبحانه وتعالى- وأخبرني العلامة شمس الدين ابن القيم -رحمه الله- أنه سمع الشيخ تقي الدين المذكور يقول: ربما قلت هذين البيتين في السجود أدعو الله بما تضمناه من الذل والخضوع

    (ج1/ ص 116)
    افتتح بها الصحابة كتاب الله، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا: هل هي آية مستقلة في أول كل سورة، أو من أول كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من أول كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها [إنما] (2) كتبت للفصل، لا أنها (3) آية؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع.
    وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه {بسم الله الرحمن الرحيم} وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا (4) ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير. وفي صحيح ابن خزيمة، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عنها (5) . وروى له الدارقطني متابعا، عن أبي هريرة مرفوعا (6) . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما (7) . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وعلي. ومن التابعين: عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهري، وبه يقول عبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، في رواية عنه، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، رحمهم الله
    وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقال الشافعي في قول، في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة، وهما غريبان.
    وقال داود: هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل. وحكاه أبو بكر الرازي، عن أبي الحسن الكرخي، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة، رحمهم الله (1) . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا. فأما ما يتعلق بالجهر بها، فمفرع على هذا؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها، وكذا من قال: إنها آية من (2) أولها، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا؛ فذهب الشافعي، رحمه الله، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا (3) ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وحكاه ابن عبد البر، والبيهقي عن عمر وعلي، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو غريب. ومن التابعين عن سعيد بن جبير، وعكرمة، وأبي قلابة، والزهري، وعلي بن الحسين، وابنه محمد، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وسالم، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبي وائل، وابن سيرين، ومحمد بن المنكدر، وعلي بن عبد الله بن عباس، وابنه محمد، ونافع مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وعمر بن عبد العزيز، والأزرق بن قيس، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي الشعثاء، ومكحول، وعبد الله بن معقل بن مقرن. زاد البيهقي: وعبد الله بن صفوان، ومحمد بن الحنفية. زاد ابن عبد البر: وعمرو بن دينار.
    والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة، فيجهر بها كسائر أبعاضها، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم (4) .
    وروى أبو داود والترمذي، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك (5) .
    وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: صحيح (6) وفي صحيح البخاري، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراء
    "رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءته مدا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم (1) .
    وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، عن أم سلمة، قالت (2) : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. وقال الدارقطني: إسناده صحيح (3) .
    وروى الشافعي، رحمه الله، والحاكم في مستدركه، عن أنس: أن معاوية صلى بالمدينة، فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلما صلى المرة الثانية بسمل (4) .
    وفي هذه الأحاديث، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها، فأما المعارضات والروايات الغريبة، وتطريقها، وتعليلها وتضعيفها، وتقريرها، فله موضع آخر.
    وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل، وطوائف من سلف التابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري، وأحمد بن حنبل.
    وعند الإمام مالك: أنه لا يقرأ البسملة بالكلية، لا جهرا ولا سرا، واحتجوا بما في صحيح مسلم، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين (5) . وبما في الصحيحين، عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين. ولمسلم: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها (6) . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه (7) .
    فهذه مآخذ الأئمة، رحمهم الله، في هذه المسألة وهي قريبة؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر، ولله الحمد والمنة

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    اليوم : الأثنين
    الموافق : 4/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق 27/ ابريل / 2020 ميلادي
    " وبه نستعين "
    تم تفسير " سورة الفاتحة "
    ويليها سورة البقرة "
    من تفسير ابن كثير رحمه الله

    .........
    (ج1/ ص 120)
    تستحب في أول الخطبة لما جاء: "كل أمر (9) لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أجذم" (10) ، [وتستحب البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك (11) ] (12) ، وتستحب في أول الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن، من رواية أبي هريرة، وسعيد بن زيد، وأبي سعيد مرفوعا: "لا وضوء لمن لم
    ذكر اسم الله عليه" (1) ، وهو حديث حسن. ومن العلماء من أوجبها عند الذكر هاهنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقا، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقا في قول بعضهم،
    وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن ولد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات" وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها.
    وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: "قل: باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" (2) . ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا"
    وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن ولد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات" وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها.
    وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: "قل: باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" (2) . ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا"
    (ج1/ 116)
    ن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك: باسم الله، هل هو اسم أو فعل متقاربان وكل قد ورد به القرآن؛ أما من قدره باسم، تقديره: باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود: 41] ، ومن قدره بالفعل [أمرا وخبرا نحو: أبدأ ببسم الله أو ابتدأت ببسم الله] (4) ، فلقوله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] وكلاهما صحيح، فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قياما أو قعودا أو أكلا أو شربا أو قراءة أو وضوءا أو صلاة، فالمشروع ذكر [اسم] (5) الله في الشروع في ذلك كله، تبركا وتيمنا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم؛
    (ج1/ ص 121 )
    وأما مسألة الاسم: هل هو المسمى أو غيره؟ ففيها للناس ثلاثة أقوال:
    [أحدها: أن الاسم هو المسمى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلاني وابن فورك، وقال فخر الدين الرازي -وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري-في مقدمات تفسيره:
    قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير التسمية، وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا: أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
    ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى، بأنه قد يكون الاسم موجودا والمسمى مفقودا كلفظة المعدوم، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة وقد يكون الاسم واحدا والمسميات متعددة كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضا فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتا ممكنة أو واجبة بذاتها، وأيضا فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل، وأيضا فقد قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما" (1) ، فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى، وأيضا فقوله: {ولله الأسماء الحسنى} أضافها إليه، كما قال: {فسبح باسم ربك العظيم}
    ..............
    (ج1/ ص 123)
    وقد ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم: ألف في الكتاب والسنة الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، وألف في اللوح المحفوظ] (3) .
    وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل ويفعل، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له. وقد نقل القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة. قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول: يا الله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام (4) . وقيل: إنه مشتق، واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج:
    لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهي (5)
    فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التأله، من أله يأله إلاهة وتألها، كما روي أن ابن عباس قرأ: "ويذرك وإلاهتك" قال: عبادتك، أي: أنه كان يعبد ولا يعبد، وكذا قال مجاهد وغيره.
    وقد استدل بعضهم على كونه مشتقا بقوله: {وهو الله في السماوات وفي الأرض} [الأنعام: 3] أي: المعبود في السماوات والأرض، كما قال: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} [الزخرف: 84] ، ونقل سيبويه عن الخليل: أن أصله: إلاه، مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة، قال سيبويه: مثل الناس، أصله: أناس، وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم وهذا اختيار سيبويه.
    ...............
    (ج1/ ص 124)
    قد اختار فخر الدين أنه اسم علم غير مشتق البتة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه:
    منها: أنه لو كان مشتقا لاشترك في معناه كثيرون، ومنها: أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق، قال: فأما قوله تعالى: {العزيز الحميد الله} [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان، ومنها قوله تعالى: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65] ، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدا غير مشتق نظر، والله أعلم.
    وحكى فخر الدين عن بعضهم أنه ذهب إلى أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي، ثم ضعفه، وهو حقيق بالتضعيف كما قال، وقد حكى فخر الدين هذا القول ثم قال: واعلم أن الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة؛ فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه بنصب اللام وجرها لغتان، وقيل: إنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس: لاهت.
    .......
    (ج1/ ص 125)
    وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد: أن الرحمن اسم عبراني ليس بعربي، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوب عنه (1) . وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" (2) . قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق.
    قال: وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له، قال القرطبي: هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجل غضبان، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو علي الفارسي: الرحمن: اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: 43] ، وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة، ثم حكي عن الخطابي وغيره: أنهم استشكلوا هذه الصفة، وقالوا: لعله أرفق كما جاء في الحديث: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" (3) . وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" (4) ، وقال بعض الشعراء:
    لا تطلبن بني آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تغلق (5)
    الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
    ................
    (ج1/ ص 126)
    وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن، حتى رد الله عليهم ذلك بقوله: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] ؛ ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} "، فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري (6) ، وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا}
    ............
    (ج1/ ص 128)
    قال ابن عباس: {الحمد لله} كلمة كل شاكر، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل: {الحمد لله} شكرا (4) ] (5) .
    وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان، كما قال الشاعر:
    أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
    ولكنهم (6) اختلفوا: أيهما أعم، الحمد أو الشكر؟ على قولين، والتحقيق أن بينهما عموما وخصوصا، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه. وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه (7) ، لأنه يكون بالقول والعمل (8) والنية، كما تقدم، وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال: شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إلي. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين، والله أعلم.
    وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم، تقول: حمدت الرجل أحمده حمدا
    .............
    (ج1/ ص 131)
    ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة تقول: رب الدار رب كذا، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل، وقد قيل: إنه الاسم الأعظم] (4) . والعالمين: جمع عالم، [وهو كل موجود سوى الله عز وجل] (5) ، والعالم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات [في السماوات والأرض] (6) في البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالما أيضا.
    قال بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] الحمد لله الذي له الخلق كله، السماوات والأرضون، ومن فيهن وما بينهن، مما نعلم، وما لا نعلم.
    وفي رواية سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس: رب الجن والإنس. وكذلك قال سعيد بن
    ..............
    (ج1/ ص 132)
    ستدل القرطبي لهذا القول بقوله: {ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1] وهم الجن والإنس. وقال الفراء وأبو عبيدة: العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم: عالم، وعن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء (3) كل ما له روح يرتزق. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم -وهو آخر خلفاء بني أمية ويعرف بالجعد ويلقب بالحمار -أنه قال: خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات وأهل الأرض عالم واحد وسائر ذلك لا يعلمه (4) إلا الله، عز وجل.
    وقال قتادة: رب العالمين، كل صنف عالم. وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله تعالى {رب العالمين} قال: الإنس عالم، والجن عالم، وما سوى (5) ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعة عشر ألف عالم، هو يشك، من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم، وخمسمائة عالم، خلقهم [الله] (6) لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
    [وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح] (7) .

