المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني
و كلام ابن عبد البر في نفي الاول لا الثاني .
فصورة المسالة المختلف فيها هي في تكليف يترتب عليه دخول الجنة او النار و هذا نفاه ابن عبد البر بقوله ان التكليف ينقطع و الاخرة دار جزاء . فالنقض عليه يكون باثبات مثل هذا التكليف في الاخرة لا في ايراد نصوص فيها تكليف العقوبة و التعجيز فهو لم ينفي هذا
قال الحافظ في الفتح
مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ
قوله: " كلف يوم القيامة " رد على من زعم أن الآخرة ليست بدار تكليف. وأجيب بأن المراد بالنفي أنها ليست بدار تكليف بعمل يترتب عليه ثواب أو عقاب، وأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب، وهو نظير الحديث الآخر " من قتل نفسه بحديدة فحديدة في يده يجأ بها نفسه يوم القيامة " وسيأتي في موضعه.
وأيضا فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن على مصطلح أهل علم الكلام، بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب.
واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق، والجواب ما تقدم.
وأيضا فنفخ الروح في الجماد قد ورد معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يمكن وإن كان في وقوعه خرق عادة، والحق أنه خطاب تعجيز لا تكليف كما تقدم، والله أعلم.
و يقول شيخ الاسلام رحمه الله
( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)
مثل هذا الخطاب إنما هو خطاب تعجيز على وجه العقوبة لهم لتركهم السجود وهم سالمون يعاقبون على ترك العبادة في حال قدرتهم بأن أمروا بها حال عجزهم على سبيل العقوبة لهم، وخطاب العقوبة والجزاء من جنس خطاب التكوين، لا يشترط فيه قدرة المخاطب إذ ليس المطلوب فعله . الفتاوى
و هنا فرق شيخ الاسلام بين خطاب التكليف و خطاب العقوبة و الجزاء .و بين ان الاية واردة في خطاب العقوبة و الجزاء .فكيف يستدرك على ابن عبد البر بالاية و الكلام و الخصومة معه في تكليف يترتب عليه الثواب و العقاب لا في تكليف هو نفسه عقوبة و جزاء في دار البقاء
................
و كلام ابن عبد البر في نفي الاول لا
الثاني .
فصورة المسالة المختلف فيها هي في تكليف يترتب عليه دخول الجنة او النار و هذا نفاه ابن عبد البر بقوله ان التكليف ينقطع و الاخرة دار جزاء
بارك الله فيك اذا راجعت كلام شيخ الاسلام وغيره من الائمة لوجدتهم يبدأون بهذا الدليل
أولا - لأن النص من القرآن ظاهر فى ثبوت التكليف
ثانيا - كما قلت انت اخى الطيبونى ان ابن عبد البر رحمه الله لا ينفيه -الجواب - نعم - استدل شيخ الاسلام وغيره على ابن عبد البر بما يعجز هو وغيره عن نفيه-فثبت العرش ثم نقَشَ- رد اولا على نفى التكليف وقولهم أن الآخرة دار جزاء وليست دار عمل ولا ابتلاء- بالاثبات الذى لا يستطيع المخالف نَفْيُه وهو ثبوت العمل والتكليف ردا على قولهم ان الاخرة ليست دار عمل وابتلاء كما قال ابن كثير فى رد قولهم قال ابن كثير: وأما قوله إن الدار الآخرة دار جزاء، فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار
ثم اتبع ذلك كما تقدم بأدلة الامتحان والاختبار وأنَّهم يُمتحنون في الآخرة أتبع القطعى بالمختلف فيه- وكما تعلم اخى الطيبونى ان ادلة الامتحان سبق النقاش فيها والمذهب كما تقدم فى كلام الامام ابن القيم
وهذا القول موافق لقول من قال: إنهم يمتحنون في الآخرة، وإنهم مكلفون يوم القيامة، كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد .
و هنا فرق شيخ الاسلام بين
خطاب التكليف و خطاب العقوبة و الجزاء .و بين ان الاية واردة في خطاب العقوبة و الجزاء .فكيف يستدرك على ابن عبد البر بالاية و الكلام
و الخصومة معه في تكليف يترتب عليه الثواب و العقاب لا في تكليف هو نفسه عقوبة و جزاء في دار البقاء
اذا ثبت التكليف وتوجه الخطاب بالعمل- قَوِيَ الاستدراك- هذا انتقال بالدليل من المتفق الى المختَلَف عليه
وأيضا فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن على مصطلح أهل علم الكلام، بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب.
واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق،
ما احسن كلام شيخ الاسلام الذى نقلته اخى الطيبونى -مثل هذا الخطاب إنما هو خطاب تعجيز على وجه العقوبة لهم لتركهم السجود وهم سالمون يعاقبون على ترك العبادة في حال قدرتهم بأن أمروا بها حال عجزهم على سبيل العقوبة لهم، وخطاب العقوبة والجزاء من جنس خطاب التكوين، لا يشترط فيه قدرة المخاطب إذ ليس المطلوب فعله -انتهى
بين الامام ابن القيم هذه المسألة فى طريق الهجرتين بيانا شافيا ننقل جزء منه-
قال رحمه الله فإن قيل: قد أنكر ابن عبد البر هذه الأحاديث وقال: أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا ابتلاء وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك فى وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها؟ الجواب من وجوه:
أحدها: أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها بل ولا أكثرهم، وإن أنكرها بعضهم فقد صحح غيره بعضها كما تقدم.
