الاعتكاف وملازمة المسجد في العشر الأواخر من رمضان

الشيخ فؤاد أبو سعيد

الاعتكاف وملازمة المسجد في العشر الأواخر من رمضان، للصلاة والذكر، وتلاوة القرآن والعبادة، قال ابن تيمية:
[وأبلغُ ما يكون من المقام فى المسجد؛ مقامُ المعتكف كما كان النبى =صلى الله عليه وسلم= يعتكف فى المسجد، وكان يحتجر له حصيرا فيعتكف فيه، وكان يعتكف فى قبة، وكذلك كان الناس يعتكفون فى المساجد، ويضربون لهم فيه القباب، فهذا مدة الاعتكاف خاصة، والاعتكاف عبادة شرعية، وليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لما لابد منه..] فتاوى ابن تيمية في الفقه (22/ 197).
وفي أوّلِ كتابِ الاعتكاف من صحيح البخاري ابتدأه بقوله: (بَاب الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. فتح الباري (6/ 311).
وحديث: "لا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ". صححه في الصحيحة ح(2786)؛ المقصود منه الاعتكافُ الكاملُ في المساجد الثلاثة، لا بطلانُه في غيرها. والله تعالى أعلم.
قال في (شرح مشكل الآثار، 7/201) ح(2771) بسنده [عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللهِ: (عُكُوفٌ بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِي مُوسَى لا تُغَيِّرُ, وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا اعْتِكَافَ إِلا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟!") قَالَ عَبْدُ اللهِ: (لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا, وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ؛ فَوَجَدْنَا فِيهِ إِخْبَارَ حُذَيْفَةَ ابْنَ -[205]- مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكَ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنْكَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَجَوَابَهُ إِيَّاهُ بِمَا أَجَابَهُ بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: (لَعَلَّهُمْ حَفِظُوا)؛ نَسَخَ مَا قَدْ ذَكَرْتُهُ مِنْ ذَلِكَ, وَأَصَابُوا فِيمَا قَدْ فَعَلُوا, وَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. [البقرة: 187], فَعَمَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا بِذَلِكَ, وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنَ الاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدِ بُلْدَانِهِمْ, إِمَّا مَسَاجِدُ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي -[206]- تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَاتُ، وَإِمَّا هِيَ وَمَا سِوَاهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَهَا الأَئِمَّةُ وَالْمُؤَذِّنُو نَ؛ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ, وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ].
وفي (مصنف عبد الرزاق ج4 ص348 رقم 8015) عن الثوري عن علي بن الأرقم عن شداد بن الأزمع قال: (اعتكف رجل في المسجد في خيمة له، فحصبه الناس، قال: فأرسلني الرجل إلى عبد الله بن مسعود فجاء عبد الله، فطرد الناس، وحسَّن ذلك).
وكان من السلف (سعيدُ بنُ جبيرٍ يعتكف في مسجد قومه) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/261). [وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين] سير أعلام النبلاء (4/ 341).
(وعن الحجاج قال: حدثني من رأى همَّاما معتكفًا في مسجد قومه). الطبقات الكبرى لابن سعد - (6/ 119) هو [همام بن الحارث النخعي. روى عن عمر وعبد الله وأبي مسعود الأنصاري وأبي الدرداء وعدي بن حاتم وجرير بن عبد الله وعائشة. وتوفي بالكوفة في ولاية الحجاج]. الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 118).

و(أبو الأحوص اعتكف في مسجد قومه). الكنى والأسماء للدولابي (2/ 562) وتاريخ ابن معين -رواية الدوري- (3/ 524).
(وعن أيوب قَال: كان أبو قلابة يعتكف في مسجد قومه ، وكان لا يُلقَى له فيه حصير ولا شَيء، وكان يجلس ناحية، وكان يبيت ليلة الفطر حتى يغدو إلى مصلاه من موضع اعتكافه). المعرفة والتاريخ للفسوي (2/66). (1/ 478).
[توفي في سنة أربع أو خمس ومئة]. الطبقات الكبرى لابن سعد - (7/ 185).
وقال (عباس العنبري: قد اعتكف وكيعٌ أربعين يوما، وحدثهم بحديثه، قال: قد كنت عنده، أحسبه قال: في شهر رمضان...). تاريخ دمشق (63/ 79).
[وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس ويكنى أبا سفيان مات سنة سبع وتسعين ومائة]. تاريخ دمشق - (63/ 60).
و(سمع عدي بن فرس رجلين من الحي يذكرانه بمكروه، وهو معتكف في المسجد، فخرج من العصر يتوضأ، فقال: قد سمعت كلامَكما آنفا، استغفرا الله ما قلتما وتوضيا). الإشراف في منازل الأشراف (1/ 75) رقم (74).
وفي (مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه): (واعتكف [إسحاق] في العشر الأواخر، وكان يستنجي في الطست في المسجد، وبات ليلة الفطر في المسجد، ثم دخل سحراً الحمام، ثم صلى الغداة، وقعد في المسجد، واجتمع إليه بعض أصحابه فأفطر بما حضر، ثم تطيَّب، فلما طلعت الشمس حسناً؛ خرج إلى المصلَّى فكان يكبر في الطريق). والله تعالى أعلم.