    .............
    (ج1/ ص 133)
    لكي يوم الدين" وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى، وكلاهما صحيحة حسنة، ورجح الزمخشري ملك؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحق وله الملك} وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ "ملك يوم الدين" على أنه فعل وفاعل ومفعول، وهذا شاذ غريب جدا] (4) . وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي، حدثنا عبد الوهاب عن عدي (5) بن الفضل، عن أبي المطرف، عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون: {مالك يوم الدين} وأول من أحدث "ملك" مروان (6) . قلت: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم.

    ............
    (ج1/ ص 134)
    ال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض
    .........
    (ج1/ ص 135)
    وقد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم: أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة؛ لكون العبادة تصدر (3) من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق؛ قال: ولأن الله متولي مصالح عبده، والرسول متولي مصالح أمته (4) وهذا القول خطأ، والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له، ولم يتعرض له فخر الدين بتضعيف ولا رده. وقال بعض الصوفية: العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب؛ قالوا: وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى، وهذا -أيضا-عندهم ضعيف، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال، قالوا: ولهذا يقول المصلي: أصلي لله، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء (5) العذاب لبطلت صلاته. وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا، ولا أن يدفع عذابا، كما قال ذلك الأعرابي: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حولها ندندن
    .............
    (ج1/ 136)
    {اهدنا الصراط المستقيم (6) }
    قراءة الجمهور بالصاد. وقرئ: "السراط" وقرئ بالزاي، قال الفراء: وهي لغة بني عذرة وبلقين (7) وبني كلب.
    ..........
    (ج1/ 137)
    ما الصراط المستقيم، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن "الصراط المستقيم" هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
    وكذلك ذلك في لغة جميع العرب، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي:
    أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم
    قال: والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر، قال: ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل، وصف باستقامة أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوج باعوجاجه.
    ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد، وهو المتابعة لله وللرسول؛ فروي أنه كتاب الله، قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني يحيى بن يمان، عن حمزة الزيات، عن سعد، وهو أبو (3) المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصراط المستقيم كتاب الله" (4) . وكذلك رواه ابن جرير، من حديث حمزة بن حبيب الزيات، وقد [تقدم في فضائل القرآن فيما] (5) رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور، عن علي مرفوعا: "وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم" (6) .
    .........
    (ج1/ ص 139)
    إن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} الآية [النساء: 136] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، والله أعلم.
    وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا. فمعنى قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره.
    .........
    (ج1/ ص 140)
    وقال أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: {صراط الذين أنعمت عليهم} قال: هم النبيون. وقال ابن جريج، عن ابن عباس: هم المؤمنون. وكذا قال مجاهد. وقال وكيع: هم المسلمون. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. والتفسير المتقدم، عن ابن عباس أعم، وأشمل، والله أعلم
    .............
    (ج1/ ص 141)
    روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: أنه كان يقرأ: " غير المغضوب عليهم وغير الضالين". وهذا إسناد صحيح (3) ، [وكذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك]
    .........
    (ج1/ ص 143)
    قد روى ابن مردويه، من حديث إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال: "اليهود"، [قال] (11) قلت: الضالين، قال: "النصارى" (12) . وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {غير المغضوب عليهم} هم اليهود، {ولا الضالين} هم النصارى.
    وقال الضحاك، وابن جريج، عن ابن عباس: {غير المغضوب عليهم} اليهود، {ولا الضالين}
    [هم] (1) النصارى.
    وكذلك قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا.
    .........
    (ج1/ ص 144)
    وفي السيرة (3) (4) عن زيد بن عمرو بن نفيل؛ أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف، قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. فقال: أنا من غضب الله أفر. وقالت له النصارى: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال: لا أستطيعه. فاستمر على فطرته، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين، ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى، وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك، وكان منهم ورقة بن نوفل، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي، رضي الله عنه.

    ...................
    (ج1/ ص 144)
    مسألة) : والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم. وأما حديث: "أنا أفصح من نطق بالضاد" فلا أصل له والله أعلم. فصل
    .........
    (ج1/ ص 144)
    أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه (1) ، ويحتجون على بدعتهم (2) بمتشابه من القرآن، ويتركون ما يكون فيه صريحا في الرد عليهم، وهذا حال أهل الضلال والغي، وقد ورد في الحديث الصحيح: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" (3) . يعني في قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} [آل عمران: 7] ، فليس -بحمد الله-لمبتدع في القرآن حجة صحيحة؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى والضلال، وليس فيه تناقض ولا اختلاف؛ لأنه من عند الله، تنزيل من حكيم حميد
    .......
    (ج1/ ص 144)
    ستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين [مثل: يس] (5) ، ويقال: أمين. بالقصر أيضا [مثل: يمين] (6) ، ومعناه: اللهم استجب، والدليل على ذلك (7) ما رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: "آمين"، مد (8) بها صوته، ولأبي داود: رفع بها صوته (9) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وروي عن علي، وابن مسعود وغيرهم.
    وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: "آمين" حتى يسمع من يليه من الصف الأول، رواه أبو داود، وابن ماجه، وزاد: يرتج (10) بها المسجد (11) ، والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن.
    وعن بلال أنه قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين. رواه أبو داود (
    ..............
    (ج1/ ص 145)
    قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي، وسواء كان منفردا أو إماما أو مأموما، وفي جميع الأحوال، لما جاء في الصحيحين، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه" ولمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، والملائكة (2) في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه" (3) . [قيل: بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان، وقيل: في الإجابة، وقيل: في صفة الإخلاص] (4) . وفي صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا: "إذا (5) قال، يعني الإمام: {ولا الضالين} ، فقولوا: آمين. يجبكم الله" (6) . وقال جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قلت: يا رسول الله، ما معنى آمين؟ قال: "رب افعل" (7) . وقال الجوهري: معنى آمين: كذلك فليكن، وقال الترمذي: معناه: لا تخيب رجاءنا، وقال الأكثرون: معناه: اللهم استجب لنا، وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن كيسان: أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح، قاله أبو بكر بن العربي المالكي (8) . وقال أصحاب مالك: لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم، لما رواه مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا قال، يعني الإمام: {ولا الضالين} ، فقولوا: آمين". الحديث (9) . واستأنسوا -أيضا-بحديث أبي موسى: "وإذا قرأ: {ولا الضالين} ، فقولوا: "آمين".
    وقد قدمنا في المتفق عليه: "إذا أمن الإمام فأمنوا" وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ (10) {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
    .........
    (ج1/ ص 146)
    وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية، وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به قولا واحدا، وإن أمن الإمام جهرا فالجديد أنه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن مالك؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة. والقديم أنه يجهر به، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، والرواية الأخرى عن مالك، لما (1) تقدم: "حتى يرتج المسجد".
    ولنا قول آخر ثالث: إنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم (2) ، لأنهم يسمعون قراءة الإمام، وإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد، والله أعلم.
    وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود، فقال: "إنهم لن يحسدونا (3) على شيء كما يحسدونا (4) على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين" (5) ، ورواه ابن ماجه، ولفظه: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (6) ، وله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: "آمين" (7) وفي إسناده طلحة بن عمرو، وهو ضعيف.
    فدل ذلك على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله؛ فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها؛ ولهذا جاء في الحديث: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وكان بلال يقول: لا تسبقني بآمين. فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية، والله أعلم.
    ولهذا قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن ليث بن أبي سليم، عن كعب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: آمين، فتوافق (1) آمين أهل الأرض آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه، ومثل من لا يقول: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم، فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه، فقال: لم لم يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل: آمين" (2) .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    اليوم : الأربعاء
    الموافق : 7/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق 30/ ابريل / 2020 ميلادي

    تابع / تفسير سورة البقرة للحافظ ابن كثير رحمه الله
    وبه نستعين :

    ................
    (ج1/ ص 150)
    وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط (5) . وقال: إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لبابا، وإن لباب القرآن المفصل (6) . وروى -أيضا-من طريق الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها (7) وفي رواية: لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرآن على مجنون إلا أفاق.
    وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن البقرة، من قرأها في بيته ليلة (8) لم يدخله الشيطان (9) ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله
    الشيطان (1) ثلاثة أيام ".
    رواه أبو القاسم الطبراني، وأبو حاتم، وابن حبان في صحيحه
    ...........
    (ج1/ ص 154)
    ن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ السبع فهو حبر" (1) .
    وهذا أيضا غريب، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي، روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا، فالله أعلم.
    وقد رواه الإمام أحمد، عن سليمان بن داود، وحسين، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر، به (2) .
    ورواه -أيضا-عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن حبيب بن هند، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر " (3) .