الثانى: أن أبا الحسن الأشعرى حكى هذا المذهب عن أهل السنة والحديث، فدل على أنهم ذهبوا إلى موجب هذه الأحاديث.
الثالث: أن إسناد حديث الأسود أجود من كثير من الأحاديث التى يحتج بها فى الأحكام، ولهذا رواه الأئمة أحمد وإسحق وعلى بن المدينى.
الرابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان فى الدار الآخرة، وقالوا: لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار ذكره البيهقى عن غير واحد من السلف.
الخامس: ما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد فى الرجل الذى هو آخر أهل الجنة دخولاً إليها أن الله سبحانه وتعالى يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأله غير الذى يعطيه، وأنه يخالفه ويسأله غيره، فيقول الله تعالى: ((ما أغدر كغدرك))، وهذا الغدر منه هو لمخلفته للعهد الذى عاهد ربه عليه.
السادس: قوله: وليس ذلك فى وسع المخلوقين. جوابه من وجهين:
أحدهما: أن ذلك ليس تكليفاً بما ليس فى الوسع، وإنما تكليف بما فيه مشقة شديدة، وهو كتكليف بنى إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل، وكتكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا فى الذى يرونه ناراً.
والثانى: أنهم لو أطاعوه ودخلوها لم يضرهم، وكانت برداً وسلاماً، فلم يكلفوا بممتنع ولا بما لم يستطع.
السابع: أنه قد ثبت أنه سبحانه وتعالى يأْمرهم فى القيامة بالسجود ويحول بين المنافقين وبينه.
....
وهذا تكليف بما ليس فى الوسع قطعاً، فكيف ينكر التكليف بدخول النار فى رأْى العين إذا كانت سبباً كما قال أبو سعيد الخدرى هو أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف)) رواه مسلم، فركوب هذا الصراط الذى هو فى غاية المشقة كالنار، ولهذا كلاهما يفضى منه إلى النجاة والله أعلم.
الثامن: أن هذا استبعاد مجرد لا ترد بمثله الأحاديث والناس لهم طريقان: فمن سلك طريق المشيئة المجردةلم يمكنه أن يستبعد هذا التكليف، ومن سلك طريق الحكمة والتعليل لم يكن معه حجة تنفى أن يكون هذا التكليف موافقاً للحكم، بل الأدلة الصحيحة تدل على أن مقتضى الحكمة كما ذكرناه.
التاسع: أن فى أصح هذه الأحاديث وهو حديث الأسود أنهم يعطون ربهم المواثيق ليطيعنه فيما يأْمرهم به، فيأْمرهم أن يدخلوا نار الامتحان فيتركون الدخول معصية لأمره لا لعجزهم عنه. فكيف يقال أنه ليس فى الوسع.
فإن قيل: فالآخرة دار جزاءٍ، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون فى غير دار التكليف؟ فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، وأما فى البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطعوهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين فى البرزخ وهى تكليف.
....
وأما فى عرصة القيامة فقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}* [القلم: 42]، فهذا صريح فى أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف، بما لا يطاق حينئذ حساً عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به فى الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم، ولهذا قال تعالى: {وَقدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}* [القلم: 43] يعنى أصحابه لا أحد يمنعهم منه فلما تركوه وهم سالمون دعوا إليه فى وقت حيل بينهم وبينه كما فى الصحيح من حديث زيد ابن أسلم عن عطاء عن أبى سعيد رضى الله عنه: ((إن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا))- فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال- ((فيقول تتبع كل أُمه ما كانت تعبد فيقول المؤمنون: فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً- مرتين أو ثلاثاً- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها)) فيقولون نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهر) طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم)) وذكر الحديث.
وهذا التكليف نظير تكليف البرزخ بالمسألة، فمن أجاب فى الدنيا طوعاً واختياراً أجاب فى البرزخ، ومن امتنع من الإجابة فى الدنيا منع منها فى البرزخ ولم يكن تكليفه فى الحال وهو غير قادر قبيحاً، بل هو مقتضى الحكمة الإلهية، لأنه كلف وقت القدرة فأَبى، فإذا كلف وقت العجز وقد حيل بينه وبين الفعل كان عقوبة له وحسرة.
....
والمقصود أن التكليف لا ينقطع إلا بعد دخول الجنة أو النار، وقد تقدم أن حديث الأسود بن سريع صحيح، وفيه التكليف فى عرصة القيامة. فهو مطابق لما ذكرنا من النصوص الصحيحة الصريحة.
فعلم أن الذى تدل عليه الأدلة الصحيحة وتأْتلف به النصوص ومقتضى الحكمة هذا القول والله أعلم.