سلوة القلوب في فرقة المحبوب
شميسة خلوي
الحمد لله الذي جعل القرار والاستقرار ميزة البيت المسلم، والحبّ والرحمة والمشاعر الطيّبة زينته وأساس التعامل بين أفراده، بين الزوجين، وبين الأولاد والأبوين، وبين الإخوة والأخوات.
فوصَّانا - تعالى -خيراً بوالدينا، فقال - عز وجل -: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) [العنكبوت: 8]، وحثَّ على المودَّة والرحمة بين الزوجين، فقال - تعالى -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21]، وجعل للأبناء حقًّا على الوالدين بحسن التربية والرعاية ومنح الحب والعطف والحنان، ولسان الابن البار يلهج بالدُّعاء: ربِّ ارحمهُما كما ربَّياني صغيراً.
إنها رابطة الحبِّ الأسري، وما أعظمها من نعمة!
والحمد لله الذي جعل الصَّداقة والمحبَّة بين النَّاس، وجعل الأرواح التي تتناسب صفاتها وأخلاقها تتآلف فيما بينها، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ))[1]، محبَّةٌ بين الخلّان والإخوان والأقران والأصحاب والجيران والزملاء.
إنها رابطة الحبِّ في الله بين الأصحاب، وما أعظمها من نعمة!
والحمد لله الذي جعل لنا أوطانا ننتمي إليها، وجبل أنفسنا على حبِّها، وجعلنا عمّارها، (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُ مْ فِيهَا) [هود: 61].
إنها رابطة حب الأوطان، وما أعظمها من نعمة!
وفي كل هذه العلاقات بداية ونهاية، فسُبحان من جعل لكُلِّ لقاء افتراقا ولكُلِّ جمع تشتُّتا!
دارُ الدنيا لا تخلو من بليَّة، فلا عجب أن الافتراق أيضا هو سُنَّة الحياة، ومادامت الحياة مستمرَّة فالإنسانُ بين فرح وترح يتنقَّل، وبين سُرور وحُزن يتقلَّب، وبين عافية ومرض يتغيّر حاله ويتبدَّل.
نعم يا أخي، جعل الله لكَ والِدَيْن وأهلا وإخوانا وخِلاّنا، أمضيتَ معهم أوقات وِداد ومحبَّة، صاحبٌ أعانكَ على دينك ودُنياكَ، أخٌ صادِق الطَّوِيَّة ثابر على نُصحك، جليسٌ طيِّبُ الثَّناء قرّبك من ربّكَ، زوجةٌ شاركتكَ حياتكَ حُلوها ومُرّها، توثَّقت عُرى المصافاة بينكم، فكانوا أصفياءَك في الدُّنيا...وبعد حين كان الفراق.
وأنتِ يا أختي، أنْعَم الله عليكِ بأمّ وأبٍ جعلاكِ قُرَّة عين، كنتِ خير هديَّة وهبها الله لهما، وصُويحبات عفيفات أمضيتِ معهُن أمتع الأوقات وأطيبها، صديقةٌ كانت مُعينتكِ على الخير ومَحَلّ أنْسِك، جارةٌ كانت أقرب مودَّة إلى قلبك، زميلةٌ فهمتكِ من غير حديثٍ، ووَاستكِ من غير ملل أو كلل، أختٌ حفظتْ أسراركِ ولم تُفشِها، صوَّبتْ أخطائكِ ولم تُذِعها، وزوج كان لكِ السَّكن ورفيق الدرب، وبعد حين كان الفراق.
البُشرى لمن صبر واحتسب وعلِم أن الخيرة في ما اختارَه الله وقدّره، فرَضيَ ووكَّل أمره وفوّضهُ لله خالقه.
والتذكرة لمن يعيش الآن تحت مِظلَّة الفائت، يبحث عن بقايا علِقت بقلبه الموجُوع، ليبقى مربُوطا بذكرى حبيبٍ أو خلٍّ وفيّ، يُنصتُ لآهاتِه وأنينه، يتلمَّس جُرحه وهو يمجُّ وينزفُ، ليزيد همّه ويكبر... كأنَّه الموت البطيء!