    ن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] ، قال: هي السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس. قال: وقال مجاهد: هي السبع الطول.
    ,,,,,,,,,,,,
    (ج1/ ص 156)
    د اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه، فردوا علمها إلى الله، ولم يفسروها [حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم به، وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خثيم، واختاره
    أبو حاتم بن حبان
    منهم من فسرها، واختلف هؤلاء في معناها، فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنما هي أسماء السور [قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره: وعليه إطباق الأكثر، ونقله عن سيبويه أنه نص عليه] (3) ، ويعتضد هذا بما ورد في الصحيحين، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، وهل أتى على الإنسان
    وقال سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أنه قال: الم، وحم، والمص، وص، فواتح افتتح الله بها القرآن.
    وكذا قال غيره: عن مجاهد. وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عنه، أنه قال: الم، اسم من أسماء القرآن.
    وهكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم، ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد: أنه اسم من أسماء السور (5) ، فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن، فإنه يبعد أن يكون "المص" اسما للقرآن كله؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت "المص"، إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف، لا لمجموع القرآن. والله أعلم.
    وقيل: هي اسم من أسماء الله تعالى. فقال الشعبي: فواتح السور من أسماء الله تعالى، وكذلك قال سالم بن عبد الله، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، وقال شعبة عن السدي: بلغني أن ابن عباس قال: الم اسم من أسماء الله الأعظم. هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة.
    ورواه ابن جرير عن بندار، عن ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت السدي عن حم وطس والم، فقال: قال ابن عباس: هي اسم الله الأعظم.

    وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله تعالى.
    وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة أنه قال: الم، قسم.
    ورويا (7) -أيضا-من حديث شريك بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: الم، قال: أنا الله أعلم.
    ........
    (ج1/ ص 157)
    لكلمة الواحدة تطلق على معان كثيرة، كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين، كقوله تعالى: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22، 23] . وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله، كقوله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} [النحل: 120] وتطلق ويراد بها الجماعة، كقوله: {وجد عليه أمة من الناس يسقون} [القصص: 23] ، وقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} [النحل: 36] وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله: {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة} [يوسف: 45] أي: بعد حين على أصح القولين، قال: فكذلك هذا.
    .......
    (ج1/ص159)
    وقال خصيف، عن مجاهد، أنه قال: فواتح السور كلها "ق وص وحم وطسم والر" وغير ذلك هجاء موضوع. وقال بعض أهل العربية: هي حروف من حروف المعجم، استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا، كما يقول القائل: ابني يكتب في: اب ت ث، أي: في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها. حكاه ابن جرير.
    قلت: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا، وهي: ال م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن، يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عددا، والمذكور منها أشرف من المتروك، وبيان ذلك من صناعة التصريف.
    [قال الزمخشري: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة، ومن الرخوة والشديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله]
    .........
    (ج1/ ص 160)
    لم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين. هذا مقام.
    المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور، ما (2) هي؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها. فقال بعضهم: إنما ذكرت لنعرف بها أوائل السور. حكاه ابن جرير، وهذا ضعيف؛ لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه، وفيما ذكرت فيه بالبسملة تلاوة وكتابة.
    وقال آخرون: بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين -إذ (3) تواصوا بالإعراض عن القرآن -حتى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلف منه. حكاه ابن جرير -أيضا-، وهو ضعيف أيضا؛ لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا (4) يكون في بعضها، بل غالبها ليس كذلك، ولو كان كذلك -أيضا-لانبغى (5) الابتداء بها في أوائل الكلام معهم، سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك. ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.
    وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه [تركب] (6) من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
    ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 1، 2] . {الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه}
    .........
    (ج1/ ص 161)
    وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب المغازي، حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب، قال: مر أبو ياسر (1) بن أخطب، في رجال من يهود، برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه [هدى للمتقين] (2) } [البقرة: 1، 2] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال: تعلمون -والله-لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عليه: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود (3) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالوا: يا محمد، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: {الم * ذلك الكتاب لا [ريب] } (4) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى". فقالوا: جاءك (5) بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: "نعم". قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه (6) بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام (7) حيي بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيره؟ فقال: "نعم"، قال: ما ذاك؟ قال: "المص"، قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد سبعون (8) ، فهذه إحدى وثلاثون (9) ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره....
    هذا مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم(1)والله أعلم
    ........
    (ج1/ ص 162)
    قال ابن جريج: قال ابن عباس: "ذلك الكتاب": هذا الكتاب. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والسدي ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، وابن جريج: أن ذلك بمعنى هذا، والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم.
    ...
    (ج1/ ص 162)
    و {الكتاب} القرآن. ومن قال: إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل، كما حكاه ابن جرير وغيره، فقد أبعد النجعة وأغرق (2) في النزع، وتكلف ما لا علم له به.

    ...........
    (ج1/ ص 164)
    في سنن ابن ماجه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" (2) .
    {الذين يؤمنون بالغيب (3) }
    قال أبو جعفر الرازي، عن العلاء بن المسيب بن رافع، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: الإيمان التصديق.
    .......
    (ج1/ ص 158)
    قال جويبر، عن الضحاك: كانت النفقات قربات (8) يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات: سبع آيات في سورة براءة، مما يذكر فيهن الصدقات، هن الناسخات المثبتات.
    وقال قتادة: {ومما رزقناهم ينفقون} فأنفقوا مما أعطاكم الله، هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم، يوشك أن تفارقها.
    واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات، فإنه قال: وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم: أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين، زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته، من أهل أو عيال وغيرهم، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك؛ لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه.
    قلت: كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتوكل عليه؛ والإنفاق هو
    الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" (1) . والأحاديث في هذا كثيرة.
    وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء، قال الأعشى:
    لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ... وإن ذبحت صلى عليها وزمزما (2)
    وقال أيضا (3) وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم
    ........
    (ج1/ ص 174)
    ال ابن جرير: وقال بعضهم: إنما معنى قوله: {ختم الله على قلوبهم} إخبار من الله عن تكبرهم، وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق، كما يقال: إن فلانا لأصم عن هذا الكلام، إذا امتنع من سماعه، ورفع (6) نفسه عن تفهمه تكبرا.
    قال: وهذا لا يصح؛ لأن الله قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.
    (قلت) : وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدا، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده -تعالى الله عنه في اعتقاده-ولو فهم قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وقوله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال، والله أعلم
    ............
    (ج1/ ص 174)
    قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال: {بل طبع الله عليها بكفرهم} وذكر حديث تقليب القلوب: "ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها
    ............
    (ج1/ ص 175)
    ن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14] (3) .
    وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي، عن قتيبة، عن الليث بن سعد، وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان، به (4) .
    وقال الترمذي: حسن صحيح.
    ثم قال ابن جرير: فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها (5) مخلص، فذلك (6) هو الختم والطبع الذي ذكر (7) في قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض (8) ذلك عنها ثم حلها، فكذلك (9) لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحله رباطه [عنها]
    .......
    (ج1/ ص 176)
    النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي، وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب، كما سيأتي تفصيله (7) في موضعه، إن شاء الله تعالى، وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه.
    وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق، بل كان خلافه، من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها، وهو في الباطن مؤمن، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام، على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم، وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع حلفاء الخزرج، وبنو النضير، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأسلم من أسلم
    من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام، رضي الله عنه، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا؛ لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف، بل قد كان، عليه الصلاة والسلام، وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته، وأعلى الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبي بن سلول، وكان رأسا في المدينة، وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم، فجاءهم الخير وأسلموا، واشتغلوا عنه، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر قد توجه فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته، وآخرون من أهل الكتاب، فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد، لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرها، بل يهاجر ويترك ماله، وولده، وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة.
    قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} يعني: المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم.
    وكذا فسرها بالمنافقين أبو العالية، والحسن، وقتادة، والسدي.
    ولهذا نبه الله، سبحانه، على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار، أن يظن بأهل الفجور خير
    .........
    (ج1/ ص 179)
    وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه، عليه السلام، عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم، وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين: أنه قال لعمر: "أكره أن يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه" (1) ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون: إن محمدا يقتل أصحابه، قال القرطبي: وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم مع علمه بشر اعتقادهم. قال ابن عطية: وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وابن الماجشون. ومنها: ما قال مالك، رحمه الله: إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه.
    قال القرطبي: وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه، وإن اختلفوا في سائر الأحكام، قال: ومنها ما قال الشافعي: إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم؛ لأن ما يظهرونه يجب ما قبله. ويؤيد هذا قوله، عليه الصلاة والسلام، في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، عز وجل" (2) . ومعنى هذا: أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه في الآخرة جريان الحكم عليه في الدنيا،
    ........
    (ج1/ ص 180)
    قال مالك: المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم. قلت: وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا. أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا أو يتكرر منه ارتداده أم لا أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه؟ على أقوال موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام.

