هذه قاعدة هامة من قواعد البيوع قد ذكرها غير واحد من أهل العلم[1]، فقد نهى الشرع عن بيع أشياء بعينها، ولكنَّ هذه الأشياء قد تدخل في المبيع تبعًا وضمنًا لا أصلًا، فيصح عندها البيع، فإنه يتسامح في التابع ما دام تابعًا ما لا يُتسامح فيه إذا كان متبوعًا. أما دليل القاعدة، فعن ابن عمر رضى الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع نخلًا مؤبَّرًا، فثمرتها للبائع إلا أنْ يشترط المبتاع"[2].
وجه الدلالة: نهى الشرع عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، ولكن قد أذن الشرع في ذلك إذا بيعت الثمار تابعة لبيع النخل الذي هو الأصل في البيع. قال النووي: بيع الثمار قبل بدوِّ الصلاح إذا بِيعت مع الشجر، جاز بلا شرط تبعًا[3].
وقال السعدي: نهى الشارع عن بيع الثمر قبل بدو الصلاح وذلك للغرر والمخاطرة، إما إذا كان الثمر تابعًا للأراضي والشجر جاز بيعه لدخوله بالتبعية وقد: "يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا"[4].
من صور القاعدة: بيع الحيوان الحامل: فقد نهى الشرع عن بيع ما في بطن الحيوان؛ لأنَّه غرر وجهالة، لكن إنْ بِيع الحيوان وهو حامل جاز البيع؛ لأنَّ الحمل يدخل هنا تبعًا للبيع لا رأسًا. قال النووي: ولا يجوز بيع الحمل، ولو باع حاملًا بيعًا مطلقًا دخل الحمل في البيع[5].
قال ابن تيمية: ولا يلزم من منع بيع الشيء مفردًا منع بيعه مضمومًا، ألا ترى الحمل لا يجوز إفراده بالبيع، وبيع الحيوان الحامل جائز بالإجماع، وإن اشترط كونه حاملًا. وفي هذه المسألة جاء نظم العلماء:
قد يثبت الشيء لغيره تبع
وإن يكن لو استقل لامتنع
كحامل إنْ بِيع حملها امتنع
ولو تُباع حاملًا لم يُمتنع[6]
ومن صور هذه القاعدة: بيع اللبن في الضرع: قال النووي: وبيع اللبن في الضرع باطل لعدم تيقن القدر المتفق على بيعه؛ لأنَّه يختلط بغيره مما ينصب في الضرع، ولكن إنْ بيع الحيوان وفي ضرعه لبن، فهذا مما أجمع المسلمون على جوازه، وإنْ كان اللبن مجهولًا؛ لأنَّه تابع للحيوان، ودليله من السنة حديث المصراة[7].
ومن صور القاعدة: بيع الأرض المسمَّدة بالنجس، حيث يحرم بيع الأرواث النجسة، كما سبق ذكره، ولكن إنْ بِيعت الأرض التي قد سُمِّدت بالنجس من السماد والأرواث، جاز البيع؛ لأنَ بيع النجس دخل هنا تبعًا لا أصلًا.
من صور القاعدة: قال الجويني: وإذا قلنا بأنَّ الماء يجري فيه الرِّبا، وهذا هو المذهب، فلو باع رجل دارًا فيها بئر ماء بمثلها، فالراجح الجواز وهو الظاهر؛ لأنَّ الماء الكائن في البئر ليس مقصودًا ولا يرتبط به قصد[8].
ومن صور القاعدة:
لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإنْ باعه مع الأرض صار تبعًا[9].

[1] ذكر هذه القاعدة الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد" (4/ 22) بلفظ: "يغتفر في الثبوت الضمني ما لا يغتفر في الأصل"، وأيضًا ذكرها ابن رجب في قواعده (ص 287): فقال: "يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا"، والمتبوع هو ما كان رأسًا في الأمر، والتابع هو ما كان فرعًا عليه.
[2] أخرجه الشيخان، والنخل المؤبر هو النخل الملقح، قال ابن عبدالبر: الإبار عند العلماء هو التلقيح، انظر مختار الصحاح (6/ 300)، والعدة (ص 225) والاستذكار (6/ 300)، وطرح التثريب (6/ 104).
[3] انظر شرح مسلم (5/ 445).
[4] ذكره السعدي في "فقه البيوع".
[5] انظر روضة الطالبين (2/ 45).
[6] وانظر منظومة القواعد الفقهية (ص/ 309).
[7] ذكره النووي في روضة الطالبين (2/ 26).
[8] لأنَّ الماء عندها يكون تابعًا فتجري عليه قاعدة الباب، وانظر نهاية المطلب (5/ 94).
[9] ذكره ابن الملقن في الأشباه والنظائر (1/ 297).