وَالهَمُّ يَختَرِمُ الجَسيمَ نَحافَةً *** وَيُشيبُ ناصِيَةَ الصَبِيِّ وَيُهرِمُ[2]
أكاد أسمع تنهيدة عميقة تتسرّبُ من الأعماق، أوَ قلَّبتُ عليكم المواجِع ولَجَّ بكُم الشَّوْق لمن غادَر وارتَحل؟
وهل أنتَ باقٍ في هذه الدنيا أبد الدَّهر؟
وهل أنتِ مخلدّة في دارِ الفناء؟
يا باكياً فُرقة الأَحبابِ عن شَحَطٍ *** هَلا بكَيْتَ فِراقَ الرُّوحِ للبَدنِ! [3]
تعالوا في جولة مُقتضبة بين أشواكِ الألم وأوجاع الفراق، بين دموعٍ منهملة وزفرات أليمة في ليال مدلهمَّات، لنتأمّل أثر البيْن على نُفوس المحبِّين، جولةٌ تجمعُنا بمن تكدَّر صفوُ عيشِه بعدما افترقَ عمّن أحبّهُ، وأضحى التَّنائي بديلا من التداني، فصبرَ فلانٌ، وحزن عِلاَّن!
بَيْنٌ بين إلفين فرّق بينهما المكان، وبَيْنٌ بين حِبَّين فرَّق بينهما الحِمام، وبَيْنٌ بين جسد وموطن عنوانه فراقُ الأوطان.
يُقسّم ابن حزم الأندلسي البيْن ستَّة أقسام، أوَّله بينٌ مقترن بمدة يوقِن الحبيبان بانصرامها وبالعودة عن قريب، وثانيه بيْنُ منع من اللِّقاء وحظر على المحبوب من أن يراه محبُّه، وثالثه بيْن يتعمَّده المحب بُعداً عن قول الوُشاة، وخوفاً أن يكون بقاؤه سبباً إلى منع اللِّقاء، ورابعُه بيْنٌ يولِّده المحبُّ لبعض ما يدعوه إلى ذلك من آفات الزَّمان بالرَّحيل، ورابعُه فراقُ رحيلٍ وتباعد ديار، ولا يكونُ من الأوْبة فيه على يقين ولا يحدث تلاق، ثم بيْنُ الموت وهو الذي لا يُرجى له إياب[4].
يقول ابن الرومي واصفا يوم الفراق بذاك الخطْب الجَلل، لا ينفع معه الصَّبر والجَلد:
خانك الصبرُ يومَ قيلَ الرَّحيلُ *** إنّ خطبَ الفراقِ خطبٌ جليلُ
وهو يومٌ ليس كباقي الأيام، شديدُ الوطأة على نفس المفارقِ في عُرف أبي تمام:
يَومَ الفِراقِ لَقَد خُلِقتَ طَويلا *** لَم تُبقِ لي جَلداً وَلا مَعقولا
قالوا الرَحيلُ فَما شَكَكتُ بِأَنَّها *** نَفسي عَنِ الدُنيا تُريدُ رَحيلا!
ويتساءل البارودي إن كان لعودة نفسِه بعد البيْن سبيلٌ؟
وَكَيْفَ أَمْلِكُ نَفْسِي بَعْدَ مَا ذَهَبَتْ **** يَوْمَ الْفِرَاقِ شَعَاعاً إِثْرَ مَنْ رَحَلُوا؟!
يا لهيفَ القلب على حِبِّ غُيّب عنكَ، تذكَّر: (عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
هذا العماد الأصبهاني يقول مودِّعا نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين:
يومُ النَّوى ليسَ مِنْ عُمْرِي بمَحْسُوب *** ولا الفراقُ إلى عَيْشي بمنسُوب
ما اخْتَرْتُ بَعْدَكَ لكنَّ الزَّمَان أتَى *** كُرْهًا بما لَيْسَ يا -محْبُوب- محْبُوبي
أرْجُو إيابي إلَيْكُم غَانماً عَجلاً *** فَقَدْ ظَفَرْتُ بِنَجْمِ الدِّينِ أيُّوب
ومن صَدَع الفراق قلبه لا أجده إلا مُناديا: أيا حادي البيْن وهَن الجسم، واشتدَّ السقم!