    ..........
    (ج1/ ص 180)
    ول من قال: كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك؛ عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة. ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم.
    فأما غير هؤلاء فقد قال تعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} الآية، وقال تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كانت تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول} وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات [صلى عليه] صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين، وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال: "إني أكره أن تتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه" وفي رواية في الصحيح "إني خيرت فاخترت" وفي رواية "لو أني أعلم لو زدت على السبعين يغفر الله له لزدت"
    ..............
    (ج1/ ص 180)
    من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله، فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة.
    وهكذا قال الربيع بن أنس، وقتادة
    قال ابن جرير: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها (3) .
    وهذا الذي قاله حسن، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} [الأنفال: 73] فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا}
    .
    ........
    (ج1/ ص 182)
    وله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} [النساء: 5] قال عامة علماء السلف: هم النساء والصبيان.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    البوم : الأحد
    الموافق : 9/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق : 3/ ا5/ 2020 ميلادي

    (ج1/ ص 200 )
    من تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى،قال الله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} [هود: 1] ، فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس على الخلاف، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يجارى ولا يدانى، فقد أخبر عن مغيبات ماضية وآتية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء، وأمر بكل خير،ونهى عن كل شر كما قال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115] أي: صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام، فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء،
    كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها،كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر، أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئا إلا قدرة المتكلم المعبر على التعبير على الشيء الخفي أو الدقيق أو إبرازه إلى الشيء الواضح، ثم تجد له فيها بيتا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته.
    وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلا وإجمالا ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا وكلما تكرر حلا وعلا لا يخلق عن كثرة الرد، ولا يمل منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن،كما قال في الترغيب: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17] وقال: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون}
    لى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي، اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء؛كما قال ابن مسعود وغيره من السلف: إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فأوعها سمعك فإنه خير ما يأمر به أو شر ينهى عنه. ولهذا قال تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الآية [الأعراف: 157] ، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا ورغبت في الأخرى، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.
    ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله
    ..........

    (ج1/ ص 201)

    [وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصوفية،فقال: إن كان هذا القرآن معجزا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته، فقد حصل المدعى وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له، كان ذلك دليلا على أنه من عند الله؛ لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته، كما قررنا، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب فخر الدين في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر و {إنا أعطيناك الكوثر} ] (
    ................
    (ج1/ ص 202)
    قيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الآية [الأنبياء: 98] ، حكاه القرطبي وفخر الدين ورجحه على الأول؛قال: لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمنكر فجعلها هذه الحجارة أولى، وهذا الذي قاله ليس بقوي،؛ وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك، ثم إن أخذ النار في هذه الحجارة -أيضا-مشاهد، وهذا الجص يكون أحجارا فتعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها. وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها،وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال: {كلما خبت زدناهم سعيرا} [الإسراء: 97] . وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمى ويشتد لهبها قال: ليكون ذلك أشد عذابا لأهلها،قال: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مؤذ في النار" وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف (1) ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين،أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار (2) ،والآخر: كل ما يؤذي فهو في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك]
    ...............
    (ج1/ ص 203)
    قد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله: {أعدت} أي: أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها: "تحاجت الجنة والنار" ومنها: "استأذنت النار ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف"، وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها" وهو عند مسلم (5) وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.
    .........
    (ج1/ ص 203)
    ال الإمام العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره: فإن قيل: قوله: {فأتوا بسورة من مثله} يتناول سورة الكوثر وسورة العصر، و {قل يا أيها الكافرون} ونحن نعلم بالضرورة أن الإتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن. فإن قلتم: إن الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدور البشر كان مكابرة، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة (1) إلى الدين: قلنا: فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني،وقلنا: إن بلغت هذه السورة في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود، وإن لم يكن كذلك، كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى تهوين أمره معجزا (2) ، فعلى التقديرين يحصل المعجز (3) ، هذا لفظه بحروفه. والصواب: أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة.
    قال الشافعي،رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [سورة العصر] . وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم،فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين؟فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال: وما هي؟فقال: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر} ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل علي مثلها،فقال: وما هو؟فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر فقر،ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني لأعلم إنك تكذب
    ..........
    (ج1/ ص 203)
    ما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به (1) وبرسله من العذاب والنكال، عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به (2) وبرسله، الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصح أقوال (3) العلماء، كما سنبسطه في موضعه، وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر، أو عكسه، أو حال السعداء ثم الأشقياء، أو عكسه. وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه،
    ..............
    (ج1/ ص 205)
    قال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء،وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. رواه ابن جرير، من رواية الثوري، وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش، به.
    وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وأتوا به متشابها} قال: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا: التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان،قالوا في الجنة: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وأتوا به متشابها، يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.
    .........
    (ج1/ ص 205)
    عن أبي سعيد،عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: "من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق" (3) .
    هذا حديث غريب. وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عفان، عن محمد بن عبيد، به،وقال: صحيح على شرط الشيخين.
    وهذا الذي ادعاه فيه نظر؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي (1) هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البستي: لا يجوز الاحتجاج به (2) .
    قلت: والأظهر أن هذا من كلام قتادة، كما تقدم، والله أعلم.

    ......

    (ج1/ ص 206*)
    قال سعيد،عن قتادة: أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما، قل أو كثر،وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟فأنزل الله: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}

    ................

    (ج1/ ص 207)
    وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا؛ إذ
    البعوضة تحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت. وكذلك مثل هؤلاء (1) القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن، إذا امتلؤوا من الدنيا ريا أخذهم الله تعالى عند ذلك، ثم تلا {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} [الأنعام: 44] .
    .......
    (ج1/ ص 207)
    وقوله: {فما فوقها} فيه قولان: أحدهما: فما دونها في الصغر، والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح، فيقول السامع (9) : نعم، وهو فوق ذلك، يعني فيما وصفت. وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة، قال الرازي: وأكثر المحققين، وفي الحديث: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" (10) . والثاني: فما فوقها: فما هو أكبر منها؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة. وهذا [قول قتادة بن دعامة و] (11) اختيار ابن جرير.
    [ويؤيده ما رواه مسلم عن عائشة،رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" (1) ] (2) .
    فأخبر أنه لا يستصغر (3) شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة،
    .......
    (ج1/ ص 208)
    ال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛لأن الله تعالى يقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}
    وقال مجاهد قوله: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها.
    وقال قتادة: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} أي: يعلمون أنه كلام الرحمن، وأنه من عند الله.
    وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك.

    ...........

    (ج1/ ص 209)
    قد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه،فقال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه، وعلى لسان رسله، ونقضهم (3) ذلك هو تركهم العمل به.
    وقال آخرون: بل هي (4) في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم، وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به، وبما جاء به من عند ربهم، ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك، وكتمانهم علم ذلك [عن] (5) الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا. وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وقول مقاتل بن حيان.
    وقال آخرون: بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق. وعهده إلى جميعهم في توحيده: ما وضع لهم (6) من الأدلة الدالة على ربوبيته، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها (7) الشاهدة لهم على صدقهم،قالوا: ونقضهم ذلك: تركهم (8) الإقرار بما ثبتت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق، وروي أيضا عن مقاتل بن حيان (9) نحو هذا، وهو حسن، [وإليه مال الزمخشري،
    فإنه قال: فإن قلت: فما المراد بعهد الله؟قلت: ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد،كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معنى قوله: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] إذ أخذ الميثاق عليهم في الكتب المنزلة عليهم لقوله: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة: 40] (10) .
    وقال آخرون: العهد الذي ذكره [الله] (11) تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من
    صلب آدم الذي وصف في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى [شهدنا] } (1) الآيتين [الأعراف: 172، 173] ونقضهم (2) ذلك تركهم الوفاء به. وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضا، حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره.
    ........
    (ج1/ ص 211)
    وقال الضحاك عن ابن عباس: كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر، فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب.
    وقال ابن جرير في قوله: {أولئك هم الخاسرون} الخاسرون: جمع خاسر، وهم الناقصون أنفسهم [و] (9) حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته،يقال منه: خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا، كما قال جرير بن عطية (10) إن سليطا في الخسار إنه ... أولاد قوم خلقوا أقنه
    ..........
    (ج1/ ص 216)
    أن الأرض خلقت قبل السماء،وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة: أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض،وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها} [النازعات: 27-31] قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض. وفي صحيح البخاري (1) : أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا، وقد قررنا ذلك في تفسير سورة النازعات،وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} [النازعات: 30-32] ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعا فيها بالقوة إلى الفعل لما اكتملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض، فأخرجت ما كان مودعا فيها من المياه، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير -أيضا-من رواية ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة،قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل" (2) .
    وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه (3) مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي
    ............
    (ج1/ ص 216)
    قال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} أي: واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة، واقصص على قومك ذلك. وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية [وهو أبو عبيدة] (2) أنه زعم أن "إذ" هاهنا زائدة،وأن تقدير الكلام: وقال ربك. ورده ابن جرير.
    قال القرطبي: وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج: هذا اجتراء (3) من أبي عبيدة.

