المرأة بين الإسلام والمهانة
رقية القضاة


يحتل موضوع المرأة وحقوق المرأة وتحرير المرأة وغير ذلك من سلسلة العناوين الجاذبة الرنانة حيزاً كبيراً في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وحتى في المجالس والأندية الاجتماعية فأصبح الناس ولا قضية عندهم إلا قضية احتلال الرجل الغاشم لحرية هذه المخلوقة الضعيفة يصب عليها أصناف المهانة، ماسحا ثقافتها ملغيا فكرها ووجودها، مستوليا على ثروتها ومصادرا شخصيتها بطغيانه وطغواه.
وهم لا يغفلون في استماتتهم بالدفاع عن هذه القضية أن يلصقوا التهم بالعادات الاجتماعية والأفكار الرجعية، بمعنى اللف والدوران لإلصاق التهمة بالإسلام، فالأسطوانة هي نفسها، والأقوال والمقالات تتناثر هنا وهناك، من أفواه وأقوال المنافحين عن هذه القضية سهاما طائشة تحط في أفكار الناس وقلوبهم، فيظن البسطاء والجهلاء.
إن هذا هو حال المرأة المسلمة خاصة على حقيقته، وتعتقد المرأة المسكينة أنها حقاً كائن سليب الإرادة مهضوم الحق.
والأسوأ من ذلك ظنها بأن ليس هناك عدالة تحميها وتنصفها وتعطيها حقوقها غير منقوصة فأضحت أسيرة تلك الجعجعة التي لا طحن من ورائها، غافلة وهي تحت تأثير الإعلام المضلل أن كلمات الله الطاهرة هي الأصدق وأن شرع الله هو الأعدل والأقوم والأفضل لها.
ولو عادت إلى كلمات ربها وسيرة رسولها - صلى الله عليه وسلم - وماضي أمتها العريق وسير المسلمات عبر الزمان لوجدت الأمر غير ذلك، ولعرفت أن الظلم إذ وقع عليها فإنما هو نتيجة عدم فهم لأحكام الإسلام، ولنسبت الخطأ إلى أهله ولنفته عن دينها وشرع ربها.
وهل نالت المرأة حقها وتحصلت على مكانتها الرفيعة ضمن أي حضارة أخرى قبل الإسلام؟.
وهل شاركت المرأة الرجل اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وجهادياً وتربوياً وعلمياً قبل الإسلام كما شاركت كل ذلك بعدل الإسلام وشرعه، قد يقول قائل نعم تلك كليوبترا، وتلك زنوبيا، وتلك وتلك.
فأقول: ارجع إلى التاريخ وابحث عن حال النساء في ظل تلك الحضارات، هل استطاعت زنوبيا الوقوف في وجه الوأد، وأن تلغي الحكم بالموت على وليدة قد أبصرت للتو نور الحياة لا لشيء إلا لأنها أنثى؟ وهل شملت " كليوبترا " برعايتها المرأة فخففت الظلم والعنت الذي عاشته النساء في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الإنسانية؟.
إن الطفرات التاريخية ليست مرجعاً ولا هي صورة مثالية للعدالة الاجتماعية، ولكن عدالة الله - تعالى -هي القدوة والمثل، تقاس بها مقاييس الظلم والعدالة وتعرض عليها الإشكاليات الإنسانية والاجتماعية فيكون فيها الحل الأمثل والأرحم والأجمل.
ولذا فإنه من نافلة القول أن نقول: إن الإسلام بعدالته وتعاليمه السامية هو الضمانة الوحيدة لحرية وكرامة المرأة، فقد كلّف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحمل الرسالة إلى الإنسانية بشقيها الرجل والمرأة، ومنذ أول تكليف كان الرجل والمرأة على حدّ سواء واكتملت الصورة المشرقة للمشاركة الفكرية والحوارية بينهما.
فيهرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها لتشاركه الرأي والمشورة فيجد عندها التثبيت والطمأنينة فتكون أول من آمن به لا بإكراه منه ولكن بما عرفته فيه الصفات التي تؤهله لحمل مسؤولية الخير والعدالة، والتوحيد والرحمة إلى ذلك المجتمع الجاهلي الممتلئ ظلماً وجوراً للإنسان والقيم، وانحداراً في الرؤى والمقومات الإنسانية.