يقول ابن المعتز:
وَمُتَيَّمٍ جَرَحَ الفُراقُ فُؤادَهُ *** فَالدَمعُ مِن أَجفانِهِ يَتَدَفَّقُ
بَهَرَتهُ ساعَةُ فرقَةٍ فَكَأَنَّما *** في كُلِّ عُضوٍ مِنهُ قَلبٌ يَخفِقُ!
وهذا ابن زهر الحفيد يُثير فينا شُجونا وهو يصفُ لواعج قلبه إثر فراقه لوليده:
وَلي واحِدٌ مِثل فَرخِ القَطا *** صَغيرٌ تَخلَّفَ قَلبي لَدَيه
نَأَت عَنهُ داري فَيا وَحشَتي *** لِذاكَ الشَخيصِ وَذاكَ الوَجيه
تَشَوَّقَني وَتَشَوَّقتُهُ *** فَيَبكي عَلَيَّ وَأَبكي عَلَيه
وَقَد تَعِب الشَوق ما بَينَنا *** فَمِنهُ إِليَّ وَمَنّي إِلَيه
إنه فراقُ الدُّنيا، فراقُ عبد لعبد، لمن درى حرَّ الوَداع وذاقَ أمرّهُ، فما بالُنا بفراق الرُّوح للجسد يوماً، ونحن سائرُون إليه حتماً؟!
أَيُّ يَومٍ يَومُ الفِراقِ وَإِذ نَفـ *** سُكَ تَرقى عَنِ الحَشا وَالفُؤادِ
أَيُّ يَومٍ يَومُ الفِراقِ وَإِذ أَنـ *** تَ مِنَ النَزعِ في أَشَدِّ الجِهادِ[5]
آه يا مُفرِّقَ الجماعات وهادِم اللذّات، كم فجعتَ من أمٍّ بابنها، وكم أدمَيْتَ مُقلة زوجة برحيل زوجها، وكم فرّقتَ بين الإخوة والأخلاء!
يقول متمم بن نُويْرة اليربوعي واصفا فراقه لأخيه مالك لما حان أجله:
وكُنَّا كَنَدمَاني جذيمةَ حقبةً *** من الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرّقْنَا كَأنِّي وَمَالِكاً *** لِطُولِ اجْتِمَاعِ لمْ نَبِتْ لَيْلةٌ مَعا
سَقَى الله أَرضاً حلّها قَبْرُ مالكٍ *** ذهابَ الغوادي المدجناتِ فَأمرَعا
تصبّري يا نفسُ، إنّ العُمر مكتوبٌ والأجل مرسومٌ، وسِهام الموتِ نافذةٌ لا محالة، وسكرَتها محتومة (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: 185].
آه يا قاصمةَ الظَّهر كم أبكيتِ من صبيّ، وكم أصبْتِ المحبِّين في مقتل، وكم فرّقتِ بين الأزواج والأحبّة!
هذا جرير يرثي زوجته، بكلماتٍ تُذيب القلب حسرةً، ويذكر الفراق الذي حال بينه وبينها:
لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ *** وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ
نِعمَ القَرينُ وَكُنتِ عِلقَ مَضِنَّةٍ *** وارى بِنَعفِ بُلَيَّةَ الأَحجارُ
لا يُلبِثُ القُرَناءَ أَن يَتَفَرَّقوا *** لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهارُ
تصبّري يا نفسُ، على ذا مضى النَّاس ويمضون، قدرٌ وقضاءٌ لا مفرَّ منهُ، (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 145].
