ما هو مفهوم الإجماع عند ابن حزم وابن تيمية رحمهما الله؟

تبرز أهمية السؤال لمنزلة الإمامين المجنهدين في الأمة ، فلا أحسبني مفارقا الحق إن قلت أنه لم يأت بعد الأئمة الأربعة مثل ابن حزم و لم يأت بعد ابن حزم مثل ابن تيمية. فإذا انضم لهذا اختلاف مشربهما الفقهي مع سعة اطلاعهما على المذاهب المختلفة وتبحرهما في الأصول والفروع، كان اتفاق الإمامين الكبيرين أو اختلافهما أمر جدير بالعناية خصوصا في مسألة الإجماع.

من المعلوم أن معتمد مذهب أهل الظاهر هو أن الإجماع يقصد به ؛


- "إجماع المسلمين" : أي كل مالا يشك فيه أحد من أهل الإسلام ، في أن من لم يقل به فليس مسلما؛ كالشهادتين والصلوات الخمس.


- "إجماع الصحابة" : وهو الشيء شهده جميع الصحابة أو تيقنا معرفتهم به جميعا ، كفعله عليه الصلاة والسلام مع يهود خيبر بأن يزرعوا و يعطوا نصف الثمر وأن يخرجهم المسلمون متى شاؤا


قال أبومحمد:

" من ادعى أنه يعرف إجماعا خارجا عن هذين النوعين فقد كذب على جميع أهل الإسلام " (أنظر الإحكام ٤/ ٤٠٢ -٤٠٣)

- كما أن الإجماع لابد أن يكون عن توقيف أو نص علمناه أو جهلناه. معلوم او غير معلوم (أنظر مراتب الإجماع)


وتجد هذا القول والتفصيل هو ما يميل إليه شيخ الإسلام ميلا واضحا ، حيث تكررت النقول عنه أن الإجماع إنما هو إجماع الصحابة.

قال رحمه الله:

" الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح ، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة) الواسطية (٢/ ٣٢٨)

وقال:

" الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين ... لكن المعلوم منه هو ماكان عليه *الصحابة* وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبا، لذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الاجماعات الحادثة" المجموع ١١ / ٣٤١



وتعقيبا على قول أحمد رضي الله عنه ( من ادعى الإجماع فهو كاذب) قال ابن تيمية: " اراد غير *إجماع الصحابة* لان إجماع الصحابة عنده حجة معلوم تصوره أما من بعدهم فقد كثر المجتهدون وانتشروا"


وهو كذلك يوافق الظاهرية وابن حزم في أن الإجماع لايكون إلا عن توقيف فقال:



" كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول وهذا هو الصواب ، فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع" المجموع ١٩ / ١٩٤



--------------------------
فهذه الأصول قد اتفق عليها الإمامان الكبيران ابن حزم و ابن تيمية رحمهما الله ...

ولكن المتتبع يجد أنهما قد خالفا هذه الأصول فاستدلا كثيرا بنوع ثالث من الإجماع وهو "" إجماع العلماء "" فما منزلته وما معناه في ضوء التأصيل السابق؟
---------------------



عند التامل نجد أن ابن حزم ، قد بين ذلك في مقدمة كتابه مراتب الإجماع ص ٢٧


:" وقوم قالوا إجماع كل عصر إجماع صحيح ، إذا لم يتقدم قبله خلاف وهذا هو الصحيح لإجماع الامة عند التفصيل عليه واحتجاجهم به، وترك ما أصلوه له"


فهو يبين أن "" العمل"" على الأخذ بإجماع كل عصر مالم يسبق بخلاف وليس إجماع الصحابة فحسب .. وإن خالف ذلك ما أصل له "أهل الظاهر".

و قد نافح عن ذلك بأن العصر إن لم يكونوا جميع الامة فليس من العقل انتظار القرون القادمة لنعرف رأيهم في المسألة.

ونعود أيضا لما قاله في مقدمة المحلى ١/ ٧٦ بعد بيان أن الإجماع إنما هو اجماع الصحابة ، قال: "" لو جاز بتيقن إجماع أهل عصر بعدهم ... لوجب القطع بأنه حق و *حجة* و *ليس كان يكون إجماعا* "


وبين أنه يكون حق وحجة، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولابد من طائفة ظاهرة على الحق أبدا كما ثبت في الصحيح.


ولكنه لايسمى إجماعا الذي هو إجماع كما أصل له لأن أهل كل عصر ليسوا كل المؤمنين وإنما بعضهم.


ومن المهم فهم أن من نظر في كلام ابن حزم في كتاب (الإحكام) وحده ظنه لايعتد سوى بإجماع الصحابة كباقي أهل الظاهر ،

ومن أراد الحكم عليه بطريقته في (مراتب الإجماع) وحده - كما فعل ابن تيمية - ظنه يوافق الجمهور تماما، ولعل ابن حزم تردد او تناقض ربما!

ولكن كأن مجموع كلام ابن حزم في كتبه المختلفة هو التمييز بين اليقين (العلم) و (العمل)


فالإجماع اليقيني الذي يوجب ((العلم والعمل)) هو إجماع عامة المسلمين وإجماع الصحابة فمخالفه عالما عامدا كافر يقينا.

أما الإجماع الذي يوجب ((العمل لا العلم)) واليقين فهو إجماع فقهاء عصر من العصور . فلاتحل مخالفته عملا ،ولكن أيكفر مخالفه من العامة إن علمه ام هو فسوق فقط؟ او يقبل مخالفته من المجتهدين ؟
وهذا ما يفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في نقد مراتب الإجماع وتعقبه مسائل لإثبات الخلاف فيها ، بل وانتقاد ابن حزم لذهابه ان مافي المراتب هو المقطوع به كطريقة الجمهور فقال:



" ولم يكن قصدنا تتبع ما ذكره - ابن حزم- من الإجماعات التي عرف انتقاضها ... مع أن أكثر ما ذكره هو كما حكاه لانعلم فيه نزاعا ، إنما المقصود أنه مع كثرة اطلاعه على أقوال العلماء وتبرزه في ذلك على غيره واشتراطه - في هذا الكتاب- ما اشترطه في الاجماع الذي يحكيه *يظهر فيما ذكر في الإجماع نزاعات مشهورة* ... وسبب ذلك دعوى الإحاطة بما *لايمكن الإحاطة به* ... فمن ادعى الإجماع في *الامور الخفية* بمعنى أنه *يعلم عدم المنازع* فقد قفا ماليس له به علم ، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد. وأما من احتج بالإجماع بمعنى *عدم العلم بالمنازع* فقد اتبع سبيل الأئمة وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل" انتهى
-------------

فالخلاصة وجمعا *لمجموع* كتب اين حزم و جمعا *لتأصيله مع عمله* الحظ اتفاقه مع يفهم من *مجموع* كلام ابن تيمية وعمله رحمهما الله،

أن اجماع المسلمين وإجماع الصحابة هو الإجماع الذي هو إجماع يفيد *العلم والعمل*

اما إجماع فقهاء عصر من العصور غير مسبوق بخلاف فهو حجة بمعنى *يوجب العمل لا العلم*

أن الإجماع لا يكون إلا عن توقيف علمناه أو جهلناه.

هذا والله أعلم واستغفر الله وأتوب إليه