وأنزلت التشريعات السمحة تؤكد حقّ الأنثى في الحياة بعد أن كانت تسلب هذا الحق بالواد: (وإذا الموؤدة سئلت) وسار ركب الهدى يحط رحاله في كلّ بقاع الأرض، وطالت رحمته المرأة والرجل على حدٍّ سواء، فأصبحت المرأة مكلفة ومسؤولة، تحمل أحد مجدافي قارب الحياة إلى شاطئ النجاة ويحمل الرجل المجداف الآخر.
وخطوة خطوة جرّد الإسلام قيم الجاهلية الغاشمة من كلّ ما فيه من اضطهاد للمرأة وأعطيت صلاحياتها في المجتمع وها هي تشارك في البيعة، وفي الهجرة ترسم مع شقيقها الرجل ملامح الدولة الإسلامية العادلة تنجب الأطفال وتحسن تربيتهم، تعدّهم رجالاً يحمون دولتهم ودينهم وتتاجر بمالها وتستقلّ به دون قيد أو شرط من الرجل أيّا كانت قرابته منها، وتحمل السلاح وتدافع عن موطنها وأرضها وحصن أمتها، وتشارك الرأي السياسي والاجتماعي، وتناقش وتجادل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وربّ العزة يسمع شكواها.
وتنطلق مع جيوش الفتح الإسلامي في كل بقاع الأرض تجاهد في سبيل الله وتنشر دين الله وتعلم الفقه وتروي الحديث.
ولو قارنا بين حال المرأة في الغرب اليوم وحال المرأة المسلمة لوجدنا الكثير من الغربيات يحسدن المرأة المسلمة على ما حققه لها دينها من كرامة وعدل ولكن الأقلام المرجفة التي أبت إلا أن تلصق بالإسلام النقائص لم تكن منصفة ولا حتى موفقة.
إنها أقلام مستغربة تكيل بمكيال الغرب، لتوهمنا أن الإسلام لا يصلح لكل زمان ومكان، أو أنه أحكام كهنوتية جامدة لا تقبل النقاش ولا تتفاعل مع مستجدات الحياة، والقائلون بهذا لا يعرفون أو يتجاهلون مرونة الإسلام ومقاصده الرحيمة.
لقد ترك الإسلام لنا باب الاجتهاد مفتوحاً لنواكب به كل العصور والمستجدات والمتغيرات.
أما أولئك الذين يجادلون في ثوابت الإسلام فنقول لهم: إنّ ثوابتنا أرسخ من أن تهزها ريح أحقادكم، وأن قناعتنا بعدل ديننا أعظم من أن تنالها شبهاتكم الواهية المغرضة، فدعوا ما حاوله غيركم لقرون طويلة من محاولات الهدم والتشكيك العقيمة، التي لم تسفر إلا عن ازدياد لمعان جوهر الإسلام العظيم، فتجلت روعته أكثر فأكثر وغدا مطلبا وملاذاً لكل من يبحث عن العدالة في خضم بحار الظلم العقائدي والاجتماعي الذي يسود العالم اليوم.
وكم من عقول أدركت عظمة هذا الدين واعترفت بأفضليته وسماحته وكم من قلوب لامستها يد الرحمة الإلهية فأسلمت قيادها ومشاعرها لهذا الدين.
فهل آن الأوان أيتها الأقلام التي تنكرت لمبادئ دينها وطلبت العدل عند جلاديها، وعاشت في ظل الشبهات والأوهام التي أرادها مروجوها حربة توجه لهذه الملة ولهدم حصون الأمة المنيعة وأرادها الله - سبحانه - سبباً لإقبال الكثيرين على هذا الدين، يدرسونه ويتعرفون إليه ثم يتبعون هدية: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
أيتها المرأة المسلمة: لن أقول لك أعظم مما قاله لك ربك: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) ولا أبلغ مما قاله رسولك الكريم- صلى الله عليه وسلم -: ((النساء شقائق الرجال)).
هذا هو دينك وهذه هي عدالته، فلا تتركي دخان الحقد الأسود يطمس نور الحقيقة المشرقة في قلبك، واقبلي بشرع ربك دون تردد ولا حرج فما كان لك أن ترتابي قيد أنملة بحب الله لك وعدله ورحمته إياكي، فلا تقبلي شرع غيره، ولا تركني لسواه والحمد لله على نعمة الإسلام