    .................

    (ج1/ ص 216)
    ليس المراد هاهنا بالخليفة آدم، عليه السلام، فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره،والظاهر أنه لم يرد آدم عينا إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فإنهم (5) إنما أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون [أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ويقع بينهم من المظالم ويرد عنهم المحارم والمآثم، قاله القرطبي] (6) أو أنهم قاسوهم على من سبق،
    ...........
    (ج1/ ص 218)
    عن ابن عباس،قال: أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم (5) بجزائر البحور وأطراف الجبال. ثم خلق آدم وأسكنه إياها،فلذلك قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} (6) .
    وقال سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب،عن ابن سابط: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من
    يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: يعنون
    [به] (7) بني آدم.
    عن ابن عباس: أن الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم، فقالت الملائكة ذلك، فقاسوا هؤلاء بأولئك.




    ............

    (ج1/ ص 220)
    والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر، أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم، أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصديق بعمر بن الخطاب، أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر، أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعة واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور وحكى على ذلك (4) إمام الحرمين الإجماع، والله أعلم، أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف، وقد نص عليه الشافعي.
    .........
    (ج1/ ص 222)
    أما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام: "من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان" (2) . وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين، وقالت الكرامية: يجوز نصب إمامين فأكثر كما كان علي ومعاوية إمامين واجبي الطاعة، قالوا: وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمامة؛ لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف، وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك، قلت: وهذا يشبه حال خلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب.
    ..........
    (ج1/ ص 223)
    والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها: ذواتها وأفعالها؛ كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية. يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر؛ ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية من كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا مسلم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال -: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا؟ فيأتون آدم فيقولون:
    ..............
    (ج1/ ص 226)
    وقال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس، وهو أن معنى قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون} وأعلم -مع علمي غيب السماوات والأرض -ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون (6) في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواء عندي سرائركم، وعلانيتكم.
    والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطويا إبليس من الخلاف على الله في أوامره (7) ، والتكبر عن طاعته.
    ..........
    (ج1/ ص 228)
    والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم؛ لأنه -وإن لم يكن من عنصرهم -إلا أنه كان قد (4) تشبه بهم وتوسم بأفعالهم؛ فلهذا دخل في الخطاب لهم، وذم في مخالفة الأمر.
    فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج (2) ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة. والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء، ويقول: [هو] (3) على شرط البخاري.
    لهذا قال: محمد بن إسحاق، عن خلاد، عن (5) عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل (6) ، وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادا، وأكثرهم علما؛ فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حي يسمون جنا.
    وفي رواية عن خلاد، عن عطاء، عن طاوس -أو مجاهد -عن ابن عباس، أو غيره، بنحوه.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد (7) بن سليمان، حدثنا عباد -يعني: ابن العوام -عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان إبليس اسمه عزازيل (8) ، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة، ثم أبلس بعد
    وقال صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس: إن من الملائكة قبيلا يقال لهم: الجن، وكان إبليس
    منهم، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فعصى، فمسخه الله شيطانا رجيما. رواه ابن جرير.
    وقال قتادة عن سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.
    وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عدي بن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس. وهذا إسناد صحيح عن الحسن. وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء.
    وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير.
    وقال سنيد بن داود: حدثنا هشيم، أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل، عن سعد (1) بن مسعود، قال: كانت الملائكة تقاتل الجن، فسبي إبليس وكان صغيرا، فكان مع الملائكة، فتعبد معها، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا، فأبى إبليس. فلذلك قال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن} [الكهف: 50
    ..........
    (ج1/ ص 232)
    وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام، كما قال تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} [يوسف: 100] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا، قال معاذ (1) : قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك، فقال: "لا لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" (2) ورجحه الرازي، وقال بعضهم: بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] وفي هذا التنظير نظر، والأظهر أن القول الأول أولى، والسجدة لآدم إكراما وإعظاما واحتراما وسلاما، وهي طاعة لله، عز وجل؛ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر: أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال.
    قلت: وقد ثبت في الصحيح: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر" (3) وقد كان في قلب إبليس من الكبر -والكفر -والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس؛ قال بعض المعربين: وكان من الكافرين أي: وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال: {فكان من المغرقين} [هود: 43] وقال {فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35] وقال الشاعر:
    بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها ...

    .....................
    (ج1/ ص 232)
    مسألة فقال: قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته، خلافا لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه. ثم استدل على ما قال: بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافي الله بالإيمان، وهو لا يقطع لنفسه بذلك، يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر.
    قلت: وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر، أيضا، بما ثبت عن ابن صياد أنه قال: هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض
    ثل اليعاسيب، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قصر الليث، رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة
    .....................
    (ج1/ ص 233)
    كى فخر الدين وغيره قولين للعلماء: هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض، أو عام بملائكة السماوات والأرض، وقد رجح كلا من القولين طائفة،وظاهر الآية الكريمة العموم: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس} [الحجر: 30، 31،ص: 73، 74] ، فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم، والله أعلم
    ................
    (ج1/ ص 234)
    وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم، أهي في السماء أم في الأرض؟ والأكثرون على الأول
    [وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض]
    ..........
    (ج1/ ص 234)
    وقد اختلف في هذه الشجرة: ما هي؟
    فقال السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم، عليه السلام، هي الكرم. وكذا قال سعيد بن جبير، والسدي، والشعبي، وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس.
    وقال السدي -أيضا-في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: {ولا تقربا هذه الشجرة} هي الكرم. وتزعم يهود أنها الحنطة.
    وقال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا أبو يحيى الحماني، حدثنا النضر أبو عمر الخراز، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة التي نهي عنها آدم، عليه السلام، هي السنبلة.
    وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هي السنبلة.
    وقال محمد بن إسحاق، عن رجل من أهل العلم، عن حجاج، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هي البر.

    .....................
    (ج1/ ص 235)
    مقال سفيان الثوري، عن حصين، عن أبي مالك: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: النخلة.
    وقال ابن جرير، عن مجاهد: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: تينة. وبه قال قتادة وابن جريج.
    وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كانت الشجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث، وقال عبد الرزاق: حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب (3) قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة، ونهاه عن أكل الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من (4) بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.
    فهذه أقوال ستة في تفسير (5) هذه الشجرة.
    قال الإمام العلامة أبو جعفر بن جرير، رحمه الله (6) : والصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة، دون سائر أشجارها (7) ، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين؟ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة. وقد قيل: كانت شجرة البر. وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين. وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم، إذا علم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم. [وكذلك رجح الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره، وهو الصواب] (
    ...............
    (ج1/ ص 239)
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد عن ابن عباس قال: أهبط آدم، عليه السلام، إلى أرض يقال لها: دحنا، بين مكة والطائف.
    وعن الحسن البصري قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميسان (3) من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان. رواه ابن أبي حاتم.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن عدي (4) ، عن ابن عمر، قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة
    وقال رجاء بن سلمة: أهبط آدم، عليه السلام، يداه على ركبتيه مطأطئا رأسه، وأهبط إبليس مشبكا بين صابعه رافعا رأسه إلى السماء
    .............
    (ج1/ ص 239)
    وقال فخر الدين: اعلم أن في هذه الآيات تهديدا عظيما عن كل المعاصي من وجوه: الأول: أن من تصور ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة كان على وجل شديد من المعاصي، قال الشاعر:
    يا ناظرا يرنو بعيني راقد ومشاهدا للأمر غير مشاهد ...
    تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درج الجنان ونيل فوز العابد ...
    أنسيت ربك حين أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنب واحد
    ....
    ..
    (ج1/ ص 240)
    قال فخر الدين عن فتح الموصلي أنه قال: كنا قوما من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها. فإن قيل: فإذا كانت جنة آدم التي أسكنها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء، فكيف يمكن إبليس من دخول الجنة، وقد طرد من هنالك طردا قدريا، والقدري لا يخالف ولا يمانع؟ فالجواب: أن هذا بعينه استدل به من يقول: إن الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء، وقد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية، وأجاب الجمهور بأجوبة، أحدها: أنه منع من دخول الجنة مكرما، فأما على وجه الردع والإهانة، فلا يمتنع؛ ولهذا قال بعضهم: كما جاء في التوراة أنه دخل في فم الحية إلى الجنة، وقد قال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة، وقال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض، وهما في السماء، ذكرها الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي هاهنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك، فأجاد وأفاد
    ..........