وفي موقف الوداع الأخير يُعبِّر بهاء الدين زهير عن لوعة فراق الموت فيقول:
أَراكَ هَجَرتَني هَجراً طَويلاً *** وَما عَوَّدتَني مِن قَبلُ ذاكا
وَما فارَقتَني طَوعاً وَلَكِن *** دَهاكَ مِنَ المنِيَّةِ ما دَهاكا
يَعِزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عَيني *** أُفَتِّشُ في مَكانِكَ لا أَراكا
وَما لي أَدَّعي أَنّي وَفِيٌّ *** وَلَستُ مُشارِكاً لَكَ في بَلاكا
وَيا خَجَلي إِذا قالوا مُحِبٌّ *** وَلَم أَنفَعكَ في خَطبٍ أَتاكا
وَلا زالَ السَلامُ عَلَيكَ مِنّي *** يَرُفُ مَعَ النَسيمِ عَلى ذُراكا
ورثى عبدُ الله بن الأهتم ابنا له بقلب اعتصر ألما على فراقه فقال:
دَعوتُك يا بُنيِّ فلم تجِبْني *** فَرُدّت دَعْوتي يأساً عليِّ
بموتكَ ماتَت اللّذات منّي *** وكانت حَيَّة ما دُمتَ حيّاً
فيا أسفَا عليك وطُولَ شَوْقي *** إليك لو أنَّ ذلك رَدّ شَيّا
يا من بَاتَ يَتَجَرَّعُ غُصَص الْكَرْب لمصيبة الفراق المحتوم حين غيَّب الثَّرى من أحبّ، تذكَّر: (وَلَنَبْلُوَنّ كُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) [البقرة: 155-156].
ردّد إذن: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وأبشر بلطف خفيٍّ، من علَّام الغيوبِ.
حديثٌ فيه سلوة لقلوبِ من فقدَ عزيزا، وهل مثل فلذة الأكباد عزيز؟
وصف أنس بن مالك - رضي الله عنه - حالة الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام - بعدما انتقل ابنه إبراهيم إلى دار القرار، فقال: (( دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين، وكان ظِئْرًا[6]لإبراهيم - عليه السلام -، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم، فقبَّله، وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: وأنت يا رسول الله؟ فقال: ((يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ))، ثم أتبعها بأخرى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يرضى رَبّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)) ))[7]، يا الله على هذا المشهد ورسُولنا يذْرِفُ دموعه الطَّاهرات، فِداكَ أبي وأمي يا رسُول الهدى.
ألا إن للفراق حُرقة، وللوداع أشجان تُطبع على القلب لا تزول، وإنها دارُ الغرور.
يا خاطِبَ الدُنيا إِلى نَفسِها *** تَنَحَّ عَن خِطبَتِها تَسلَمِ
إِنَّ الَّتي تَخطُبُ غَرّارَةٌ *** قَريبَةُ العُرسِ مِنَ المأتَمِ[8]
تعالوا إلى مشهد آخر، مشهد يُدمع المآقي ويُثير في النَّفس شوقا لرؤية خير المرسلين، مشهدُ وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا المصاب كغيره، موتٌ انقطعَ به وحيُ السَّماء عن الأرض، طبت حيًّا وميِّتا يا صفيَّ الأنام، وهل بعد فقْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد؟
كيف لا، وقد كان أمنةً للمؤمنين من الفتن والحروب واختلاف القُلوب؟ كان حبيبنا - عليه الصلاة والسلام - كثيرا ما يرفعُ رأسه إلى السّماء ويقول: ((النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ))[9].
رسولُ الله يُخاطبكَ يا مَن فقدتَ من أحبَبْت، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي))[10].
فيا مُصابا بموت عزيز، تصبّر، تأسّى بفعل الصدِّيق - رضي الله عنه - حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " من كان منكم يعبد محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله - تعالى -: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران: 144] إلى (الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144] والله لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه -، فتلقَّاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها" [11].
يا محزون الصدر بفقد قريب أو حبيب أو صديق، تذكَّر: قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَقُولُ اللَّهُ - تعالى -: مَا لِعَبْدِي المؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ))[12]، والصفيُّ هو كل من يحبُّه الإنسان ويتعلّق به، سواء كان من الأبناء أو الأهل أو الأصحاب أو الرِّفاق.