عندما يجتاز الفرد محنة شديدة ألمَّت به كشفائه من مرض عضال، فإنه يخرج منها أكثر قوة وإصرارًا على مواجهة صعوبات الحياة، وكلنا يعرف المثل القائل بأن الصحة تاج على رؤوس أصحابها، لا يدركون قيمته حتى يفقدوه.
وليس كل الناس بطبيعة الحال مروا بتجارب قاسية من مرض أو غيره من ابتلاءات ليعرفوا جوهر الأمر، ولكن في جائحة الكورونا التي تجتاح العالم في هذه الأيام، فإن الجميع - سواء هؤلاء الذين أصابهم المرض وشفوا منه بفضل من الله، أو أولئك الذين يكافحون بشتى السبل لتجنب دخول الفيروس القاتل لأجسادهم - صاروا في خندق واحد في صراعهم ضد هذا العدو الخفي، الذي لم تتكشف كل أسراره بعدُ، ولم يصل العلم إلى نقاط ضعفه التي يمكن له من خلالها مهاجمته ووضعه تحت السيطرة.
هذا الخطر على الإنسانية، وربما على الكثير من الأحياء، الذي لا تراه العين وتتوجس النفس من وجوده من حولها في كل مكان - بثَّ الرعب في القلوب، وشلَّ كل معظم أشكال الحركة والنشاط البشري، وعطَّل سبل كسب الرزق، وحجر الناس في مساكنهم، ولكنه في ذات الوقت بث رسالة مفتوحة لكل البشر بأن الله قادر على تجنيد أصغر خلقه لتذكيرهم بعظمته وجبروته، وبأن حاجتهم إليه كبشر ضعفاء لا تنقطع في أزمان الشدة والرخاء على حد سواء.
لا تنفك وسائل الإعلام في أيامنا هذه عن الحديث عن التغيرات الجذرية التي سوف تطرأ على العلاقات التقليدية بين الدول في عالم ما بعد كورونا، ولكن الأكثر أهمية لنا كأفراد هو التغيرات التي حلت في نفوسنا، وعدلت جوانب في سلوكنا وعاداتنا؛ من عديد من الدروس والعبر التي تعلمناها في زمن الجائحة، وسوف تعلق في ذاكرتنا لوقت طويل بعد زوال البلاء؛ فهي لا تحصى لكثرتها، ومن وجهة نظري أن واحدة من أهم الفوائد إدراك وتقدير قيمة النعم التي كنا بها، وفقدنا البعض منها، وكيف ستتغير نظرتنا للحياة بعد أن تُرفع عنا هذه الغمة، وتنتهيَ محكومية الكورونا، وعلى رأسها عودتنا للركوع والسجود في بيوت الله، ثم لنجد أنفسنا نسعد بأبسط الأشياء التي لم نكن نلقي لها بالًا من قبل، ليس أقلها حرية الحركة والتجوال، والرغبة في العمل وعدم التذمر من ساعاته مهما طالت.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139811/#ixzz6KK4eYfLJ