    (ج1/ ص 244)
    مقال: سئل الحسن، يعني البصري، عن قوله تعالى: {ثمنا قليلا} قال: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها.
    وقال ابن لهيعة: حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} وإن آياته: كتابه الذي أنزله (5) إليهم، وإن الثمن القليل: الدنيا وشهواتها.
    وقال السدي: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} يقول: لا تأخذوا طمعا قليلا ولا تكتموا (6) اسم
    الله لذلك الطمع وهو الثمن.
    وقال أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} يقول: لا تأخذوا عليه أجرا. قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا.
    وقيل: معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب
    ............
    (ج1/ ص 245)
    في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة" (1) وأما تعليم العلم بأجرة، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعين عليه، فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" (2) وقوله في قصة المخطوبة: "زوجتكها بما معك من القرآن" (3) فأما حديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن فأهدى له قوسا، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله" فتركه، رواه أبو داود (4) وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعا (5) فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم: أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم.
    ..............

    (ج1/ ص 246)
    قال الزمخشري: وفي مصحف ابن مسعود: "وتكتمون الحق" أي: في حال كتمانكم الحق وأنتم تعلمون حال أيضا، ومعناه: وأنتم تعلمون الحق، ويجوز أن يكون المعنى: وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروجوه عليهم، والبيان الإيضاح وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل

    ................
    (ج1/ ص 247)
    قال أبو جعفر بن جرير: حدثني علي بن الحسن، حدثنا مسلم الجرمي، حدثنا مخلد بن الحسين، عن أيوب السختياني،عن أبي قلابة في قول الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا.

    والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم (4) في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف [معروف] (5) وهو واجب على العالم، ولكن [الواجب و] (6) الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب،عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88] . فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، [قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت] (7) ولكنه -والحالة هذه-مذموم على ترك (8) الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك
    ن سليمان الكلبي، حدثنا الأعمش، عن أبي تميمة الهجيمي، عن جندب بن (1) عبد الله، رضي الله عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه" (2) .
    هذا حديث غريب من هذا الوجه.
    حديث آخر: قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا وكيع، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد هو ابن جدعان، عن أنس بن مالك،رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تقرض بمقاريض (3) من نار. قال: قلت: من هؤلاء؟ " قالوا: خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟
    [وقال أحمد: حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء" (5) . وقد ورد في بعض الآثار: أنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة، ليس من يعلم كمن لا يعلم. وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: 9] . وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون: بم دخلتم النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم،فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل" (6)
    قال الضحاك،عن ابن عباس: إنه جاءه رجل،فقال: يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر،قال: أو بلغت ذلك؟قال: أرجو. قال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل. قال: وما هن؟قال: قوله عز وجل (10) {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} أحكمت هذه؟قال: لا. قال: فالحرف الثاني. قال: قوله تعالى: {لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2، 3] أحكمت هذه؟قال: لا. قال: فالحرف الثالث. قال: قول العبد الصالح شعيب،عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [هود: 88] أحكمت هذه الآية؟قال: لا. قال: فابدأ بنفسك.
    رواه ابن مردويه في تفسيره.
    "من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال، أو دعا إليه" (1) .
    إسناده فيه ضعف،وقال إبراهيم النخعي: إني لأكره القصص لثلاث آيات قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} وقوله {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2، 3] وقوله إخبارا عن شعيب: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88] .
    وما أحسن ما قال مسلم بن عمرو:
    ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهد الناس ولا يزهد ...
    لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد ...
    إن رفض الناس فما باله ... يستفتح الناس ويسترقد ...
    الرزق مقسوم على من ترى ... يسقى له الأبيض والأسود ...
    وقال بعضهم: جلس أبو عثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فأطال السكوت،ثم أنشأ يقول:
    وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض ...
    قال: فضج الناس بالبكاء. وقال أبو العتاهية الشاعر:
    وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى ... وريح الخطايا من شأنك تقطع ...
    وقال أبو الأسود الدؤلي:
    لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم ...
    فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم ...
    فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم ...
    وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصري العابد الواعظ قال: دعوت الله أن يريني رفيقي في الجنة،فقيل لي في المنام: هي امرأة في الكوفة يقال لها: ميمونة السوداء، فقصدت الكوفة لأراها. فقيل لي: هي ترعى غنما بواد هناك، فجئت إليها فإذا هي قائمة تصلي والغنم ترعى
    حولها وبينهن الذئاب لا ينفرن منه، ولا يسطو الذئاب عليهن. فلما سلمت قالت: يا ابن زيد، ليس الموعد هنا إنما الموعد ثم، فسألتها عن شأن الذئاب والغنم. فقالت: إني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح ما بين الذئاب والغنم. فقلت لها: عظيني. فقالت: يا عجبا من واعظ يوعظ،ثم قالت: يا ابن زيد، إنك لو وضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها، يا ابن زيد،إنه بلغني ما من عبد أعطى من الدنيا شيئا فابتغى إليه تائبا إلا سلبه الله حب الخلوة وبدله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثم أنشأت تقول:
    يا واعظا قام لا حساب ... يزجر قوما عن الذنوب ...
    تنه عنه وأنت السقيم حقا ... هذا من المنكر العجيب ...
    ...............
    (ج1/ ص 251)
    قول تعالى (2) آمرا عبيده، فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة، بالاستعانة بالصبر والصلاة،كما قال مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض، والصلاة.
    فأما الصبر فقيل: إنه الصيام، نص عليه مجاهد.
    [قال القرطبي وغيره: ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث] (3) .
    وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن جري بن كليب، عن رجل من بني سليم،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم نصف الصبر".
    وقيل: المراد بالصبر الكف عن المعاصي؛ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها: فعل الصلاة.
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،قال: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن، وأحسن منه الصبر عن محارم الله.
    وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار، عن سعيد بن جبير،قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد، لا يرى (2) منه إلا الصبر.

    ...............

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    اليوم : الخميس
    الموافق : 14/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق : 7/ 5/ 2020 ميلادي

    (ج1/ ص 254)
    قال ابن جرير: وروي عنه، عليه الصلاة والسلام، أنه مر بأبي هريرة، وهو منبطح على بطنه،فقال له: "اشكنب درد" [قال: نعم] (1) قال: "قم فصل فإن الصلاة شفاء" (2) [ومعناه: أيوجعك بطنك؟قال: نعم] (3) . قال ابن جرير: وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن علية، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن،عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس،ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} (4
    ...........
    (ج1/ ص 255)
    قال (3) ابن جرير،رحمه الله: العرب قد تسمي اليقين ظنا، والشك ظنا، نظير تسميتهم الظلمة سدفة، والضياء سدفة، والمغيث صارخا، والمستغيث صارخا، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده،كما قال دريد بن الصمة:
    فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد (4)
    .................ز
    (ج1/ ص 255)
    ال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد،قال: كل ظن في القرآن يقين،أي: ظننت وظنوا.
    وحدثني المثنى، حدثنا إسحاق، حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،قال: كل ظن في القرآن فهو علم. وهذا سند صحيح.
    وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية،في قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} قال: الظن هاهنا يقين.
    قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد، والسدي، والربيع بن أنس، وقتادة نحو قول أبي العالية
    .............
    (ج1/ ص 258)
    وفرعون علم على كل من ملك مصر، كافرا من العماليق (5) وغيرهم، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا، وكسرى لكل من ملك الفرس، وتبع لمن ملك اليمن كافرا [والنجاشي لمن ملك الحبشة، وبطليموس لمن ملك الهند] (6) ويقال: كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى، عليه السلام، الوليد بن مصعب بن الريان،وقيل: مصعب بن الريان، أيا ما كان فعليه لعنة الله، [وكان من سلالة عمليق بن داود بن إرم بن سام بن نوح، وكنيته أبو مرة، وأصله فارسي من استخر] (7) .
    ............
    (ج1/ ص 259)
    وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس [في] (2) قوله: {بلاء من ربكم عظيم} قال: نعمة. وقال مجاهد: {بلاء من ربكم عظيم} قال: نعمة من ربكم عظيمة. وكذا قال أبو العالية، وأبو مالك، والسدي، وغيرهم.
    وأصل البلاء: الاختبار، وقد يكون بالخير والشر،كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 25] ،وقال: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} [الأعراف: 168] .
    قال ابن جرير: وأكثر ما يقال في الشر: بلوته أبلوه بلاء،وفي الخير: أبليه إبلاء وبلاء،قال زهير بن أبي سلمى:
    جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو (3)
    قال: فجمع بين اللغتين؛ لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده.
    .........
    (ج1/ ص 260)
    قال: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} (2) .
    وكذلك قال غير واحد من السلف، كما سيأتي بيانه في موضعه (3) . وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء،كما قال الإمام أحمد:
    حدثنا عفان، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس،قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء،فقال: "ما هذا اليوم الذي تصومون؟ ". قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم (4) ، فصامه موسى، عليه السلام،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق بموسى منكم". فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصومه.
    وروى هذا الحديث البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه من طرق، عن أيوب السختياني، به (5) نحو ما تقدم.
    وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو الربيع، حدثنا سلام -يعني ابن سليم-عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء " (6) .
    وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العمي فيه ضعف، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه.
    ........
    (ج1/ ص 263)
    قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير: لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به، أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موسى، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا. وساق البقية.
    [وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} والمراد السبعون المختارون منهم، ولم يحك كثير من المفسرين سواه،وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين: أنهم بعد إحيائهم قالوا: يا موسى، إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك، فادعه أن يجعلنا أنبياء، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته، وهذا غريب جدا، إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون، وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل، فإن موسى الكليم، عليه السلام، قد سأل ذلك فمنع منه فكيف يناله هؤلاء السبعون؟
    ..............
    (ج1/ ص 267)
    وقوله: {وأنزلنا عليكم المن} اختلفت عبارات المفسرين في المن: ما هو؟ فقال علي بن أبي طلحة،عن ابن عباس: كان المن ينزل عليهم على الأشجار، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا.
    وقال مجاهد: المن: صمغة. وقال عكرمة: المن: شيء أنزله الله عليهم مثل الطل، شبه الرب الغليظ.
    وقال السدي: قالوا: يا موسى، كيف لنا بما هاهنا؟ أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن، فكان يسقط على شجر (1) الزنجبيل.
    وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم في محلتهم (2) سقوط الثلج، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك؛ فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق، حتى إذا كان يوم سادسه، ليوم جمعته، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه؛ لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء، وهذا كله في البرية.
    وقال الربيع بن أنس: المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه.
    وقال وهب بن منبه -وسئل عن المن-فقال: خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي.

