أحكام النية في الصيام


عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري





أولاً: النيَّة شرط لصحة الصيام:
الصيام - كغيره من العبادات - لا يَصحُّ إلا بنيَّة؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيَّة، وإنما لامرئ ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأة يتزوَّجها، فهِجرته إلى ما هاجَر إليه))؛ متَّفق عليه[1]، فمَن أمسك عن الطعام والشراب وسائر المُفطِرات طوال النهار ولم يَنوِ الصيام الشرعي لم يُعتبَر صائمًا.

اشتراط استِدامة نيَّة الصيام:
مِن شرط صحَّة الصيام عدم قطْع نيَّته طوال النهار، فمَن صام ثم قطَع نية الصيام بأن نوى الإفطار فسَد صومه[2] أكَل أو لم يَأكُل، وله في ذلك حالان:
الحال الأولى: أن يكون هذا اليوم في رمضان وقد قطَع نيته لعذر صحيح؛ كالمرض والسفر، فإنه يُفطِر ويقضي بدلاً عنه، وإن كان لغير عذر شرعي فسَد صومه ووجب عليه الإمساك بقية اليوم؛ لأن كل مَن أفطر في رمضان لغير عذر لزمه الإمساك والقضاء.

الحال الثانية: أن يكون هذا اليوم في غير رمضان، فإن كان صومًا واجبًا كقضاء رمضان أو صيام نَذرٍ أثم بقَطعِه، ولم يلزمه الإمساك بقية اليوم، ويقضي بدلاً عنه، وله إن لم يأكل أو يَشرب أن يَستأنِف الصيام بنية التطوُّع.

وإذا كان الصوم تطوعًا فقطَع نيته فلا حرج عليه، وله أن يُفطِر فيأكل أو يَشرب، وله أن يُجدِّد نية الصوم فيستأنف صيامًا جديدًا.

ثانيًا - وقت صحة النية للصيام:
يختلف وقت صحة النية في الصيام الواجب عن غيره، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: الصيام الواجب بأنواعه؛ مثل: صيام رمضان وقضائه، وصيام النَّذر والكَفارات، وهذا تَجب نيته ليلاً قبل طلوع الفجر؛ وذلك لأن الأصل في النية أن تَسبِق العمل، ويدخل في ذلك الصيام الواجب كله.

ثانيًا: صيام التطوع بأنواعه؛ مثل: صيام عرفة، وستٍّ من شوال، والتطوع المُطلَق، وهذا تصح نيته من أي ساعة من النهار، سواء أكان ذلك قبل الزوال أو بعده[3]، بشرط ألا يكون الشخص قد تناوَل مُفطرًا بعد طلوع الفجر.

والدليل على صحة نيته من النهار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سهَّل في ذلك؛ كما في حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟)) فقلنا: لا، قال: ((فإني إذًا صائم))، ثم أتانا يومًا آخَر، فقلنا: يا رسولَ الله، أُهدي لنا حَيْسٌ، فقال: ((أَرينيه، فلقد أصبحتُ صائمًا))، فأكل؛ رواه مسلم[4].

يكفي في صيام رمضان نية واحدة:
يكفي في صيام رمضان نية واحدة من أوله على الصحيح من قولي العلماء - رحمهم الله تعالى - فلا يلزم تجديد النية لكل يوم ليلته، علمًا بأن من أكل بنية الصيام كفاه ذلك عن النية المُعتبَرة.

لكن من قطع نية الصيام لأي سبب من الأسباب، وجَب عليه استئناف النية قبل الفَجر، كما لو سافر أثناء الشهر فنوى الفِطر، أو مرض فنوى الفطر، أو حاضت المرأة، فإنه يجب على كل واحد من هؤلاء استئناف النية من الليل إذا أراد الصيام بعد ذلك، فلو لم ينوِ الصيام حتى أصبح، أو بات مُتردِّدًا ولم يَجزم بالنية حتى أصبح لم يصحَّ صومه ذلك اليوم.

[1]رواه البخاري في كتاب الحيَل، باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيرها 6: 2551 (6553)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما الأعمال بالنيَّة))، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال 3: 1515 (1907)، واللفظ له.

[2]ولا نقول: إنه قد أفطَر كما يُعبِّر به بعض الفقهاء؛ وذلك لأنه لم يُفطِر في الحقيقة، وإنما فسد صومه لأن من شرط الصيام استمرار النية؛ ولهذا يجوز له أن يَستأنف نيَّة جديدة فيُكمل بقية اليوم صائمًا تطوعًا في غير رمضان، ومثله مَن بطلت نية صلاته الفرض، فله أن يتمَّها تطوعًا ما لم يلزمه استئناف الفريضة لضيق الوقت أو خشية فوت الجماعة.

[3]هذا هو مذهب الحنابلة وقول للشافعية وبعض السلف، خلافًا لأبي حنيفة والمشهور عند الشافعية؛ حيث قالوا: تَصِحُّ قبل الزوال لا بعده (يُنظَر: المغني 3: 10، والمجموع 6: 296).

[4]رواه مسلم في كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر 2: 809 (1154).