    .............
    (ج1/ ص 268)
    الغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن، فمنهم من فسره بالطعام، ومنهم من فسره بالشراب، والظاهر، والله أعلم، أنه (1) كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب (2) ، وغير ذلك، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وحلاوة، وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا، وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده؛والدليل على ذلك قول البخاري:
    حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن عمر بن حريث (3) عن سعيد (4) بن زيد، رضي الله عنه،قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
    وهذا الحديث رواه الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك، وهو ابن عمير، به (5) .
    وأخرجه الجماعة في كتبهم، إلا أبا داود، من طرق عن عبد الملك، وهو ابن عمير، به (6) . وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية الحكم، عن الحسن العرني، عن عمرو بن حريث، به (7) .
    وقال الترمذي: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان، قالا حدثنا سعيد بن عامر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" (8) .
    تفرد بإخراجه الترمذي،ثم قال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عمرو، وإلا م
    ........
    (ج1/ ص 270)
    أن أصحاب رسول الله (19) صلى الله عليه وسلم تدارؤوا (20) في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار،فقال بعضهم: نحسبه الكمأة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم"
    ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    (ج1/ ص 271)
    أما السلوى فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: السلوى طائر شبيه بالسمانى، كانوا يأكلون منه.
    وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس (5) من الصحابة: السلوى: طائر يشبه السمانى.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا قرة بن خالد، عن جهضم، عن ابن عباس،قال: السلوى: هو السمانى.
    وكذا قال مجاهد، والشعبي، والضحاك، والحسن، وعكرمة، والربيع بن أنس، رحمهم الله.
    وعن عكرمة: أما السلوى فطير (6) كطير يكون بالجنة (7) أكبر من العصفور، أو نحو ذلك.
    [قال ابن عطية: السلوى: طير بإجماع المفسرين،وقد غلط الهذلي في قوله: إنه العسل،وأنشد في ذلك مستشهدا:
    وقاسمها بالله جهدا لأنتم ... ألذ من السلوى إذا ما أشورها ...
    قال: فظن أن السلوى عسلا (5) قال القرطبي: دعوى الإجماع لا تصح؛لأن المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال: إنه العسل، واستدل ببيت الهذلي هذا، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة؛ لأنه يسلى به ومنه عين سلوان،وقال الجوهري: السلوى العسل، واستشهد ببيت الهذلي -أيضا-، والسلوانة بالضم خرزة،كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر:
    شربت على سلوانة ماء مزنة ... فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو ...
    ............
    (ج1/ ص 275)
    ما قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [سورة النصر] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر، وفسره ابن عباس بأنه نعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها، وأقره على ذلك عمر [بن الخطاب] (1) رضي الله عنه. ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك، ونعى إليه روحه الكريمة أيضا؛ ولهذا كان عليه السلام يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر، كما روي أنه كان يوم الفتح -فتح مكة-داخلا إليها من الثنية العليا، وإنه الخاضع لربه حتى إن عثنونه ليمس مورك رحله، يشكر الله على ذلك. ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى،فقال بعضهم: هذه صلاة الضحى،وقال آخرون: بل هي صلاة الفتح، فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدا أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات، والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم؛وقيل: يصليها كلها بتسليم واحد، والله أعلم.

    .........
    (ج1/ ص 277)
    قال أسباط، عن السدي، عن مرة،عن ابن مسعود أنه قال: إنهم قالوا: "هطي سمعاتا أزبة مزبا" فهي بالعربية: حبة حنطة حمراء مثقوبة (3) فيها شعرة سوداء،فذلك قوله: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم}
    ........
    (ج1/ ص 278)
    وقال الضحاك عن ابن عباس: كل شيء في كتاب الله من "الرجز" يعني به العذاب.
    وهكذا روي عن مجاهد، وأبي مالك، والسدي، والحسن، وقتادة، أنه العذاب. وقال أبو العالية: الرجز الغضب. وقال الشعبي: الرجز: إما الطاعون، وإما البرد. وقال سعيد بن جبير: هو الطاعون.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن (7) سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن إبراهيم بن سعد -يعني ابن أبي وقاص-عن سعد بن مالك، وأسامة بن زيد، وخزيمة بن ثابت، رضي الله عنهم،قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز عذاب عذب (8) به من كان
    قبلكم" (1) .
    وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به (2) . وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها" الحديث (3) .
    قال (4) ابن جرير: أخبرني يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري،قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: "إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم" (5) . وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين، من حديث الزهري، ومن حديث مالك، عن محمد بن المنكدر، وسالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، بنحوه

    ...............
    (ج1/ ص 278)
    وقال الضحاك عن ابن عباس: كل شيء في كتاب الله من "الرجز" يعني به العذاب.
    وهكذا روي عن مجاهد، وأبي مالك، والسدي، والحسن، وقتادة، أنه العذاب. وقال أبو العالية: الرجز الغضب. وقال الشعبي: الرجز: إما الطاعون، وإما البرد. وقال سعيد بن جبير: هو الطاعون.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن (7) سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن إبراهيم بن سعد -يعني ابن أبي وقاص-عن سعد بن مالك، وأسامة بن زيد، وخزيمة بن ثابت، رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز عذاب عذب (8) به من كان
    قبلكم" (1) .
    وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به (2) . وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها" الحديث (3) .
    قال (4) ابن جرير: أخبرني يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم" (5) . وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين، من حديث الزهري، ومن حديث مالك، عن محمد بن المنكدر، وسالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، بنحوه
    .................
    (ج1/ ص 280)
    فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة. وأما "الفوم" فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود "وثومها" بالثاء، وكذلك فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم، عنه، بالثوم. وكذا الربيع بن أنس، وسعيد بن جبير.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن رافع، حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصري، عن يونس، عن الحسن، في قوله: {وفومها} قال: قال ابن عباس: الثوم.
    وقال آخرون: الفوم الحنطة، وهو البر الذي يعمل منه الخبز
    وكذا قال علي بن أبي طلحة، والضحاك (1) وعكرمة عن ابن عباس أن الفوم: الحنطة.
    وقال سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن مجاهد وعطاء: {وفومها} قالا وخبزها.
    وقال هشيم عن يونس، عن الحسن، وحصين، عن أبي مالك: {وفومها} قال: الحنطة.
    وهو قول عكرمة، والسدي، والحسن البصري، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم، والله أعلم (
    وقال البخاري: وقال بعضهم: الحبوب التي تؤكل كلها فوم
    ..............
    (ج1/ ص 284)
    قال السدي: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا} الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون (3) أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان، هم من أهل النار". فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى، عليه السلام؛ حتى جاء عيسى. فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكا. وإيمان النصارى أن (4) من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع (5) ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل -كان هالكا.
    وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا.
    قلت: وهذا لا ينافي ما روى علي بن (6) أبي طلحة، عن ابن عباس: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر} الآية فأنزل الله بعد ذلك: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85] .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    اليوم : الأثنين
    الموافق : 18/ رمضان / 1441 هجري
    الموافق : 11/ 5/ 2020 ميلادي

    (ج1/ ص 302)
    {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال مجاهد: ما تغيبون. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن مسلم البصري، حدثنا محمد بن الطفيل العبدي، حدثنا صدقة بن رستم،سمعت المسيب بن رافع يقول: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله،وتصديق ذلك في كلام الله: {والله مخرج ما كنتم تكتمون* فقلنا اضربوه ببعضها} هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به.
    وخرق العادة به كائن، وقد كان معينا في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكن أبهمه، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه (1) فنحن نبهمه كما أبهمه الله.

    .............

    (ج1/ ص 301)
    قال محمد بن كعب،ومحمد بن قيس: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} لكثرة ثمنها.
    وفي هذا نظر؛ لأن كثرة ثمنها لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل، كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس. وقال عبيدة، ومجاهد، ووهب بن منبه، وأبو العالية،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنهم اشتروها بمال كثير (3) وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك. وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة، عن عكرمة،قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير (4) وهذا إسناد جيد عن عكرمة، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضا.
    وقال ابن جرير: وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة، إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه.
    ولم يسنده عن أحد، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها، وللفضيحة. وفي هذا نظر، بل الصواب -والله أعلم-ما تقدم من رواية الضحاك، عن ابن عباس، على ما وجهناه. وبالله التوفيق.

    ......

    (ج1/ ص 306)
    قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، حدثنا علي بن حفص، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب، عن عبد الله بن دينار،عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي".
    رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه، عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، صاحب الإمام أحمد، به. ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب، به،وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم (5) .
    [وروى البزار عن أنس مرفوعا: "أربع من الشقاء: جمود العين، وقسي القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا"
    ..........
    (ج1/ ص 310)
    اله مجاهد: والأميون جمع أمي،وهو: الرجل الذي لا يحسن الكتابة، قاله أبو العالية، والربيع، وقتادة، وإبراهيم النخعي، وغير واحد (4) وهو ظاهر في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب [إلا أماني] } (5) أي: لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي؛ لأنه لم يكن يحسن الكتابة،كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48] وقال عليه الصلاة والسلام: "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا" الحديث. أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} [الجمعة: 2] .
    وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه،قال: وقد روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما (6) قول خلاف هذا،وهو ما حدثنا به أبو كريب: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس،في قوله: {ومنهم أميون} قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم،ثم قالوا لقوم سفلة جهال: {هذا من عند الله} وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله. ثم قال ابن جرير: وهذا التأويل (7) على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم. وذلك أن الأمي عند العرب: الذي لا يكتب (8) .
    قلت: ثم في صحة هذا عن ابن عباس، بهذا الإسناد، نظر. والله أعلم.
    ..........
    (ج1/ ص 311)
    قال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب -الذي أنزل (3) الله على موسى -شيئا، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا. والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه. ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ما تغنيت ولا تمنيت". يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب (4) .
    وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير،عن ابن عباس: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون (5) نبوتك بالظن.
    .........
    (ج1/ ص 312)
    الويل: الهلاك والدمار، وهي كلمة مشهورة في اللغة. وقال سفيان الثوري،عن زياد بن فياض: سمعت أبا عياض يقول: ويل: صديد في أصل جهنم.
    وقال عطاء بن يسار. الويل: واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: "ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره".
    ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج، به (1) . وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
    قلت: لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الآفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد -مرفوعا-منكر، والله أعلم.
    وعن ابن عباس: الويل: السعير من العذاب،وقال الخليل بن أحمد: الويل: شدة الشر،وقال سيبويه: ويل: لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها،وقال الأصمعي: الويل: تفجع والويل ترحم،وقال غيره: الويل الحزن (4) . وقال الخليل: وفي معنى ويل: ويح وويش وويه وويك وويب، ومنهم من فرق بينها،وقال بعض النحاة: إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة؛ لأن فيها معنى الدعاء، ومنهم من جوز نصبها،بمعنى: ألزمهم ويلا. قلت: لكن لم يقرأ بذلك أحد]
    .........
    (ج1/ ص 318)
    ومن النقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره:
    حدثنا أبي، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، حدثنا عبد الله بن يوسف -يعني التنيسي-حدثنا خالد بن صبيح، عن حميد بن عقبة،عن أسد بن وداعة: أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديا ولا نصرانيا إلا سلم عليه،فقيل له: ما شأنك؟ تسلم على اليهودي والنصراني. فقال: إن الله يقول: {وقولوا للناس حسنا} وهو: السلام. قال: وروي عن عطاء الخراساني، نحوه.
    قلت: وقد ثبت في السنة أنهم لا يبدؤون بالسلام، والله أعلم (1) .
    ..............
    (ج1/ ص 321)
    والدليل على أن روح القدس هو جبريل، كما نص عليه ابن مسعود في تفسير هذه الآية، وتابعه على ذلك [ابن عباس و] (3) محمد بن كعب القرظي، وإسماعيل بن أبي خالد، والسدي، والربيع بن أنس، وعطية العوفي،وقتادة مع قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* [بلسان عربي مبين] (4) } [الشعراء: 193-195] ما قال البخاري: وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة،عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك" (5) . وهذا من
    لبخاري تعليق
    وقال الزمخشري {بروح القدس} بالروح المقدسة،
    ..........
    (ج1/ ص 329)
    {ولقد جاءكم موسى بالبينات} أي: بالآيات الواضحات (3) والدلائل القاطعة (4) على أنه رسول الله، وأنه لا إله إلا الله. والبينات هي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وفلق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمن والسلوى، والحجر، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها
    ...........
    (ج1/ ص 330)
    كى القرطبي عن كتاب القشيري: أنه ما شرب منه أحد ممن عبد العجل إلا جن [ثم قال القرطبي] (5) وهذا شيء غير ما هاهنا؛ لأن المقصود من هذا السياق، أنه ظهر النقير على شفاههم ووجوههم،والمذكور هاهنا: أنهم أشربوا في قلوبهم حب العجل،يعني: في حال عبادتهم له،ثم أنشد قول النابغة في زوجته عثمة:
    تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير ...
    تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور ...
    أكاد إذا ذكرت العهد منها ... أطير لو ان إنسانا يطير ...
    ............
    (ج1/ ص 334)
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس: {ومن الذين أشركوا} قال: الأعاجم

    ....
    (ج1/ ص 333)
    {لو يعمر ألف سنة} قال الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} قال: هو كقول الفارسي: "زه هزارسال" يقول: عشرة آلاف سنة. وكذا روي عن سعيد بن جبير نفسه أيضا.
    وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو حمزة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} قال: هو الأعاجم: "هزارسال نوروزر مهرجان
    ........
    (ج1/ ص 338)
    ورواه عبد بن حميد، عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، ورواه ابن جرير، عن الحسين بن يزيد الطحان، عن إسحاق بن منصور، عن قيس، عن عاصم، عن عكرمة، أنه قال: إن جبريل اسمه عبد الله وميكائيل: عبيد الله. إيل: الله.
    ورواه يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله سواء. وكذا قال غير واحد من السلف،
    [وقال الإمام أحمد في أثناء حديث سمرة بن جندب: حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: قال لي علي بن الحسين: اسم جبريل عبد الله، واسم ميكائيل: عبيد الله] (1) .
    ومن الناس من يقول: "إيل" عبارة عن عبد، والكلمة الأخرى هي اسم الله؛ لأن كلمة "إيل" لا تتغير في الجميع، فوزانه: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الملك، عبد القدوس، عبد السلام، عبد الكافي، عبد الجليل. فعبد موجودة في هذا كله، واختلفت الأسماء المضاف إليها، وكذلك جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ونحو ذلك، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف، والله أعلم.
    ........
    (ج1/ ص 342)
    ما حكاه البخاري، ورواه ابن جرير (9) عن عكرمة أنه قال: جبر، وميك، وإسراف: عبيد. وإيل: الله.
    في جبريل وميكائيل لغات وقراءات، تذكر في كتب اللغة والقراءات، ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه، أو يرجع الحكم في ذلك إليه، وبالله الثقة، وهو المستعان
    ............
    (ج1/ ص 344)
    قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك. فأنزل الله في ذلك من قوله: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}
    ..............
    (ج1/ ص 345)
    وأقبلوا على تعلم السحر واتباعه. ولهذا أرادوا كيدا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسحروه في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر، تحت راعوثة بئر ذي أروان. وكان الذي تولى ذلك منهم رجل، يقال له: لبيد بن الأعصم، لعنه الله، فأطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، وشفاه منه وأنقذه، كما ثبت ذلك مبسوطا في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها،
    .........
    ................

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: المختصر المبين في " تفسير القرآن العظيم " !!! رمضان 1441 /2020 م

    قال الحافظ #ابن_كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى )
    "ومن هذه الآية استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة ، فذاك مجمع على وصولها ومنصوصٌ من الشارع عليها " ا.هـ
    ( #تفسير_ابن_كثير 4/ 258 )

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •